لوحات فوتوغرافية توثق أفراح المصريين وهمومهم في 2019

استفتاء الدستور وإفطار رمضاني من أبرز الأعمال

صورة لمحمد حسنين حمدي
صورة لمحمد حسنين حمدي
TT

لوحات فوتوغرافية توثق أفراح المصريين وهمومهم في 2019

صورة لمحمد حسنين حمدي
صورة لمحمد حسنين حمدي

عبر أكثر من 350 لوحة فوتوغرافية، يستطيع زائر معرض «مسابقة أفضل صورة صحافية لعام 2019» بساقية الصاوي بحي الزمالك الشهير وسط القاهرة، أن يستعيد جميع أحداث العام الماضي، الذي كان مليئاً بالأحداث السياسية والرياضية والاجتماعية والفنية في مصر؛ إذ استطاعت عدسات المصورين المصريين توثيق معظم المناسبات بمهارات عالية، ورؤى فنية جيدة، وتكوينات مميزة.
اللوحات الفوتوغرافية المتنوعة، تتلاعب بمشاعر الزائر، فتارة يرسم بعضها البسمة على شفاه الزائرين عند مشاهدة صور احتفالات الأعياد وطقوس إفطار شهر رمضان، وتفاصيل الليلة الكبيرة لمولد السيدة زينب، وتارة أخرى يتسبب البعض الآخر في تذكر لحظات الألم والوجع عبر لوحات حادث انفجار جرار محطة مصر، الذي خلف عشرات القتلى والجرحى، و«حادث معهد القلب الإرهابي الذي أودى بحياة أسرة كاملة بعد عودتها من حفل خطوبة بالقرب من موقع الحادث».
اللوحات المشاركة في المعرض الذي يستمر حتى 11 يناير (كانون الثاني) الحالي، لم تكتف بإبراز المشاهد الموجعة خلال العام الماضي فحسب، لكنها استطاعت أن تقتنص لحظات طريفة على غرار الصورة التي التقطها المصور الصحافي أشرف العمدة، لشاب يُمسك الهاتف المحمول الخاص به ليلتقط صورة سيلفي لنفسه مع جرار محطة مصر المنكوب.

خفة ظل المصريين تتحقق مرة أخرى في لقطة المصور محمد حسنين حمدي، لمجموعة من الأطفال يسبحون داخل حمام سباحة دائري بلاستيكي فوق سطح منزل بإحدى المناطق العشوائية، خلال موجة حر شديدة ضربت مصر في الصيف الماضي، وتبرز اللقطة كيف استطاع هؤلاء الأطفال الاستمتاع بوقتهم مثل الأغنياء الذين ينعمون في حمامات سباحة داخل قصورهم الواقعة على أطراف العاصمة المصرية.
وداخل أحد الأحياء الشعبية أيضاً التقط المصور مصطفى منصور الذي حصد المركز الأول في فرع الحياة اليومية بـ«مسابقة أفضل صورة صحافية في عام 2019» والتي نتج منها المعرض الحالي، صورة لسيدة تسير تحت زخات المطر في أحد الشوارع الضيقة بصحبة أطفالها الثلاثة الصغار العائدين من المدرسة، وقد ألبستهم في رؤوسهم أكياساً بلاستيكية سوداء لحمايتهم من الأمطار وحظيت هذه الصورة بتعليقات إيجابية من جمهور مواقع التواصل الاجتماعي عقب نشرها في بداية العام الماضي؛ لتلقائيتها الشديدة التي أبرزت تصرف الأم وخوفها على فلذات أكبادها.

وتجتذب المناطق الشعبية في القاهرة والمدن الكبرى الأخرى المصورين كافة لالتقاط صور طبيعية ومميزة توثق الحياة اليومية للسواد الأعظم من المصريين، ومن بين تلك الصور، لقطة تحتفي باحتفالات المصريين خلال المناسبات السنوية على غرار عيد الفطر وعيد الأضحى، بجانب اللحظات الحميمة لحفلات الإفطار الجماعي بالحارات المصرية، وما تعكسه من مظاهر أصيلة تعكس دفء الحارة المصرية.

صورة أخرى تحمل نوعاً من الطرافة لطابور من الناخبين كانوا يشاركون في الاستفتاء على تعديلات الدستور العام الماضي، داخل لجنة انتخابية بإحدى المدارس، ورغم أن الوضع يبدو طبيعياً في مثل هذه الحالات، فإن لافتة معلقة أعلى باب دخول اللجنة أضفت على اللقطة بعداً طريفاً جداً؛ لأنه مكتوب على اللوحة «المسرح المدرسي»، وكأن المصور إسلام فاروق، أراد أن يقول من وراء هذه اللقطة إن سن هؤلاء أكبر من أن يدخلوا المسرح المدرسي المخصص للتلاميذ الصغار.

ورغم أن الصورة الخبرية كانت تحتل نصيب الأسد من لوحات المعرض خلال السنوات الماضية، فإنها تراجعت هذا العام أمام الصورة الرياضية والقصص المصورة، وفق مجدي إبراهيم، رئيس شعبة المصورين بنقابة الصحافيين المصرية، والذي يضيف لـ«الشرق الأوسط»: «مع تراجع الأحداث السياسية والميدانية بالشارع المصري خلال العام الماضي، زادت معدلات القصص المصورة بشكل لافت، فبينما تقدم للمسابقة الماضية نحو 20 قصة مصورة، فقد تقدم لها أخيراً 45 قصة، وهذا رقم كبير جداً، وكلها مميزة». ويوضح إبراهيم، أن «القصص المصورة تحتاج إلى جهد ورؤية فنية عالية وتتطلب وقتاً طويلاً من المصور لتنفيذها؛ لأنها تتضمن بداية وحكاية ونهاية».
عبد الله عويس، صحافي ومصور شاب، سبق له الفوز العام الماضي في مسابقات تصوير تابعة لشعبة المصورين بنقابة الصحافيين المصرية، وعبر قصة مصورة عن كبير عازفي التنورة بوكالة الغوري الأثرية، تمكن من تحقيق المركز الأول بفرع القصة المصورة في المسابقة أخيراً، يقول عبد الله لـ«الشرق الأوسط»: «قبيل اعتزال عم عادل وهو أشهر عازفي الصاجات بالفرقة التابعة لوزارة الثقافة، التقيت به من أجل كتابة تقرير صحافي عنه، وبعد ساعات طويلة من الحديث معه، رأيت أنه من الأفضل صنع قصة مصورة عنه بالتزامن مع التقرير المكتوب، تروي تفاصيل يومه الأخير بوكالة الغوري الذي كان سيتم فيه عامه الستين ويخرج بعده إلى سن المعاش، بعد 30 سنة من الرقص والبهجة وسط القاهرة الفاطمية». مشيراً إلى أنه «صوره بزيه الطبيعي، ثم أثناء ارتدائه زي العمل مروراً بصعوده إلى خشبة المسرح واندماجه في الرقص وتحية الجمهور حتى تأثره مع لحظات الأخيرة وسط صيحات ودعم محبيه».

أركان المعرض المنظمة تقودك من فرع إلى آخر، وستتجول في أنحاء «المحروسة» عبر أعمال المشاركين التي تبلغ نحو 250 عملاً، فسترى الحياة اليومية في الإسكندرية شمالاً، وعيد الصلح في واحة سيوة بقلب الصحراء الغربية، وتقترب من مباريات بطولة كأس الأمم الأفريقية الأخيرة التي استضافتها 4 مدن مصرية الصيف الماضي، وفاز بها منتخب الجزائر، بجانب كأس أفريقيا للشباب، التي فاز بها منتخب مصر الأوليمبي، وتسببت تلك البطولات الدولية بجانب الأخرى المحلية في زيادة الصور الرياضية المشاركة في معرض هذا العام، وفقاً لمجدي إبراهيم.



بعد 3 أشهر ونصف الشهر من المغامرة... كوسوفي يصل مكة المكرمة بدراجته الهوائية

سيكي هوتي مع دراجته التي قطع بها مسافة 6800 كيلومتر من كوسوفو إلى مكة المكرمة (الشرق الأوسط)
سيكي هوتي مع دراجته التي قطع بها مسافة 6800 كيلومتر من كوسوفو إلى مكة المكرمة (الشرق الأوسط)
TT

بعد 3 أشهر ونصف الشهر من المغامرة... كوسوفي يصل مكة المكرمة بدراجته الهوائية

سيكي هوتي مع دراجته التي قطع بها مسافة 6800 كيلومتر من كوسوفو إلى مكة المكرمة (الشرق الأوسط)
سيكي هوتي مع دراجته التي قطع بها مسافة 6800 كيلومتر من كوسوفو إلى مكة المكرمة (الشرق الأوسط)

مدفوعاً برغبة عميقة في تقوية إيمانه وإعادة اكتشاف ذاته قرَّر شاب كوسوفي في العقد الثالث من العمر يدعى سيكي هوتي ترك حياة الراحة والاستقرار خلفه ظهره واستقل دراجته الهوائية لبدء مغامرة استثنائية عابرة للقارات تنطلق من بلدته الصغيرة في جمهورية كوسوفو إلى مكة المكرمة.

وعلى مدار 3 أشهر ونصف الشهر، قطع سيكي أكثر من 6800 كيلومتر، وعبر دولاً عدة، مجابهاً صعوبات لا تُحصى ليصل إلى قلب العالم الإسلامي، «نعيش في عالم مليء بالملذات والماديات، وكثيرون منا ينسون الغاية التي خلقنا من أجلها»، بهذه الكلمات يشرح سيكي لـ«الشرق الأوسط» الدوافع خلف هذه الرحلة التي لم تكن مجرد مغامرة عادية؛ بل هي محاولة جريئة لإعادة الاتصال بروحه والتقرب إلى الله.

إعداد الجسد والعقل

لم يكن الاستعداد لهذه الرحلة سهلاً؛ إذ حرص سيكي على تعلم أساسيات صيانة الدراجات وحمل معه قطع غيار للطوارئ، كما جهز نفسه بمعدات بسيطة للطهي والنوم، بالإضافة إلى ذلك عمل على تقوية عزيمته ليكون مستعداً لما هو قادم، معتمداً بعد الله على قوته البدنية، التي كان يثق بأنها ستعينه على تحمُّل مشاق الطريق، وعن ذلك يقول: «اعتمدت على إيماني العميق وثقتي بأن الله لن يخذلني مهما واجهت من مصاعب. وقطعت على نفسي عهداً بأن أصل إلى وجهتي مهما كانت الظروف».

بعد رحلة دامت 3 أشهر ونصف الشهر وصل هوتي أخيراً إلى مكة المكرمة ليؤدي مناسك العمرة (الشرق الأوسط)

تحديات لا تُنسى

رحلة سيكي هوتي شملت دولاً عدة منها مقدونيا الشمالية، وبلغاريا، وتركيا، وإيران والإمارات العربية المتحدة، حتى وصل إلى المملكة العربية السعودية. وكان لكل محطة تحدياتها الخاصة، ففي تركيا، شكلت التضاريس الجبلية تحدياً له، خصوصاً بعد خروجه من مدينة إسطنبول. فالطرق الوعرة والأمطار الغزيرة جعلت الرحلة مرهقة. لكن وسط هذه الصعوبات، وجد سيكي دفئاً في كرم الناس. حيث استقبله أحد عمال محطة وقود مر عليها، وقدم له مأوى ومشروباً دافئاً. عن تلك التجربة يقول: «في أكثر اللحظات صعوبة، كان لطف الغرباء هو ما يدفعني للاستمرار».

أما إيران، فيتذكر سيكي أنها كانت واحدة من أكثر المحطات إثارة، فحاجز اللغة، واختلاف الثقافة، وصعوبة التعامل مع العملة المحلية، أموراً مزعجة. لكن مع ذلك، قال: «إنه رغم كل الصعوبات، أدركت أن الإنسانية تجمعنا. الابتسامة واللطف كانا كافيين لتجاوز تلك الحواجز».

سيكي هوتي إلى جانب العَلم السعودي بعد وصله مكة المكرمة (الشرق الأوسط)

وفي الصحراء السعودية، وحين كان على مشارف الطائف، استقبلت سيكي أمطار غزيرة، شكّلت له تحدياً، لكن لحسن الحظ وقبل أن تسوء الأوضاع بشكل كبير التقى مواطناً سعودياً يُدعى فيصل بن مناعي السبيعي الذي مدّ له يد العون وقدم له المساعدة التي يحتاج إليها لمواصلة رحلته إلى خير البقاع. عن تلك التجربة يقول سيكي: «لن أنسى فيصل ما حييت. كان وجوده في ذلك الوقت معجزة أنقذت حياتي. وبفضله تمكنت من الوصول إلى مكة المكرمة».

مكة فرحة العمر

وعند دخوله إلى أم القرى بعد أشهر من مواجهة التحديات، يقول سيكي شعرت بسلام داخلي عميق، وأضاف: «كانت لحظة وصولي إلى مكة المكرمة أشبه بتحقيق حلم العمر. شعرت بالطمأنينة والفرح، توجهت إلى الله بالدعاء لكل من ساعدني في رحلتي ولكل إنسان يحتاج إلى الدعاء».

ولا تتوقف رحلة سيكي هوتي عند مكة المكرمة. فهو يخطط لمواصلة رحلته إلي المدينة المنورة وزيارة المسجد النبوي.

الكوسوفي هوتي حقّق حلم عمره بعد وصوله إلى مكة المكرمة (الشرق الأوسط)

إندونيسيا وجهة الحب

يقول سيكي: «زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة حلم كل مسلم، وأنا ممتن لله على هذه الفرصة»، لكنه ينوي بعد مغادرة طيبة الطيبة، البدء في رحلة جديدة إلى إندونيسيا، الهدف منها هذه المرة هو التقدم لخطبة المرأة التي يحبها. مدركاً أن هذه الرحلة ستكون مليئة بالتحديات، خصوصاً أن بعض الدول التي سيعبرها لا تعترف بجنسية كوسوفو. إلا أنه عبَّر عن تفاؤله بالوصول إلى وجهته الجديدة قائلاً: «حين يكون لديك إرادة، ستجد دائماً طريقاً لتحقيق حلمك. أنا مؤمن بأن الله سييسر لي هذه الرحلة كما فعل مع رحلتي إلى مكة المكرمة».

نصيحة للمغامرين

رحلة سيكي هوتي ليست مجرد مغامرة بالدراجة الهوائية، بل هي قصة عن الإيمان، والصبر، والإنسانية، تذكرنا بأن الصعوبات ليست سوى محطات تعزز قوتنا، وأن الغاية الأسمى في الحياة هي السعي لتحقيق الاتصال الروحي والسلام الداخلي هذا الشعور دفع الرحالة الكوسوفي لتوجيه رسالة إلى كل من يحلم بخوض تجربة مماثلة مفادها «لا تنتظر أن تشعر أنك مستعد تماماً؛ لأنك لن تصل إلى هذه اللحظة أبداً. ابدأ الآن، ثق بالله، وكن صبوراً ولطيفاً مع الآخرين. العالم مليء بالخير، وستكتشف ذلك بنفسك»