الحكايات الخلفية لأسوأ فيلم كبير لعام 2019

سينما الميوزيكال تعاني من القطط

تايلور سويفت إحدى قطط «كاتس»
تايلور سويفت إحدى قطط «كاتس»
TT

الحكايات الخلفية لأسوأ فيلم كبير لعام 2019

تايلور سويفت إحدى قطط «كاتس»
تايلور سويفت إحدى قطط «كاتس»

ما زالت آثار الهزة الاقتصادية التي ألمّت بفيلم «كاتس» (قطط) موضوعاً متداولا في هوليوود وفي الميديا الأوروبية. كيف يمكن لفيلم غنائي يستند إلى مسرحية قُدمت على خشبات لندن ونيويورك وباريس وشيكاغو وسواها ودرّت عشرات ملايين الدولارات (وربما أكثر) منذ السبعينات وإلى اليوم، تقع من يومها الأول في صالات السينما؟ أين يكمن اللوم؟ الجمهور الذي لم يثره الموضوع بأسره؟ أو التوزيع الذي لم ينتظر حتى لتجهيز نسخة تقنية أفضل من تلك التي لديه؟ أم لهوة تفاهم كبيرة بين المخرج (توم هوبر) ومنتجيه وبينهم وبين شركات المؤثرات الصناعية (ست شركات كل منها قام بوظيفة مختلفة)؟ أم يقع اللوم على مخرج لم يكن في الأساس مهيأ لتقديم فيلم يقوم على مسرحية فانتازية - غنائية أرادها شيئا لكنها انقلبت لشيء آخر؟
- النية والنتيجة
الخسارة كبيرة. شركة يونيفرسال تبنّت الفيلم الذي أشرفت شركة «ووركينغ تايتل» البريطانية على إنتاجه. التبنّي، بلغة الصناعة تعني ضخ الميزانية المطلوبة للشركة التي تؤسس العمل السينمائي وتتابعه من مرحلة الولادة كمشروع إلى مرحلة الإنجاب ثم تولي توزيعه واقتطاع مصروفاتها وأسهم صالات السينما من العائدات الأولى قبل تسليم ما تبقى للشركة الأم (إلا إذا ما اشترت حصة تلك الشركة مسبقاً).
لكن هذا الوضع لم يتم والفيلم تعرض لانزلاق غضروفي عند «شبابيك» التذاكر ثم توفي بالصدمة بعد أول «ويك - إند» من العروض إذ لم ترتفع إيراداته عن 7 ملايين دولار وهو الذي تكلف 95 مليون دولار لتحقيقه وملايين أخرى لترويجه.
«وبرٌ كثير»، كتب أحد النقاد شاكياً، وأقسم آخر «على كومة من شرائح الحلوى»، كما قال، على أنه أسوأ فيلم شاهده في سنة 2019. وحوّل ناقد «غارديان» البريطاني بيتر برادشو نصّه إلى شعر ساخر. وكتب آخر: «هذا فيلم يجب ألا يراه الإنس».
لكن الإنس هم الذين صنعوه في نهاية الأمر. ممثلون كبار وموهوبون في سنوات العمل الأولى في حياتهم شاركوا القفز في أرجاء القاعة الكبيرة التي تدور فيها ما يمكن - تجاوزاً - تسميته بالأحداث. من بينهم جيمس كوردن، جودي دنش، جنيفر هدسون، إدريس إلبا، إيان مكيلين، تايلور سويفت و«قطط» أخرى جالت في تلك القاعة تموء وتتكلم وتغني.
الاعتقاد الغالب لدى هذا الناقد أن النية كانت مجرد نقل المسرحية إلى الشاشة على نحو لا يتلاعب بالعناصر المكوّنة للنجاح الذي حققته على الخشبة. لذلك تم وضع سيناريو يوازي الجهد المسرحي والموسيقي المبذول وبشخصيات لا تبتعد مطلقاً عن تلك التي أدّت أدوارها على خشبة المسرح.
المتوخى بذلك، وعبر سيناريو تقرأه لكي تنام، الانضمام إلى مجموعة من الأفلام الموسيقية الحديثة التي نالت نجاحات جيدة خلال الأعوام القليلة الماضية وهي: «مولد نجمة» و«بوهيميان راسبودي» و«البائسون»، وأخرى كان للغناء نصيب كبير من قوامها مثل تلك الرسومات المتحركة التي أقدمت عليها شركة وولت ديزني مثل «ذا ليون كينغ» و«علاء الدين» و«فروزن 2».
ليس أن كل فيلم ميوزيكال (يُطلق الوصف على أفلام يمتزج فيها الغناء بتصميم مشاهد راقصة أو استعراضية) تم إنتاجه خلال السنوات الثلاث الأخيرة حقق نجاحاً كبيراً فنجاح «روكتمان» كان محدوداً، كذلك فيلم «يوم أمس» و«ماري بوبنز تعود» على سبيل المثال. لكن ليس لأي فيلم فاشل من هذا النوع تلك الميزانية الكبيرة ولا هذا الحشد من النجوم ولا هو قوبل بهذا الحجم من الصد نقدياً وجماهيرياً.
- نماذج أخرى
لكن «كاتس» لم يرد أن يكون واحداً من هذه المجموعة من الأفلام. أراد اللحاق بأعمال حققت نجحاً أميركياً كبيراً في السابق مثل «شيكاغو» لروب مارشال. لكن ذاك كان فيلماً بحكاية مثيرة وخيال ممتع. عنصران يخلو منهما هذا الفيلم. القصة، والكلمة مجازية أو رمزية كيفما قلبتها، تحتوي على عدد كبير من القطط في حفل سنوي كبير يتم فيه اختيار القط الفائز بحياة جديدة بناء على القول السائد بأن لديها تسع أرواح.
لكن قطط الفيلم ليس لديها سوى روح واحدة تلاشت حالما أدرك المشاهد - ربما من المقدمات على اليوتيوب وسواها من المواقع - أنه سيسمع الكثير من المواء ويشاهد القليل من الأحداث.
المشكلة الأكبر هي أن الفيلم قُصد به فعلياً ألا يعتمد على الأحداث بل على تتابعات المشاهد الاستعراضية التي تصبو لجذب الاهتمام وتحريك المشاعر عبر فكرة الاهتمام بالصورة وحدها. هذا المفهوم المجرد نجح كثيراً على المسرح كونه قام على أساس أن الرقص والغناء فوق الخشبة هو المكان الأصلح للتقدير بين كل أدوات التعبير الدرامي. في السينما هذا وحده لا يكفي كما برهن «شيكاغو» و«كباريه» لبوب فوسي على سبيل المثال.
في هذا الوضع فإن «كاتس» شبيه بأول فيلم غنائي نال الأوسكار في تاريخ تلك الجائزة وهو «ذا برودواي مالودي» (1929) الذي حققه هاري بيومونت حول شقيقتين تدخلان عالم الغناء والرقص الاستعراضي، ومجموعة من الرجال الهائمين حولهما لمنافع شخصية. ذلك الفيلم بدوره دار في رحى قاعة راقصة (معظم الوقت) لكنه تضمّن على الأقل خيطاً، ولو نحيفاً، لقصّة.
يونيفرسال كانت وعدت أعضاء الأكاديمية بنسخ جديدة لكي يتم التصويت لها أو عليها. غايتها في ذلك ضمان دخول الترشيحات عبر هذا الفيلم نسبة لتاريخ من العلاقة المتينة بين سينما الميوزيكال وجوائز الأوسكار. كل من «كباريه» و«شيكاغو» نال الأوسكار كذلك «صوت الموسيقى» و«قصة الحي الغربي» و«أوليفر» و«سيدتي الجميلة» وصولاً إلى «لالا لاند» (2016) الذي حظي بأربعة عشر ترشيحاً نال منها ست جوائز أوسكار بينها أفضل فيلم وأفضل إخراج (داميان شازيل).
وفي حين أن ليس كل فيلم ميوزيكال رابح كان تحفة في نوعه كون بعضها عانى من مشاكل فنية أو درامية، لكنها جميعاً تمتعت بالعنصر الأساسي لفيلم ميوزيكال وهو التصميم الإنتاجي الذي يوفّر الترفيه والحبور والمتعة الممتزجة جيداً بين الإصغاء للأغاني وبين مشاهدتها بتصاميم لا دخل للشاشة الخضراء وتقنيات العصر المستحدثة بها.
شركة يونيفرسال العتيدة ارتأت عوض إرسال نسخ جديدة متطورّة سحب هذا الفيلم من الترشيحات تماماً مدركة أن لا شيء يمكن له إنقاذ الفيلم أو إعادة الروح إلى قططه. بذلك قررت الاكتفاء بخسارتها المادية وتلعق وبرها لتنظيف ما علق به من جروح.


مقالات ذات صلة

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.