تأمين الغذاء اليومي في دمشق «كابوس» يلازم السوريين

أحد أحياء دمشق القديمة في العاصمة السورية (إ.ب.أ)
أحد أحياء دمشق القديمة في العاصمة السورية (إ.ب.أ)
TT

تأمين الغذاء اليومي في دمشق «كابوس» يلازم السوريين

أحد أحياء دمشق القديمة في العاصمة السورية (إ.ب.أ)
أحد أحياء دمشق القديمة في العاصمة السورية (إ.ب.أ)

بات هاجس تأمين القوت اليومي كابوساً يلازم الكثير من الأسر الدمشقية، مع التدهور الكبير في الوضع المعيشي، وفقدانها أي أمل بتحسن أوضعها المعيشية، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار إلى مستوى قياسي وتراجع قدرتها الشرائية إلى حد العدم.
ورغم وجود حركة نشطة للمارة في الأسواق التجارية، فإن القاسم المشترك الذي يبدو واضحاً هو ارتفاع منسوب اليأس لديهم من جراء ارتفاع لأسعار للمواد الغذائية.
ويعاني سوريون من تفاقم الأزمات الاقتصادية مع الانهيار غير المسبوق في سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، إذ قفز سعر الدولار من نحو 600 ليرة قبل شهرين ليلامس ألف ليرة نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ليعود ويحافظ على سعر ما بين 900 و910.
ومع التراجع الكبير في سعر صرف الليرة، شهدت أسعار المواد الغذائية وعموم المستلزمات المعيشية تحليقاً جنونياً جديداً، تجاوزت نسبته أكثر من 40 في المائة، إذ وصل سعر كيلو السكر إلى 450 ليرة بعد أن كان بنحو 250 ليرة، وسعر لتر الزيت النباتي إلى 1150 بعد أن كان بـ600 ليرة، بينما قفز سعر كيلو البطاطا إلى أكثر من 300 ليرة بعد أن كان بـ200 ليرة.
ولم تفلح الحملة التي أطلقها وزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد مؤخراً لمواجهة ارتفاع الأسعار، ودعوات خطباء المساجد التجار وأصحاب المحال التجارية إلى المساهمة في الحملة، لضرورة التكافل الاجتماعي، و«الإحسان للفقير»، وكذلك الحملات الرقابية التي شنتها وزارة التجارة الداخلية على الأسواق في ضبط الأسعار.
أحد أصحاب محال البيع، يوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن الغالبية العظمى من كبار التجار تتعامل مع الأسعار وفقاً لتقلبات سعر الصرف، ويقول: «بعض تجار المفرق يراعون أحوال المواطنين ويستمرون في البيع وفقاً للأسعار القديمة ولكن عندما تنفد البضاعة الموجودة لديهم سوف يشترون بالسعر الجديد وبالتالي سيرفعون الأسعار».
ويوضح، أنه «ليس من مصلحة باعة المفرق رفع الأسعار لأن ذلك سيؤدي إلى إحجام المواطنين عن الشراء، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تراجع مبيعات تجار المفرق كما هو الحال حالياً»، ويلفت إلى أن مبيعاته اليومية انخفضت إلى أكثر من 75 في المائة مع وصول كيلو «البن» إلى أكثر من 6 آلاف، بعد أن كان بـ3500 ليرة.
ويتراوح متوسط رواتب وأجور العاملين في القطاع العام بين 20 ألف ليرة و40 ألف ليرة شهرياً، وفي القطاع الخاص بين 100 ألف ليرة و150 ألف ليرة شهرياً، في حين يحتاج الفرد إلى أكثر من 100 ألف ليرة للعيش بالحد الأدنى، بينما تؤكد دراسات وتقارير أن أكثر من 93 في المائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
موظف في مؤسسات حكومية، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أصبحنا نهجس طوال الليل والنهار في كيفية تأمين طعام العائلة. الأمر بات كابوساً لا يفارقنا»، ويضيف: «من الممكن أن يستغني المرء عن اللحم، الفروج والحلويات، ولكن كيف يمكنه الاستغناء عن الخبز والبيض؟»، ويؤكد أن راتب الموظف الحكومي يكاد لا يكفي سوى لبضعة أيام.
موظف آخر في شركة خاصة، يرى أن مواصلة الحياة في ظل الظروف المعيشية الحالية بات «أمر شبه مستحيل»، ويؤكد أن معظم العائلات تعيش دون تدفئة رغم موجة البرد القارس التي تضرب البلاد منذ أكثر من أسبوعين، ويقول: «غالبية الأسر مداخليها لا تسمح لها بشراء كمية المازوت التي تخصصها الحكومة للعائلات، وغاز (تستخدمه بعض العائلات في التدفئة) لا يوجد في البلاد منذ بداية فصل الشتاء، إضافة إلى ذلك جاءت موجة الغلاء الجديدة لتفقد المواطن أي أمل بتحسن وضعه المعيشي».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.