الجيش العراقي بعد 99 سنة من تأسيسه... سيرة لم تكتمل

في العهد الملكي وحتى 2003 طغى عليه السنة... والآن الشيعة

TT
20

الجيش العراقي بعد 99 سنة من تأسيسه... سيرة لم تكتمل

رغم بلوغه سن الـ99 من العمر فإن الجيش العراقي بعد كل هذه العقود الطويلة من الزمن يبدو وكأن سيرته لم تكتمل بعد. هذا الجيش الذي تأسس في 6 يناير (كانون الثاني) 1921 أطلق آباؤه المؤسسون تسمية ذات دلالة رمزية له حين أسموا أول فوج له باسم «فوج موسى الكاظم» تيمنا بأحد الأئمة المعصومين عند الشيعة مع أن مؤسسيه وفي مقدمتهم جعفر العسكري كانوا من أبناء الطائفة السنية.
المراحل التي مر بها الجيش العراقي طوال قرن تقريبا بدت شديدة التعقيد بين توالي الأنظمة الملكية والجمهورية. ففي النظام الملكي بدت الهيكلية العامة للجيش من أبناء السنة، سواء كانوا عربا أم كردا، وغياب وجود مهم لأبناء الطائفة الشيعية بسبب فتاوى أصدرها علماء الشيعة آنذاك بعدم السماح لأبناء الشيعة بالانخراط في الجيش حتى بعد مرور نحو عقد من الزمان.
وحين التحق الشيعة بالجيش العراقي، كان هناك من كانوا برتبة عقيد من العرب السنة أو الكرد أو التركمان بينما الشيعي لا يكاد يبلغ رتبة الملازم الثاني. هذا الوضع ترك آثارا كبيرة على تركيبة الجيش العراقي حتى عندما تمكن الضباط الأحرار عام 1958 من القيام بانقلاب 14 يوليو (تموز)، حيث لم يكن من بين كبار أعضاء اللجنة سوى شيعي واحد هو العميد الركن ناجي طالب (أصبح رئيس وزراء في العهد الجمهوري الثاني في زمن عبد الرحمن عارف).
ومع أن كبار قادة الجيش العراقي هم من تولوا منصب رئيس الوزراء في العهد الملكي من أمثال نوري السعيد وجعفر العسكري وبكر صدقي (انقلاب 1936) وجميل المدفعي وطه وياسين الهاشمي فإن الأمر تكرر في كل العهود الجمهورية التي تلت الحقبة الملكية. فمع بدء إعلان النظام الجمهوري كان اللواء الركن (الفريق فيما بعد) عبد الكريم قاسم أول رئيس وزراء ومن ثم عبد السلام عارف الذي حمل رتبة مشير وشقيقه عبد الرحمن عارف.
وبعد انقلاب البعثيين عام 1968 تكرر الأمر نفسه، حيث تولى المهيب الركن أحمد حسن البكر رئاسة الجمهورية وهو عسكري محترف، وحتى صدام حسين الذي هو مدني فإنه أدخل نفسه دورة ضباط ومن ثم أركان لكي يمنح نفسه أعلى الرتب العسكرية على مدى 35 سنة من حكمه.
بعد الاحتلال الأميركي للعراق تغير المشهد تماما وتغيرت تبعا له سيرة الجيش العراقي. فرغم مشاركة الجيش العراقي بفعالية في الحروب العربية ضد إسرائيل بدءا من عام 1948 فإن مناوئي الحكم البعثي بعد عام 2003 أخذوا على الجيش العراقي أنه تحول إلى أداة بيد النظام لقمع المناوئين. فالأكراد أخذوا عليه ولا يزالون عمليات الأنفال وحلبجة، والشيعة أخذوا عليه ولا يزالون قمع الانتفاضة الشعبانية عام 1991.
وبعد عام 2003 لم تتغير النظرة تماما إلى الجيش العراقي الذي حله الحاكم المدني الأميركي بول بريمر بإرادة عدد من قادة العهد الجديد. وحين أعيد تشكيله في زمن أول رئيس وزراء انتقالي بعد الاحتلال إياد علاوي فإن الفتوى التي أصدرها رئيس هيئة علماء المسلمين التي تمثل العرب السنة الشيخ الراحل حارث الضاري بعدم انخراط أبناء المحافظات السنية ومن ثم تهديدات تنظيم القاعدة أعادت إلى الأذهان نفس ما حصل للشيعة أوائل عشرينات القرن الماضي، حيث أدى ذلك إلى اختلال التوازن الحالي في تركيبة الجيش العراقي، سواء على مستوى الرتب أو المسؤوليات.
وبعد احتلال تنظيم «داعش» للأراضي العراقية عام 2014 أخذ على الجيش العراقي هزيمته أمام هذا التنظيم الإرهابي، حيث تشكل «الحشد الشعبي» الذي لا يزال مختلفا عليه بين الأوساط السياسية العراقية. غير أن انتصار العراق على «داعش» عام 2017 أدى إلى إعادة تغيير النظرة إلى الجيش العراقي ثانية، وتشهد على ذلك طبيعة الاحتفالات وبرقيات التهنئة بمناسبة ذكرى تأسيسه الـ99 التي مرت أمس والصادرة عن مختلف القيادات السياسية والحزبية في العراق التي بدأت كلها تنظر إليه بوصفه صمام الأمان لبلد ما زالت تعصف به النوائب والمصائب.



ضربات واشنطن على الحوثيين لا تتوقف... وقلق أممي على المدنيين

آثار قصف استهدف مركز احتجاز مهاجرين أفارقة في صعدة حيث المعقل الرئيسي للحوثيين (رويترز)
آثار قصف استهدف مركز احتجاز مهاجرين أفارقة في صعدة حيث المعقل الرئيسي للحوثيين (رويترز)
TT
20

ضربات واشنطن على الحوثيين لا تتوقف... وقلق أممي على المدنيين

آثار قصف استهدف مركز احتجاز مهاجرين أفارقة في صعدة حيث المعقل الرئيسي للحوثيين (رويترز)
آثار قصف استهدف مركز احتجاز مهاجرين أفارقة في صعدة حيث المعقل الرئيسي للحوثيين (رويترز)

وسط قلق أممي من تصاعد الخسائر في أوساط المدنيين، ضربت غارات أميركية، ليل الاثنين وفجر الثلاثاء، مواقع مفترضة للجماعة الحوثية في صنعاء وصعدة وعمران، وذلك غداة خسارة واشنطن أولى مقاتلاتها منذ بدء الحملة التي أطلقها الرئيس دونالد ترمب ضد الجماعة في منتصف مارس (آذار) الماضي.

وطبقاً لأهداف الحملة المعلنة، يسعى ترمب إلى إرغام الجماعة المدعومة من إيران على التوقف عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، والكف عن مهاجمة إسرائيل ضمن ما تقول الجماعة إنه مناصرة للفلسطينيين في غزة.

وغداة إعلان الجماعة الحوثية مقتل 68 مهاجراً أفريقياً وإصابة 48 آخرين في أحد مراكز الاحتجاز، إثر ضربة في صعدة نسبتها الجماعة للمقاتلات الأميركية، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها إزاء الخسائر المأساوية في الأرواح.

وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، في بيان: «نشعر بالحزن إزاء الخسائر المأساوية في الأرواح، حيث يُعتقد أن العديد من المهاجرين قد لقوا حتفهم أو جُرحوا».

وحذر المتحدث الأممي من أن هذه الأعداد قد ترتفع مع استمرار عمليات البحث والإنقاذ، التي يقودها المستجيبون في الخطوط الأمامية.

وإذ يُتهم الحوثيون باتخاذهم المدنيين والسجناء دروعاً بشرية، لم يعلق الجيش الأميركي على الواقعة التي ذهب ضحيتها العشرات في مركز الاحتجاز، في حين استمرت ضرباته المتصاعدة في أسبوعها السابع.

وبحسب الإعلام الحوثي، ضربت غارتان مديرية بني حشيش حيث الضواحي الشرقية لصنعاء، كما ضربت غارات أخرى الضواحي الجنوبية الشرقية حيث مديرية بلاد الروس، وفي شرقي مدينة صنعاء استهدفت 4 غارات منطقة براش خلف جبل نقم.

وفي حين يعتقد أن الضربات استهدفت مواقع محصنة في المناطق الجبلية التي تم قصفها أكثر من مرة، يتكتم الحوثيون على خسائرهم العسكرية على مستوى العناصر والأفراد.

تصاعد ألسنة اللهب من موقع مفترض للحوثيين في صنعاء إثر غارات جوية أميركية (إ.ب.أ)
تصاعد ألسنة اللهب من موقع مفترض للحوثيين في صنعاء إثر غارات جوية أميركية (إ.ب.أ)

ويقول الجيش الأميركي إنه نفذ أكثر من 800 ضربة أدت إلى قتل مئات من عناصر الجماعة وقادتها وتدمير الكثير من قدراتها.

وفي محافظة صعدة، أفاد إعلام الحوثيين باستقبال غارة في منطقة المهاذر التابعة لمديرية سحار، وبتلقي ثلاث غارات على مديرية حرف سفيان في محافظة عمران شمال صنعاء.

ومع بدء الحملة، توعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجماعة المدعومة من إيران بـ«القوة المميتة» وبـ«القضاء عليهم تماماً»، في حين ترى الحكومة الشرعية اليمنية أن السبيل الأمثل هو دعم قواتها على الأرض لإنهاء التهديد الحوثي واستعادة المناطق الخاضعة بالقوة للجماعة، بما فيها الحديدة وصنعاء وصعدة.

خسارة أول مقاتلة

منذ بدء حملة ترمب ضد الحوثيين أقر مسؤولون أميركيون، الاثنين، بخسارة أولى مقاتلاتهم، من طراز «إف 18»، وغرقها في البحر وإصابة أحد أفراد الطاقم بشكل طفيف، ولم تتضح بعد أسباب سقوطها، إلا أن تقارير غربية ذكرت أنها سقطت في أثناء مناورة حاملة الطائرات «هاري ترومان» شمالي البحر الأحمر، لتفادي هجمات الحوثيين.

وكان المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، يحيى سريع، تبنى، مساء الاثنين، تنفيذ عمليتين عسكريتين استهدفت الأولى حاملة الطائرات «هاري ترومان» والقطع الحربية التابعة لها، فيما استهدفت الثانية هدفاً حيوياً إسرائيلياً في منطقة عسقلان.

مقاتلة أميركية تقلع من متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)
مقاتلة أميركية تقلع من متن حاملة طائرات لضرب الحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي مهاجمة الحاملة بالصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة، كما زعم مهاجمة إسرائيل بطائرة مسيرة، وهي المزاعم التي لم يؤكدها الجيش الإسرائيلي.

وفي سياق الخسائر الأميركية، كان مسؤولون أميركيون تحدثوا للإعلام عن خسارة سبع مسيرات من طراز «إم كيو 9»، خلال الحملة الأخيرة ضد الحوثيين، قيمتها أكثر من 200 مليون دولار.

من جهتهم، يزعم الحوثيون أنهم أسقطوا 22 مسيرة أميركية منذ انخراطهم في التصعيد البحري والإقليمي منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وللحفاظ على سرية العمليات، قالت القيادة المركزية الأميركية إنها تعمدت تقليص الكشف عن تفاصيل عملياتها الجارية أو المستقبلية. وقالت في بيان في وقت سابق: «نحن نتبع نهجاً مدروساً للغاية في عملياتنا، لكننا لن نكشف عن تفاصيل ما قمنا به أو ما سنقوم به لاحقاً».

وتعهد البيان الأميركي بمواصلة تصعيد الضغط والعمل على تفكيك قدرات الحوثيين بشكل أكبر ما داموا مستمرين في عرقلة حرية الملاحة، مؤكداً تنفيذ 800 ضربة من بدء العملية التي أطلق عليها «الفارس الخشن».

الجيش الأميركي تبنى 800 ضربة ضد مواقع مفترضة للحوثيين خلال 7 أسابيع (أ.ف.ب)
الجيش الأميركي تبنى 800 ضربة ضد مواقع مفترضة للحوثيين خلال 7 أسابيع (أ.ف.ب)

وتسببت هذه الضربات - بحسب البيان - في مقتل المئات من مقاتلي الحوثيين وعدد كبير من قادتهم، بمن في ذلك مسؤولون كبار عن الصواريخ والطائرات المسيرة. كما دمرت الضربات عدة منشآت للقيادة والسيطرة، وأنظمة دفاع جوي، ومرافق تصنيع أسلحة متقدمة، ومستودعات تخزين للأسلحة المتطورة.

الضغط بالعقوبات

إلى جانب الضغط العسكري على الحوثيين، واصلت واشنطن فرض عقوباتها على الكيانات الحوثية وعلى الأفراد والشركات والجهات الداعمة للجماعة، وذلك منذ تصنيف الجماعة «منظمة إرهابية أجنبية».

وفي بيان للمتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، تامي بروس، أوضحت أن بلادها فرضت، الاثنين، عقوبات على ثلاث سفن ومالكيها لدعمهم الحوثيين المدعومين من إيران عبر نقل منتجات نفطية مكررة إلى ميناء يسيطر عليه الحوثيون.

وشددت بروس على أن الولايات المتحدة ملتزمة بعرقلة وإيقاف مصادر الإيرادات غير المشروعة للحوثيين، ومقدمي التسهيلات المالية، والموردين كجزء من نهجها الذي يشمل الحكومة بأكملها للقضاء على التهديدات التي تواجه حرية الملاحة في البحر الأحمر.

واعترف زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في أحدث خطبه بتلقي 1200 غارة جوية وقصف بحري خلال 6 أسابيع من حملة ترمب، لكنه زعم أن الضربات لم تؤثر على قدرات جماعته العسكرية، بخلاف تقارير أميركية تحدثت عن مقتل المئات وتدمير مستودعات أسلحة محصنة وثكنات.

وأطلق الحوثيون 16 صاروخاً باتجاه إسرائيل منذ 17 مارس الماضي، دون تأثير عسكري إلى جانب إطلاق عدد من المسيرات.

ومنذ انخراط الجماعة في الصراع البحري والإقليمي بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كانت أطلقت نحو 200 صاروخ ومسيرة باتجاه إسرائيل، وتسببت هجماتها البحرية في غرق سفينتين، وقرصنة ثالثة.

عنصر حوثي في صنعاء خلال حشد للجماعة دعا إليه زعيمها عبد الملك الحوثي (إ.ب.أ)
عنصر حوثي في صنعاء خلال حشد للجماعة دعا إليه زعيمها عبد الملك الحوثي (إ.ب.أ)

وتلقت الجماعة نحو ألف غارة وضربة جوية في عهد الرئيس جو بايدن بين 12 يناير (كانون الثاني) 2024، و20 يناير 2025، قبل أن تتوقف على إثر هدنة غزة المنهارة بين إسرائيل وحركة «حماس».

ويربط الحوثيون توقف هجماتهم بإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وإدخال المساعدات، في حين تربط واشنطن وقف حملتها بإنهاء تهديد الجماعة للملاحة، ولا يستبعد المراقبون أن تتطور الحملة الأميركية إلى عملية برية تقودها القوات الحكومية اليمنية لإنهاء النفوذ الحوثي.