السودانيون يحتفلون بثلاثة أعياد في ليلة واحدة

تذوقوا طعم الحرية فهتفوا لـحمدوك ولوحوا بأعلام البلاد

أفراح سودانية شهدتها الخرطوم خلال الأيام الماضية (رويترز)
أفراح سودانية شهدتها الخرطوم خلال الأيام الماضية (رويترز)
TT

السودانيون يحتفلون بثلاثة أعياد في ليلة واحدة

أفراح سودانية شهدتها الخرطوم خلال الأيام الماضية (رويترز)
أفراح سودانية شهدتها الخرطوم خلال الأيام الماضية (رويترز)

احتفل السودانيون بـ«3 أعياد» في الليلة الأخيرة من السنة المنصرمة، ورشقوا الماء في وجوه وأجساد بعضهم فرحين بمرور عام على «الثورة» التي أطاحت أطول ديكتاتورية شهدها تاريخهم، وأعياد الاستقلال التي تصادف مطلع العام، ورأس السنة الميلادية، راسمين لوحة بهجة لم تشهدها البلاد قريباً، بهجة بمذاق وطعم «الحرية»، وإن شابتها بعض أعمال الشغب والتفلتات من مشاغبين، وربما كانوا «مدسوسين» من أنصار النظام القديم، لم يسعدهم الفرح الطاغي المرسوم على الوجوه، وترفرف به أعلام النصر.
واندلق الناس في العاصمة الخرطوم ومعظم مدن البلاد، إلى الساحات والميادين وعند ضفاف النيل، وعلت أبواق السيارات وأنوارها المتقطعة، وازدانت سماء المدينة بألوان الألعاب النارية، وسهروا حتى لحظة انطباق عقارب الساعة معلنة حلول العام 2020، الذي استقبلوه بشكل خاص، وفرح خاص، وهتافات خاصة.
لم تقتصر الاحتفالات على مظاهر الفرح الشعبية وحدها، بل تلألأت ثريات القصر الرئاسي، وازدانت ساحاته وحدائقه بالألوان، وعلت سماواته الألعاب النارية، وأمّه عدد غفير من المسؤولين والوزراء والقادة السياسيين والصحافيين، الذين تلقوا التهاني بمناسبة أعياد الاستقلال، والسنة الجديدة، وعام على عمر الثورة.
احتفال القصر الجمهوري ليس جديداً، بل هو تقليد دارج، لكنه هذا العام بدا «مختلفاً»، وكان إعلاناً بقدوم عام جديد من دون «عمر البشير»، ومن دون «الإخوان» ومن دون شرطة «نظام عام» تطارد العشاق، وعسس يقتنصون الفرح من أفواه الصبيات والصبيان، عام من الحرية، كما تبادلوا التهاني والتبريكات.
وقال رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان للمحتفلين معه أمام «قصر غردون» في أول مخاطبة له بمناسبة الاستقلال، بعد أن حل محل المعزول عمر البشير، إن على السودانيين التواضع على «برنامج عمل وطني» من 3 أبعاد، يرتقي بهم وببلادهم.
وأوضح البرهان أن السودان بحلول الذكرى 64 لاستقلاله من الاستعمار، قطع أشواطاً كبيرة، وأنجز كثيراً في مسار بناء الدولة والمجتمع، بيد أنه رأى المرحلة التي وصلتها البلاد ما زالت دون مستوى تطلعات الشعب، وأضاف: «ما تم إنجازه من وضع أسس لبناء الدولة لا يتناسب مع ما نتطلع إليه ومع قدرات وإمكانات البلاد، خاصة بعد ثورته المجيدة».
وتعهد البرهان بالتركيز على إصلاحٍ يحفز التنمية الاقتصادية، ويسهم في إيجاد بيئة استثمارية جاذبة، ويكفل المشاركة السياسية والاجتماعية والثقافية والمساواة أمام القانون، وسلامة الأشخاص والممتلكات، وحرية التجمع وحرية التعبير، وواجبات المواطنة وحقوقها، وبناء قطاع إعلامي «حر ومسؤول».
لكن على القول «الحلو ما يكملش»، فإن مواجهات مسلحة اندلعت بين الشرطة و«عصابات متفلتة» تحمل أسلحة بيضاء، إثر اعتدائها على فتيات من المحتفلين بـ«ساحة الحرية» وأصابت 3 منهن بجراح، إضافة إلى رجل شرطة، فاضطرت الأخيرة لإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق المجموعة المتفلتة.
ووفقاً لبيان صادر عن الشرطة، فإن المجموعة المتفلتة التي تحمل أسلحة بيضاء، تحرشت واعتدت على 5 فتيات، أصيبت 3 منهم بجراح متفاوتة، فتصدت لهم الشرطة، مع عدد من المواطنين، بعد أن تعدوا على الشرطة، ما اضطرها لإطلاق الغاز المسيل للدموع.
وبحسب بيان الشرطة، فإن احتفالات رأس السنة الميلادية وأعياد الاستقلال والثورة، مرت بصورة هادئة، مارس خلالها المواطنون حقوقهم الاحتفالية، ما عدا الأحداث التي شهدتها ساحة الحرية بالخرطوم، وأشار البيان إلى أن الاحتفالات في الميادين والصالات والشوارع الرئيسية كلها مرت بصورة جيدة احتفل خلالها المواطنون من دون المساس بحقوق الآخرين حتى الساعات الأولى من صباح أمس.
ورغم «حادثة» ساحة الحرية، فإن الفرح الغامر كان يطل في كل الوجوه التي خرجت من البيوت بالسيارات وعلى الأرجل والدراجات الهوائية والبخارية، وملأت شوارع المدينة، وهي تحمل «أعلام السودان» تلوح بها امتناناً بما أتاحه لهم انتصار الثورة من احتفال وفرح، كانت سلطات النظام المعزول تقمعه أو تحاصره وتفرض عليهم رقابة بوليسية مشددة.
وبدعابة لافتة افتقدتها الوجوه طويلاً، تراشق الصبيان والصبيات والرجال والنساء بالماء، وتعالت الضحكات بين الجموع، فيما افترت الوجوه جميعها عن ابتسامات وضيئة، تتخللها مفردات سياسية، وعلى رأسها «شكراً حمدوك»، وهي لازمة ظل أنصار الثورة يرددونها دعماً لرئيس الوزراء «عبد الله حمدوك» كلما تحقق شيء من «الحرية والسلام والعدالة» شعارات ثورة ديسمبر (كانون الأول) السودانية.
وتزينت السيارات والجدران بشعارات من قبيل «مدنية، حرية، شكراً حمدوك، وسنة حلوة يا جميل»، مشكلة دفقاً شعورياً يندلق من الكل تجاه الكل، لم يُنقصه إلا أحداث عنف شهدتها ولاية غرب دارفور، راح ضحيتها عدد من الأنفس البريئة، فشغلت الناس عن بعض فرحهم، واستدعت فيهم هتاف الثورة الأثير «يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور»، وهم يتلمظون «مذاق الحرية».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».