بعد مواجهة ليدز يونايتد ووست بروميتش ألبيون التي انتهت بالتعادل الإيجابي بهدف لكل فريق يوم الأربعاء الماضي في إطار مباريات دوري الدرجة الأولى في إنجلترا، كان هناك عناق طويل وحار بين المدير الفني الأرجنتيني لنادي ليدز يونايتد، مارسيلو بيلسا، والمدير الفني الكرواتي لوست بروميتش ألبيون، سلافين بيليتش. وابتعدت الكاميرا وركزت على بعض اللاعبين وهم يغادرون الملعب وانتقلت للتركيز على وجوه بعض الجماهير في المدرجات، ثم عادت مرة أخرى إلى بيلسا وبيليتش اللذين كانا لا يزالان في أحضان بعضهما البعض، ويحدقان في بعضهما البعض بإعجاب متبادل. وقال بيليتش إن دوري الدرجة الأولى محظوظ بوجود مدير فني قدير مثل بيلسا.
لقد منح بيلسا الزخم والاطمئنان لجماهير ليدز يونايتد وهو الأمر الذي انعكس على عودة الآلاف للمدرجات التي هجروها لأعوام. لقد كان الحضور الجماهيري لمشاهدة مباريات ليدز يصل لنحو 40 ألفا بالمباراة خلال موسم 2001 - 2002 وهو الموسم التالي لوصول النادي لدور قبل النهائي ببطولة دوري أبطال أوروبا. لكن بعد الهبوط والتراجع لم يتخط حاجز 22 ألفا خلال موسم 2015 - 2016 وقبل وصول بيلسا الذي تمكن من منح ليدز شيئا كي يؤمنوا به من جديد.
في الحقيقة، يجب أن يشعر ليدز يونايتد أيضا بأنه ناد محظوظ، ليس فقط لأنه يحتل صدارة جدول ترتيب دوري الدرجة الأولى، ولا لأنه يبتعد عن برينتفورد صاحب المركز الثالث بتسع نقاط كاملة، ولا لأنه سيواجه آرسنال على ملعب الإمارات في كأس الاتحاد الإنجليزي وهو لديه حظوظ جيدة في تحقيق الفوز بفضل الأداء القوي الذي يقدمه خلال هذا الموسم، ولكن لأن من يتولى تدريبه هو المدير الفني الأرجنتيني القدير مارسيلو بيلسا، الذي يلتزم دائما وأبدا بالقيم والأخلاقيات العالية في عالم الرياضة الذي لم يعد يهتم بأي قيم في الوقت الحالي، ونتيجة لذلك أشعل بيلسا حماس الجميع في هذه المنطقة.
المدير الفني لآرسنال الإسباني الشاب ميكيل أرتيتا، تعلم الكثير من مواطنه جوسيب غوارديولا الذي يدين بدوره بفضل كبير لبيلسا ودائما ما يؤكد على أنه تعلم منه الكثير في عالم التدريب.
ربما كان من الممكن أن يفوز بيلسا بالمزيد من البطولات والألقاب خلال مسيرته التدريبية، حيث لم يفز سوى بثلاث بطولات لدوري الدرجة الأولى في الأرجنتين والميدالية الذهبية لأولمبياد عام 2004، وربما لا تتناسب هذه البطولات مع اسم مدير فني كبير بحجم بيلسا، لكن الشيء المؤكد هو أن المسيرة التدريبية الكاملة للمدير الفني الأرجنتيني تقوم في الأساس على معارضة فكرة أن الحياة يمكن أن تقاس من خلال الجوائز والميداليات التي يفوز بها الشخص.
إنه يعشق كرة القدم، فهو ينتمي إلى عائلة ثرية - كان جده قاضيا وكان شقيقه وزير خارجية الأرجنتين وشقيقته حاكمة إقليمية - ويحصل على راتب سنوي يصل إلى ستة ملايين جنيه إسترليني. ومع ذلك، يبدو أنه لا يهتم كثيرا بالأموال، فهو يعيش في شقة من غرفة نوم واحدة فوق متجر في منطقة ويثيربي، ويشرب القهوة ويعقد اجتماعات الفريق في مقهى كوستا، ويتسوق من متجر شعبي، ويأكل بانتظام في مطعم إيطالي محلي يسمى «سانت أنجيلو». ويمشي لمدة 45 دقيقة لمقر التدريب معظم أيام الأسبوع، ونادراً ما يرتدي أي شيء آخر غير الملابس الرياضية الخاصة بنادي ليدز يونايتد.
لكنه يدرك جيدا أنه مهووس بكرة القدم، وأن هذا الأمر أصبح مثيرا للسخرية. ففي بداية عام 1992، وبعد موسم 1991 الذي لم يفز فيه فريقه نيولز أولد بويز سوى بثلاث مباريات فقط من 19 مباراة، حبس نفسه في غرفة في فندق «كونكويستادور» قبل إحدى مباريات فريقه خارج ملعبه وقضى 48 ساعة كاملة في دراسة كيفية إدارة تلك المباراة.
وخلال تلك الفترة، اتصل بزوجته، لورا، وكانت ابنتهما قد نجت مؤخرا من مرض خطير. وفي هذا السياق، اعترف بيلسا بأنه ليس من المنطقي أن يشعر بهذا القدر من الحزن عند خسارة المباريات، لكنه للأسف يفعل ذلك. كما أن «دقة التقييم الذاتي» هي سمة مميزة من سمات بيلسا، الذي لا يكتفي بالشعور فقط لكنه يحلل هذا الشعور وأسبابه ودوافعه.
وربما يفسر ذلك طريقته الغريبة في الكلام، كما لو كان يحلل كل جملة قبل أن ينطق بها وقبل أن يصل إلى نهايتها. وربما كان هذا الأمر واضحا للغاية في قضية التجسس على تدريبات نادي ديربي كاونتي (عندما أرسل بيلسا أحد الأشخاص للتجسس على تدريبات ديربي كاونتي قبل مواجهته في دوري الدرجة الأولى)، فقد كان من السهل للغاية بالنسبة له أن يضحك من رد الفعل على قيامه بإرسال مدرب للوقوف ومعه منظاران لمراقبة الخطط التكتيكية التي كان يجريها المدير الفني لديربي كاونتي آنذاك، فرنك لامبارد، لكنه لم يفعل ذلك. وبدلاً من ذلك، عقد مؤتمرا صحافيا لمدة ساعتين اعتذر خلاله عن فشله في فهم أن هذا الأمر ربما كان سيمثل مشكلة، وتحدث بالتفصيل عما حدث، ثم أقر بأن ما قام به ربما لم يحدث أي فارق في إعداده للمباراة. وأشار إلى أنه قام بالتجسس على تدريبات الفريق المنافس فقط لأنه كان سيشعر بالذنب والتقصير إذا لم يقم بذلك!
كان من الممكن أن يتحدث بيلسا بكل فخر، مثل آخرين، عن فلسفته التدريبية وعن طريقته المتفردة في عالم التدريب، لكنه يدرك تماما أن ما يقوم به ينطوي على قدر كبير من السخافة. إنه شخص صادق مع نفسه ومع الآخرين، وفي بعض الأحيان قد يصل هذا الأمر إلى حد المرض، وهذه إحدى الصفات التي تجعله شخصية جذابة وملهمة، نظرا لأنه شخص مباشر وصريح وصادق.
وما زالت الواقعة التي حدثت في مباراة ليدز أمام أستون فيلا الموسم الماضي، عالقة في الأذهان ودلالة على صدق المدرب الأرجنتيني، عندما وجه بيلسا لاعبيه بالسماح بدخول هدف في مرماهم من أجل تعويض هدف سجلوه على نحو يتعارض مع الروح الرياضية أثناء تعرض لاعب في فريق الخصم للإصابة. إنه أمر سيرسخ جذور بيلسا كشخصية من الشخصيات الأسطورية التي مرت بتاريخ النادي. لقد كان من شأن تحقيق الفوز الإبقاء على آمال ليدز يونايتد في الصعود التلقائي للدوري الممتاز، وكانت تلك مباراة على قدر كبير من الأهمية، وحملت هذه البادرة من جانب المدرب تداعيات شديدة الخطورة. ويدرك بيلسا جيداً ما تعنيه فكرة الدعم وأن يكون نادي كرة قدم ما جزءا من إرثك، جزءا من كينونتك. ويعي كذلك أنه في ظل مثل هذه الظروف، يشكل النجاح مجرد جزء مما هو مهم. وبغض النظر عما سيحدث خلال مباريات التصفيات، لن تنسى جماهير ليدز يونايتد هذا الموسم أبداً، وستبقى في أذهانهم ذكرى الأيام التي عاد خلالها الحب إلى جنبات ناديهم.
ومع أن بيلسا ربما لا يحقق انتصارات بالمعدل المطلوب، لكن ما قيمة الفوز إذا تحقق دون هذا المستوى من النبل؟
ومع ذلك، يثير هذا غرابة أخرى، وهي أنه نظراً لمستوى تحليله الذاتي، فيتعين عليه أن يكون مدركاً تماماً لحقيقة أن نتائج الفرق المنافسة غالبا ما تكون أسوأ خلال الأسابيع الأخيرة من الموسم. هذا لا يعني بالضرورة ببساطة أن لاعبي هذه الفرق لا يكونوا قادرين على الركض لأبعد ذلك من ذلك، لكن خوان مانويل لوب، الذي لعب تحت قيادة بيلسا في نادي نيولز أولد بويز، قد أشار إلى أن الطريقة التي يعمل بها بيلسا أيضا ترهق لاعبيه من الناحية البدنية والذهنية.
ومع ذلك، وبعد ما يقرب من 30 عاماً من ظهور مشكلة هوس بيلسا بكرة القدم لأول مرة، أثبت المدير الفني الأرجنتيني أنه لا يرغب في علاج هذه المشكلة، أو غير قادر على حلها. ربما كان من الممكن أن يفوز ليدز يونايتد بمباراة واحدة فقط من آخر خمس مباريات له في الدوري، لكن الأهم بالنسبة للفريق هو نجاحه في توسيع الفارق بينه وبين صاحب المركز الثالث، وحقيقة أنه لعب أمام وست بروميتش ألبيون مرتين.
من المؤكد أن ليدز يونايتد على وشك العودة إلى الدوري الإنجليزي الممتاز. وحتى لو اهتزت نتائج الفريق، فإن بيلسا قد نجح في إعادة الحياة لهذا النادي.
مارسيلو بيلسا المهووس بكرة القدم يعيد الأمل لليدز يونايتد
المسيرة التدريبية للمدير الفني الأرجنتيني تعتمد على أن الحياة لا تقاس بالبطولات والألقاب فقط
مارسيلو بيلسا المهووس بكرة القدم يعيد الأمل لليدز يونايتد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة