السعودية تجمع 12 مليار دولار من سندات دولية وسط طلب قوي

متخصصون لـ«الشرق الأوسط»: الإصدار يعزز قدرتها على تلبية احتياجاتها المالية وتسريع تنفيذ المشاريع

ناطحات سحاب في مركز الملك عبد الله المالي بالعاصمة السعودية الرياض (رويترز)
ناطحات سحاب في مركز الملك عبد الله المالي بالعاصمة السعودية الرياض (رويترز)
TT

السعودية تجمع 12 مليار دولار من سندات دولية وسط طلب قوي

ناطحات سحاب في مركز الملك عبد الله المالي بالعاصمة السعودية الرياض (رويترز)
ناطحات سحاب في مركز الملك عبد الله المالي بالعاصمة السعودية الرياض (رويترز)

جمعت السعودية 12 مليار دولار من أسواق الدين العالمية، من أول طرح لها لسندات دولية هذا العام استقطب طلبات بما يقارب 37 مليار دولار، وهو ما يظهر مدى شهية المستثمرين بالأوراق السعودية.

يأتي هذا الطرح بعد يومين على اعتماد وزير المالية محمد الجدعان خطة الاقتراض السنوية للعام المالي 2025، التي أشارت إلى أن الاحتياجات التمويلية المتوقعة لهذا العام تبلغ 139 مليار ريال (37 مليار دولار).

وسوف يستخدم هذا المبلغ في تغطية العجز المتوقع في الميزانية العامة للدولة لعام 2025، والمقدر بحوالي 101 مليار ريال (26.8 مليار دولار)، وسداد مستحقات أصل الدين خلال العام الحالي، والبالغة ما يعادل 38 مليار ريال (10 مليارات دولار).

وقال المركز الوطني لإدارة الدَّيْن في السعودية، في بيان الثلاثاء، إن الشريحة الأولى تضمنت سندات قيمتها 5 مليارات دولار لأجل 3 سنوات، والثانية 3 مليارات لأجل 6 سنوات، والثالثة 4 مليارات لأجل 10 سنوات.

وأضاف أن إجمالي الطلبات بلغ نحو 37 مليار دولار، وهو ما يعادل زيادة في الاكتتاب بنحو 3 أضعاف الإصدار.

وأوضح أن هذه الخطوة تعدّ ضمن استراتيجية المركز الوطني لإدارة الدَّيْن، لتوسيع قاعدة المستثمرين بغرض تلبية احتياجات المملكة التمويلية من أسواق الدَّيْن العالمية بكفاءة وفاعلية.

وأفادت خدمة «آي إف آر» لأخبار أدوات الدخل الثابت، يوم الاثنين، بأن السعر الاسترشادي للسندات لأجل ثلاث سنوات تمّ تحديده عند 120 نقطة أساس فوق سندات الخزانة الأميركية، في حين تم تحديد السعر الاسترشادي الأولي للسندات لشريحتي الست والعشر سنوات عند 130 نقطة أساس، و140 نقطة أساس على الترتيب فوق المعيار نفسه، وفق «رويترز».

وذكرت أنه تسنى خفض سعر العائد على سندات الشريحة الأولى، مما يشير إلى شهية قوية من المستثمرين.

وتُعدّ تسعيرة السندات فوق سندات الخزانة الأميركية مغرية في سوق السندات.

ثقة دولية

ووصف خبراء اقتصاديون حصول المملكة على هذا المبلغ، بأنه يؤكد ثقة المستثمرين الدوليين في متانة الاقتصاد السعودي، والخطط المالية للمملكة، وجني الثمار من مبادرات برنامج التحول الاقتصادي، وبرنامج الاستدامة المالية.

وقال أستاذ الاقتصاد بـ«جامعة الملك فيصل» الدكتور محمد القحطاني، لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الخطوة تؤكد عزم المملكة وحرصها على الاستمرار في تنويع أدوات التمويل المحلية والدولية، والاستفادة من ذلك في تمويل مشاريع «رؤية 2030»، وفي تعزيز الثقة الدولية باقتصادها، وتخفيف العبء على الميزانية العامة، وخفض تكاليف الاقتراض.

وأشار إلى أن هذه العملية ستسهم في تخفيف الضغط على موارد التمويل الداخلية، وفي تعزيز مرونة الاقتراض، وفي الجذب القوي للمستثمرين الدوليين، ويتضح ذلك من تجاوز طلبات الشراء على السندات السعودية للمستهدف، ووصولها إلى نحو 37 مليار دولار، لافتاً إلى أن ذلك يعزز من قدرة المملكة على تلبية احتياجاتها المالية بيسر وسهولة للعام الحالي، وعلى توسيع قاعدة المستثمرين، وتعزيز شبكة التمويل العالمية للمملكة، كما يسهم في دخول أسواق جديدة للاستفادة من التمويل الدولي، والتمويل عبر السندات، وبما ينعكس على تسريع وتنفيذ مشاريع البنية التحتية والنفقات الرأسمالية ضمن أهداف السعودية الاقتصادية.

وأوضح أن بقاء نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي ضمن الحدود المستدامة لنسبة الدين العام بحسب مؤشرات صندوق النقد الدولي، يؤكد على التخطيط السعودي الجيد في وقت مبكر لاحتياجات الحكومة من أدوات الدين منذ بداية السنة المستهدفة، ويسهم في توفير احتياجاتها التمويلية عند الحاجة.

ما بين العجز والإنفاق

من جانبه، قال المستشار الاقتصادي مؤسس مركز «جواثا» الاستشاري، الدكتور إحسان بن علي بوحليقة، في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» إن الميزانية العامة السعودية لعام 2025 ذات سمة توسعية، وتسعى إلى توفير متطلبات التمويل لبرنامج التنويع الاقتصادي، كما أن عجزها المتوقع يأتي ضمن مستويات الجدارة المعتبرة في منظمة التنمية الاقتصادية والتنمية، ويعد عجزاً اختيارياً.

ويقوم وجوده على المفاضلة بين أمرين: إما الإنفاق وفق ما هو متاح من إيرادات، بحيث يكون هناك توازن تام بين الإيرادات والمصروفات، وعند اتباع هذا الخيار لن تسجل الميزانية عجزاً، لكنها لن توفر احتياجات إنجاز مبادرات «رؤية 2030».

وأضاف أن الخيار الثاني، هو الإنفاق لتمكين تحقيق مستهدفات «رؤية المملكة 2030»، وليس وفقاً لما هو متاح من إيرادات واردة للخزانة العامة.

والدافع لذلك أن ما يمول هو برامج مداها حتى 2030 وليس التمويل من عام لعام، فالعام الواحد هو حلقة من سلسلة زمنية ضمن حلقات تبدأ بطموح وتنتهي بتحقيق مستهدفات «رؤية المملكة 2030».

وهكذا، فالعام المالي ليس مدى لمستهدف بل وحدة زمنية محاسبية تفيد في التخطيط والتقنين والضبط. وعليه، فالمنظور هو تمويل الإنفاق على مدى «الرؤية»، ومستهدفاتها التي لا تحتمل التأجيل ريثما تسمح إيرادات النفط.

فسحة مالية

وأشار إلى أن السعودية تملك الجدارة الائتمانية للتحرك ضمن فسحة مالية (fiscal space) مريحة، تمكنها من الاقتراض من السوق الدولية بأسعار من بين الأكثر تنافسية، حيث تشهد الإصدارات تغطيات بأضعاف السقف المطلوب استدانته من دون المساس باستدامتها المالية أو بالاستقرار الاقتصادي، وهي إحدى ثمار برنامج التحول الاقتصادي ومبادرات برنامج الاستدامة المالية الذي انطلق في عام 2017 وأعاد هيكلة المالية العامة، والحفاظ على متانة الفسحة المالية والقدرة على الموازنة بين الاستقرار الاقتصادي حتى في أحلك الظروف، كما حصل أثناء «كوفيد - 19» رغم تراجع أسعار النفط، وبين الالتزام بتمويل المبادرات التي انطوت عليها مستهدفات «رؤية 203»، وذلك من خلال المزاوجة بين تدابير مالية على المدى المتوسط، وإصلاحات هيكلية في المدى الطويل.

وتابع أن الحكومة السعودية وظفت هذه الفسحة بالمعايرة بين الاقتراض الداخلي والخارجي حسب الاحتياج، كما أن ثلثيّ الدين العام داخلي وثلثه خارجي، وقد بلغ حتى نهاية الرابع الثالث قرابة 1.2 مليار ريال، وهو ما يعد دون السقف المحدد بـ30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وسيبقى عجز الميزانية في المنظور متوسط المدى، ملازماً الميزانية حتى عام 2027، وفقاً لتقديرات وزارة المالية، ولن تتجاوز نسبته 3 في المائة في أي من السنوات، وفقاً لتلك التقديرات.

ولفت إلى أنه من أهم سمات بناء سعة الاقتصاد، الحفاظ على سمة الإنفاق الرأسمالي، إذ من الملاحظ بلوغ الإنفاق الرأسمالي للحكومة 186 مليار ريال في عام 2023، وهو في حدود ما كان مخططاً، ليرتفع في عام 2024 إلى 198 مليار ريال، أي بنحو 6.5 في المائة.

وأشار إلى أن الحكومة السعودية تمارس دوراً محورياً في هذا الجانب، وذلك من خلال ثلاث أذرع؛ الإنفاق الحكومي الرأسمالي، واستثمارات «صندوق الاستثمارات العامة»، والضخ الاستثماري الداعم من صندوق التنمية الوطني والصناديق المنضوية تحت مظلته، بما في ذلك صندوق البنية التحتية، وهو ضخ يقوم على استراتيجية مقرة وذات مستهدفات تسعى إلى تحقيق هدف رئيس محدد، وهو تنويع الاقتصاد عبر تعظيم مساهمة القطاع الخاص.

وقال «صندوق الاستثمارات العامة» الاثنين، إنه حصل أيضاً على تسهيل ائتماني للمرابحة بسبعة مليارات دولار، وهو شكل من أشكال التمويل الإسلامي. وكانت بنوك «سيتي» و«غولدمان ساكس إنترناشيونال» و«جيه بي مورغان» مشترِكة، منسِّقة عالمية ومنظِّمة لإصدار السندات السيادية السعودية.

كما أعلن المركز الوطني لإدارة الدين في الثاني من يناير (كانون الثاني) الحالي ترتيب اتفاقية تسهيلات ائتمانية دوّارة بقيمة 2.5 مليار دولار متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية لتمويل احتياجات الميزانية العامة.

وكانت وكالة «موديز» قد رفعت تصنيف المملكة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى «إيه إيه 3»، بعد تصنيف «فيتش» لها عند «إيه +»، وكلاهما مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وقدرة عالية على الوفاء بالالتزامات المالية، مع مخاطر ائتمانية منخفضة.

في حين تصنّف «إس آند بي غلوبال» المملكة عند «إيه إيه - 1» مع نظرة مستقبلية «إيجابية»، وقدرة جيدة على الوفاء بالالتزامات المالية، مع مخاطر ائتمانية منخفضة نسبياً.

وقدّر صندوق النقد الدولي نسبة الدَّيْن العام إلى الناتج المحلي في المملكة عند 26.2 في المائة في 2024، ووصفه بأنه منخفض، وفي حدود يمكن الاستمرار في تحملها.

وذكر أن الاقتراض الأجنبي سيواصل الاضطلاع بدور رئيسي في تمويل العجز، وهو ما يؤدي إلى أن تبلغ نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي نحو 35 في المائة بحلول عام 2029.


مقالات ذات صلة

«دراية» السعودية تستهدف جمع 1.5 مليار ريال من طرحها في السوق المالية

الاقتصاد جرت تغطية طرح «دراية» المالية في دقائق (أ.ف.ب)

«دراية» السعودية تستهدف جمع 1.5 مليار ريال من طرحها في السوق المالية

مع بدء طرح 20 في المائة من أسهم شركة «دراية المالية» السعودية للاكتتاب في السوق المالية، تحدد النطاق السعري للسهم بين 27 و30 ريالاً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد المبنى الرئيسي لهيئة السوق المالية السعودية بالعاصمة الرياض (الشرق الأوسط)

هيئة السوق السعودية توافق على طرح «صندوق الراجحي الدولي للصكوك»

وافقت «هيئة السوق المالية» السعودية لـ«شركة الراجحي المالية» على طرح وحدات «صندوق الراجحي الدولي للصكوك» طرحاً عاماً.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد زوار في جناح «دراية المالية» في مؤتمر «فنتك 24» بالرياض (إكس)

«دراية المالية» تستعد لطرح 20 % من أسهمها في السوق السعودية

تستعد شركة «دراية المالية» لطرح عام أولي لـ20 في المائة من أسهمها في السوق المالية السعودية الرئيسية، بعد موافقة الجهات التنظيمية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد أحد فروع «مصرف الراجحي» في السعودية (موقع المصرف الإلكتروني)

«الراجحي» يعتزم إصدار صكوك رأسمال إضافي مقيّمة بالدولار

يعتزم «مصرف الراجحي» إصدار صكوك رأسمال إضافي من الشريحة الأولى مستدامة مقيّمة بالدولار الأميركي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد العاصمة الرياض (رويترز)

وسط طلب قوي... السعودية تبيع سندات قيمتها 12 مليار دولار على 3 شرائح

جمعت السعودية 12 مليار دولار من أسواق الدين العالمية، في بيع سندات على 3 شرائح، وسط طلب قوي من المستثمرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

ألمانيا تبحث عن هويّة اقتصادية جديدة بعد خمس سنوات من الركود

غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)
غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)
TT

ألمانيا تبحث عن هويّة اقتصادية جديدة بعد خمس سنوات من الركود

غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)
غروب الشمس خلف محطة توليد الطاقة بالفحم «شولفن» في جيلسنكيرشن بألمانيا (أ.ب)

تعاني ألمانيا من أزمة في نموذجها الاقتصادي الذي كان يعتمد على الغاز الطبيعي الرخيص من روسيا والصادرات المربحة إلى الصين. هذا النموذج لم يعد صالحاً، مما أدى إلى ركود اقتصادي وتزايد المخاوف بشأن المستقبل. وستكون مهمة وضع استراتيجية جديدة للنمو التحدي الأكبر أمام الحكومة المقبلة التي ستتولى السلطة بعد الانتخابات الوطنية، المقررة في 23 فبراير (شباط)، أي قبل موعدها بسبعة أشهر.

وعلى الرغم من السمعة العالمية التي اكتسبتها ألمانيا بفضل جودة منتجاتها، لم تشهد البلاد نمواً اقتصادياً حقيقياً منذ خمس سنوات. وقد تضافرت عدة عوامل لتحويلها من قوة صناعية رائدة إلى دولة متعثرة اقتصادياً بعد الجائحة، من بينها البيروقراطية المفرطة، ونقص العمالة الماهرة، وتباطؤ تبني التكنولوجيا، وغياب رؤية واضحة من الائتلاف الحاكم المنتهية ولايته. كما زادت الحرب في أوكرانيا وما تبعها من ارتفاع في أسعار الطاقة، إلى جانب تصاعد المنافسة الصينية، من تعقيد الوضع، وفق وكالة «أسوشييتد برس».

وتتصاعد الانتقادات من قطاع الأعمال مع اقتراب الانتخابات، ويقول الرئيس التنفيذي لشركة «إي بي إم-بابست»، المتخصصة في تصنيع المراوح الصناعية، كلاوس غيسدورفر: «نحن بحاجة إلى سياسات أكثر دعماً للشركات. لدينا مواهب متميزة في ألمانيا وشركات قوية، لكن على المستوى السياسي لا يوجد إدراك كافٍ لهذه الإمكانات».

وتُعد «إي بي إم-بابست» شركة رائدة عالمياً في مجالها، إذ تحقّق إيرادات سنوية تبلغ 2.5 مليار يورو (2.6 مليار دولار)، وتمتلك مصانع في ثلاث قارات. إلا أن الشركة شهدت العام الماضي تراجعاً بنسبة 4.1 في المائة في إيراداتها داخل السوق الألمانية، حيث تأثرت أعمالها في قطاع تقنيات التدفئة بانخفاض حاد بلغ 18.7 في المائة بسبب تطبيق سيئ لقانون الطاقة في المباني الذي يهدف إلى استبدال أنظمة التدفئة المعتمدة على الغاز بمضخات حرارية كهربائية أقل تلويثاً.

وقد تسبّب الغموض في تفاصيل القانون الذي قدّمه ائتلاف المستشار أولاف شولتس، في عزوف المستهلكين عن الاستثمار في أنظمة التدفئة الجديدة، إذ فضّل كثيرون الانتظار أو الإسراع في شراء أجهزة الغاز التقليدية قبل دخول القانون حيز التنفيذ، مما أضر بمبيعات مراوح المضخات الحرارية فائقة الهدوء التي تنتجها الشركة.

ويشكو غيسدورفر، مثل الكثير من رجال الأعمال، من التعقيدات البيروقراطية، مشيراً إلى أن قانون عام 2023 الذي يُلزم القطاعَيْن العام والخاص بخفض استهلاك الطاقة لمكافحة تغير المناخ، أجبر «إي بي إم-بابست» على تخصيص موظفين لإعداد تقارير مطوّلة حول التزام الشركة بالقانون، بدلاً من تنفيذ تدابير حقيقية لتوفير الطاقة. ويؤكد أن هذه الإجراءات تستهلك الوقت والموارد دون جدوى، وقال: «بدلاً من تنفيذ الحلول، نقضي وقتنا في إعداد التقارير».

التوترات الدولية تضاعف الأزمة

إلى جانب المشكلات الداخلية، تلقت ألمانيا ضربات اقتصادية من علاقاتها الدولية. فقد أدى دعم الحكومة الألمانية لأوكرانيا إلى قطع روسيا معظم إمدادات الغاز الطبيعي، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الكهرباء، وهو عامل رئيسي في تكلفة الإنتاج الصناعي. وباتت أسعار الكهرباء في ألمانيا أعلى بمقدار 2.5 ضعفاً مقارنة بالولايات المتحدة والصين.

وتوضح مجموعة «ميكانيندوس-فوغلسانغ»، المتخصصة في تصنيع الأجزاء الدقيقة لصناعة السيارات، أن تكلفة الكهرباء في مصانعها الألمانية تعادل ضعف نظيرتها في منشآتها في كنتاكي ونيوجيرسي بالولايات المتحدة، ما يضيف 100 ألف يورو إلى نفقاتها سنوياً، ويخلق «عائقاً تنافسياً هائلاً»، حسب الرئيس التنفيذي أولريش فلاتكن. ويؤكد: «لتجنّب المزيد من التصنيع خارج ألمانيا، وهو أمر يحدث بالفعل، نحن بحاجة ماسة إلى أسعار طاقة تنافسية على المستوى الدولي».

أما الصين التي كانت سوقاً مربحة للماكينات والسيارات الألمانية خلال العقد الماضي، فقد تحولت إلى منافس قوي بعد أن بدأت شركاتها تصنيع المنتجات ذاتها بدعم حكومي، مما أدى إلى تراجع الصادرات الألمانية إليها.

ونتيجة لهذه العوامل مجتمعة، انكمش الاقتصاد الألماني على مدار العامَيْن الماضيين، ولم يحقق سوى 0.3 في المائة نمواً منذ عام 2019، مقارنة بـ11.4 في المائة بالولايات المتحدة، و25.8 في المائة بالصين، وفقاً لمكتب الإحصاء الاتحادي الألماني.

من الركود الاقتصادي إلى آخر ذهني

يعتقد رئيس معهد الأبحاث الاقتصادية الألماني، مارسيل فراتشر، أن ألمانيا تأخرت في الاستجابة للتحولات التكنولوجية، مثل الانتقال إلى السيارات الكهربائية، بسبب حالة من الرضا عن الذات خلال سنوات الازدهار الاقتصادي في العقد الماضي.

ويشير إلى أن الشركات الألمانية «استمتعت بنجاحاتها في العقد الماضي، لكنها كانت بطيئة في إدراك الحاجة إلى التغيير والتكيف».

ومع استمرار الصعوبات الاقتصادية، تسود حالة من الإحباط الذهني، سواء بين رجال الأعمال أو المواطنين، مما يؤدي إلى تردد الشركات في الاستثمار.

ويرى الكثير من الاقتصاديين أن الحكومة المقبلة يجب أن تعمل على تخفيف القيود الدستورية على الديون لزيادة الإنفاق العام على البنية التحتية والتعليم. لكن فراتشر يتساءل عمّا إذا كان السياسيون قادرين على تبنّي «عقلية جديدة» تتناسب مع التحديات الراهنة.

وأضاف: «على مدار 75 عاماً، اعتمدت ألمانيا على التوافق والاستقرار وكثرة الضوابط والتوازنات، مما جعل التغيير السريع أمراً بالغ الصعوبة. نحن بحاجة إلى تغيير العقلية، وإدراك ضرورة تسريع التحولات الاقتصادية».