الأبعاد الجيوسياسية للصراع على الغاز والنفط في شرق المتوسط

وليد خدوري
وليد خدوري
TT

الأبعاد الجيوسياسية للصراع على الغاز والنفط في شرق المتوسط

وليد خدوري
وليد خدوري

تحول الصراع على ثروات النفط والغاز في البحر المتوسط إلى مادة ملتهبة، تزيد من أسباب النزاعات والخلافات على المصالح. من الصراع المائي والنفطي قديم العهد بين لبنان وإسرائيل إلى الصراع المنفجر حديثاً بين تركيا من جانب، وكل من اليونان وجمهورية قبرص من الجانب الآخر، إذ تجاهلت تركيا، في طريقها للتوسع السياسي للوصول إلى الشواطئ الليبية، أن شواطئ جزيرة كريت هي أراضٍ يونانية، وصولاً إلى الصراع الثالث، حديث العهد، القائم بين تركيا ومصر؛ الدولتين الكبريين في منطقة شرق المتوسط، نظراً إلى ارتفاع عدد السكان في كل منهما من جهة، وإلى تقدمهما الصناعي من جهة أخرى، ما يتطلب استهلاكاً عالياً من الطاقة لتغذية هذه الصناعات.

تشكل تركيا نقطة عبور مهمة لنفط وغاز روسيا ودول بحر قزوين إلى أوروبا. إلا أنها تفتقد الاحتياطات البترولية وهي بحاجة إلى زيادة وارداتها السنوية البترولية، نظراً لضخامة وتطور صناعاتها. ولهذا انتهز الرئيس التركي رجب طيب إردوغان فرصة التنقيب عن النفط في شرق المتوسط للمشاركة في ثروات المنطقة.
وهكذا دخول الجانب التركي على خط المواجهة في الإقليم من البوابة الليبية سبب مباشر في تأجيج الصراع، ودخوله مرحلة جديدة على المستوى السياسي والعسكري معاً، ما دفع دول المنطقة إلى إنشاء «منتدى غاز المتوسط» (مقره القاهرة)، ويضم مصر واليونان وقبرص وإيطاليا والأردن وفلسطين وإسرائيل، فيما استبعدت منه تركيا لحسابات سياسية واستراتيجية.
هنا عرض لجوانب الصراع على الثروات بين الدول المحاذية للبحر المتوسط، شارك فيه الخبير الاقتصادي وليد خدوري والدكتور طارق فهمي المتخصص في العلاقات الدولية.

شاركت العوامل الاقتصادية والجيوسياسية في اكتشاف البترول (النفط والغاز) بمعظم الأقطار المنتجة. ازداد الصراع الجيوسياسي في بعض الأحيان ليشمل منافسات حادة بين الشركات الدولية، اشتدت النزاعات أحياناً للحصول على شروط مفضلة لتتطور وتشمل نزاعاً بين دول الشركات المتنافسة (الدول الصناعية الكبرى).
امتدّت أوجه النزاعات هذه طوال القرن العشرين لتبرز مؤخراً في الصناعة الغازية الفتية في شرق البحر الأبيض المتوسط؛ إذ شجع اكتشاف الغاز في المياه المصرية شمال ميناءي الإسكندرية وبورسعيد، الدول والمناطق المطلّة على شرق المتوسط (فلسطين، وإسرائيل، وقبرص، ولبنان، وسوريا، وتركيا) التي تشكو من شح مصادر الثروة البترولية في أراضيها، على محاولة الاستفادة من الاكتشافات المصرية لبدء المسوحات الزلزالية في مناطقها الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط، للتعرف على جيولوجية مناطقها البحرية، وإمكانية اكتشاف حقول بترولية فيها.
الصراع العربي ـ الإسرائيلي

شكّل الصراع العربي - الإسرائيلي أول الخلافات الجيوسياسية لغاز شرق المتوسط، حين منحت السلطة الفلسطينية في 1999 عقداً للاكتشاف والإنتاج في بحر غزة لشركة «بريتش غاز» وشركائها، شركة اتحاد المقاولين المًوجودة في أثينا، وذات الملكية الفلسطينية، وصندوق الاستثمار الفلسطيني التابع للسلطة الوطنية الفلسطينية. اكتشفت «بريتش غاز» في 2000 حقل «غزة مارين» باحتياطي غازي محدود بنحو 1.4 تريليون قدم مكعب. ورغم مرور عقدين من الزمن، لا يزال هذا الحقل الفلسطيني البحري دون تطوير، وذلك بسبب رفض إسرائيل المستمر لتطويره. وقد اشترت مؤخراً شركة «رويال دتش شل» أصول شركة «بريتش غاز»، ومن ضمنها حقل «غزة مارين». لكن ارتأت «شل» عدم تطوير الحقل والإنتاج منه، وبادرت بعرض حصتها في «غزة مارين» للبيع. ويعمل الشريكان العربيان، شركة اتحاد المقاولين وصندوق الاستثمار الفلسطيني، على إيجاد شركة نفطية للعمل معهما في الحقل، وإيجاد الطرق المناسبة لاستغلال ثروته الغازية.
احتكرت إسرائيل تزويد الضفة الغربية بالوقود وبالأسعار وبالكميات التي تحددها. كما هيمنت إسرائيل على تزويد غزة بالوقود، مع إتاحة نافذة صغيرة لمصر للمساهمة أيضاً.
شكّل إيقاف تطوير الحقل وقطع الإمدادات عن الضفة وغزة في الوقت الذي ترتئيه إسرائيل أول نزاع بترولي في شرق المتوسط.
عدم رسم الحدود البحرية قبل الاهتمام بالاكتشافات البترولية

أما النزاع الثاني، فهو يشمل مشكلة عدم رسم الحدود البحرية للمناطق الاقتصادية الخالصة ما بين الدول المجاورة قبل الاهتمام بالثروة البترولية، لاحتمال تداخل هذه المناطق القريبة من بعضها. وبالإضافة إلى الصراع العربي - الإسرائيلي فقد توصل لبنان وقبرص في 2007 إلى رسم الخط الوسطي بين البلدين. لكن لم يتم تحديد النقطة الجنوبية أو الشمالية لهذا الخط. إذ كان يتطلب تحديد النقطة الجنوبية عقد اجتماع ثلاثي بين قبرص ولبنان وإسرائيل. لكن، بما أن لبنان في حال حرب مع إسرائيل، فلا يمكن عقد اجتماع كهذا. أما بالنسبة للنقطة الشمالية، فترفض سوريا التفاوض لرسم الحدود البحرية مع لبنان، ومن ثم تحديد النقطة الشمالية بين لبنان وسوريا وقبرص.
اضطر لبنان إلى رسم هاتين النقطتين على بعد قليل من النقاط المفروضة للمضي قدماً في رسم الخط الوسطي مع قبرص. وأودع مذكرة دبلوماسية وخرائط لحدوده البحرية مع الأمين العام للأمم المتحدة بغض النظر عن النقطتين الشمالية والجنوبية.
من جانبها، أكدت الاتفاقية البحرية الحدودية بين قبرص ولبنان عدم قيام أي من الطرفين بالاتفاق مع طرف ثالث دون العودة إلى الطرف الثاني للحصول على موافقته المسبقة. كان هذا الحل هو الخيار الوحيد المتوفر للبنان في رسم الخط الوسطي مع قبرص. لكن بادرت نيقوسيا لاحقاً إلى الاتفاق مع إسرائيل ثنائياً، والإعلان عن رسم حدود منطقتها الاقتصادية الخالصة مع إسرائيل دون إعلام الجانب اللبناني، الأمر الذي أدى إلى وضع يد إسرائيل على مناطق مهمة وموعودة بترولياً في أقصى المياه الجنوبية اللبنانية. حاولت الولايات المتحدة لعب دور الوسيط لحل الخلاف، لكن دون جدوى؛ إذ طالب المفاوض الأميركي شروطاً سياسية على لبنان تقديمها، الأمر الذي أدى إلى تعثر المفاوضات وعدم التوصل إلى نتائج إيجابية لرفض لبنان المطالب الأميركية.
من المتوقع أن تثير مشكلة وضع إسرائيل اليد على جزء مهم من المياه الجنوبية اللبنانية تحديات للشركات العاملة في الجنوب اللبناني في القريب العاجل، رغم إمكانية هذه الشركات بالتنقيب عن الغاز على بُعد عدة كيلومترات شمال المناطق المتنازع عليها.

النزاع التركي ـ المصري ومحاولات أنقرة للتوسع

الصراع الثالث، حديث العهد، يتعلق بالدولتين الأكبر في منطقة شرق المتوسط (تركيا ومصر)، نظراً إلى ارتفاع عدد السكان في كل منهما من جهة، وإلى تقدمهما الصناعي، مما يتطلب استهلاكاً عالياً من الطاقة لتغذية هذه الصناعات.
تشكل تركيا نقطة عبور مهمة جداً لنفط وغاز روسيا ودول بحر قزوين إلى أوروبا. إلا أن تركيا تفتقد الاحتياطات البترولية وهي بحاجة إلى زيادة وارداتها السنوية البترولية نظراً لضخامة وتطور صناعاتها.
تبنى الرئيس رجب طيب إردوغان سياسة ذات هدفين: التوسع في المناطق المجاورة، وتأييد الحركات الإسلامية. انتهز فرصة التنقيب البترولي في شرق المتوسط للمشاركة في ثروات المنطقة. كما يؤيد إردوغان سياسات جماعة «الإخوان المسلمين»، لكن رغم ذلك يُسمح بالتصدير عبر ميناء جيهان التركي إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي مئات الآلاف من براميل النفط يومياً من نفط إقليم كردستان العراق إلى إسرائيل.
في الوقت ذاته، يتطلب أن تبذل مصر جهوداً مستمرة للعثور على احتياطات بترولية جديدة لتلبية ازدياد الاستهلاك السنوي للنفط، في حين أن احتياطاتها النفطية لا تزال محدودة نسبياً. وكذلك العمل السنوي لزيادة احتياطات الغاز، وهي وإن ازدادت مؤخرا، خصوصاً بعد اكتشاف شركة «إيني» لحقل «ظهر» العملاق في 2015، الذي يُعتبر أضخم حقل غاز في البحر المتوسط، فإن زيادة الاستهلاك الداخلي، واعتماد نحو 85 في المائة من توليد الطاقة الكهربائية المصرية حالياً على الغاز، بالإضافة إلى محاولة مصر الاستفادة القصوى من منشآتها الغازية من أنابيب الغاز الدولية ومحطات تسييل الغاز لأجل التصدير، تدفعها إلى زيادة الاكتشافات للعثور على حقول جديدة سنويّاً، منها المحاولات الحالية للاستكشاف والإنتاج من المناطق الغربية في المتوسط القريبة من المياه الليبية، التي ستتأثر سلباً بالاتفاق الحدودي التركي - الليبي.
تُعتبر مصر دولة نفطية وغازية في الوقت ذاته، مما يجعلها في وضع أفضل من تركيا التي تفتقد الاحتياطات البترولية، إلا أن مشكلة مصر أنها تعاني عجزاً في الإنتاج النفطي مقارنة باستهلاكها الداخلي. وبالنسبة للغاز الطبيعي، فقد تم تزويد معظم المحطات الكهربائية بالغاز، مما يعني استهلاكاً داخلياً عالياً ومتزايداً سنوياً للغاز، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة اكتشاف حقول غاز جديدة لتعويض ما يتم استهلاكه، ولتلبية زيادة الاستهلاك السنوي.

تركيا وقبرص
انتهزت أنقرة الاكتشافات الغازية في شرق المتوسط لمحاولة بسط نفوذها. وكانت الخطوة الأولى الضغوط والتهديدات لمحاولات الاكتشاف القبرصية. ادعت أنقرة أن المنطقة الاقتصادية الخالصة القبرصية تابعة للمياه التركية. وأرسلت طائراتها الحربية لتحلق على مستوى منخفض فوق الحفارات العاملة في المياه القبرصية، إلا أن قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي، استمرت في استكشافاتها، رغم التهديدات التركية. كما رفضت نيقوسيا، ومعها الشركات النفطية الدولية، تهديداً تركياً ثانياً، وهو مقاطعة أي شركة تعمل بإذن من السلطات القبرصية. وبادرت أنقرة فعلاً بتهديد شركة «إيني» بإيقاف أعمالها في تركيا، لكن رفض الاتحاد الأوروبي هذا التهديد، ومعه شركة «إيني». ثم تحدت تركيا الاتفاقات الحدودية البحرية بين مصر وجمهورية قبرص، الأمر الذي استدعى من وزارة الخارجية المصرية إصدار مذكرة شديدة اللهجة تهدد بردود فعل قوية، في حال تدخل تركيا بالاتفاق الحدودي القبرصي - المصري.
بادرت مصر في منتصف يناير (كانون الثاني) 2019 إلى عقد اجتماع في القاهرة لوزراء الطاقة في الدول المنتجة والمستهلكة والعابرة في شرق المتوسط (مصر، وفلسطين، والأردن، وإسرائيل، وقبرص، واليونان، وإيطاليا) لتأسيس منتدى غاز شرق المتوسط. ساندت الولايات المتحدة تأسيس المنتدى الذي يُلاحَظ عدم دعوة تركيا وروسيا للمشاركة فيه.
أبدى المنتدى ترحيبه بمشروعين قيد التنفيذ. الأول التصدير المشترك للغاز المسال المصري والقبرصي والإسرائيلي من محطات تسييل الغاز المصرية. وهذا التصدير المشترك يعمل لمصلحة الدول الثلاث، حيث إن الكميات المكتشفة من الغاز في قبرص وإسرائيل لا تزال محدودة، ولا تُعتبر اقتصادية بما فيه الكفاية للتصدير. إلا أنه بالتصدير المشترك للغاز المسال يمكن تلبية الإمدادات لسوق كبيرة، كالسوق الأوروبية.
كما رحّب المنتدى في الوقت ذاته بتشييد خط أنابيب بحري للغاز يبدأ من حيفا، فقبرص، واليونان، وحتى إيطاليا مستقبلاً. ويتم من خلال هذا المشروع دمج الغاز الإسرائيلي بالقبرصي وتصديرهما في مشروع منفصل إلى السوق الأوروبية. ودعمت السوق الأوروبية دراسات المشروع الذي تبلغ تكلفته نحو سبعة مليارات دولار. ووقّع رؤساء الدول المعنية مؤخراً على اتفاقية المشروع. إلا أن هناك ثغرة كبيرة؛ إذ لم يتم حتى الآن توقيع عقد بيع وشراء مع أي شركة أوروبية لشراء الغاز. وهذا يثير الاستغراب، إذ في العادة يتم الحصول على عقد بيع وشراء للغاز من قبل الشركة المستهلكة قبل تشييد مصانع التسييل أو أنابيب التصدير التي تكلف عادة مليارات الدولارات.
من الواضح أن المنتدى أرسى خريطة طريق لصادرات غاز شرق المتوسط تستبعد منها تركيا كما أرسى دور مصر المركزي لصناعة غاز شرق المتوسط. ومما وفر لمصر هذا الدور الريادي هو الاكتشافات الضخمة للغاز في مياهها.
ردَّت تركيا على هذه المشروعات بزيادة ضغوطها حول شرعية الدول المجاورة في التنقيب عن الغاز في «مياهها»، ثم أعلنت عن رسم حدود بحرية جديدة غير مسبوقة بينها وبين ليبيا. استنكرت اليونان التي تمر هذه الحدود بالقرب من مياهها المحاذية لجزيرة كريت اليونانية، وتنتهي في الغرب من ليبيا، ليس بعيداً عن الحدود المصرية، حيث تعمل مصر حالياً على اكتشاف البترول في المياه المجاورة. استنكرت مصر الإعلان عن الحدود البحرية الجديدة ما بين تركيا وليبيا، رغم أن الدولتين غير متجاورتين.
أثار الإعلان المشترك لغطاً واسعاً في ليبيا نفسها نظراً للخلافات بين طرابلس وبنغازي، حول صلاحية رئيس الحكومة للتوقيع على اتفاقية دولية دون مشاركة جميع أعضاء مجلس الوزراء على التوقيع أيضاً. واستنكر وعارض رئيس مجلس النواب الاتفاق الذي ينص على إمكانية إرسال تركيا مستشارين عسكريين إلى ليبيا نظراً إلى خطورة الوضع الأمني المضطرب في البلاد. ولا يُستبعد حصول اشتباكات بين القوات المصرية والتركية مستقبلاً؛ إذ أعلنت مصر أن الوجود العسكري التركي في ليبيا يشكّل خطراً على أمنها القومي.

مخططات إسرائيل لتصدير النفط والغاز
وجهت إسرائيل أنظارها منذ بدء اكتشافاتها الغازية في العقد الأول من الألفية الثانية إلى استغلال الغاز داخلياً، ومن ثم التوجه نحو التصدير. وتم الاتفاق على الحفاظ على 60 في المائة من الاحتياطي الغازي للسوق المحلية و40 في المائة للتصدير. وبدأت إسرائيل في الاعتماد على الغاز لتغذية محطات الكهرباء.
أما بالنسبة للتصدير، فكان الاهتمام الأولي لإسرائيل التصدير للسوق الأوروبية الضخمة والقريبة نسبياً، مقارنة بالسوق الآسيوية. فاتجهت الأنظار في السنوات الأولى بعد الاكتشافات في حقلي «تامار» و«لفيتان» للتصدير إلى أوروبا. ونظراً إلى التكاليف الباهظة لتطوير الحقلين (نحو 20 مليار دولار)، وجهت إسرائيل اهتمامها للتصدير إلى الدول العربية المجاورة التي عقدت معاهدات سلام معها. وحاز الأمر على اهتمام الشركات المنتجة أيضاً نظراً لقصر مسافة الأنابيب، ومن ثم تقليص تكاليف التشييد. لذا اتجهت إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، إلى تبني مشروعات تصديرية للأردن ومصر، وهناك مفاوضات لتصدير الغاز من حقل «غزة مارين» للضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن هذه المفاوضات لا تزال في مراحلها الأولية.
* كاتب عراقي متخصص
في شؤون الطاقة



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.