حتى بعد مقتل أكثر من 500 متظاهر وجرح أكثر من 21 ألفاً بقيت «المنطقة الخضراء» محصنة أمام إمكانية اقتحامها من قبل المتظاهرين المرابطين منذ 1 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى اليوم، ولم تفلح معارك الكر والفر التي امتدت إلى ساحات قريبة من التحرير (الخلاني والوثبة) وجسور كذلك (السنك والأحرار).
الهدف كان حماية المنطقة الخضراء التي كان رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي فتحها أمام العراقيين بعد أن كانت على مدى 16 عاماً حكراً على كبار المسؤولين وحاملي البطاقات الخاصة بها. ومع أن عبد المهدي عدّ فتح المنطقة الخضراء إنجازاً يرقى إلى تحطيم جدار برلين، فإن اقتحامها أمس، في اليوم الأخير من السنة الماضية التي كانت سنة نحس بالنسبة له، من قبل متظاهرين كان من بينهم قادة كبار في البيت الذي ينتمي إليه (البيت الشيعي) والتحالف الذي جاء به رئيساً للوزراء وتمسك به حتى بعد المطالبة بإقالته (تحالف الفتح)، زاد موقفه حرجاً.
الهدف هذه المرة ليس «الخضراء» حيث مقرات الحكومة ومنازل كبار المسؤولين؛ بل السفارة الأميركية التي تحتل منطقة شاسعة داخل المنطقة الخضراء عند نهر دجلة. السبب لهذا الاقتحام الذي تحول إلى اعتصام مفتوح بدا مزدوجاً، هو من ناحية يأتي رداً على الغارة الأميركية التي استهدفت أحد ألوية «الحشد الشعبي» في منطقة القائم غرب العراق، وهو الحادث الذي أسفر عن مقتل وجرح العشرات، ومن ناحية أخرى هو بالضد من الوجود الأميركي في العراق سياسياً (دعوات لغلق السفارة) وعسكرياً (عبر وجود قوات أميركية في العراق في قواعد عسكرية أبرزها «عين الأسد»).
الرئيس الأميركي دونالد ترمب لخص المفقود حال استيقاظه من النوم طبقاً لفرق التوقيت بين بغداد وواشنطن. فما إن تم إخباره باقتحام السفارة، لم يتردد في اتهام إيران بالحادث. ففي تغريدة له على «تويتر» قال ترمب: «قتلت إيران مقاولاً أميركياً، مما أسفر عن إصابة الكثير، لقد استجبنا بقوة، وسوف نفعل دائماً». وأضاف: «الآن تقوم إيران بتنظيم هجوم على السفارة الأميركية في العراق، وسوف يتحملون المسؤولية الكاملة».
من جانبه، ومع أنه بدا محرجاً، فقد أعلن رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي أن «الضربة الأميركية على قطعاتنا العسكرية يوم 29 - 12 -2019 تمت إدانتها من قبل الحكومة بأعلى المستويات، واتخذت الحكومة سلسلة إجراءات وتدابير لمعالجة الوضع بما يؤمن سيادة العراق وأمن مواطنيه». وبيّن أن «المراسم المهيبة لتشييع الشهداء جزء من الوفاء لدمائهم الزكية الغالية، لكن بعيداً عن الاحتكاك بمباني السفارات التي تقع مسؤولية حمايتها وتأمينها على الحكومة العراقية، لذلك نطلب من الجميع المغادرة فوراً بعيداً عن هذه الأماكن، ونذكر أن أي اعتداء أو تحرش بالسفارات والممثليات الأجنبية هو فعل ستمنعه بصرامة القوات الأمنية وسيعاقب عليه القانون بأشد العقوبات».
لا أحد يعرف إن كان عبد المهدي سينفذ تهديداته التي جاءت على طريقة المطالبة بالمغادرة فوراً أم إن الأمور سوف تستمر في التصعيد. وفي هذا السياق أبلغ عدد من السياسيين والخبراء العراقيين «الشرق الأوسط» بإمكانية ما يمكن أن يحصل خلال الفترة المقبلة بعد أن أصبحت المواجهة مكشوفة بين واشنطن وطهران. القيادي في «جبهة الإنقاذ والتنمية» أثيل النجيفي يقول إن «من النتائج المتوقعة حيال أي مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية هي إيقاف تصدير النفط العراقي وانهيار الاقتصاد العراقي»، مبيناً أن «من تداعيات ذلك تحويل السلاح الجوي العراقي إلى خردة وسوف تقوم الكثير من الدول بقطع علاقتها مع العراق». وأوضح النجيفي أن «الدول التي تبقى تستغل العراق لكي تحصل على ما يستحق تحمل الغضب الأميركي».
أما الدكتور حسين علاوي، رئيس «مركز أكد للدراسات السياسية»، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «إيران كانت تتوقع أنه يمكن تحريك ورقة الفصائل والضغط على بناية السفارة الأميركية من خلال الفصائل المسلحة والتي جاء جزء منها داخل التشكيلات الحكومية وجزء آخر يعمل داخل الأجنحة السياسية للحصول على مكاسب سياسية»، مبيناً أن «العقدة الأساسية في المسرح العراقي هو الصراع الأميركي - الإيراني». ويضيف علاوي أن «أميركا من جانبها ترى أن الوقت قد حان لعملية دفع القوى السياسية لتغيير قواعد اللعبة السياسية بعيداً عن التأثير الإيراني»، مشيراً إلى أن «ما بين الطرفين هو المجتمع العراقي الذي يريد وطناً وقد تهشمت جدرانه وما زال زجاجه لا يقي أهله من البرد القارس في صراع مرير لا أحد يعرف كيف ستكون نهايته».
رئيس «مركز التفكير السياسي»، الدكتور إحسان الشمري، يرى من جهته أن «هناك تداعيات خطيرة سوف تحصل على مستوى الأرض العراقية بعدما وصلت الأوضاع بين أميركا وإيران إلى حدود المواجهة؛ حيث إن الاستهدافات المتبادلة سواء في قاعدة (كيه1) في كركوك أو القائم تبين أن العراق تحول إلى أرض احتكاك، وقد يتحول العراق لاحقاً إلى أرض اشتباك في ظل التصعيد الحالي عبر الاعتصام أو اقتحام السفارة الأميركية». ويضيف الشمري أن «ترمب أعلن أن ما جرى هو بتنسيق مع إيران وهو ما يضع العراق كدولة ضد مع الولايات المتحدة الأميركية بما في ذلك الحكومة الحالية، حيث إن ترمب طلب من الحكومة العراقية القيام بواجباتها فيما يرتبط بحماية البعثات الدبلوماسية». ويرى الشمري أن «إيران تدرك أن جر أميركا لفصائل مسلحة قريبة منها على أراض غير الأراضي الإيرانية قد يعود بالفائدة لها، خصوصاً أن الانتخابات الأميركية على الأبواب، وقد يدفع باتجاه هزيمة ترمب، غير أن هذا الأمر بعيد عن المصلحة العراقية أيا كانت التبريرات، لأن هناك احتمالات كثيرة؛ من بينها فرض عقوبات أميركية على العراق بمختلف مؤسساته، وهو أمر خطير في كل الأحوال».
سياسيون وخبراء عراقيون يحذّرون من تداعيات المواجهة بين واشنطن وطهران
مخاوف من تحول «الاحتكاك» إلى «اشتباك»... وعقوبات أميركية على بغداد
سياسيون وخبراء عراقيون يحذّرون من تداعيات المواجهة بين واشنطن وطهران
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة