اغتيال سليماني يفاقم تعقيدات الوضع اللبناني سياسياً وأمنياً

عون أبرق إلى روحاني معزياً ومديناً «الجريمة»

TT

اغتيال سليماني يفاقم تعقيدات الوضع اللبناني سياسياً وأمنياً

أرخت عملية اغتيال قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني قاسم سليماني في العراق، بظلالها على الوضع اللبناني بكل تعقيداته السياسية والأمنية، خصوصاً أن «حزب الله» معني مباشرة بهذا الاغتيال وتعهد بمواصلة مسيرة سليماني والانتقام من قتلته، من دون تحديد نوعية هذا الردّ ومكانه وتوقيته.
وتتضارب المعلومات عمّا إذا كان مقتل سليماني سيسرّع ولادة الحكومة اللبنانية، إذ توقّعت مصادر سياسية قريبة من «حزب الله»، أن تؤخّر العملية ولادتها، وأشارت لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «أولويات الحزب تبدّلت بعد الدخول بمرحلة مواجهة مع الأميركيين، وهو بات مضطراً لأن يتمثّل سياسيا في الحكومة، بعد أن وافق على تشكيل حكومة تكنوقراط تلبي مطالب الانتفاضة الشعبية».
وأبرق الرئيس اللبناني العماد ميشال عون أمس إلى الرئيسين الإيراني حسن روحاني، والعراقي برهم صالح معزياً ومديناً اغتيال قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس.
وقال عون، في برقيته للرئيس روحاني: «تلقيت بألم نبأ اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني ومجموعة من المسؤولين والمرافقين، في توقيت بالغ الدقة في منطقة الشرق الأوسط، وبما يمكن أن يرفع حجم التحديات التي تواجهها دول المنطقة، ومنسوب التوتر والتهديدات الأمنية». وأكد إدانة لبنان «للجريمة التي أدَّت إلى مقتل اللواء سليماني وصحبه».
ووجّه الرئيس عون برقية مماثلة إلى الرئيس العراقي برهم صالح، معزياً ومديناً الجريمة التي أدت إلى اغتيال نائب قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.
وأعلنت وزارة الخارجية والمغتربين أنها تنظر بقلق إلى ما حصل في بغداد فجر أمس، ودانت عملية الاغتيال، واعتبرتها «انتهاكا لسيادة العراق وتصعيدا خطيرا ضد إيران من شأنه زيادة التوتر في المنطقة».
وأكدت وزارة الخارجية، أن «لبنان يشجع دوما تغليب منطق الحوار وضبط النفس والحكمة لحل المشاكل بدلا من استعمال القوة والعنف في العلاقات الإقليمية والدولية» كما دعت «إلى تجنيب المنطقة تداعيات الاغتيال وإبعاد لبنان عن انعكاسات هذا الحادث الخطير لأنه أحوج ما يكون إلى الاستقرار الأمني والسياسي لتأمين خروجه من الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة».
وتقدم أمين عام «حزب الله» حسن نصرالله إلى المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي بالتعزية بمقتل سليماني. وقال: «سنكمل طريقه وسنعمل في الليل والنهار لنحقق أهدافه». واعتبر نصرالله «أن القصاص العادل من قتلته المجرمين الذين هم أسوأ أشرار هذا العالم سيكون مسؤولية وأمانة وفعل كل المقاومين والمجاهدين على امتداد العالم»، مؤكداً أن «القتلة الأميركيين لن يستطيعوا أن يحققوا أياً من أهدافهم بجريمتهم الكبيرة».
ولم يعد الاهتمام اللبناني منصباً على الملفّ السياسي والاقتصادي والمالي، بعد أن قفز الوضع الأمني إلى الواجهة، ودخل اللبنانيون فترة ترقّب لما سيتضمنه كلام نصرالله غداً الأحد، الذي سيحدد فيه طبيعة الردّ على مقتل سليماني، وإذ لفت الخبير العسكري والاستراتيجي العميد المتقاعد نزار عبد القادر إلى أن «خيارات الردّ مفتوحة أمام «حزب الله» وكلّ حلفاء إيران في المنطقة»، استعبد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن يختار «أهداف الردّ داخل إسرائيل، لأنه يدرك أن ذلك سيقود إلى حرب واسعة لا تريدها إيران على الإطلاق»، متوقعاً أن «يلجأ الحزب إلى التصعيد ضدّ الأميركيين، سواء بعمليات استفزازية ضدّ السفارة الأميركية في لبنان، أو عبر جبهات إيران الواسعة في المنطقة، وربما ضدّ الدول الحليفة للولايات المتحدة الأميركية».
وفيما يرى مراقبون أن تسريع تشكيل الحكومة بات أمراً ملحاً، اعتبر منسق الأمانة العامة لقوى «14 آذار» النائب السابق فارس سعيد، أن «أي حكومة سيشكلها «حزب الله» وحلفاؤه، ستكون هزيلة أمام ضخامة أحداث المنطقة». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تشكيل الحكومة سيأتي تحت عنوان تحدي الإدارة الأميركية، وربما حكومة المواجهة». وقال سعيد «إذا كانت وزارة الخارجية (اللبنانية) في ظلّ حكومة مستقيلة، متضامنة إلى أقصى الحدود مع طهران، وغير آبهة بتعريض مصالح لبنان للخطر، فكيف الحال مع حكومة جديدة ستكون تحت رحمة «حزب الله» وهي لن تكون بمستوى طموحات اللبنانيين؟».
وذكر الدكتور سعيد أن ما بعد هذا الاغتيال لن يكون كما قبله»، مشيراً إلى أن «إيران بنت شرعيتها على الهيبة العسكرية والأمنية بشخص قاسم سليماني، والآن ضربوا هيبة إيران، وهذه الهيبة بدأت بالانحدار».
واستبعد الوزير والنائب السابق محمد عبد الحميد بيضون، قيام «حزب الله» بردّ عبر جنوب لبنان باتجاه إسرائيل، لأن هذا الردّ سيؤدي إلى حرب كبرى. وشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «الموقف الأميركي بات واضحاً للغاية، حيث أعلن ترمب أن أي عملية تستهدف مصالح أميركا وحلفائها، سيكون الردّ عليها في عمق إيران». ولم يستبعد سعيد أن «تستخدم طهران «حزب الله» في عمليات اغتيال خارج لبنان»، مؤكداً أن «عملية اغتيال سليماني ستسرّع خطوات تشكيل حكومة لبنانية جديدة، تكون طيّعة لإرادة «حزب الله»، لكنها ستضع لبنان في عزلة».



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».