وزير الصناعة والثروة المعدنية: تفعيل التعدين بنظام مستقل ومسح جيولوجي لثلث السعودية

الخريف يكشف لـ«الشرق الأوسط» عن 5 ملفات رئيسية و4 مسارات عمل في أجندة أعمال الوزارة الجديدة

توطين القطاع الصناعي ضمن استراتيجية وزارة الصناعة والثروة المعدنية... وفي الإطار الوزير بندر الخريف (الشرق الأوسط)
توطين القطاع الصناعي ضمن استراتيجية وزارة الصناعة والثروة المعدنية... وفي الإطار الوزير بندر الخريف (الشرق الأوسط)
TT

وزير الصناعة والثروة المعدنية: تفعيل التعدين بنظام مستقل ومسح جيولوجي لثلث السعودية

توطين القطاع الصناعي ضمن استراتيجية وزارة الصناعة والثروة المعدنية... وفي الإطار الوزير بندر الخريف (الشرق الأوسط)
توطين القطاع الصناعي ضمن استراتيجية وزارة الصناعة والثروة المعدنية... وفي الإطار الوزير بندر الخريف (الشرق الأوسط)

في وقت أكد فيه أن العمل لن يتم من الصفر بل على منجزات سابقة، كشف وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر بن إبراهيم الخريف، أن العام الجاري 2020 سيشهد تحريكاً عملياً على أرض الواقع لملف الثروة المعدنية في المملكة، باعتباره جزءاً رئيسياً من استراتيجية تفعيل موارد المملكة الطبيعية وتعزيز الواقع الاقتصادي للبلاد، معلناً عن قرب إصدار نظام تعديني مستقل بالتزامن مع البدء في مسح جيولوجي واسع يغطي قرابة ثلث أراضي المملكة، في خطوة من شأنها تحفيز المستثمر للاستفادة من الفرص العملاقة المتاحة.
ووصف الخريف، الذي انطلقت أعمال وزارته رسمياً مطلع العام الجاري، بعد فصلها عن وزارة الطاقة في أغسطس (آب) الماضي، نسبة ما حققته الصناعة والثروة المعدنية على مستوى تحقيق تطلعات مشروع «رؤية المملكة 2030» بـ«الضعيفة جداً»، مشدداً على ضرورة التحرك والتفاعل مع معطيات التحولات الاقتصادية التي تنظر إليها السعودية من خلال تحقيق نقلة في القطاع الصناعي والتعديني.

أكد أن تحمل الدولة للمقابل المادي على العمالة في القطاع الصناعي بدأ في تحقيق مستهدفاته، إلا أن دور الوزارة –حسب الخريف– هو العمل والتأكد من تهيئة بيئة ملائمة للمستثمر المحلي أو الأجنبي، مفصحاً عن أن مسارات العمل الجوهرية التي تعمل عليها الوزارة حالياً تكمن في خمسة ملفات لتأخذ حيز التنفيذ وهي: المحتوى المحلي، وحماية المنتجات الوطنية، وتعزيز الصادرات، وملف العمالة، وأخيراً مسار الطاقة للمصانع.
وأفصح الوزير أن مسارات أربعة تقوم الوزارة على تنفيذها في الأنشطة الصناعية تكمن في عملية التوطين للكوادر الوطنية المؤهلة، بالإضافة إلى تعميق الاستفادة من القيمة المضافة للصناعات السعودية، بجانب مسار استغلال الموقع الجغرافي للوجهة التصديرية، وأخيراً مسار صناعات المستقبل. إلى تفاصيل أكثر في حوار «الشرق الأوسط» التالي:

> حتى الآن، كم بلغت نسبة ما تم إنجازه في القطاع الصناعي إلى تطلعات مشروع الرؤية 2030؟
- نسبة ضعيفة جداً، فآخر ثلاث سنوات كانت الأرقام غير مشجعة. أعلم جيداً طبيعة القطاع الصناعي والتعديني، حيث يحصل عليها تقلبات قد تعطل من مسيرة الخطط والتنفيذ، وهو أمر طبيعي، بل حتى المستثمر الصناعي يعي التقلبات بين الصعود والهبوط، لكن المهم أن يكون الجهاز الحكومي المعني يتفاعل مع التغيرات ويساعد القطاع بمكوناته من شركات ومصانع من خلال تهيئة البيئة الملائمة للانطلاقة.
> كم يستغرق من الوقت إطلاق مشروع صناعي في السعودية؟
- في السياق الواقعي، لعمل مشروع ما، أي ما بين دراسة المشروع والتمويل ستحتاج إلى ما بين عام وعام ونصف، أما عملية الإنشاء فتحتاج كذلك إلى ما بين سنتين وثلاث سنوات، أي أن المشروع الصناعي يحتاج إلى فترة زمنية تقارب 5 سنوات ليبدأ في الإنتاج. ورغم هذه الطبيعة ما زلنا نؤمن بقدرتنا على تحقيق مستهدفات الرؤية في قطاعي الصناعة والثروة المعدنية. نعم نحن قادرون على تحقيق ذلك بالخطط والعمل على تنفيذ ما نرسم له للوصول إلى تهيئة بيئة صناعية استثمارية جاذبة.
> تم الإعلان عن الموازنة العامة للسعودية الشهر الماضي بإجمالي إنفاق يتخطى التريليون ريال، كم حجم المخصص لكم في الموازنة؟
- هذا السؤال دقيق والأرقام متوافرة، ولكن أعتقد أن الوزارة ناشئة وحجم الدعم الذي نلاقيه من وزارة المالية كبير لأي برامج جديدة لتعزيز الوزارة في مرحلة الإنشاء وخلافه، لكن الأهم في نظري دور الوزارة ورسالتها. يهمني أن أُطمئن المعنيين بأنه على الرغم من أننا وزارة جديدة فإن لدينا ملفات جاهزة، ونحن كفريق عمل نقوم على التنفيذ. وأريد أن أؤكد أننا لن نستغرق وقتاً في التأسيس وخلافه، بل عملنا تنفيذي ولدينا كم هائل من الإنجازات التي نبني عليها، ابتداءً من تاريخ المملكة في الصناعة، والمنجزات المتحققة حتى اليوم. نؤمن بأن دورنا العمل الجاد والمخطط له لتهيئة البيئة الملائمة للمستثمر الحالي والمرتقب، سواء محلياً أو خارجياً، وكذلك ضمان استدامة البناء على المستقبل.
> حدِّثنا عن أولويات إنفاق الوزارة، أقصد على أيّ المشروعات والبنود ستبدأون؟
- هناك 5 ملفات تم نقاشها حينها مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والمجلس الاقتصادي الأعلى للتنمية، حيث سنكون مضطلعين بها بشكل مركّز، جميعها أخذت حيز التنفيذ، وهي تفصيلاً: المحتوى المحلي، ونموذج هيئة المحتوى ماثل للعيان في مزاولة عملها. كذلك ملف حماية المنتج الوطني، ونجد هيئة التجارة الخارجية معنية بهذا الدور لحماية المنتجات الوطنية من المنافسة غير العادلة أو الإغراق، بل وحتى من خلال تفعيل الاتفاقيات التجارية والعلاقات البينية بين السعودية والدول المستهدفة. بالإضافة إلى ما سبق هناك ملف الصادرات، حيث قريباً سنطلق بنك الصادرات برأسمال 30 مليار ريال (8 مليارات دولار)، بل نحن بدأنا بالفعل تنفيذ عمليات وصلت قيمتها إلى 5 مليارات ريال (1.3 مليار دولار) حتى الآن. أما الملف الرابع فهو العمالة في القطاع الصناعي. كما تعلمون، الدولة اتخذت مؤخراً قراراً بتحمل المقابل المالي للقطاع الصناعي بهدف تعزيز دور القطاع بدأت مؤشراته الإيجابية في الظهور. والملف الأخير هو الطاقة؛ حيث هناك دراسة أُوكلت إلى لجنة الحوكمة برئاسة وزير الطاقة، حيث الثقة كبيرة جداً للنظر في أسعار مناسبة تحقق التنمية الصناعية وتحافظ في الوقت ذاته على ألا يكون فاقداً على كاهل الدولة.
> ملف دعم الطاقة لأنشطة القطاع الصناعي مهم للغاية، ولكن هل قدرتم حجم الاستفادة والأثر المرجوّ في حال استكمال الدراسة وتنفيذها؟
- المستثمر الصناعي ينظر إلى المحفزات كمنظومة واحدة، ودورنا يتمثل في الهدف الذي وضعناه، وهو أن نخلق محفزات تتحدث عن نفسها، بحيث يرى المستثمر أن السياسات الحكومية المتَّخَذة تمضي بتحقيق أهدافه؛ وأن القطاع الصناعي أصبح بالفعل مغرياً وجاذباً. ولكن يبقى بعض المشاريع الاستراتيجية أو النوعية أو تلك التي تتصف بالحساسة، كالتي تتوافر فيها تقنية عالية، حيث يمكن أن نعطيهم محفزات إضافية من أجل لفت الأنظار للاستثمار في المملكة.
> بكم يقدّر حجم المقابل المالي للقطاع الصناعي؟
- مبالغ ضخمة وعودتها للشركات الصناعية سيكون لها أثر الإيجابي، بل لمسنا التأثير الإيجابي خلال الشهرين الأخيرين منذ إقرار تحمل الدولة للمقابل المالي للعمالة في القطاع، حيث أسهم في خلق 6 آلاف وظيفة جديدة، 50% منها لمواطنين سعوديين، وهذا يمثل مؤشراً إيجابياً للسياسة المقرة.
> «الثروة المعدنية» ملف مهم، هل من ترتيبات لمبادرات أو مشروعات متعلقة بتحريك هذا المورد العملاق؟
- الثروة المعدنية من الموارد التي لم تُستغلّ في السابق، والآن التوجه إلى هذا القطاع سيكون جدياً. كما يعلم الجميع أن القطاع أحد القطاعات المستهدفة في «رؤية 2030»، ولا يمكن لأي مستثمر الدخول في القطاع التعديني إلا أن يكون هناك بعض المقومات. وحالياً نعمل على مشروعين مهمين بالتزامن، الأول النظام التعديني والذي يُنتظر أن يُعلن عنه قريباً، وهذا يغطي الجانب التشريعي ويعطي الاطمئنان للمستثمر للفترة الطويلة التي هي غالباً ما تكون فترة الاستثمار في القطاع التعديني. والشق الثاني الذي نعمل عليه هو البيانات الجيولوجية ومخزون الثروة الطبيعية الموجودة، لتتوفر لدينا قاعدة بيانات تفصيلية ومعمقة عن واقع الثروة المعدنية التي تكتنزها المملكة. وحالياً أطلقنا مشروعاً بقيمة ملياري ريال (533 مليون دولار) لمسح جيولوجي لكامل الدرع العربية بمساحة قرابة 700 مليون متر مربع، تغطي ما يعادل 30% (قرابة ثلث مساحة المملكة)، حيث سيفرز معلومات جيولوجية دقيقة وتفصيلية يستطيع المستثمر التعامل معها واتخاذ القرار الاستثماري لاستكشاف الفرص المتاحة وبدء المشروع.
> هل هناك مدة زمنية يُنتظر أن ينتهي فيها هذان المشروعان المهمان؟
- مشروع النظام التعديني في مراحله النهائية، حيث انتهى من مرحلة هيئة الخبراء والآن في مجلس الشورى، بينما المسح الجيولوجي سينطلق العام الجاري 2020 ويستغرق 5 سنوات، بيد أن البيانات ستخرج تباعاً وفقاً لما ينتهي منها للاستفادة الفورية وتقديمها للمستثمرين والمستفيدين.
> هل هناك أنشطة صناعة محددة تعمل الوزارة على تشجيع بروزها في المملكة؟
- لدينا حالياً أربعة مسارات للأنشطة الصناعية: مسار التوطين، حيث نعمل جادين لتعميق توطين الوظائف والمهن في القطاع الصناعي. والمسار الثاني تعميق الاستفادة من القيمة المضافة للصناعات التي بُنيت على مزايا نسبية في المملكة، كمثال واضح نشاط الصناعات البتروكيماوية، حيث لدينا فرص ممتازة للصناعات التحويلية وغيرها. أما المسار الثالث فهو استغلال الموقع الجغرافي للصادرات لخلق صناعات تستهدف التصدير. وأخيراً المسار الرابع المتعلق بصناعات المستقبل والثروة الصناعية الرابعة والتي تتلاءم مع المملكة من حيث التركيبة السكانية والقدرات المالية التي تمكّن المملكة من الاستثمار في هذه التقنيات، وعليه نأمل أن نحقق نتائج مميزة أكثر مما نتصور في هذه المسارات. وهذه المسارات موجود وتتقاطع مع استراتيجية تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجيستية (ندلب) المتضمنة بعض الأنشطة كصناعات الأجهزة الكهربائية والأغذية والأدوية والبتروكيماويات والصناعات الكيميائية والصناعات التحويلية والصناعات المولدة للطلب والتجمعات المختلفة لخلق نسق جديد.
> فكرة المجمعات والمدن الصناعية في المناطق، كيف تنظرون إلى نجاحها حتى هذه اللحظة؟
- لا يوجد شك أن الصناعة وكذلك التعدين من بين أهدافها الاجتماعية تنمية المناطق إلى جانب هدف تحقيق مصلحة المستثمر بالتوازي، لكن المحفزات موجودة، فنسب التمويل أعلى لتشجيع المستثمر للاستثمار في المناطق والمحافظات. على سبيل المثال مدينة سدير الصناعية شهدت اتفاقية لمليون متر مربع مع شركة صينية تستقطب مستثمرين وتخلق تجمعاً صناعياً كاملاً. أعتقد أن التجربة ناجحة حتى الآن، بيد أن هذه الأمور لا بد من مراقبتها وعمل الدراسات المستمرة عليها للتأكد من أن جدوى كفاءتها وعملها، فالمهم أن نعمل توازناً بين مصلحتي المستثمر والمجتمع المحلي.

- يناير... بداية مزاولة مهام الوزارة الجديدة رسمياً
على الرغم من تسلم الوزير مهام الوزارة منذ أغسطس الماضي، انطلقت وزارة الصناعة والثروة المعدنية مطلع العام الجاري 2020 في مزاولة مهامها بشكل رسمي، تنفيذاً للأمر الملكي الصادر حينها والقاضي بإنشاء وزارة مستقلة تُنقل إليها الاختصاصات والمهام والمسؤوليات المتعلقة بقطاعي الصناعة والثروة المعدنية.
ويؤكد وزيرها المعين بندر الخريف أن العمل سيرتكز على استنهاض قطاعي الصناعة والثروة المعدنية والمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة تماشياً مع «رؤية المملكة 2030» التي اعتمدت الصناعة والتعدين خيارين استراتيجيين لتنويع الاقتصاد الوطني.
وحسب تصريح رسمي صدر عن الوزارة قبل أيام، أكد الخريف أن العمل سيتواصل على تنفيذ مبادرات برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجيستية (ندلب) لتحويل المملكة إلى قوة صناعية وتعدينية رائدة ومنصة عالمية للخدمات اللوجيستية، ودعم القطاعات الواعدة وتمكين القطاع الخاص للقيام بدوره في التنمية الصناعية والتعدينية، وكذلك معالجة التحديات التي تواجه المستثمرين في قطاع الصناعة، بالإضافة إلى تعظيم القيمة المضافة للثروات المعدنية في مختلف أنحاء المملكة.
وقال الخريف: «سنمضي قدماً في تعزيز التعاون والتكامل بين منظومة الصناعة والثروة المعدنية، من أجل جذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، فضلاً عن نقل المعرفة الصناعية والتعدينية إلى المملكة، وتوظيف تقنيات الثورة الصناعية الرابعة لرفع تنافسية المنتجات السعودية، إضافةً إلى التعاون مع الجهات المعنية كافة لتأهيل الكوادر الوطنية ورفع معدلات التوطين بقطاعي الصناعة والثروة المعدنية».


مقالات ذات صلة

عبد العزيز بن سلمان: «نظام المواد البترولية» يضمن تنافسية عادلة للمستثمرين

الاقتصاد وزير الطاقة السعودي في مؤتمر البترول العالمي في كالغاري (رويترز)

عبد العزيز بن سلمان: «نظام المواد البترولية» يضمن تنافسية عادلة للمستثمرين

قال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، إن «نظام المواد البترولية والبتروكيماوية» يدعم جهود استقطاب الاستثمارات ويضمن بيئة تنافسية عادلة للمستثمرين

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد ناطحات سحاب في مركز الملك عبد الله المالي بالعاصمة السعودية الرياض (رويترز)

السعودية تجمع 12 مليار دولار من سندات دولية وسط طلب قوي

جمعت السعودية 12 مليار دولار من أسواق الدين العالمية بأول طرح لها لسندات دولية هذا العام استقطب طلبات بنحو 37 مليار دولار وهو ما يظهر مدى شهية المستثمرين.

محمد المطيري (الرياض)
الاقتصاد العاصمة السعودية الرياض (واس)

ارتفاع موافقات التركز الاقتصادي في السعودية إلى أعلى مستوياتها

حققت الهيئة العامة للمنافسة في السعودية رقماً قياسياً في قرارات عدم الممانعة خلال عام 2024 لعدد 202 طلب تركز اقتصادي، وهو الأعلى تاريخياً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد العاصمة الرياض (رويترز)

وسط طلب قوي... السعودية تبيع سندات قيمتها 12 مليار دولار على 3 شرائح

جمعت السعودية 12 مليار دولار من أسواق الدين العالمية، في بيع سندات على 3 شرائح، وسط طلب قوي من المستثمرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من معرض «سيتي سكيب العالمي 2024» العقاري بالرياض (الشرق الأوسط)

القروض العقارية السعودية في أعلى مستوياتها على الإطلاق

شهدت عمليات الإقراض العقارية التي توفرها شركات التمويل ارتفاعاً إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بنهاية الربع الرابع من عام 2024 إلى 28 مليار ريال.

زينب علي (الرياض)

تدهور معنويات المستهلكين في اليابان يُثير شكوكاً حول توقيت رفع الفائدة

متسوّقون في منطقة تجارية مزدحمة بوسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
متسوّقون في منطقة تجارية مزدحمة بوسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
TT

تدهور معنويات المستهلكين في اليابان يُثير شكوكاً حول توقيت رفع الفائدة

متسوّقون في منطقة تجارية مزدحمة بوسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)
متسوّقون في منطقة تجارية مزدحمة بوسط العاصمة اليابانية طوكيو (رويترز)

أظهر مسح حكومي، يوم الأربعاء، تدهور معنويات المستهلكين في اليابان خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي؛ مما يثير الشكوك حول وجهة نظر البنك المركزي بأن الإنفاق الأسري القوي سيدعم الاقتصاد ويبرر رفع أسعار الفائدة.

وتسبق النتائج اجتماع السياسة النقدية لبنك «اليابان» يومي 23 و24 يناير (كانون الثاني)؛ حيث يتوقع بعض المحللين زيادة محتملة في أسعار الفائدة من 0.25 في المائة الحالية.

وانخفض مؤشر يقيس معنويات المستهلكين إلى 36.2 نقطة في ديسمبر، بانخفاض 0.2 نقطة عن الشهر السابق، وفقاً للمسح الذي أجراه مكتب مجلس الوزراء.

وأظهرت بيانات منفصلة أن فجوة الناتج في اليابان التي تقيس الفرق بين الناتج الفعلي والمحتمل للاقتصاد، ظلّت سلبية في الفترة من يوليو (تموز) إلى سبتمبر (أيلول) للربع الثامن عشر على التوالي. وتعني فجوة الناتج السالبة أن الناتج الفعلي يعمل بأقل من الطاقة الكاملة للاقتصاد، ويُعدّ ذلك علامة على ضعف الطلب.

وتؤكد هذه النتائج ضعف الاقتصاد الياباني مع ارتفاع تكاليف المعيشة وعدم اليقين بشأن سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب التي تؤثر في الاستهلاك والصادرات.

ومع ذلك، أشارت بعض الشركات الكبرى إلى عزمها الاستمرار في تقديم زيادات كبيرة في الأجور. وقالت شركة «فاست ريتيلنغ»، مالكة العلامة التجارية للملابس «يونيكلو»، إنها سترفع أجور العاملين بدوام كامل في المقر الرئيسي وموظفي المبيعات بنسبة تصل إلى 11 في المائة، بدءاً من مارس (آذار) المقبل.

وقال رئيس متجر «لوسون» للتجزئة، سادانوبو تاكيماسو، للصحافيين، يوم الثلاثاء: «نود رفع الأجور بشكل مستقر ومستدام».

وأنهى بنك «اليابان» برنامج تحفيز ضخم في مارس، ورفع أسعار الفائدة قصيرة الأجل إلى 0.25 في المائة في يوليو، على أساس الرأي القائل إن اليابان على وشك تحقيق هدف التضخم بنسبة 2 في المائة بشكل مستدام.

وأشار محافظ بنك «اليابان»، كازو أويدا، إلى استعداده لمواصلة رفع أسعار الفائدة إذا استمرت اليابان في إحراز تقدم نحو الوصول إلى معدل تضخم بنسبة 2 في المائة بشكل دائم. وقال أيضاً إن البنك المركزي سوف يفحص البيانات حول ما إذا كان زخم الأجور سوف يتعزّز هذا العام، عند اتخاذ قرار بشأن موعد رفع أسعار الفائدة. ويصف بنك «اليابان» الاستهلاك حالياً بأنه «يتزايد بشكل معتدل بوصفه اتجاهاً»، ويتوقع أن يظل الاقتصاد الياباني على المسار الصحيح لتحقيق تعافٍ متواضع.

وعلى الرغم من المؤشرات السلبية، قال محافظ بنك «اليابان» السابق، هاروهيكو كورودا، المعروف بإطلاق برنامج التحفيز الضخم الذي استمرّ عشر سنوات، إن من المرجح أن يواصل البنك المركزي رفع أسعار الفائدة في السنوات المقبلة مع وصول التضخم إلى المسار الصحيح للوصول إلى هدفه البالغ 2 في المائة بشكل مستدام.

وقال كورودا، في ورقة بحثية قُدمت إلى المجلة السنوية لمجلس النواب التي صدرت في 24 ديسمبر الماضي، إنه على الرغم من رفع أسعار الفائدة المتوقع، فإن اقتصاد اليابان سيحقّق نمواً يتجاوز 1 في المائة هذا العام وما بعده مع دعم الأجور الحقيقية المتزايدة للاستهلاك.

وأضاف كورودا: «يبدو أنه لا يوجد تغيير في الموقف الأساسي لبنك اليابان المتمثل في رفع أسعار الفائدة تدريجياً مع التركيز على التطورات الاقتصادية والأسعار... هذا لأن دورة الأجور والتضخم الإيجابية مستمرة، وهو ما من المرجح أن يُبقي التضخم مستداماً ومستقراً عند هدفه البالغ 2 في المائة».

وتابع كورودا أنه من غير المؤكد إلى أي مدى سيرفع بنك «اليابان» أسعار الفائدة في نهاية المطاف بسبب صعوبة تقدير المستوى الذي لا يبرّد ولا يسخّن الاقتصاد الياباني. وأشار إلى أن تكاليف الاقتراض المرتفعة لن تُلحق الضرر بالشركات على الأرجح؛ لأنها تحتفظ بوفرة من النقد، في حين ستجني الأسر «مكاسب كبيرة» من ارتفاع الفائدة المدفوعة لمدخراتها الضخمة. وقال إن أكبر ضغط قد يقع على عاتق الحكومة بسبب التكلفة المتزايدة لتمويل الدين العام الضخم في اليابان، مضيفاً أن رصيد السندات الحكومية -عند 1100 تريليون ين (6.96 تريليون دولار)- أصبح الآن ثلاثة أمثال حجمه في عام 2000.

واستطرد كورودا قائلاً إنه إذا ارتفعت عائدات السندات إلى متوسط المستوى البالغ 2.7 في المائة الذي بلغته آنذاك، فإن مدفوعات الفائدة السنوية ستصل إلى 30 تريليون ين، داعياً إلى ضرورة ترتيب البيت المالي الياباني.

وفي ميزانية السنة المالية المقبلة، تخطّط الحكومة لإنفاق 10 تريليونات ين في مدفوعات الفائدة. في عهد كورودا، أطلق بنك «اليابان» خطة ضخمة لشراء الأصول في عام 2013 التي جمعت لاحقاً بين أسعار الفائدة السلبية والسيطرة على عائد السندات، في محاولة لرفع التضخم إلى هدفه البالغ 2 في المائة.

وبينما أشاد المؤيدون بالخطوات اللازمة لإخراج اليابان من الركود الاقتصادي، يشير المنتقدون إلى آثار جانبية مختلفة، مثل الضربة التي لحقت بأرباح البنوك التجارية من انخفاض أسعار الفائدة لفترة طويلة والتشوّهات السوقية الناجمة عن عمليات شراء الأصول الضخمة.

ودافع كورودا عن السياسات، قائلاً إن الضرر الذي لحق بأرباح البنوك الإقليمية كان محدوداً. وأضاف أن تدهور وظيفة سوق السندات كان تكلفة ضرورية لإنعاش النمو بشكل كافٍ.