سياسيون وخبراء عراقيون يحذّرون من تداعيات المواجهة بين واشنطن وطهران

مخاوف من تحول «الاحتكاك» إلى «اشتباك»... وعقوبات أميركية على بغداد

عناصر من «الحشد» يشعلون النار بالسور الخارجي للسفارة الأميركية في بغداد أمس (رويترز)
عناصر من «الحشد» يشعلون النار بالسور الخارجي للسفارة الأميركية في بغداد أمس (رويترز)
TT

سياسيون وخبراء عراقيون يحذّرون من تداعيات المواجهة بين واشنطن وطهران

عناصر من «الحشد» يشعلون النار بالسور الخارجي للسفارة الأميركية في بغداد أمس (رويترز)
عناصر من «الحشد» يشعلون النار بالسور الخارجي للسفارة الأميركية في بغداد أمس (رويترز)

حتى بعد مقتل أكثر من 500 متظاهر وجرح أكثر من 21 ألفاً بقيت «المنطقة الخضراء» محصنة أمام إمكانية اقتحامها من قبل المتظاهرين المرابطين منذ 1 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي إلى اليوم، ولم تفلح معارك الكر والفر التي امتدت إلى ساحات قريبة من التحرير (الخلاني والوثبة) وجسور كذلك (السنك والأحرار).
الهدف كان حماية المنطقة الخضراء التي كان رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي فتحها أمام العراقيين بعد أن كانت على مدى 16 عاماً حكراً على كبار المسؤولين وحاملي البطاقات الخاصة بها. ومع أن عبد المهدي عدّ فتح المنطقة الخضراء إنجازاً يرقى إلى تحطيم جدار برلين، فإن اقتحامها أمس، في اليوم الأخير من السنة الماضية التي كانت سنة نحس بالنسبة له، من قبل متظاهرين كان من بينهم قادة كبار في البيت الذي ينتمي إليه (البيت الشيعي) والتحالف الذي جاء به رئيساً للوزراء وتمسك به حتى بعد المطالبة بإقالته (تحالف الفتح)، زاد موقفه حرجاً.
الهدف هذه المرة ليس «الخضراء» حيث مقرات الحكومة ومنازل كبار المسؤولين؛ بل السفارة الأميركية التي تحتل منطقة شاسعة داخل المنطقة الخضراء عند نهر دجلة. السبب لهذا الاقتحام الذي تحول إلى اعتصام مفتوح بدا مزدوجاً، هو من ناحية يأتي رداً على الغارة الأميركية التي استهدفت أحد ألوية «الحشد الشعبي» في منطقة القائم غرب العراق، وهو الحادث الذي أسفر عن مقتل وجرح العشرات، ومن ناحية أخرى هو بالضد من الوجود الأميركي في العراق سياسياً (دعوات لغلق السفارة) وعسكرياً (عبر وجود قوات أميركية في العراق في قواعد عسكرية أبرزها «عين الأسد»).
الرئيس الأميركي دونالد ترمب لخص المفقود حال استيقاظه من النوم طبقاً لفرق التوقيت بين بغداد وواشنطن. فما إن تم إخباره باقتحام السفارة، لم يتردد في اتهام إيران بالحادث. ففي تغريدة له على «تويتر» قال ترمب: «قتلت إيران مقاولاً أميركياً، مما أسفر عن إصابة الكثير، لقد استجبنا بقوة، وسوف نفعل دائماً». وأضاف: «الآن تقوم إيران بتنظيم هجوم على السفارة الأميركية في العراق، وسوف يتحملون المسؤولية الكاملة».
من جانبه، ومع أنه بدا محرجاً، فقد أعلن رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي أن «الضربة الأميركية على قطعاتنا العسكرية يوم 29 - 12 -2019 تمت إدانتها من قبل الحكومة بأعلى المستويات، واتخذت الحكومة سلسلة إجراءات وتدابير لمعالجة الوضع بما يؤمن سيادة العراق وأمن مواطنيه». وبيّن أن «المراسم المهيبة لتشييع الشهداء جزء من الوفاء لدمائهم الزكية الغالية، لكن بعيداً عن الاحتكاك بمباني السفارات التي تقع مسؤولية حمايتها وتأمينها على الحكومة العراقية، لذلك نطلب من الجميع المغادرة فوراً بعيداً عن هذه الأماكن، ونذكر أن أي اعتداء أو تحرش بالسفارات والممثليات الأجنبية هو فعل ستمنعه بصرامة القوات الأمنية وسيعاقب عليه القانون بأشد العقوبات».
لا أحد يعرف إن كان عبد المهدي سينفذ تهديداته التي جاءت على طريقة المطالبة بالمغادرة فوراً أم إن الأمور سوف تستمر في التصعيد. وفي هذا السياق أبلغ عدد من السياسيين والخبراء العراقيين «الشرق الأوسط» بإمكانية ما يمكن أن يحصل خلال الفترة المقبلة بعد أن أصبحت المواجهة مكشوفة بين واشنطن وطهران. القيادي في «جبهة الإنقاذ والتنمية» أثيل النجيفي يقول إن «من النتائج المتوقعة حيال أي مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية هي إيقاف تصدير النفط العراقي وانهيار الاقتصاد العراقي»، مبيناً أن «من تداعيات ذلك تحويل السلاح الجوي العراقي إلى خردة وسوف تقوم الكثير من الدول بقطع علاقتها مع العراق». وأوضح النجيفي أن «الدول التي تبقى تستغل العراق لكي تحصل على ما يستحق تحمل الغضب الأميركي».
أما الدكتور حسين علاوي، رئيس «مركز أكد للدراسات السياسية»، فيقول لـ«الشرق الأوسط» إن «إيران كانت تتوقع أنه يمكن تحريك ورقة الفصائل والضغط على بناية السفارة الأميركية من خلال الفصائل المسلحة والتي جاء جزء منها داخل التشكيلات الحكومية وجزء آخر يعمل داخل الأجنحة السياسية للحصول على مكاسب سياسية»، مبيناً أن «العقدة الأساسية في المسرح العراقي هو الصراع الأميركي - الإيراني». ويضيف علاوي أن «أميركا من جانبها ترى أن الوقت قد حان لعملية دفع القوى السياسية لتغيير قواعد اللعبة السياسية بعيداً عن التأثير الإيراني»، مشيراً إلى أن «ما بين الطرفين هو المجتمع العراقي الذي يريد وطناً وقد تهشمت جدرانه وما زال زجاجه لا يقي أهله من البرد القارس في صراع مرير لا أحد يعرف كيف ستكون نهايته».
رئيس «مركز التفكير السياسي»، الدكتور إحسان الشمري، يرى من جهته أن «هناك تداعيات خطيرة سوف تحصل على مستوى الأرض العراقية بعدما وصلت الأوضاع بين أميركا وإيران إلى حدود المواجهة؛ حيث إن الاستهدافات المتبادلة سواء في قاعدة (كيه1) في كركوك أو القائم تبين أن العراق تحول إلى أرض احتكاك، وقد يتحول العراق لاحقاً إلى أرض اشتباك في ظل التصعيد الحالي عبر الاعتصام أو اقتحام السفارة الأميركية». ويضيف الشمري أن «ترمب أعلن أن ما جرى هو بتنسيق مع إيران وهو ما يضع العراق كدولة ضد مع الولايات المتحدة الأميركية بما في ذلك الحكومة الحالية، حيث إن ترمب طلب من الحكومة العراقية القيام بواجباتها فيما يرتبط بحماية البعثات الدبلوماسية». ويرى الشمري أن «إيران تدرك أن جر أميركا لفصائل مسلحة قريبة منها على أراض غير الأراضي الإيرانية قد يعود بالفائدة لها، خصوصاً أن الانتخابات الأميركية على الأبواب، وقد يدفع باتجاه هزيمة ترمب، غير أن هذا الأمر بعيد عن المصلحة العراقية أيا كانت التبريرات، لأن هناك احتمالات كثيرة؛ من بينها فرض عقوبات أميركية على العراق بمختلف مؤسساته، وهو أمر خطير في كل الأحوال».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».