ما زالت آثار الهزة الاقتصادية التي ألمّت بفيلم «كاتس» (قطط) موضوعاً متداولا في هوليوود وفي الميديا الأوروبية. كيف يمكن لفيلم غنائي يستند إلى مسرحية قُدمت على خشبات لندن ونيويورك وباريس وشيكاغو وسواها ودرّت عشرات ملايين الدولارات (وربما أكثر) منذ السبعينات وإلى اليوم، تقع من يومها الأول في صالات السينما؟ أين يكمن اللوم؟ الجمهور الذي لم يثره الموضوع بأسره؟ أو التوزيع الذي لم ينتظر حتى لتجهيز نسخة تقنية أفضل من تلك التي لديه؟ أم لهوة تفاهم كبيرة بين المخرج (توم هوبر) ومنتجيه وبينهم وبين شركات المؤثرات الصناعية (ست شركات كل منها قام بوظيفة مختلفة)؟ أم يقع اللوم على مخرج لم يكن في الأساس مهيأ لتقديم فيلم يقوم على مسرحية فانتازية - غنائية أرادها شيئا لكنها انقلبت لشيء آخر؟
- النية والنتيجة
الخسارة كبيرة. شركة يونيفرسال تبنّت الفيلم الذي أشرفت شركة «ووركينغ تايتل» البريطانية على إنتاجه. التبنّي، بلغة الصناعة تعني ضخ الميزانية المطلوبة للشركة التي تؤسس العمل السينمائي وتتابعه من مرحلة الولادة كمشروع إلى مرحلة الإنجاب ثم تولي توزيعه واقتطاع مصروفاتها وأسهم صالات السينما من العائدات الأولى قبل تسليم ما تبقى للشركة الأم (إلا إذا ما اشترت حصة تلك الشركة مسبقاً).
لكن هذا الوضع لم يتم والفيلم تعرض لانزلاق غضروفي عند «شبابيك» التذاكر ثم توفي بالصدمة بعد أول «ويك - إند» من العروض إذ لم ترتفع إيراداته عن 7 ملايين دولار وهو الذي تكلف 95 مليون دولار لتحقيقه وملايين أخرى لترويجه.
«وبرٌ كثير»، كتب أحد النقاد شاكياً، وأقسم آخر «على كومة من شرائح الحلوى»، كما قال، على أنه أسوأ فيلم شاهده في سنة 2019. وحوّل ناقد «غارديان» البريطاني بيتر برادشو نصّه إلى شعر ساخر. وكتب آخر: «هذا فيلم يجب ألا يراه الإنس».
لكن الإنس هم الذين صنعوه في نهاية الأمر. ممثلون كبار وموهوبون في سنوات العمل الأولى في حياتهم شاركوا القفز في أرجاء القاعة الكبيرة التي تدور فيها ما يمكن - تجاوزاً - تسميته بالأحداث. من بينهم جيمس كوردن، جودي دنش، جنيفر هدسون، إدريس إلبا، إيان مكيلين، تايلور سويفت و«قطط» أخرى جالت في تلك القاعة تموء وتتكلم وتغني.
الاعتقاد الغالب لدى هذا الناقد أن النية كانت مجرد نقل المسرحية إلى الشاشة على نحو لا يتلاعب بالعناصر المكوّنة للنجاح الذي حققته على الخشبة. لذلك تم وضع سيناريو يوازي الجهد المسرحي والموسيقي المبذول وبشخصيات لا تبتعد مطلقاً عن تلك التي أدّت أدوارها على خشبة المسرح.
المتوخى بذلك، وعبر سيناريو تقرأه لكي تنام، الانضمام إلى مجموعة من الأفلام الموسيقية الحديثة التي نالت نجاحات جيدة خلال الأعوام القليلة الماضية وهي: «مولد نجمة» و«بوهيميان راسبودي» و«البائسون»، وأخرى كان للغناء نصيب كبير من قوامها مثل تلك الرسومات المتحركة التي أقدمت عليها شركة وولت ديزني مثل «ذا ليون كينغ» و«علاء الدين» و«فروزن 2».
ليس أن كل فيلم ميوزيكال (يُطلق الوصف على أفلام يمتزج فيها الغناء بتصميم مشاهد راقصة أو استعراضية) تم إنتاجه خلال السنوات الثلاث الأخيرة حقق نجاحاً كبيراً فنجاح «روكتمان» كان محدوداً، كذلك فيلم «يوم أمس» و«ماري بوبنز تعود» على سبيل المثال. لكن ليس لأي فيلم فاشل من هذا النوع تلك الميزانية الكبيرة ولا هذا الحشد من النجوم ولا هو قوبل بهذا الحجم من الصد نقدياً وجماهيرياً.
- نماذج أخرى
لكن «كاتس» لم يرد أن يكون واحداً من هذه المجموعة من الأفلام. أراد اللحاق بأعمال حققت نجحاً أميركياً كبيراً في السابق مثل «شيكاغو» لروب مارشال. لكن ذاك كان فيلماً بحكاية مثيرة وخيال ممتع. عنصران يخلو منهما هذا الفيلم. القصة، والكلمة مجازية أو رمزية كيفما قلبتها، تحتوي على عدد كبير من القطط في حفل سنوي كبير يتم فيه اختيار القط الفائز بحياة جديدة بناء على القول السائد بأن لديها تسع أرواح.
لكن قطط الفيلم ليس لديها سوى روح واحدة تلاشت حالما أدرك المشاهد - ربما من المقدمات على اليوتيوب وسواها من المواقع - أنه سيسمع الكثير من المواء ويشاهد القليل من الأحداث.
المشكلة الأكبر هي أن الفيلم قُصد به فعلياً ألا يعتمد على الأحداث بل على تتابعات المشاهد الاستعراضية التي تصبو لجذب الاهتمام وتحريك المشاعر عبر فكرة الاهتمام بالصورة وحدها. هذا المفهوم المجرد نجح كثيراً على المسرح كونه قام على أساس أن الرقص والغناء فوق الخشبة هو المكان الأصلح للتقدير بين كل أدوات التعبير الدرامي. في السينما هذا وحده لا يكفي كما برهن «شيكاغو» و«كباريه» لبوب فوسي على سبيل المثال.
في هذا الوضع فإن «كاتس» شبيه بأول فيلم غنائي نال الأوسكار في تاريخ تلك الجائزة وهو «ذا برودواي مالودي» (1929) الذي حققه هاري بيومونت حول شقيقتين تدخلان عالم الغناء والرقص الاستعراضي، ومجموعة من الرجال الهائمين حولهما لمنافع شخصية. ذلك الفيلم بدوره دار في رحى قاعة راقصة (معظم الوقت) لكنه تضمّن على الأقل خيطاً، ولو نحيفاً، لقصّة.
يونيفرسال كانت وعدت أعضاء الأكاديمية بنسخ جديدة لكي يتم التصويت لها أو عليها. غايتها في ذلك ضمان دخول الترشيحات عبر هذا الفيلم نسبة لتاريخ من العلاقة المتينة بين سينما الميوزيكال وجوائز الأوسكار. كل من «كباريه» و«شيكاغو» نال الأوسكار كذلك «صوت الموسيقى» و«قصة الحي الغربي» و«أوليفر» و«سيدتي الجميلة» وصولاً إلى «لالا لاند» (2016) الذي حظي بأربعة عشر ترشيحاً نال منها ست جوائز أوسكار بينها أفضل فيلم وأفضل إخراج (داميان شازيل).
وفي حين أن ليس كل فيلم ميوزيكال رابح كان تحفة في نوعه كون بعضها عانى من مشاكل فنية أو درامية، لكنها جميعاً تمتعت بالعنصر الأساسي لفيلم ميوزيكال وهو التصميم الإنتاجي الذي يوفّر الترفيه والحبور والمتعة الممتزجة جيداً بين الإصغاء للأغاني وبين مشاهدتها بتصاميم لا دخل للشاشة الخضراء وتقنيات العصر المستحدثة بها.
شركة يونيفرسال العتيدة ارتأت عوض إرسال نسخ جديدة متطورّة سحب هذا الفيلم من الترشيحات تماماً مدركة أن لا شيء يمكن له إنقاذ الفيلم أو إعادة الروح إلى قططه. بذلك قررت الاكتفاء بخسارتها المادية وتلعق وبرها لتنظيف ما علق به من جروح.
الحكايات الخلفية لأسوأ فيلم كبير لعام 2019
سينما الميوزيكال تعاني من القطط
الحكايات الخلفية لأسوأ فيلم كبير لعام 2019
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة