الجزائر: عبد العزيز جرّاد... رئيس حكومة تخصّصه السياسة الدولية

مهمة صعبة لإنقاذ اقتصاد متهالك ومواجهة أزمات في الجوار

الجزائر: عبد العزيز جرّاد... رئيس حكومة تخصّصه السياسة الدولية
TT

الجزائر: عبد العزيز جرّاد... رئيس حكومة تخصّصه السياسة الدولية

الجزائر: عبد العزيز جرّاد... رئيس حكومة تخصّصه السياسة الدولية

يصف رئيس الوزراء الجزائري الجديد عبد العزيز جرّاد، نفسه بأنه «من أوائل ضحايا نظام بوتفليقة»، الرئيس السابق الذي أطاحت به انتفاضة شعبية في ربيع العام الماضي. ومردّ ذلك إلى إقالته من منصبه بصفته أمينا عاما لوزارة الخارجية عام 2004، عقاباً له على قربه من الخصم اللدود لبوتفليقة آنذاك، رئيس حكومته علي بن فليس، الذي «تجرّأ» وترشّح ضده في انتخابات شهدها العام نفسه.
ولقد اختفى جرّاد من الشأن العام مدة طويلة، وقال لمقربيه في وقت لاحق إن أبناءه وأفراد عائلته تعرضوا لمضايقات بسبب خياراته السياسية، التي لم يعلن عنها قط للإعلام. كما يقول عن بن فليس إنه «تخلى عنه في أحلك الظروف»، بعدما افترق الرجلان على إثر هزيمة كبيرة لبن فليس أمام بوتفليقة في الانتخابات.

عاد الدكتور عبد العزيز جرّاد إلى الواجهة السياسية في الجزائر بعد سنوات طويلة عن طريق الجامعة، فأصبح أستاذا بكلية العلوم السياسية بجامعة الجزائر العاصمة. ثم التحق بحزب «جبهة التحرير الوطني»، الذي يرأسه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
كان ذلك إيذاناً عن «توبة» منه، بحسب خصوم له، بينما رأى مراقبون في ذلك «تطبيعا مع السلطة، سيتبعه دور سياسي ينتظر جرّاد في المستقبل». وهذا ما حصل فعلاً، بعدما أصبح «الرجل الثاني» في السلطة التنفيذية، بعد رئيس الجمهورية. وهنا نشير إلى أن هامش رئيس الوزراء كسلطة في الجزائر، ضاق قياساً إلى الصلاحيات الكبيرة التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية. فهو لا يملك صلاحيات التعيين في المناصب العليا ولا تعيين مسؤولين سامين. بل جرى تقليص سلطة رئيس الحكومة بدرجة كبيرة، في تعديل أدخله بوتفليقة على الدستور عام 2008، غير بموجبه تسمية المنصب إلى «وزير أول».

- خبرة اقتصادية محدودة
لا يعرف لرئيس الوزراء الجديد دراية بالشؤون الاقتصادية والمالية، في حين أجرّادن الظروف التي تمر بها الجزائر راهناً بحاجة إلى مسيّر أثبت نجاحاً في تدبير الشأن العام. أما الميدان الذي يشهد الكثير، بأن جرّاد متضلع منه، فهو الإلمام بالقضايا الاستراتيجية والأزمات الدولية، وبالأخصّ، في الدول المجاورة للجزائر كمالي وليبيا. ولذا يعول عليه في تحديد الدور الذي ينبغي على الجزائر أن تلعبه في الملفين، كقوة إقليمية تملك عمقاً في المنطقة.
جرّاد (65 سنة) قال في أول تصريح له بعد تكليفه برئاسة الوزراء، بنهاية العام المنصرم 2019، إن البلاد «مطالبة برفع التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجها البلاد، ويجب العمل سوياً على مواجهتها والتغلب عليها». وتعهد بالعمل «مع كل كفاءات الوطن من أجل الخروج من هذه المرحلة الصعبة». غير أنه تعرض لانتقادات شديدة بعد ظهور التشكيل الحكومي، الذي سينفذ برنامج الرئيس الجديد عبد المجيد تبَون. وقال منتقدوه إن طاقمه الوزاري «فريق غير متجانس، فهو خليط بين تكنوقراطيين ومحسوبين على تيارات آيديولوجية وسياسية». وتركزت انتقادات أخرى على «صلة الصداقة بينه وبين بعض الوزراء، التي كانت معيارا لتوليهم المسؤولية»، في حين أشار آخرون إلى «العدد المبالغ في الحقائب الوزارية» بالحكومة (39 بين وزير ووزير منتدب وكاتب دولة)، وبأن ذلك كان خطأ يتحمّله تبون، بحكم أن البلد يعاني من شحّ في الموارد المالية في حين أنه يترتّب عن كثرة الوزارات أعباء مالية إضافية.
معالجة الاضطرابات الاجتماعية... أولوية قصوى
بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة، قال جرّاد إن «مخطط عمل الحكومة» الذي يلزمه الدستور بإعداده وعرضه على البرلمان للمصادقة، «يتكفل بأهم انشغالات المواطنين». وعد الجوانب الاجتماعية في استراتيجية الجهاز التنفيذي «أولوية قصوى».
وأكد بخصوص الاحتجاجات والإضرابات في بعض القطاعات، كالتعليم والضرائب والخدمات العامة، أنه «تلقى، خلال اجتماع مجلس الوزراء (الأول بعد انتخاب تبون) توجيهات وتعليمات من السيد رئيس الجمهورية، تعبر عن إرادته في أن تتمحور أولويات الحكومة حول تجسيد مجمل تعهداته الانتخابية، مع الإلحاح على الطابع الاستعجالي للجانب الاجتماعي. بجانب هذا، لا ينبغي أن نغفل الاضطرابات الاجتماعية التي مست قطاعات مختلفة للنشاط الاقتصادي والخدمات العامة».
وقال بخصوص ما ينتظر طاقمه الوزاري من تحديات داخلية، إن «أهداف حكومتي متعددة ترمي إلى تحسين ظروف معيشة المواطنين، والحفاظ على القدرة الشرائية وإنجاز برنامج كبير للسكن. ففي في هذا الظرف الخاص، تعتزم الحكومة، حتى قبل تقديم مخطط العمل أمام المجلس الشعبي الوطني، إطلاق عهد جديد يقوم على أساس الحوار والتشاور مع جميع الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين، وذلك في كنف المشاركة والشراكة».
ودعا جرّاد نقابات تلوح بالإضراب، إلى «المشاركة في المبادلات التي سنشرع فيها عن قريب، وتخصّ جميع قطاعات النشاط، غرض توفير الشروط المثلى من أجل الانطلاق في بناء أسس جزائر جديدة والعمل، يوماً بعد يوم، على تجسيد الالتزامات المتخذة من قبل السيد رئيس الجمهورية، والتي تعكف الحكومة على وضع الأدوات الضرورية لتحقيقها». وتحدث عن «مشروع ضخم يجري تحضيره ويتطلب آجالاً معقولة لتنفيذه، وجواً يطبعه الهدوء والحكمة والتبصّر».
وتابع جرّاد: «لتحقيق هذا المبتغى، فإن مساهمة ومشاركة الشركاء الاجتماعيين، دون أي إقصاء، هو أمر ضروري وحاسم، وبالأخص في قطاع التربية الوطنية (التعليم) الذي يستحق تكفلاً حقيقياً بصعوبات القطاع برمته. فالحكومة تتعهد بالإصغاء لتطلعات الشركاء الاجتماعيين وتحرص على كسب ثقتهم، خاصة وهي تشعر بالاطمئنان لما أثبتوه من نضج وصبر على وضع صعب عاشته بلادنا، وتجدد مرة أخرى استعدادها وتمام التزامها بمباشرة مسعى مشترك يطبعه الهدوء والحزم».

- تحت المجهر
من ناحية أخرى، وضع رجال السياسة، تحت المجهر خيارات جرّاد بشأن أعضاء الطاقم الحكومي. ومن الذين أبدوا اهتماماً بهذا الجانب، عبد الرزاق مقري، رئيس الحزب الإسلامي «حركة مجتمع السلم»، الذي كتب: «هناك شيء جميل في التشكيل الحكومي أعجبني، هو تعيين شخصيات كانت متطرّفة في معارضة النظام، ومعارضة تنظيم الانتخابات. وهناك شيء لافت استغربت له، وهو تعيين شخصيات يرفضها، بل يحاربها، التيار الذي دافع عن الانتخابات وخوّن المقاطعين لها وقسّم الجزائريين، بغير إرادة أغلبهم، على أساس العرق والانتماء للثورة والعروبة والإسلام». وذلك في إشارة إلى ناشطين في الحراك منخرطين في المظاهرات منذ بدايتها قبل قرابة 11 شهرا، وداعمين له من خلال تصريحاتهم ومواقفهم، دخلوا الحكومة، من بينهم الخبير الاقتصادي فرحات آيت علي وزير الصناعة والمناجم، وأستاذ الفلسفة بالجامعة مليكة بن دودة وزيرة الثقافة، والممثل التلفزيوني يوسف سحيري كاتب دولة مكلف بالصناعة السينماتوغرافية.
وبحسب مقري «شيء جيد الانفتاح على المعارضة - ولو كأشخاص - لأن هذا يساعد على التهدئة، إلى أن تظهر النيات الحقيقية، إن كان هناك إرادة فعلا للإصلاح وتجسيد خريطة سياسية على أساس الإرادة الشعبية، خلافا لما كان عليه الحال، أم هي تسكينات موضعية وتآمر على أصول وركائز العملية السياسية الصحيحة».
من جهته، يقول الكاتب الصحافي نجيب بلحيمر عن فريق جرّاد الحكومي إن «الوزارات مناصب سياسية في المقام الأول، والوزير لا يأتي لاستعراض كفاءات نظرية بل لينفذ سياسات شارك في وضعها، أو لتنفيذ سياسات مقتنع بها ولو لم يكن من المشاركين في صياغتها. يطرح مصطلح التكنوقراط كتعبير عن حكومات غير حزبية، لأن الأصل في الحكومات هو أن تتشكل من خلال انتخابات حيث تفرزها الأغلبية البرلمانية وجوبا في الأنظمة البرلمانية، أو تراعى فيها نتائج الانتخابات البرلمانية في نظم رئاسية أو شبه رئاسية بحسب ما يقتضيه الدستور أو العرف السياسي القائم».
ويرى الكاتب أنه «في الحالة الجزائرية طرح مطلب حكومة تكون مهمتها تصريف الأعمال، ضمن شروط الانتقال الديمقراطي وهو ما رفضته السلطة، وفرضت بدلاً عنه خريطة طريق بالقوة انتهت بتنصيب عبد المجيد تبون رئيسا، وبعدها تم الإعلان عن تشكيلة الحكومة والتي شهدت تعيين بعض الشخصيات المعروفة بكفاءتها في ميادين تخصصها، وهذه الكفاءات مطلوب منها إعطاء صورة مشرقة لواجهة نظام الحكم، لكن هناك أسئلة تطرح حول قدرة الكفاءة على إحداث أي تغيير ومن ضمنها كمثال: كيف يمكن الجمع بين وزير المالية الذي عمل في عهد بوتفليقة وبرر خيار طباعة النقود (وهو خيار كان كارثياً على الاقتصاد بحسب خبراء)، مع من كان بالأمس يقدم على أنه خبير مالي وانتقد هذا الخيار؟ الإجابة هنا هي أن الوزير ينفذ خيارات حتى وإن لم يكن مقتنعا بها، وهو بهذا يعمل موظفا ساميا ويقبل بأن ينفذ قرارات تخص قطاعه».

- ليبيا ومالي... أكبر التحديات
ويشرح أستاذ العلوم السياسية قوي بوحنية، الذي تحدثت إليه «الشرق الأوسط»، الوضع الجديد الذي سيتعامل معه جرّاد، خاصة ما تعلَق بالأحداث في بلدان الجوار، فيقول: «هناك مطالب في الداخل كما في الخارج، بتدخل الجيش الجزائري في ليبيا ومالي، لدرء المخاطر التي قد تصل من هذين البلدين. وأتصور أن السيد رئيس الوزراء لن ينساق وراء هذا الضغط، فهو يعلم أن العقيدة العسكرية الأمنية للجيش الجزائري يتحكم فيها الدستور، الذي يقيد الجيش بعدم التدخل خارج الحدود. فهو جيش دفاعي أساساً يتعامل بحذر مع الملفات الحساسة، بعكس كثيرا من العقائد العسكرية لكثير من الجيوش».
وأوضح بوحنية أن «حساسية الجزائر تجاه قضايا التدخل العسكري الخارجي، خصوصاً التدخل الفرنسي ناهيك من تدخل أطراف إقليمية ودولية حالياً، كلها معطيات تأخذها في الحسبان السلطات الجديدة التي جاءت بها انتخابات الرئاسة التي جرت الشهر الماضي. كما تأخذ في الحسبان بوجه خاص، هشاشة الحدود مع ليبيا والتي تتجاوز 900 كلم. وينذر الوضع في هذا البلد بتنامي الخطر الميليشياوي على الحدود وهو ما دفع المؤسسة الرسمية الجزائرية، إلى التعامل مع حفتر كقائد ميليشيا وليس قائد جيش». وأردف: «تتعاطى الجزائر مع الأزمة الليبية، من منطلق الشرعية الدولية، حسب مسؤوليها، الذين يعترفون بفايز السراج وبرلمانه فقط ويطالبون بحل الأزمة وفق مخرج دستوري وقانوني داخلي».
كذلك لاحظ بوحنية أن «قوة الجزائر في هذا الملف، تتمثل في احتفاظها بمسافة واحدة مع الأطراف الإقليمية. فعلاقتها متميزة مع تركيا ودول الخليج ومصر، وهو ما يجعلها تتبنى موقفاً لا يقبل التدخل المباشر حتى تتمكن من فرض دبلوماسية أمنية وإنسانية في آن واحد. ويمكن أن نلاحظ الدور الجزائري في جامعة الدول العربية ودورها الإنساني، في ربط حزام جوي وبري للمساعدات الجزائرية إلى الشقيقة ليبيا... يجب برأيي عدم إنكار الركود الدبلوماسي الذي عاشته الجزائر في العقد الأخير، بسبب شلل مؤسسة الرئاسة دبلوماسيا وسياسيا بسبب مرض الرئيس بوتفليقة واحتكاره للدبلوماسية، وهو ما جعل أطرافاً تتمدد في الفراغ الدبلوماسي الذي تركته الجزائر».

< بطاقة هوية
- ولد في مدينة خنشلة (شمال شرقي الجزائر) عام 1954، وهو متزوج وأب لأربعة أولاد.
- تخرّج شهادة عليا في العلوم السياسية من معهد العلوم السياسية في الجزائر عام 1976، وحصل على الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة باريس - نانتير (فرنسا) عام 1981.
- حصل على درجة بروفسور عام 1992، بعد التدريس في عدة مؤسسات جامعية في الجزائر وخارجها.
- شغل منصب مستشار دبلوماسي في عهد الرئيس علي كافي عام 1992، وأمين عام للرئاسة في عهد الرئيس اليامين زروال، وكان مدير المدرسة العليا للإدارة لمدة 5 سنوات بين عامي (1989 - 1992).
- شغل منصب الأمين العام لوزارة الخارجية 2001 و2003.
- كُلّفَ بتشكيل الحكومة الجديدة عام 2019.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»