إدانة دولية واسعة لطهران بعد هجوم «الثأر» لسليماني

بريطانيا طالبتها بعدم تكرار تلك الهجمات {المتهورة}... وألمانيا اعتبرتها مسؤولة عن التصعيد

TT

إدانة دولية واسعة لطهران بعد هجوم «الثأر» لسليماني

أدانت فرنسا وبريطانيا وألمانيا والنرويج والحلف الأطلسي إطلاق إيران صواريخ على قواعد عراقية تنتشر فيها القوات الأميركية، ردّاً على اغتيال قائد «فيلق القدس»، الجنرال قاسم سليماني، في غارة جوية أميركية في بغداد، الأسبوع الماضي، مما يزيد من مخاطر صراعها مع واشنطن.
وأدان الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرغ، الخطوة الإيرانية. وكتب في تغريدة: «أدين الهجوم الإيراني بالصواريخ على القوات الأميركية والتحالف في العراق. الحلف الأطلسي يدعو إيران إلى الامتناع عن تصعيد العنف أكثر». وقال ضابط في الحلف إنه لا إصابات في صفوف القوات التي تقوم بمهمة تدريب في العراق.
أدانت لندن ما وصفته بالهجمات «المتهورة والخطيرة» على قاعدتين للتحالف في العراق تضمان قوات بريطانية، معبّرة عن «القلق» إزاء «معلومات عن سقوط جرحى». ونفى رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون التلميحات إلى أنه سيساند الولايات المتحدة في سياستها في الشرق الأوسط، لأنه يريد التوصل إلى اتفاق تجاري بعد خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي. وقال أمام البرلمان متحدثاً علناً لأول مرة عن هذه الأزمة: «نندد بالطبع بالهجوم على قواعد عسكرية عراقية تستضيف قوات التحالف. ينبغي ألا تكرر إيران تلك الهجمات المتهورة والخطيرة، وتسعى بدلاً من ذلك لخفض التصعيد بشكل عاجل». وتابع جونسون: «على حد علمنا»، لا خسائر أميركية في الأرواح في هذا الهجوم، ولم يُصَب أي من أفراد القوات البريطانية.
وقال جونسون: «أغلب العقلاء سيقبلون أن من حق الولايات المتحدة حماية قواعدها وأفرادها»، وأضاف أن سليماني زوَّد آخرين بعبوات ناسفة بدائية الصنع استخدمت ضد الجيش البريطاني. وقال: «هذا الرجل يداه ملطختان بدماء جنود بريطانيين».
وقال جونسون لزعيم حزب العمال المعارض، جيريمي كوربين، في البرلمان بعدما اتهمه بعدم معارضة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بخصوص مقتل سليماني، لأنه يريد اتفاقاً تجارياً: «هذا محض خيال». وأضاف: «ستواصل المملكة المتحدة العمل، من أجل خفض التصعيد في المنطقة... ينبغي ألا يساوره أدنى شك مطلقاً في أننا عازمون على ضمان سلامة، وأمن شعب العراق بكل ما في وسعنا». وتابع أن «وجهة نظرنا أن خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي) لا تزال أفضل سبيل لمنع الانتشار النووي في إيران، وأفضل سبيل لتشجيع الإيرانيين على عدم تطوير سلاح نووي». وأضاف: «نعتقد أنه، بعد انحسار هذه الأزمة، وهو ما نأمل بالطبع في حدوثه، سيظل ذلك السبيل متاحاً للمضي قدماً».
من جانبه، قال وزير الخارجية دومينيك راب: «ندين هذا الهجوم على قواعد عسكرية عراقية تضم قوات للتحالف بينهم بريطانيون». وعبّر عن «القلق» إزاء «معلومات عن سقوط جرحى واستخدام صواريخ باليستية».
ودفع الهجوم الإيراني على قاعدة عين أسد في أربيل بألمانيا للإعلان عن بدء مشاورات عاجلة مع الدول 13 المنضوية ضمن قوات التحالف ضد «داعش»، وقالت وزيرة الدفاع الألمانية أنغريت كرامب كارنباور أنها ستدعو لإجماع طارئ لدول التحالف لمناقشة مستقبل هذه القوات في العراق، وكيفية إكمال الحرب ضد التنظيم الإرهابي.
ولمحت كرامب كارنباور في تصريحات، أمس، إلى أن الولايات المتحدة حذرت برلين مسبقاً من الضربة الأميركية، ما سمح لها بسحب جنودها الذين يصل عددهم إلى نحو 117 جندياً متمركزاً هناك، قبل تعرضها للقصف.
وقالت إن وزارة الدفاع الألمانية كانت «على تنسيق قريب مع الولايات المتحدة طوال الليل»، وأنه «جرى إبلاغنا في وقت مبكر جداً» بضرورة الإخلاء.
وكانت برلين قد أعلنت، قبل يومين، عن سحب جنودها المتمركزين من بغداد وقاعدة التاجي القريبة من العاصمة، الذين لا يتجاوز عددهم الـ35، وإعادة نشرهم في الأردن والكويت، فيما قررت حينها
إدانة وزيرة الدفاع الألمانية الهجوم الإيراني، ودعت إلى التهدئة، مضيفة أن هذا الكلام موجَّه بشكل أساسي إلى طهران «لأنها المسؤولة عن التصعيد»، في الوقت الحالي، وقالت: «الآن يعود الأمر للإيرانيين بألا ينفذوا اعتداءات جديدة، وأن يتوقفوا عن المزيد من التصعيد».
ومن المتوقَّع أن تجتمع اليوم في ألمانيا لجنة الدفاع البرلمانية لبحث التطورات المتعلقة بالعراق وإيران وقتال «داعش». وعشية انعقاد الجلسة قال المتحدث باسم لجنة الدفاع عن الحزب الحاكم، هنينغ أوتي، أنه سيتم تقديم تقييم دقيق للوضع لتوضيح الصورة، مضيفاً أن «القتال ضد (داعش) ما زال مهمّاً للغاية، وأساسيّاً، ليس فقط للأمن المحلي، بل لأمننا هنا في ألمانيا».
من جهتها، أصدرت الخارجية الألمانية بيان إدانة للهجوم الإيراني، ودعا وزير الخارجية هايكو ماس إلى وقف التصعيد وتهدئة الأوضاع. ويتجه ماس إلى بروكسل، غداً (الجمعة)، للمشاركة باجتماعات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي حول الأزمة، على أن يرافق المستشارة أنجيلا ميركل في اليوم التالي إلى روسيا للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
واعتبر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أن الضربات الإيرانية على قاعدتين عسكريتين في العراق تتمركز فيهما قوات للتحالف، بينها قوات أوروبية، «مثال جديد على التصعيد». وقال بوريل في بروكسل: «الهجمات الصاروخية الأخيرة على قاعدتين في العراق تستخدمهما القوات الأميركية والتحالف، بينها قوات أوروبية، مثال جديد على التصعيد والمواجهة المتزايدة». وحذر من أنه «ليس من مصلحة أحد مفاقمة دوامة العنف أكثر».
وأدانت فرنسا الضربات الإيرانية، داعية إلى «خفض التصعيد»، في حين يُتوقع صدور رد فعل عن الرئيس الأميركي في الساعات المقبلة. وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في بيان: «تدين فرنسا الهجمات التي نفذتها هذه الليلة إيران في العراق، ضد مواقع للتحالف الذي يحارب (داعش)، الأولوية هي الآن أكثر من أي وقت مضى لخفض التصعيد. على دوامة العنف أن تتوقف».
ودعت تركيا وروسيا كلا الطرفين إلى إعطاء الأولوية للدبلوماسية وعدم تصعيد التوتر، وحذرتا من أن تبادل الهجمات بين واشنطن وطهران قد يؤدي إلى موجة جديدة من عدم الاستقرار في المنطقة. جاء ذلك في بيان مشترك عقب اجتماع بين الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، في إسطنبول.
من جانبها، دعت الصين إلى «ضبط النفس» بعد الهجمات. وقال الناطق باسم الخارجية الصينية، غينغ شوانغ، للصحافيين، إنه «ليس من مصلحة أي طرف أن يتفاقم الوضع في الشرق الأوسط بشكل إضافي».
وحذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن إسرائيل ستوجه «ضربة مدوّية» في حال تعرضت لهجوم من قبل عدوها الرئيسي، إيران، وذلك عقب تصاعد التوتر إثر مقتل الجنرال سليماني في ضربة أميركية في بغداد. وقال نتنياهو خلال مؤتمر عقد لمنتدى السياسات «كوهيليت» في القدس: «سنوجه ضربة مدوية لأي طرف يهاجمنا».
وأدان رئيسا وزراء السويد وفنلندا الهجمات التي تستهدف قوات حفظ السلام. ودعا رئيس وزراء السويد، ستيفان لوفين، ونظيرته الفنلندية، سانا مارين، إلى ممارسة ضبط النفس. وقال، عقب محادثات أجراها مع مارين بمقره الريفي الرسمي، هاربسوند: «علينا التوصل إلى حوار، وإلى عدم التصعيد».
وقالت مارين، في أول زيارة رسمية لها إلى السويد: «الموقف صعب للغاية». وتشارك قوات من فنلندا والسويد في «عملية العزم المتأصل» التي كانت تهدف إلى تعزيز قدرة القوات العراقية على مواجهة تنظيم «داعش»، على المدى الطويل.
وأوضح لوفين أن القوات الدولية حضرت إلى العراق «بناء على دعوة من الحكومة العراقية»، وهي تترقب قراراً من بغداد، في أعقاب ما قرره البرلمان العراقي مؤخراً؛ بإنهاء وجود القوات الأجنبية المشاركة في هذه المهمة بالعراق.
ووصفت رئيسة وزراء النرويج إرنا سولبرج القصف الإيراني على قاعدتين عسكريتين تستضيفان قوات أميركية في العراق بأنه «تصعيد». وقالت لوكالة الأنباء النرويجية (إن تي بي): «هذا تصعيد وانتقام. ورسالتنا الأساسية هي أنه من المهم إيجاد وسيلة لخفض التصعيد في هذا الصراع». وأضافت أن أوسلو تتواصل مع الدول الأخرى الأعضاء في التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش».
بدوره، أعرب وزير الدفاع النرويجي فرانك باكي - جينسين عن «قلقه العميق إزاء التصعيد الكبير الذي حدث خلال الأيام الماضية». وأضاف في بيان: «أدعو جميع الأطراف للتهدئة حتى لا يتصاعد الموقف ويخرج عن السيطرة».
في سيول، ذكر مسؤولون أن كوريا الجنوبية تراقب عن كثب التطورات في الشرق الأوسط، وقالت إنها تستعدّ لاتخاذ إجراءات لضمان سلامة قواتها ومواطنيها في المنطقة. ونقلت وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية للأنباء، اليوم، عن مسؤول بوزارة الدفاع الكورية الجنوبية قوله: «إننا نتبادل المعلومات ذات الصلة مع وزارة الدفاع الأميركية». وأضاف المسؤول أن الحكومة تعمل أيضاً على فهم المتطلبات المحتملة للمعدات العسكرية لحماية مواطنيها المقيمين في المنطقة، وإعادتهم إذا لزم الأمر. وطالب الجيش أيضاً بتشديد إجراءات السلامة وتوخي الحذر بالنسبة لقواته المتمركزة في الشرق الأوسط.
وأصدرت كندا تحذيراً يطلب من مواطنيها تجنب السفر «غير الضروري» لإيران. وأشار البيان الصادر عن الحكومة الكندية إلى عدم استقرار الوضع الأمني، وتهديدات «الإرهاب» الإقليمي، وخطر الاحتجاز التعسفي. كما طلبت كندا من مواطنيها «تجنُّب كل أشكال السفر» إلى المنطقة الواقعة في محيط عشرة كيلومترات من الحدود الإيرانية العراقية.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟