مأزق تركيا بين عقوبات أميركا ومناورات روسياhttps://aawsat.com/home/article/2059696/%D9%85%D8%A3%D8%B2%D9%82-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%B9%D9%82%D9%88%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D9%88%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7
الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان يتحدثان في مؤتمر صحافي بسوتشي حول المنطقة الآمنة في سوريا 22 أكتوبر (أ.ب)
وضعت تركيا رهانات سياستها الخارجية في السنوات الأخيرة على محاولة اللعب على التوازنات وتبديل التحالفات والتقارب مع روسيا، والصين أحياناً، من أجل إيجاد أوراق بديلة للتلويح بها في وجه الولايات المتحدة، التي خيم على العلاقات معها مناخ من التوتر في كثير من القضايا والملفات التي أدخلت العلاقات بين أنقرة وواشنطن مرحلة من الفتور الذي يتصاعد بين وقت وآخر إلى توتر يترك أول ما يترك بصمته على الاقتصاد التركي الذي تأثرت مؤشراته سلباً في 2018 و2019 بهذا المناخ.
أكبر ملفات التوتر وأبرزها منذ نهاية عام 2017 وحتى الآن، والمرشحة للتصعيد أيضاً خلال عام 2020؛ ملف اقتناء تركيا منظومة الصواريخ الروسية «إس 400» الذي اختلفت أنقرة وواشنطن في تقييمه، فتركيا تتذرع باحتياجها لتعزيز منظومة دفاعها الجوي وبعدم تجاوب الإدارة الأميركية السابقة برئاسة باراك أوباما مع الطلب التركي لاقتناء منظومة «باتريوت»، بينما واقع الأمر أن المنظومة كانت رمزاً للتقارب والانفتاح التركي على المعسكر الشرقي الذي أرادت به أنقرة أن تعلن بوضوح أنها لن تتوقف عن توجهها لتنويع محاور سياستها الخارجية والظهور على أنها قوة فاعلة تستطيع أن توازن بين ارتباطاتها مع القوى الكبرى في العالم بما يحقق مصالحها.
في المقابل، عدّت الولايات المتحدة الخطوة التركية والإصرار عليها محاولة روسية لإضعاف حلف شمال الأطلسي (ناتو) باستخدام تركيا كمخلب قط في هذه اللعبة الخطرة. ومن هنا ألقت تركيا بنفسها في مرمى العقوبات الأميركية التي ظلت لفترة تعتقد أنها لن تسقط في مصيدتها اعتماداً على الاعتقاد بأنه يمكن اللعب على التناقضات القائمة بين الكونغرس والإدارة الأميركية والتعويل على التفهم الذي أبداه الرئيس دونالد ترمب لخطأ سلفه أوباما عندما امتنع عن تزويد تركيا بمنظومة «باتريوت».
ورغم نجاح أنقرة في تأجيل سلسلة العقوبات التي تنتظرها على مدى ما يقرب من عامين، فإن الأسابيع الأخيرة من عام 2019 حملت معها عدداً من القرارات التي أكدت أنها لن تنجو من نيران العقوبات في الفترة المقبلة، منها قانون الاعتراف بإبادة الأرمن على يد الدولة العثمانية في 1915، ومشروع قانون العقوبات بسبب «إس 400»، ومشروع السيل التركي «تورك ستريم» لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر أراضي تركيا، وعملية «نبع السلام» العسكرية التي استهدفت الحلفاء الأكراد لأميركا في شمال شرقي سوريا والتي تدخلت واشنطن لوقفها بعد انطلاقها في 9 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بثمانية أيام فقط، ورفع الحظر على السلاح لقبرص.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل عارضت أميركا التفاهمات التركية مع حكومة السراج في ليبيا بشأن التعاون العسكري والأمني وتحديد مناطق السيادة في البحر المتوسط، وعدّتها «استفزازية» و«مقلقة جداً».
وقابلت تركيا هذه الخطوات بالتهديد بطرد القوات الأميركية من قاعدة إنجيرليك الجوية في أضنة، جنوب البلاد، وإغلاق قاعدة كورجيك للرادار التي يستخدمها حلف الناتو في مالاطيا (شرق).
ولعبت قاعدة إنجيرليك دوراً محورياً وكبيراً خلال الحرب الباردة، إذ كانت طائرات التجسس الأميركية تنطلق منها لتحلق فوق أجواء الاتحاد السوفياتي السابق، وكانت تضم 150 رأساً نووياً نشرتها الولايات المتحدة في القاعدة، فيما تتحدث تقارير عن تخزين 50 رأساً نووياً في القاعدة حالياً.
وبنظرة فاحصة إلى النهج التركي في محاولة اللعب بورقة العلاقات مع روسيا كنقطة قوة في العلاقات مع أميركا، يبدو أن تركيا أدخلت نفسها في مأزق ووضعت نفسها تحت ضغط مزدوج، فقد أبدت تركيا انفتاحاً كبيراً على روسيا من أجل تحقيق مصالح اقتصادية، خصوصاً في مسعاها لأن تصبح ممراً للطاقة إلى أوروبا، فضلاً عن التنسيق في الملف السوري من أجل تحقيق أهدافها في إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا تبعد الأكراد عن حدودها الجنوبية.
وحتى في هذا الملف حاولت أنقرة أن تكسب من الطرفين باللعب على التوازنات، لكن بدا أن ما يتحقق لها لا يلبي أياً من طموحاتها، وأهمها إقامة المنطقة الآمنة وسحب قوات وحدات حماية الشعب الكردية بعيداً عن الحدود الجنوبية لتركيا إلى عمق 30 كيلومتراً.
وبنظر كثير من المراقبين، أجهضت واشنطن وموسكو معاً طموحات تركيا ووضعت لها سقفاً منخفضاً جداً، وأسهمتا معاً في إنهاء عملية «نبع السلام» العسكرية التركية في شرق الفرات دون أن تحقق أهدافها، وهو ما أكدته وزارة الدفاع الروسية منذ أيام، حيث اعتبرت أن دخول قوات الأسد إلى مناطق في شرق الفرات ومحاصرة العملية التركية هو الحدث المحوري الأهم في سوريا عام 2019. رغم التنسيق التركي - الروسي في كل خطوة.
وقال قائد مجموعة القوات الروسية في سوريا، ألكسندر تشايكو، خلال اجتماع في مقر وزارة الدفاع يوم الجمعة الماضي: «يتمثل الحدث المحوري عام 2019 بمساعدة الحكومة السورية في بسط السيطرة على أراضٍ واقعة في شرق الفرات... هذا الإنجاز المهم يشمل أيضاً محاصرة منطقة تنفيذ عملية (نبع السلام) التركية العسكرية مع تسيير دوريات روسية - تركية مشتركة، إضافة إلى تنفيذ مهمات خاصة بالدوريات الجوية والبرية». وأشاد بإنجاز قواته الذي سمح لقوات النظام السوري بضم مزيد من الأراضي إلى مناطق سيطرته.
ودخلت قوات الأسد للمرة الأولى إلى قرى وبلدات في شمال شرقي سوريا منذ عام 2012 بعد عملية نبع السلام التركية التي أطلقتها تركيا في 9 أكتوبر الماضي ضد الوحدات الكردية في المنطقة، وتفاهمات النظام السوري مع تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) برعاية روسية عقب اتفاق سوتشي مع تركيا في 22 من الشهر ذاته.
ولم تخفِ أنقرة امتعاضها من الموقف الروسي في الأيام الأخيرة وتكررت الانتقادات الصادرة عنها بشأن الهجوم الواسع للنظام في إدلب الذي يقترب من نقاط المراقبة التركية في منطقة خفض التصعيد هناك، وكذلك لعدم الالتزام الروسي - الأميركي بشأن انسحاب الوحدات الكردية من شرق الفرات. وكان من النادر في السنوات الثلاث الأخيرة صدور مثل هذه الانتقادات لروسيا بأي شكل من الأشكال، وهو ما يدل، في نظر مراقبين، على عمق المأزق الذي تجد تركيا نفسها فيه بين الضغوط والعقوبات الأميركية والمناورات الروسية.
يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب
تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني
إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.
لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
TT
TT
أميركا اللاتينية منقسمة إزاء التعايش مع ترمب «العائد»
الرئيس الأرجنتيني اليميني خافيير ميلي مع ترمب "حليفه الأكبر" في واشنطن خلال فبراير (شباط) الماضي (رويترز والرئاسة الأرجنتينية)
من شائع القول، أن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة يجب أن تكون مفتوحة لمشاركة جميع سكان العالم، لما لنتائجها من تأثير سياسي واقتصادي وأمني على الصعيد الدولي الواسع. لكن مما لا شك فيه أن أميركا اللاتينية التي تعد «الحديقة الخلفية» لواشنطن، والتي طالما كان ليد الإدارات الأميركية الطولى وأجهزة استخباراتها الدور الحاسم في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية، هي الأشد تأثراً بوجهة الرياح التي تهبّ من البيت الأبيض. «الصوت اللاتيني» كان هذه المرة موضع منافسة محتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين خلال الحملة الانتخابية، وكان راجحاً في كفّة المرشح الفائز، كما دلّ على أهميته قرار الرئيس العائد دونالد ترمب اختيار منافسه في الانتخابات الأولية، السيناتور الكوبي الأصل ماركو روبيو، لمنصب وزير الخارجية في الإدارة الجديدة. إلا أن ردود الفعل في بلدان أميركا اللاتينية على فوز دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية، جاءت متفاوتة ومتأرجحة بين القلق الدفين في أوساط الأنظمة اليسارية والتقدمية، والابتهاج الظاهر بين الحكومات والأحزاب المحافظة واليمينية المتطرفة.
أول المحتفلين بفوز الرئيس دونالد ترمب والمُنتشين لعودته إلى البيت الأبيض كان الرئيس الأرجنتيني اليميني المتطرف خافيير مَيلي الذي سارع، بعد أسبوع من إعلان الفوز، لملاقاته في مقره بولاية فلوريدا حيث أعرب له عن «استعداد الأرجنتين الكامل لمساعدته على تنفيذ برنامجه».
أيضاَ، المعارضة البرازيلية التي يقودها الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو - الذي يخضع حالياً للمحاكمة بتهمة التحريض على قلب نظام الحكم وهو ممنوع من السفر خارج البلاد - لم تكن أقل ابتهاجاً من الرئيس الأرجنتيني أو المعارضة الفنزويلية التي عادت لتعقد الآمال مجدّداً على رفع منسوب الضغط الأميركي على نظام نيكولاس مادورو اليساري في فنزويلا والدفع باتجاه تغيير المعادلة السياسية لصالحها.
حذر في المكسيك
في المقابل، حاولت السلطات المكسيكية من جهتها إبداء موقف حذر على الرغم المخاوف التي تساورها من أن يفي الرئيس الأميركي العائد بالوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية حول الهجرة والتجارة ومكافحة المخدرات، والتي تجعل من المكسيك أكثر بلدان المنطقة تعرّضاً لتداعيات السياسة الشعبوية المتشددة التي ستتبعها إدارته الثانية اعتباراً من العام المقبل. ومعلوم أن ترمب كان قد جعل من بناء «الجدار» على الحدود الفاصلة بين المكسيك والولايات المتحدة عنواناً لحملته الانتخابية الأولى وأحد ركائز حملته الثانية، إلى جانب خطابه العنصري المناهض للمهاجرين المكسيكيين الذين يشكلون الغالبية الساحقة من المهاجرين اللاتينيين إلى الولايات المتحدة. كذلك، كان ترمب قد هدد الرئيسة المكسيكية الاشتراكية الجديدة كلاوديا شاينباوم بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المستوردة من المكسيك ما لم تمنع تدفق المهاجرين من أميركا الوسطى إلى الولايات المتحدة عبر أراضي المكسيك.
الرئيسة شاينباوم قلّلت من شأن تهديدات ترمب، وقالت إن بلادها - كالعادة - «ستتمكن من تجاوز الأزمة»، لكن لا أحد يشك في أن الدولة المرشحة لأكبر قدر من الضرر جرّاء عودة ترمب إلى البيت الأبيض هي المكسيك، أولاً نظراً لكونها الشريك التجاري الأول للولايات المتحدة، وثانياً لأن العلاقات بين البلدين المتجاورين هي أشبه بزواج لا طلاق فيه.
من جهة ثانية، كان لافتاً أن سوق المال (البورصة) المكسيكية لم تتعرّض لأي اهتزازات تذكر بعد إعلان فوز ترمب، خلافاً لما حصل بعد فوزه بالولاية الأولى عام 2016. وهو ما يدلّ على التأقلم مع أسلوبه والتكيّف معه، وأيضاً على متانة «اتفاقية التجارة الحرة» بين المكسيك وكندا والولايات المتحدة كإطار يحكم المبادلات التجارية بين البلدان الثلاثة.
المشهد البرازيلي
في البرازيل، كما سبقت الإشارة، كان الرئيس السابق جايير بولسونارو بين أوائل المهنئين بفوز دونالد ترمب. إذ أعرب عن ابتهاجه لهذا «النصر الأسطوري الذي منّ به الله تعالى على الولايات المتحدة والعالم»، في حين اكتفت حكومة الرئيس الحالي اليساري الحالي لويس إيناسيو (لولا) بالطقوس الدبلوماسية المألوفة، بعدما كان «لولا» قد أعلن صراحة دعمه لمرشحة الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس المودّعة كمالا هاريس.
أكثر من هذا، تابع إدواردو بولسونارو، نجل الرئيس السابق والعضو في مجلس النواب البرازيلي، عملية فرز نتائج الانتخابات الأميركية في منزل ترمب بفلوريدا، حيث صرّح بعد إعلان الفوز: «ها نحن اليوم نشهد على قيامة مقاتل حقيقي يجسد انتصار الإرادة الشعبية على فلول النخب التي تحتقر قيمنا ومعتقداتنا وتقاليدنا». وبالمناسبة، لا يزال بولسونارو «الأب» عازماً على الترشّح للانتخابات الرئاسية البرازيلية في عام 2026. على الرغم من صدور حكم قضائي مُبرم يجرّده من حقوقه السياسية حتى عام 2030 بتهمة سوء استخدام السلطة والتحريض على الانقلاب.
بالتوازي، كان «لولا» قد تعرّض للانتقاد بسبب تأييده الصريح لهاريس، الذي ضيّق كثيراً هامش المناورة أمامه بعد هزيمتها. لكنه علّق بعد تهنئته ترمب: «الديمقراطية هي صوت الشعب الذي يجب احترامه».
اليوم يعتقد أنصار بولسونارو أن المشهد السياسي الأميركي الجديد، والدور الوازن الذي يلعبه الملياردير إيلون ماسك داخل إدارة ترمب، قد يشكّلان ضغطاً على الكونغرس البرازيلي والمحكمة العليا لإصدار عفو عن الرئيس البرازيلي السابق يتيح له الترشح في انتخابات عام 2026 الرئاسية. أما على الصعيد الاقتصادي، فتخشى البرازيل، في حال قرّر ترمب رفع الرسوم الجمركية وفرض إجراءات حمائية، خفض صادراتها إلى الولايات المتحدة وتراجعاً في قيمة موادها الخام. كذلك، من شأن إغلاق السوق الأميركية أمام السلع الصينية أن يؤدي إلى خفض الطلب على المواد الخام التي تشكّل عماد المبادلات التجارية البرازيلية. أما على الصعيد البيئي، فقد حذرت وزيرة البيئة البرازيلية مارينا سيلفا من أن الأسرة الدولية ستكون مضطرة لمضاعفة جهودها للحد من تداعيات أزمة المناخ إذا قرر ترمب المضي في تنفيذ سياساته البيئية السلبية المعلنة.
مَيلي متحمّس ومرتاح
الرئيس الأرجنتيني خافيير مَيلي، من جانبه، احتفى بفوز ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهد بالتعاون مع إدارته لتنفيذ برنامجه الانتخابي، معوّلاً على استثمارات أميركية ضخمة في القطاعات الإنتاجية الأرجنتينية. وانضمّ أيضاً إلى «التهاني» من معسكر اليمين الأرجنتيني الرئيس الأسبق ماوريسيو ماكري، الذي يشارك حزبه المحافظ في حكومة مَيلي الائتلافية، والذي سبق أن كان شريكاً لترمب في صفقات عقارية في الولايات المتحدة.
يُذكر أن ترمب كان قد لعب دوراً حاسماً في منح صندوق النقد الدولي قرضاً للأرجنتين بقيمة 44 مليار دولار أميركي عام 2018 ما زالت عاجزة عن سداده. وفي حين يأمل مَيلي بأن تساعده الإدارة الأميركية الجديدة بالحصول على قرض جديد من صندوق النقد يحتاج إليه الاقتصاد الأرجنتيني بشدة للخروج من أزمته الخانقة، فإنه يعرف جيداً أن ترمب سيكون بجانبه في «الحرب الثقافية» التي أعلنها على اليسار الدولي وأجندته التقدمية.
فنزويلا وكوبا
في الدول الأميركية اللاتينية الأخرى، علّق إدموندو غونزاليس أوروتيا، مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية الفنزويلية - المنفي حالياً في إسبانيا والذي تدلّ كل المؤشرات على فوزه - علَّق على فوز ترمب بوصفه هو أيضاً الفائز الذي اعترفت به دول عدة بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقال: «هذه إرادة الشعب الأميركي وأهمية التناوب على الحكم».
أما زعيمة المعارضة ماريا كورينا ماتشادو، التي اضطرت للتنازل عن ترشيحها لصالح غونزاليس بعدما جرّدها القضاء من حقوقها السياسية - فقد هنأت ترمب بقولها: «نعرف أنك كنت عوناً لنا دائماً، والحكومة الديمقراطية التي اختارها الشعب الفنزويلي ستكون حليفاً موثوقاً لإدارتك».
من الجانب الآخر، اختارت الحكومة الفنزويلية اليسارية التزام الحذر في تعليقها الأول على فوز ترمب، وجاء في تهنئتها البروتوكولية: «نوجه التهنئة لشعب الولايات المتحدة على هذه الانتخابات. إن فنزويلا على استعداد دائماً لإقامة علاقات مع الإدارات الأميركية في إطار الحوار والرشد والاحترام». وأضاف البيان الذي صدر عن الرئاسة الفنزويلية مستحضراً خطابه المعهود: «إن الاعتراف بسيادة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها هو الأساس لقيام عالم جديد يسوده التوازن بين الدول الحرة»، في إشارة إلى المفاوضات المتعثّرة منذ سنوات بين واشنطن وكاراكاس لإيجاد مخرج من الأزمة الفنزويلية التي تمرّ اليوم بأكثر مراحلها تعقيداً. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ترمب كان قد فرض إبان ولايته الرئاسية الأولى ما يزيد عن مائة عقوبة على فنزويلا، وانتقد بشدة قرارات إدارة بايدن برفع بعضها. غير أنه ليس واضحاً بعد كيف ستكون مقاربته لهذا الملف، خاصة، أن فنزويلا يمكن أن تساعد على تلبية الاحتياجات الأميركية من الطاقة في ظروف دولية معاكسة بسبب الحرب في أوكرانيا والاضطرابات في الشرق الأوسط.
وبما يخصّ كوبا، تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض معها أيضاً «سحباً سوداء» فوق كوبا التي تتوقع تشديد العقوبات والمزيد منها. وكان ترمب قد حطّم جميع الأرقام القياسية في العقوبات التي فرضها على النظام الكوبي، وأدرجها على قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، الأمر الذي يضفي صعوبات جمّة على علاقات الدولة الكوبية المالية مع الخارج. ويلفت أن الحكومة الكوبية - حتى كتابة هذه السطور - لم تعلّق بعد على فوز دونالد ترمب بولاية ثانية.
تحمل ولاية ترمب الثانية في البيت الأبيض
معها «سحباً سوداء» فوق كوبا
التي تتوقع تشديد العقوبات
كولومبيا تثير موضوع غزة
كولومبيا أيضاً يسود فيها الترقّب الحذر لمعرفة الوجهة التي ستسير بها العلاقات بين ترمب والرئيس الكولومبي اليساري غوستافو بترو اللذين لا يجمع بينهما أي رابط شخصي أو عقائدي. بيد أن هذا لم يمنع بترو من توجيه رسالة تهنئة إلى الرئيس الأميركي العائد لعلها الأكثر صراحة في مضمونها السياسي والمواضيع التي ستتمحور حولها علاقات المعسكر التقدمي في أميركا اللاتينية مع الإدارة الأميركية اليمينية المتشددة الجديدة. وجاء في رسالة بترو: «إن السبيل الوحيد لإغلاق الحدود يمرّ عبر ازدهار بلدان الجنوب وإنهاء الحصار»، في إشارة واضحة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على فنزويلا وكوبا. ثم تناولت الرسالة موضوع غزة، الذي يستأثر باهتمام كبير لدى الرئيس الكولومبي، وأوردت: «الخيار التقدمي في الولايات المتحدة لا يمكن أن يقبل بالإبادة التي تتعرّض لها غزة».
باقي اليمين يرحب
في المقابل، اكتفت رئيسة البيرو، دينا بولوارتي، التي منذ سنة لا تتمتع بتأييد سوى 8 في المائة من مواطنيها، بتوجيه رسالة تهنئة «للمرشح دونالد ترمب على فوزه في الانتخابات الديمقراطية التي أجريت في الولايات المتحدة»، بينما غرّد دانيال نوبوا، رئيس الإكوادور اليميني الذي تشهد بلاده أزمة سياسية وأمنية عميقة منذ أشهر، على حسابه مرحباً: «مستقبل زاهر ينتظر قارتنا بفوز دونالد ترمب».
وفي تشيلي - التي يحكمها اليسار - كان أول المهنئين خوسيه أنطونيو كاست، زعيم الحزب الجمهوري اليميني المتطرف الذي يطمح للفوز في الانتخابات الرئاسية العام المقبل. وفي المقلب الآخر، على الصعيد الرسمي بادر وزير الخارجية التشيلي ألبرتو فان كلافيرين إلى التهنئة المبكرة قائلاً: «نتيجة الانتخابات كانت واضحة وكاشفة على أكثر من صعيد. نقيم علاقة دولة مع الولايات المتحدة، والعلاقات هي بين الدول، ونطمح لأفضلها مع حكومة الرئيس ترمب الجديدة». أما الرئيس التشيلي اليساري غابريل بوريتش، الذي كان آخر المهنئين بين زعماء المنطقة، فجاء في رسالته: «تؤكد تشيلي التزامها توطيد العلاقات مع الولايات المتحدة من أجل تحقيق تنمية شاملة، واحترام حقوق الإنسان والعناية بالديمقراطية».
حقائق
واقع العلاقات والمخاوف في أميركا الوسطى
في أميركا الوسطى، وتحديداً السلفادور، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة التي تربط رئيسها نجيب أبو كيلة (الفلسطيني الأصل) مع دونالد ترمب، كما تَبيّن خلال الولاية الأولى للرئيس الأميركي المنتخب، فإن ثمة مخاوف ملموسة من التهديدات التي أطلقها ترمب خلال حملته الانتخابية بطرد جماعي للمهاجرين غير الشرعيين. للعلم، فإن ملايين من مواطني السلفادور يعيشون في الولايات المتحدة بصورة غير شرعية، ويُشكِّلون مصدر الدعم الاقتصادي الأساسي لعائلاتهم في وطنهم الأم. وحقاً تعدّ تحويلات المهاجرين الواردة من الولايات المتحدة المحرّك الرئيسي لاقتصاد السلفادور، إذ بلغت في العام الماضي ما يزيد على 5 مليارات دولار.وراهناً، يسود الاعتقاد بين المراقبين الأميركيين اللاتينيين - على امتداد القارة - بأن دونالد ترمب، الذي استطاع خلال 8 سنوات أن يهدم المجتمع الأميركي ويعيد تشكيله على مزاجه وهواه، يشكّل اليوم - في أحسن الأحوال - مصدر قلق عميق بالنسبة لبلدان المنطقة. ويتوقع هؤلاء أن تكون التداعيات المحتملة لولايته مرهونةً بأمرين: الأول، مدى اعتماد هذه البلدان سياسياً واقتصادياً على الولايات المتحدة. والثاني، أين سيكون موقع أميركا اللاتينية بين أولويات السياسة عند الإدارة الجديدة في واشنطن.