«الاقتصاد» يهدد بوتين بأوقات عصيبة في 2020 رغم انتصارات 2019 الخارجية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
TT

«الاقتصاد» يهدد بوتين بأوقات عصيبة في 2020 رغم انتصارات 2019 الخارجية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

يحذر المحللون من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيواجه أوقاتاً عصيبة، في حال عدم انعكاس الارتفاع البسيط في قيمة الروبل على زيادة في الدخول الحقيقية للمواطنين الروس، رغم تصاعد نفوذ الرئيس الروسي في الشؤون العالمية.
وتراجعت شعبية الرئيس بوتين بنسبة نحو 20 في المائة مقارنة بالمعدل المرتفع الذي تمتع به خلال فترة الفورة والحماس القومي في أعقاب ضم روسيا منذ 5 أعوام إقليم القرم الذي كان تابعاً لدولة أوكرانيا المجاورة، وذلك وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.
وعلى الرغم من ذلك؛ استمرت معدلات شعبية بوتين فوق مؤشر 60 في المائة، وجاءت معدلات التأييد الشعبي للرئيس الروسي بعد ضم القرم رغم انخفاض قيمة الروبل، والذي تم إلقاء مسؤولية تراجعه أمام العملات الدولية على العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على روسيا بعد ضمها القرم، وكانت لها تداعيات سلبية على الاقتصاد الروسي، غير أن المشكلات التي عانى منها الروبل استمرت، مما أدى إلى التسبب في مصاعب اقتصادية طويلة المدى كشفت عن شروخ في التأييد الواسع لبوتين، الذي ظل في السلطة لعقدين من الزمان؛ رئيساً للبلاد ورئيساً للوزراء.
وقال ديار أوتال، وهو خبير في الشؤون الإقليمية الروسية: «على الصعيد الداخلي يواجه الكرملين اقتصاداً يعاني من الركود بشكل مزمن، ويرجع السبب في عدم القدرة على تحقيق النمو إلى مسائل متعلقة بالجوانب المؤسسية ليست لها علاقة بالعقوبات الغربية».
وتقلص دخل الفرد وفقاً للقيمة الحقيقية للعملة خلال معظم فترات السنوات الست الماضية.
وأوضح أوتال الحاصل على درجة علمية من «مركز ديفيس للدراسات الروسية والأوراسية» التابع لجامعة هارفارد، أن «بوتين لم يحقق إنجازات خلال عام 2019، ومن غير المرجح أن يحقق شيئاً خلال الأعوام المقبلة فيما يتعلق بتوقعات المواطنين الأساسية بتحسين مستويات معيشتهم».
وتحولت الاحتجاجات التي اندلعت في منتصف الصيف الماضي، بسبب استبعاد كثير من السياسيين المعارضين البارزين من الترشح في الانتخابات المحلية التي جرت في العاصمة موسكو، إلى حركة واسعة معارضة للحكومة اجتاحت أنحاء البلاد.
وكانت هذه الحركة الكبرى منذ أن استعاد بوتين منصب الرئيس عام 2012، بعد أن تولى لفترة محددة منصب رئيس الوزراء.
وأشار استطلاع أجراه أكبر مركز مستقل لاستطلاع الرأي العام في روسيا مؤخراً في مختلف أنحاء البلاد، إلى أن معظم الشباب الروسي حتى سن 24 عاماً يريدون أن يهاجروا إلى الخارج بشكل دائم، وكانت هذه هي النسبة الأعلى في هذا الصدد منذ عقد من الزمان.
ويقول إيفان كوريلا، الخبير السياسي الروسي، إن «بوتين لم تكن لديه أهداف محددة واضحة على الصعيد الداخلي عام 2019، وتمت إعادة انتخاب بوتين بصورة آمنة عام 2018، ولا تزال الفترة الباقية حتى إجراء انتخابات رئاسية جديدة طويلة، حيث سيتم تنظيمها عام 2024، وليست هناك مؤشرات قوية تدل على أن قوة ونفوذ بوتين معرضان للخطر».
ويضيف كوريلا؛ الذي يعمل أستاذاً للعلاقات الدولية في الجامعة الأوروبية بمدينة سان بطرسبرغ، أن «مستوى الاحتجاجات وقوتها ليس كافياً ليشكل تحدياً حقيقياً لحكم بوتين، غير أن هذه الاحتجاجات جعلت مرؤوسيه مثل عمدة موسكو سيرغي سوبيانين أو رؤساء أجهزة الأمن يشعرون بالتوتر».
ويعتقد أكثر من ثلثي الروس أن حكومتهم لا تعمل لصالح شعبها، وذلك وفقاً لاستطلاع آخر للرأي العام أجراه مؤخراً مركز «ليفادا» المستقل الذي يتمتع بالاحترام.
وأوضح كوريلا لوكالة الأنباء الألمانية أن بوتين الذي ليست في جعبته أهداف محلية يحققها، يسعى إلى تحقيق إنجازات على صعيد العلاقات الخارجية، وهذا الاتجاه يمثل نقلة من انتهاج السياسات الدفاعية عن المواقف التي كانت لها الأولوية وسط أزمة ضم القرم.
وقال كوريلا إنه «منذ عام 2014 كانت السياسة الخارجية لبوتين تسودها اتجاهات الدفاع عن المواقف، ولكن في عام 2019 بدأت هذه السياسات تبدو كمحاولة للتخلص من العزلة الدولية والعقوبات».
وبعد أن تمت تبرئة ساحة روسيا من بعض التهم بوجود مؤامرة روسية للتدخل في مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية في «تقرير موللر»، دعا بوتين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لزيارة منتجع سوتشي الروسي، وفي هذا الصدد يقول كوريلا: «يمكننا أن نفترض أن بوتين لديه قدر من الآمال في تحسن العلاقات الأميركية - الروسية بشكل ملحوظ».
وأضاف كوريلا: «من الوهلة الأولى؛ يبدو مجال العلاقات الخارجية في عام 2019 أفضل بالنسبة لبوتين مقارنة بالأعوام السابقة، بينما كانت السياسات الداخلية محفوفة بالمشكلات». وتابع كوريلا: «غير أن السياسة الخارجية لبوتين لم تحرز نجاحاً كبيراً، لأنه لم يحدث تقدم حقيقي في ملفاتها، كما أن الولايات المتحدة ما زالت تفرض عقوبات جديدة على روسيا».
وأدت 3 مشروعات جديدة لمد خطوط أنابيب للغاز الروسي، وهي على وشك التشغيل حالياً أو يتوقع تشغيلها في المستقبل القريب، إلى كل من الصين وألمانيا وتركيا، إلى زيادة نسبتها 5 في المائة في قيمة الروبل خلال الأشهر الأخيرة، رغم الإعلان مؤخراً عن فرض عقوبات أميركية على مشروع خط الغاز المتجه إلى ألمانيا.
وأيضا حققت القوات المسلحة الروسية تفوقاً حاسماً على الولايات المتحدة في سوريا، حيث سحبت واشنطن قواتها من حرب لا تلقى قبولاً شعبياً في الداخل الأميركي.
ومن ناحية أخرى؛ حقق بوتين تقدماً أيضاً وسط الخلافات والنزاعات داخل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، حيث دعم العلاقات الروسية مع كل من تركيا وفرنسا؛ وهما عضوان بالحلف.
وفي كتابها بعنوان «أسطورة بوتين»، وهو دراسة لفترة حكم الرئيس الروسي الطويلة، تقول آنا أروتونيان: «المشكلة تتمثل في أن المكاسب التي حققها بوتين ليست في الحقيقة إنجازات مباشرة لبوتين من صنعه، ولكنها قرارات اتخذها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وليست لها علاقة تذكر بالجانب الروسي».
ويعرب الخبير السياسي أوتال عن رأي مماثل، فيقول: «هناك حدود للمدة الزمنية التي يمكن خلالها أن يشتت النجاحُ البادي على الساحة الدولية، الانتباهَ بعيداً عن عدم قدرة بوتين على تلبية التوقعات الداخلية لمواطنيه».



قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
TT

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)
ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

رئيس أميركي جديد... حرب تجارية مهددة... استمرار تعثر اقتصاد الصين... اضطرابات سياسية في مراكز القوة بأوروبا... توترات جيوسياسية في الشرق الأوسط... يبدو أن عام 2025 سيكون عاماً آخر استثنائياً. فكيف سيشكل كل ذلك الاقتصاد العالمي في عام 2025؟

في عام 2024، اتجه الاقتصاد العالمي نحو التحسن في ظل تباطؤ معدلات التضخم، رغم استمرار المخاطر.

لكن العام المقبل يقف عند منعطف محوري. فمن المرجح أن يرفع الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب الرسوم الجمركية، واضعاً حواجز حمائية حول أكبر اقتصاد في العالم، بينما سيستمر قادة الصين في التعامل مع عواقب العيوب الهيكلية داخل نموذج النمو في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. أما منطقة اليورو، فستظل محاصرة في فترة من النمو المنخفض للغاية.

ترمب ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو يتحدثان قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي (أ.ب)

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، يُتوقع أن يظل الاقتصاد العالمي ككل مرناً نسبياً في 2025. ويفترض صندوق النقد الدولي بتقرير نشره في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أي قبل حسم نتائج الانتخابات الأميركية، أن يظل النمو ثابتاً عند 3.2 في المائة بالعام المقبل، وهو نفسه الذي توقعه لعام 2024. بينما التوقعات بتباطؤ النمو في الولايات المتحدة إلى 2.2 في المائة في عام 2025، من 2.8 في المائة في عام 2024، مع تباطؤ سوق العمل. في حين توقعت جامعة ميشيغان في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بأميركا إلى 1.9 في المائة في عام 2025.

وفي منطقة اليورو، من المتوقع أن يبلغ النمو 1.2 في المائة في عام 2025، وهو أضعف قليلاً من توقعات الصندوق السابقة. ويشار هنا إلى أن الأحداث السياسية في كل من فرنسا وألمانيا سيكون لها وقعها على نمو منطقة اليورو ككل. فالسياسات الاقتصادية الفرنسية والألمانية تعوقها حالة كبيرة من عدم اليقين السياسي بعد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي ميشال بارنييه ضحية الموازنة، وانهيار الائتلاف الحكومي في ألمانيا للسبب نفسه.

أما الصين، فيتوقع الصندوق أن ينمو ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 في المائة في عام 2025 مع مخاوف تحديات استمرار ضعف سوق العقارات، وانخفاض ثقة المستهلكين والمستثمرين، وذلك في وقت تكافح فيه بكين للتوفيق بين إعادة توجيه استراتيجيتها للنمو والضغوط قصيرة الأجل لإجراءات التحفيز غير المكتملة. لكن وكالة «فيتش» أقدمت منذ أيام على خفض توقعاتها السابقة بالنسبة لنمو الاقتصاد الصيني من 4.5 في المائة إلى 4.3 في المائة.

موظف يعمل بشركة تصنيع قطع غيار سيارات في تشينغتشو (أ.ف.ب)

السياسة النقدية في 2024

لقد كان من الطبيعي أن يمثل تباطؤ التضخم المسجل في عام 2024، أرضية لبدء مسار خفض أسعار الفائدة من قبل المصارف المركزية الكبرى. وهو ما حصل فعلاً. فالاحتياطي الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة الفيدرالية مرتين وبمقدار 75 نقطة أساس حتى نوفمبر 2024 - و25 نقطة أساس أخرى متوقعة باجتماع في 17 و18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي - لتصل إلى 4.50 - 4.75 في المائة، رغم نمو الاقتصاد بواقع 3 في المائة.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يتحدث إلى رئيسة المصرف المركزي الأوروبي كريستين لاغارد ويتوسطهما محافظ بنك اليابان كاز أودا في مؤتمر «جاكسون هول» (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فأجرى خفضاً للفائدة 4 مرات في 2024 وبواقع 25 نقطة أساس كل مرة إلى 3.00 في المائة بالنسبة لسعر الفائدة على الودائع.

بنك إنجلترا من جهته، خفّض أسعار الفائدة مرتين بمقدار 25 نقطة أساس (حتى اجتماعه في نوفمبر).

باول ومحافظ بنك إنجلترا أندرو بيلي ورئيس بنك كندا المركزي تيف ماكليم (رويترز)

وبالنسبة لبنك الشعب (المصرف المركزي الصيني)، فلقد كان التيسير مع مجموعة أدواته الموسعة حافلاً هذا العام، حيث تم الإعلان عن إصلاح إطار عمل جديد للسياسة النقدية في شهر يونيو (حزيران)، وتخفيضات بمقدار 30 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي لمدة 7 أيام، وتخفيضات بمقدار 100 نقطة أساس في سعر إعادة الشراء العكسي، وبرامج جديدة لدعم أسواق الأسهم والعقارات.

إلا أن المفاجأة كانت في تغيير زعماء الصين موقفهم بشأن السياسة النقدية إلى «ميسرة بشكل معتدل» من «حكيمة» للمرة الأولى منذ 14 عاماً، ما يعني أن القيادة الصينية تأخذ المشاكل الاقتصادية على محمل الجد. وكانت الصين تبنت موقفاً «متراخياً بشكل معتدل» آخر مرة في أواخر عام 2008، بعد الأزمة المالية العالمية وأنهته في أواخر عام 2010.

ولكن ماذا عن عام 2025؟

سوف تستمر المصارف المركزية في خفض أسعار الفائدة على مدى العام المقبل، ولكن في أغلب الاقتصادات الكبرى سوف تمضي هذه العملية بحذر.

بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يبدو أن التوقف عن الخفض في اجتماع يناير (كانون الثاني) أمر محتمل، حيث إنه سيكون لديه بحلول اجتماع مارس (آذار)، فهم أكثر وضوحاً لخطط الرئيس دونالد ترمب بشأن التعريفات والضرائب والإنفاق والهجرة وغيرها. ومن المؤكد أن احتمالات خفض الضرائب المحلية لدعم النمو التي ستدفع بالطبع التضخم إلى الارتفاع، ستؤيد مساراً أبطأ وأكثر تدريجية لخفض أسعار الفائدة العام المقبل. وهناك توقعات بحصول خفض بمقدار 25 نقطة أساس لكل ربع في عام 2025.

متداول في سوق نيويورك للأوراق المالية يستمع إلى مؤتمر باول الصحافي (رويترز)

أما المصرف المركزي الأوروبي، فيبدو أنه مصمم الآن على المضي قدماً في إعادة أسعار الفائدة إلى المستوى المحايد بأسرع ما يمكن مع ضعف النمو الشديد وتباطؤ ظروف سوق العمل، وسط توقعات بأن يخفض سعر الفائدة الرئيسي إلى نحو 1.5 في المائة بحلول نهاية عام 2025. ومن بين العواقب المترتبة على ذلك أن اليورو من المرجح أن يضعف أكثر، وأن يصل إلى التعادل مقابل الدولار الأميركي العام المقبل.

وعلى النقيض من المصرف المركزي الأوروبي، يتخذ بنك إنجلترا تخفيضات أسعار الفائدة بشكل تدريجي للغاية. ومن المتوقع أن تعمل الموازنة الأخيرة وكل الإنفاق الحكومي الإضافي الذي جاء معها، على تعزيز النمو في عام 2025. وهناك توقعات بأن يقفل العام المقبل عند سعر فائدة بواقع 3.75 في المائة، قبل أن ينخفض ​​إلى أدنى مستوى دوري عند 3.50 في المائة في أوائل عام 2026.

أما بنك الشعب، فسوف يبني العام المقبل على الأسس التي وضعها هذا العام، حيث تشير التوقعات إلى تخفيضات تتراوح بين 20 و30 نقطة أساس في أسعار الفائدة، مع مزيد من التخفيضات إذا جاءت الرسوم الجمركية الأميركية في وقت مبكر أو أعلى مما هو متوقع حالياً، وفق مذكرة للمصرف الأوروبي «آي إن جي». ومن المتوقع على نطاق واسع خفض آخر لمعدل الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس في الأشهر المقبلة، حتى إنه يمكن حصول تخفيضات تراكمية بمقدار 100 نقطة أساس في معدل الفائدة قبل نهاية عام 2025.

حرب تجارية على الأبواب؟

وبين هذا وذاك، هناك ترقب كبير للتعريفات الجمركية التي تعهد ترمب بفرضها، والتي يرجح على نطاق واسع أن تلعب مرة أخرى دوراً رئيساً في أجندته السياسية، وهو ما ستكون له انعكاساته بالتأكيد على الاقتصاد العالمي.

سفن حاويات راسية في ميناء أوكلاند (أ.ف.ب)

فترمب هدّد في البداية مثلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 60 في المائة على جميع الواردات الصينية، ورسوم جمركية تتراوح بين 10 في المائة و20 في المائة على الواردات من جميع البلدان الأخرى. ثم توعّد المكسيك وكندا بفرض تعريفات جمركية بنسبة 25 في المائة على جميع الواردات منهما، إذا لم تحلّا مشكلة المخدرات والمهاجرين على الحدود مع الولايات المتحدة، و10 في المائة رسوماً جمركية على الواردات من الصين (تضاف إلى الرسوم الحالية) بمجرد تنصيبه في 20 يناير. ولاحقاً، توعد مجموعة «بريكس» بفرض تعريفات جمركية تصل إلى 100 في المائة، إذا أقدمت على إنشاء عملة جديدة من شأنها إضعاف الدولار.

ويبدو أن ترمب جاد هذه المرة في فرض التعريفات الجمركية التي يصفها بأنها أجمل كلمة في القاموس، بدليل ترشيحه الرئيس التنفيذي لشركة «كانتور فيتزجيرالد» في وول ستريت، هوارد لوتنيك، لتولي منصب وزير التجارة، والذي قال عنه إنه «سيتولى ملف التجارة والتعريفات».

وينص قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية على قدرة الرئيس على إصدار إجراءات اقتصادية طارئة للتعامل مع «أي تهديد غير عادي واستثنائي، يكون مصدره بالكامل أو جزئياً خارج الولايات المتحدة، للأمن القومي أو السياسة الخارجية أو اقتصاد الولايات المتحدة». وهو ما يطلق يد ترمب في إقرار رسوم جمركية جديدة.

من هنا، قد تشكل الحرب التجارية أكبر خطر يهدد النمو العالمي في عام 2025. ورسم المحللون أوجه تشابه مع ثلاثينات القرن العشرين، عندما أدى فرض التعريفات الجمركية الأميركية إلى رد فعل انتقامي من قبل حكومات أخرى، وأدى إلى انهيار التجارة العالمية الذي أدى بدوره إلى تعميق الكساد الأعظم.

وفي أواخر أكتوبر، تناول صندوق النقد الدولي في تقرير له، التأثيرات المترتبة على النمو والتضخم في حرب تجارية محتملة عام 2025. فوضع التقرير سيناريو حرب تجارية مع افتراض فرض تعريفات جمركية أميركية بنسبة 10 في المائة على جميع الواردات، تقابلها إجراءات انتقامية واسعة النطاق من جانب أوروبا والصين تعادل 10 في المائة تعريفات جمركية على الصادرات الأميركية، وعلى جميع التجارة بين الصين والاتحاد الأوروبي، على أن يتم تنفيذها بحلول منتصف عام 2025.

في هذا السيناريو، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تؤدي التعريفات الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة -0.1 في المائة في عام 2025، مما يخفض توقعاته الأساسية من 3.2 في المائة إلى 3.1 في المائة.

مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) من جهته يحذر من آفاق غير مؤكدة تواجه التجارة العالمية عام 2025، بسبب تهديد الحروب التجارية. ويعدّ أن «آفاق التجارة في عام 2025 مشوبة بتحولات محتملة في السياسة الأميركية، بما في ذلك التعريفات الجمركية الأوسع نطاقاً التي قد تعطل سلاسل القيمة العالمية وتؤثر على الشركاء التجاريين الرئيسين».

وفي استطلاع أجرته «رويترز» مؤخراً مع 50 اقتصادياً، قدّر هؤلاء أن ينخفض معدل النمو الاقتصادي في الصين ​​بمقدار من 0.5 إلى 1.0 نقطة مئوية في عام 2025، حال تم فرض التعريفات الجمركية.

الدين العالمي إلى مستويات قياسية

ولا تقتصر التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي على ما سبق تعداده، فالعالم يواجه اليوم تحدياً غير مسبوق مع تصاعد الديون العالمية إلى 323 تريليون دولار، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، وهو رقم يصعب تخيله أو استيعابه، والمتوقع ارتفاعه أكثر في 2025 إذا نفذ ترمب تعهداته.

لافتة إلكترونية في محطة انتظار الحافلات حول حجم الدين الوطني الحالي للولايات المتحدة (رويترز)

فالتقلبات المتوقعة لسياسات ترمب دفعت بعض الدول إلى إصدار ديون قبل توليه منصبه، عندما قد تصبح الأسواق أقل قابلية للتنبؤ.

وحذر معهد التمويل الدولي من أن التوترات التجارية المزدادة وانقطاعات سلسلة التوريد تهدد النمو الاقتصادي العالمي، مما يزيد من احتمالات حدوث دورات ازدهار وكساد صغيرة في أسواق الديون السيادية مع عودة الضغوط التضخمية وتشديد المالية العامة. وسوف تفاقم زيادة تكلفة الفائدة نتيجة لذلك الضغوط المالية وتجعل إدارة الديون صعبة بشكل مزداد.

وأخيراً لا شك أن التحولات الجيوسياسية تلعب دوراً مهماً في تشكيل الاقتصاد العالمي عام 2025. وهي تفترض مراقبة خاصة ودقيقة ومعمقة لتداعيات التنافس بين الولايات المتحدة والصين، التي قد تزداد وتيرتها حدة لتكون عواقبها الاقتصادية محسوسة على مدى سنوات، وليس أشهراً، بحيث يتردد صداها طوال العام المقبل وما بعده.