كارين غيلسون... الحاضرة الغائبة في جهاز العروس العربية

معرض يحتفل بتاريخها ومساهماتها وكتاب يؤرّخ لمسيرتها وعشقها للدانتيل والحرير

TT

كارين غيلسون... الحاضرة الغائبة في جهاز العروس العربية

في مقال له بعنوان «رسام الحياة المعاصرة» The painter of Modern Life كتب تشارلز بودلير بأن «ما يثير الأحاسيس والغرائز ليس الجسد العاري، بل الجسد المكسو... ذلك الذي يغطيه الحرير والمخمل والدانتيل». رأي توافق عليه كارين غيلسون بحماس، مؤكدة أن أول ما تراه العين بالفعل هو القماش وكيف يعانق الجسم أو ينسدل عليه.
لمن لا يعرف كارين غيلسون أو يسمع بها من قبل، فهي مصممة بلجيكية يرتبط اسمها بالدانتيل الذي تنثره على الحرير كقصيدة شعر. ترحل بنا من خلال تصاميمها حيناً إلى حقبة الفن الباروكي، وحيناً آخر إلى حديقة أندلسية غنّاء، وفي كل الحالات تكون الصورة مثيرة تستحضر قصص ألف ليلة وليلة، حيث تتمتع المرأة بقوة ناعمة تقهر بها أعتى الرجال.
ورغم أن اسمها قد لا يكون بشهرة بعض أبناء جيلها من المصممين العالميين، الذين تخرجوا أيضاً في معهد أنتوورب للتصميم، فإنها الحاضرة الدائمة في أعراس الطبقات المخملية والثرية؛ إذ لا يخلو جهاز عروس من ملابسها الداخلية أو المنزلية التي تحاكي الـ«هوت كوتور» بدقتها وح رفيتها وفخامتها، وأيضاً بأسعارها.
لهذا؛ لم يعد غريباً عندما يُذكر الدانتيل في عالم الأزياء الراقية، أن يقفز اسم كارين غيلسون للأذهان. الدليل أن متحف الموضة والدانتيل في بلجيكا طلب منها أن تكون عرابة القسم المخصص للدانتيل البلجيكي في عام 2017، وفي عام 2019، خصص لها المتحف معرضاً خاصاً بعنوان «بيوتيفل لايس وكارين غيلسون» أي (الدانتيل الجميل وكارين غيلسون)، تزامن مع مرور 30 عاماً على انطلاقتها في عالم الموضة من جهة، وتكريماً لإسهاماتها في مجال الدانتيل، من جهة ثانية، كونه نسيجاً يرتبط ببروكسل تاريخياً، ويعتبر أحد عناصر فخرها الوطني.
فمنذ منتصف القرن السابع عشر إلى بداية القرن العشرين، كانت العاصمة البلجيكية، أحد أهم مراكز صناعة نوع فاخر ومتميز منه. تخص به الطبقات الملكية والأرستقراطية في أوروبا. وبما أن كارين هي ابنة بروكسل، فإنها ظلت وفية لهذا الرمز. عن المعرض تقول إنه كان فرصة رائعة بالنسبة لها، ليس لاستعراض تاريخها وعضلاتها في مجال لم يخضه غيرها من المصممين الشباب، بل لفتح حوار مع كل أشكال الدانتيل التي جمعها المتحف طوال عقود. فكل رسمة فيه أو تخريمة تحكي ألف معلومة تاريخية، من كيف كان يستعمل، ومن كان يستعمله، وأين كان ينتج، وأمور أخرى.
التعرف على كارين عن قُرب متعة. في معملها الواقع بالقرب من محطة بروكسل، وهو أيضاً بيتها منذ أكثر من 25 سنة، تكتشف أنها حكواتية من الطراز الأول. تنسج خيوط كل قصة بالدانتيل أو الحرير بحب وشغف؛ فتأخذك إلى عوالم من الزمن البعيد، حين كان الرجل والمرأة، على حد سواء، يتزينان به ويتباهيان برسماته الدقيقة التي كانت ترمز إلى مكانتهما الاجتماعية وقدراتهما المادية.
تُعيد كارين شغفها هذا إلى الطفولة. فقد شبت في حقبة السبعينات من القرن الماضي وكل حواسها ترقص مع تماوجات الحرير الذي يعتبر بالنسبة لها رفيقاً مميزاً للدانتيل. فوالدتها كانت خياطة معروفة لدى سيدات الطبقات المتوسطة والراقية ببروكسل، وكانت الصغيرة كارين تعشق مراقبتهن وهن يُجرين بروفات على فساتين تفصلها لهن والدتها وتحيكها بدقة. لم يكن يخرجن من المعمل إلا بعد حصولهن على قطعة على المقاس، من دون أي سنتمتر زائد أو ناقص. وتعتبر أنها تعلمت من والدتها كيف تجعل الحرير يتماوج بين أصابعها ويتطاير وكأنه ريشة، قبل أن تحوله إلى قطعة تنبض بالحياة. كانت أجمل أوقاتها أيضاً تلك التي تقضيها مع والدتها تتجولان في الأسواق، تبحثان وتُقلبان في أنواع الأقمشة وتنصتان لقصص الباعة والتجار المتخصصين فيه. في هذه الفترة تعلمت كيف تُفرق بين الدانتيل الفخم والعادي، وبين تطريزاته الدقيقة ومصادرها ومعانيها.
هكذا ترسخ جمال الحرير والدانتيل في وجدانها. بعد أن أصبحت صبية، أصبحا وجهان لعملة واحدة، بعد أن شدها كيف يلامسان الجسم ويعانقانه ليفسحا المجال لارتداء قطع خارجية قد تكون أكثر كلاسيكية. تقول كارين إنها هنا اكتشفت كيف تقدم للمرأة قطعة خاصة بها على كل المستويات. فلا أحد غيرها يراها، وبالتالي يمكنها أن تختارها على ذوقها، «فهي أكثر القطع حميمية، لأنها تلمس جسد المرأة التي تلبسها، وهي حدها من تشعر بملمسها وترفها». في كتابها الصادر بعنوان «غاردن أوف لايس» (حديقة من الدانتيل) تقول كارين، إن هذه الحميمية، الأقرب إلى الحسية، بين المرأة والأقمشة هي التي حددت مسارها «كلما لامست يداي الحرير أجد نفسي أنصت لصوته وكأنه يُوجهني إلى طرق تفصيله وتطريزه، وأي جزء أزينه بالدانتيل». هذه العلاقة المبنية على الحوار بينها وبين الأقمشة لم تتغير إلى اليوم.
لم تكن الثمانينات في صالح كارين غيلسون. ففي هذه الحقبة كانت المرأة تريد فرض نفسها في عالم الرجل لهذا تبنت تصاميم صارمة تلعب على مفهومي الذكورة والأنوثة، وبالتالي تميزت أقمشتها في الكثير من الأحيان ببعض الخشونة. لم تُصب هذه التغيرات كارين بالإحباط، بل استغلت هذه الفترة للدراسة وتطوير نفسها. انخرطت في الأكاديمية الملكية للفنون الجميلة في أنتوورب. وخلال ثلاث سنوات قضتها فيها، تعلمت كيف تُجمع أفكارها لتخرج كل تشكيلة تقدمها بتيمة واضحة وشخصية قوية. ورغم أن ميولها كانت مختلفة عما كان دارجاً في ذلك الوقت، وما كانت الأكاديمية تُركز عليه، فإنها استفادت، كما تقول من التجربة، على الأقل من ناحية اكتشافها ذاتها ومكامن قوتها. «تعلمت أن لا شيء مستحيل... فالمثابرة تجعل كل شيء ممكناً». بعد تخرجها، وهي في الـ22 من العمر، قررت أن تطلق علامتها الخاصة. كان بإمكانها أن تتخصص في فساتين السهرة؛ نظراً لخبرتها في مجال الـ«هوت كوتور»، لكنها فضلت التخصص في الملابس الداخلية. فكما تحتاج المرأة إلى فساتين سهرة وزفاف، تحتاج إلى ملابس نوم وملابس منزلية، مثل الكيمونو و«روب دو شومبر». حصلت من البنك على سلفة وبدأت بأربعة حرفيين في ورشة دانتيل قديمة ومتهالكة، تعوّد العاملون فيها على أسلوب تقليدي في تطريز الدانتيل. لم تكن العملية سهلة بالنسبة لها، لكنها سرعان ما أقنعتهم بأن هناك إمكانات أوسع، وبضرورة تطويع طرقهم التقليدية لابتكار تصاميم مواكبة لمتطلبات العصر. وهذا ما كان. بعد أبحاث طويلة، توصلت إلى رسمات دانتيل وتقنيات جديدة أضافتها إليهم وأثارت إعجابهم. ولأن طموحاتها كانت كبيرة، كانت تدفعهم إلى إعطاء أفضل ما عندهم؛ إذ لم تستهن يوماً بقطعة لن يراها أحد سوى صاحبتها، وكانت تضطرهم إلى إعادة الرسمة مراراً وتكراراً للحصول على الشكل الصحيح. ما زاد من صعوبة العمل بالنسبة للحرفيين، أنها كانت ولا تزال ترفض استعمال القطن ككنفس لرسم نقشاتها قبل تنفيذها، وتفرض تنفيذها على الحرير مباشرة. كانت العملية تُكلفها الكثير من الوقت والجهد، لكن النتيجة كانت رائعة جعلتها تتبوأ مكانتها كملكة الدانتيل في عالم الأزياء الراقية. وتشرح بأن القطن بالنسبة لها «يفتقد إلى مرونة الحرير، كما أن الدانتيل يبدو أجمل عندما يُطرز مباشرة على الحرير، حيث يبرز وجوهه المتعددة والخفية». فدور الحرير لا يقتصر على كونه خلفية أو كنفس لوضع الدانتيل، بل هو من يحدد شخصية القطعة؛ لهذا فإن «إعادة العمل للحصول على نتيجة مُرضية جزء من عملية الإبداع، ونتيجة حوار مفتوح مع الأقمشة... إن لم تتفاعل معي ولم أحس بها وقت العمل، فإني أرميها جانباً إلى أن يأتي الوقت المناسب ونستعد للحوار».
أول ما يثير الانتباه عند دخول معملها انكباب العاملات على التطريز لا يرفعن رؤوسهن ولو من باب الفضول. في جهة مقابلة، تتراص قطع انتهين من تنفيذها، أغلبها على شكل «طلبيات» لعرائس وزبونات من منطقة الشرق الأوسط، وإلى جانبها ركن مخصص لأمتار من الحرائر بألوان وأنواع مختلفة، تشرح كارين أنها كلها من مدينة ليون الفرنسية، وتحديداً من شركة «بوكول» التي لا تتعامل سوى مع كبريات بيوت الأزياء العالمية، مثل «هيرميس». «بوكول» احتاجت إلى إقناع عندما كانت كارين في بدايتها، لكنها سُرعان ما فرضت رؤيتها لتفتح لها الشركة أرشيفها ومواردها تنهل منها ما تشاء. وإذا كان نجاح غيلسون الفني لا نقاش عليه، فإنها مثل كوكو شانيل وكريستيان ديور قبلها، تدين للسوق الأميركية بنجاحها التجاري. كان متجر «بارنيز» أول زبائنها تليه زبونات الشرق الأوسط، اللواتي كن ولا يزلن من أهم زبوناتها وأكثر من يُحفزها على أن تُبدع بمزيد من الجرأة والقوة. فالمرأة الأنيقة تعرفت على إبداعاتها منذ سنوات، والمقتدرة لا تستغني عنها في كل مناسباتها المهمة، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بجهاز عُرسها.

- الدانتيل كما يتتبعه المعرض
> وصف بأنه قماش يتميز بتخريمات كثيرة محاطة بالخيوط. ولندرته وصعوبة صنعه ظل حكراً على الطبقات الأرستقراطية والثرية لعقود طويلة. بعد الثورة الصناعية فقط، وبعد أن بدأ تصنيعه بالآلات توافر لشرائح أكبر ودخل في صناعة إكسسوارات جديدة بما فيها الأدوات المنزلية. لكن يبقى الدانتيل المصنوع باليد نادراً، ويحتاج إلى ميزانية للحصول عليه.
- كان في البداية مخصصاً للرجال، ثم بدأت تستخدمه المرأة في القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر، ودخل فساتين الزفاف بفضل فيكتوريا، ملكة بريطانيا التي اختارته لتزيين فستان زفافها عام 1840.
- شكلت كل من مدينة البندقية الإيطالية والإقليم الفلامندي المكانين الأكثر شهرة بتصنيع الدانتيل منذ ظهوره إلى الآن. ولا توجد معلومات دقيقة عن تواريخ أو أماكن تواجد الدانتيل الأصلي، غير أن المعروف أنه اشتهر في القرن السادس عشر، في البندقية ومنطقة الفلاندرز ببلجيكا، وكان يستعمل من قبل الرجال والنساء على حد سواء. اقتصر حينها على بعض التفاصيل مثل الياقات وحواشي الأكمام وزينة الرأس.
- على العكس من الأنسجة المغزولة على النول، كان الدانتيل يصنع بالإبرة والبكرة باليد أو على طريقة الكروشيه أو الدانتيل المحبوك. ويقال إن اسمه مستقى من «الأسنان الصغيرة».
- في النصف الثاني من القرن الـ17، أصبح يرمز للمنطقة التي أنتج فيها مثل البندقية، بروكسل وميشلين، حسب طريقة حبكه وصنعه.
- كان القرن الـ18 عصره الذهبي. كان يستخدم للجنسين وكان يعكس مكانة لابسه وجاهه. اندلاع الثورة الفرنسية في عام 1789 جعله يتراجع، ويختفي من خزانة الرجل.
- في القرن الـ19 وبعد الثورة الصناعية أصبح إنتاجه أكثر سهولة لتتوسع استعمالاته، لكن أصبح ملكاً للجنس اللطيف.
- الحرب العالمية الأولى أدت إلى تراجع صناعته اليدوية، لكن ما إن انتهت الحرب حتى انتعشت صناعته من جديد وظهور خيوط معدنية فيه مستوحاة من «الآرت ديكو».
- في الثلاثينات، دخل عالم الأزياء بشكل رسمي من خلال فساتين النهار والمساء والسهرة على حد سواء. تفنن فيه مصممون من أمثال بول بواريه وجين لانفان وبريميه ومدام غري، في ملابس داخلية ومنزلية أقرب في تصاميمها إلى ملابس السهرة. وشهد أوجه في الخمسينات مع نجمات هوليوود، مثل صوفيا لورين، وريتا هايوارث، وغريس كيلي، وغيرهن. وحتى يومنا هذا، فهو لا يغيب في معظم العروض، وقد صرح إيلي صعب مراراً بأنه من الأقمشة المفضلة لديه.
- بعد الحرب العالمية الثانية وإلى الستينات، تطورت صناعته مع تطور تقنياته وآلاته، وأدخلت عليه ألوان ورسمات جديدة؛ ما جعل مصممين مثل كريستيان ديور، وبالمان، وشانيل يبدعون فيه.
- تراجعت شعبيته ما بين 1960 و1970 مع ظهور الأزياء الجاهزة، بحيث لم يعد مناسباً للنهار. في هذه الفترة اقتصر على أزياء المساء الراقية ومتوجهاً إلى شريحة ظلت وفية له. لكن الدانتيل لم يغب في هذه الفترة، فقد تسلل إلى المرأة العادية من خلال الملابس الداخلية.
- في الثمانينات استعاد مكانته في عروض الأزياء على يد كريستيان لاكروا وجون بول غوتييه. هذا الأخير تعمد أن يخرج الملابس الداخلية إلى العلن نوعاً من التمرد على المتعارف عليه، بدليل تصاميمه للمغنية مادونا.
- طوال القرن العشرين، لم يغب الدانتيل من الملابس الداخلية. وعلى يد كارين غيلسون، اكتسب قوة تاريخية كونها أعادت الكثير من الرسمات إلى الواجهة، ووضعتها في إطارها التاريخي والثقافي والزمني الصحيح.


مقالات ذات صلة

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة النجمة المصرية نيللي كريم كما ظهرت في عرض هنيدة الصيرفي (هيئة الأزياء)

الرياض... لقاء الثقافة والأناقة

غالبية العروض في الدورة الثانية من أسبوع الرياض منحتنا درساً ممتعاً في كيف يمكن أن تتمازج الثقافة والهوية بروح الشباب التواقة للاختلاف وفرض الذات.

جميلة حلفيشي (لندن)

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
TT

هل حان الوقت ليصالح صناع الموضة ميلانيا ترمب؟

في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)
في الدورة الأولى من رئاسة زوجها اعتمدت ميلانيا عدة إطلالات أنيقة كان لدار «دولتشي أند غابانا» نصيب كبير فيها (خاص)

صناع الموضة وعلى غير عادتهم صامتون بعد فوز دونالد ترمب الساحق. السبب أنهم خائفون من إدلاء آراء صادمة قد تُكلفهم الكثير بالنظر إلى أن الناخب الأميركي هذه المرة كان من كل المستويات والطبقات والأعراق والأعمار. وهنا يُطرح السؤال عما ستكون عليه علاقتهم بميلانيا ترمب، بعد أن عبَّر العديد منهم رفضهم التعامل معها بأي شكل من الأشكال بعد فوز ترمب في عام 2016.

بدت ميلانيا هذه المرة أكثر ثقة وقوة (دي بي آي)

المؤشرات الحالية تقول بأنه من مصلحتهم إعادة النظرة في علاقتهم الرافضة لها. فميلانيا عام 2024 ليست ميلانيا عام 2016. هي الآن أكثر ثقة ورغبة في القيام بدورها كسيدة البيت الأبيض. وهذا يعني أنها تنوي الحصول على كل حقوقها، بما في ذلك غلافها الخاص أسوة بمن سبقنها من سيدات البيت الأبيض.

تجاهُلها في الدورة السابقة كان لافتاً، وفيه بعض التحامل عليها. فصناع الموضة بقيادة عرابة الموضة، أنا وينتور، ورئيسة مجلات «فوغ» على مستوى العالم، كانوا موالين للحزب الديمقراطي ودعموه بكل قواهم وإمكانياتهم. جمعت وينتور التبرعات لحملات كل من باراك أوباما وهيلاري كلينتون ثم كامالا هاريس، ولم تُخف رفضها لما يمثله دونالد ترمب من سياسات شعبوية. شاركها الرأي معظم المصممين الأميركيين، الذين لم يتأخروا عن التعبير عن آرائهم عبر تغريدات أو منشورات أو رسائل مفتوحة على مواقع التواصل الاجتماعي. كانت ميلانيا هي الضحية التي دفعت الثمن، وذلك بعدم حصولها على حقها في تصدر غلاف مجلة «فوغ» كما جرت العادة مع من سبقنها. ميشيل أوباما مثلاً ظهرت في ثلاثة إصدارات.

أسلوبها لا يتغير... تختار دائماً ما يثير الانتباه وأناقة من الرأس إلى أخمص القدمين

لم ترد ميلانيا حينها، ربما لأنها لم تكن متحمسة كثيراً للعب دورها كسيدة البيت الأبيض وكانت لها أولويات أخرى. تركت هذا الدور لابنة ترمب، إيفانكا، مُبررة الأمر بأنها تريد التفرغ وقضاء معظم أوقاتها مع ابنها الوحيد، بارون، الذي كان صغيراً ويدرس في نيويورك. لكن الصورة التي تداولتها التلفزيونات والصحف بعد إعلان فوز ترمب الأخير، كانت مختلفة تماماً عن مثيلتها في عام 2016. ظهرت فيها ميلانيا أكثر ثقة واستعداداً للقيام بدورها. والأهم من هذا فرض قوتها.

طبعاً إذا تُرك الأمر لأنا وينتور، فإن حصولها على غلاف خاص بها مستبعد، إلا أن الأمر قد يتعدى قوة تأثير أقوى امرأة في عالم الموضة حالياً. فهي هنا تواجه عدداً لا يستهان به من القراء الذين انتخبوا ترمب بدليل النتائج التي أثبتت أنه يتمتع بقاعدة واسعة من كل الطبقات والمستويات.

في كل زياراتها السابقة مع زوجها كانت تظهر في قمة الأناقة رغم رفض الموضة لها

ميلانيا أيضاً لعبت دورها جيداً، وقامت بالخطوة الأولى بدبلوماسية ناعمة. عكست صورة جديدة تظهر فيها كشخصية مستقلة عن زوجها وسياساته، لا سيما بعد تصريحاتها خلال الحملة الانتخابية بأنها تدعم حق المرأة في الإجهاض، مؤكدة أن هذا قرار يخصها وحدها، ولا يجب أن يخضع لأي تدخل خارجي، وهو ما يتناقض مع موقف زوجها بشأن هذه القضية التي تُعد رئيسية في الانتخابات الأميركية. كتبت أيضاً أنها ملتزمة «باستخدام المنصة ودورها كسيدة أولى من أجل الخير».

أسلوبها لا يروق لكل المصممين لكلاسيكيته واستعراضه للثراء لكنه يعكس شخصيتها (أ.ف.ب)

كانت رسائلها واضحة. أعلنت فيها للعالم أنها ذات كيان مستقل، وأن لها آراء سياسية خاصة قد لا تتوافق بالضرورة مع آراء زوجها، وهو ما سبق وعبرت عنه في مكالمة شخصية مع صديقة تم تسريبها سابقاً بأنها ترفض سياسة زوجها في فصل أطفال المهاجرين عن عائلاتهم، وأنها أصيبت بالصدمة عندما علمت بها. وبالفعل تم التراجع عن هذا القرار في يونيو (حزيران) 2018 بعد عاصفة من الجدل.

وحتى إذا لم تُقنع هذه التصريحات أنا وينتور وصناع الموضة، فهي تمنح المصممين نوعاً من الشرعية للتراجع عن تعهداتهم السابقة بعدم التعامل معها. بالنسبة للموالين لدونالد ترمب والحزب الجمهوري، فإن الظلم الذي لحق بميلانيا ترمب بعدم احتفال صناع الموضة بها، لا يغتفر. فهي لا تفتقد لمواصفات سيدة البيت الأبيض، كونها عارضة أزياء سابقة وتتمتع بالجمال وأيضاً بذوق رفيع. ربما لا يعجب ذوقها الكل لميله إلى العلامات الكبيرة والغالية، إلا أنه يعكس شخصية كلاسيكية ومتحفظة.

وحتى إذا لم تنجح أنا وينتور في إقناع المصممين وبيوت الأزياء العالمية، وتبقى على إصرارها عدم منحها غلافها المستحق في مجلة «فوغ»، فإن صوت الناخب المرتفع يصعب تجاهله، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. وهذا ما يعود بنا إلى طرح السؤال ما إذا كان من مصلحة صناع الموضة الأميركيين محاباة ميلانيا وجذبها لصفهم. فقوتها هذه المرة واضحة وبالتالي سيكون لها هي الأخرى صوت مسموع في تغيير بعض السياسات، أو على الأقل التخفيف من صرامتها.

إيجابيات وسلبيات

لكن ليس كل صناع الموضة متخوفين أو قلقين من دورة ثانية لترمب. هناك من يغمره التفاؤل بعد سنوات من الركود الاقتصادي الذي أثر بشكل مباشر على قطاع الموضة. فعندما يقوى الاقتصاد الأميركي فإن نتائجه ستشمل كل القطاعات. ربما تتعلق المخاوف أكثر بالتأشيرات وزيادة الضرائب على الواردات من الصين تحديداً. فهذه أكبر مورد للملابس والأنسجة، وكان صناع الموضة في الولايات المتحدة يعتمدون عليها بشكل كبير، وهذا ما جعل البعض يستبق الأمور ويبدأ في تغيير سلاسل الإنتاج، مثل شركة «بوما» التي أعلنت أنها مستعدة لتغيير مورديها لتفادي أي عوائق مستقبلية. الحل الثاني سيكون رفع الأسعار وهو ما يمكن أن يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلكين بنحو 50 مليار دولار أو أكثر في العام. فتهديدات ترمب برفع التعريفات الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 60 في المائة لا بد أن تؤثر على المستهلك العادي، رغم نيات وقناعات ترمب بأن تحجيم دور الصين سيمنح الفرص للصناعة الأميركية المحلية. المشكلة أنه ليس كل المصممين الذين يتعاملون مع الموردين والمصانع في الصين منذ سنوات لهم الإمكانيات للبدء من الصفر.