سكان طرابلس يستعدون لنزوح واسع رغم «قسوة الشتاء»

آلاف المدنيين يفرون من القصف الذي يطال مناطقهم للإقامة في العراء

TT

سكان طرابلس يستعدون لنزوح واسع رغم «قسوة الشتاء»

على مقربة من دوي أصوات المدافع، انهمكت بعض الأسر الليبية داخل حي الزهور بجنوب العاصمة طرابلس، في تكديس بعض من أمتعتهم، وأثاث منازلهم في شاحنات كبيرة، هرباً من الحرب التي حولت مناطقهم إلى ساحة قتال دائم.
وبسبب هذه الحرب المستمرة منذ عدة شهور، شهد جنوب العاصمة عملية نزوح واسعة لآلاف الأسر منذ بدء العملية العسكرية في أبريل (نيسان) الماضي، قبل تسعة أشهر من الآن، تاركين وراءهم منازلهم، التي هدمتها عمليات القصف المتبادل، والإقامة في مناطق أبو سليم وعين زارة، في ظل طقس سيئ للغاية.
يقول معاذ الرويسي، من منطقة عمارات صلاح الدين، التي تعرضت للقصف مرات عدة، إن المنطقة «أصبحت شبه فارغة من سكانها، فجميعهم هربوا من القصف المدفعي»، مضيفاً أن «غالبية الأهالي هنا يخرجون بالقليل من أمتعتهم، ولا يعرفون إلى أين يتجهون، خاصة بعد أن أودت القاذفات بحياة أطفال من عائلة الزليتني».
وذهب الرويسي الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط»، إلى أن «القصف المتواصل في الحي أصاب الأطفال وكبار السن بحالة هلع دائمة»، لافتاً إلى أن «الجميع يبحث عن مأوى للانتقال إليه، ولم يعد يشغلهم ترك ممتلكاتهم لأن الكل بات يبحث عن النجاة من الموت». وبحسب البعثة الأممية، فقد اقترب عدد النازحين من 150 ألف مواطن. لكن جمعيات محلية تقول إن العدد مرشح للزيادة خلال الأيام المقبلة، إذا ما تغيرت الأمور، وتوسعت مناطق الاشتباكات، لا سيما مع وصولها إلى منطقة الهضبة المكتظة بالسكان.
ووسط شكاوى المواطنين النازحين، الذين أصبحوا يقيمون في العراء، أعلنت حكومة «الوفاق» منتصف الأسبوع الماضي عن قرب الانتهاء من صيانة الفندق البلدي في منطقة «أبو سليم»، استعداداً لاستقبال مزيد الأسر النازحة من مناطق جديدة.
وأظهرت الصور التي نشرتها إدارة التواصل بالحكومة، أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي، رئيس اللجنة العليا لشؤون النازحين، وهو يتفقد الفندق بمرافقة عبد الرحمن الحامدي، عميد بلدية أبو سليم، وكلف معيتيق أجهزة الحكومة «باتخاذ ما يلزم لاستضافة الأسر النازحة في الفندق». وعقب اندلاع الحرب، أصبح العديد من الأسر، التي نزحت مبكراً، تقيم في مدارس ومصانع معطلة، وسط نقص حاد في المواد الغذائية ووسائل الإعاشة، ومؤخراً، ومع انطلاق الموسم الدراسي (المؤجل) طُلب من بعض الأسر إخلاء المدارس لبدء العام الدراسي.
وفي بيانها مساء أول من أمس، تحدثت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، عن «مآس ومعاناة إنسانية في طرابلس، ضحيتها الأولى الأطفال والنساء والمدنيون الأبرياء، وزادت من معدلات التهجير والتشريد والتدمير».
وأرغمت الأحداث المتلاحقة عدداً من الأسر للإقامة مؤقتاً بمحيط عمارات سكنية خارج نطاق مناطق الحرب، فيما لجأ البعض الآخر إلى بنايات غير مأهولة بالسكان، لكنها تفتقد إلى سبل المعيشة من كهرباء وماء، ودورات مياه.
وتُعوض الجمعيات الأهلية المحلية ضعف الدور الحكومي، من خلال تزويد النازحين في بعض المناطق بالمواد الغذائية والأغطية، ومع ذلك يقول فراجي بو سالم، أحد النازحين من منطقة عمارات صلاح الدين إن المعونات التي يتلقونها من تبرعات المواطنين لا تفي باحتياجاتهم، كما أن «الصقيع يكاد يقتل المواطنين، الذين يسكنون منازل تفتقد إلى الأبواب والشبابيك، علاوة على عدم وجود مياه أو كهرباء».
وأضاف بو سالم بلكنة محلية: «الناس مساكين... يعيشون في مناطق أشبه بالكهوف، ويبدو أن الأمر سيطول كثيراً، فلا بريق لأي أمل لعودتنا إلى ديارنا».
وتشهد ليبيا، طقساً سيئاً هذه الأيام، يجبر المتقاتلين أحياناً على توقف الحرب بسبب موجات الصقيع، وفي الجانب الآخر يفاقم أزمة النازحين ويعمقها.



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».