نزهة على جبهة الفن... حيث الحدود هي السماء

الواقعان المعزز والافتراضي يفتحان للجمهور أبواباً واسعة على تجارب الفنانين

«تاون دستروير» عمل فني على شاشة الهاتف
«تاون دستروير» عمل فني على شاشة الهاتف
TT

نزهة على جبهة الفن... حيث الحدود هي السماء

«تاون دستروير» عمل فني على شاشة الهاتف
«تاون دستروير» عمل فني على شاشة الهاتف

يفتح الواقعان المعزّز والافتراضي أبواباً للفنانين، والناس عامة، للدخول في تجارب جديدة. وعندما تسير في منطقة الـ«هاي لاين» في مانهاتن بنيويورك، من الصعب ألا تبدو أكثر ضياعاً من السياح. ولكنّني أبليت بلاءً حسناً الشهر الماضي، عندما جلت في هذه المنطقة على رصيف خاص وأنا أشاهد بعض الأعمال الفنية.
في ذلك اليوم، جلتُ في معرض فنّي بواسطة «آييري» (Aery)، وهي منصة واقع معزّز جديدة مصممة لتقديم معارض فنّية رقمية. وكان الأمر أشبه بمشاهدة الجنان على شاشة «آيباد»، وليس سيراً على القدمين، فقد كنت أستخدم جهازاً لوحياً مستعاراً لمشاهدة أعمال فنية من توقيع ريتشارد هيومان تظهر أمامي بطريقة سحرية.
ولكنّ الأمر نجح: على شاشة الآيباد، ظهرت مجموعة من الورود في زاوية في السماء يعلوها تاج، تمامًا كما أراد هيمان. وبدت الدهشة على شخصين من خارج المدينة عندما نظرا إلى كتفي الظاهرين على الشاشة.
- الفن الافتراضي
قد تبدو تقنيتا الواقعين المعزّز والافتراضي مرتبطتين جداً بالمستقبل، ولكنّهما باتتا تستخدمان بكثرة من قبل الفنانين.
بالنسبة لي، كشخص يجني قوته من مشاهدة الفن، ويتجنب في الوقت نفسه تنزيل تطبيقات إضافية، شعرتُ أن مشاهدة ثلاثة معارض من فنّ الواقع المعزّز خلال أسبوعين كانت بمثابة اجتياز عتبة جديدة، سيجتازها شخص أو أكثر في السنوات المقبلة.
في تعليق له على المنصة الجديدة، رأى جاي فان بيورن، الرئيس التنفيذي الشريك المؤسس لشركة «ميمبيت» التي شاركت في تطوير «آييري»، وهو مشروع مشترك بين «ميمبيت» وشركة «ريلايتد كومبانيز» للعقارات، أنّ «هذه المنصّة سيكون لها تأثير هائل على عالم الفنّ، فهي تسمح للفنّانين بالقيام بأي شيء».
وتعتمد تقنية «ميمبيت» على ما يُعرف بـ«نظام التموضع البشري» (Human Positioning System)، وهي نسختها الخاصة من تقنية «جي بي إس». وفي البداية، يجب على المستخدم أن يعدّل مكان الجهاز، وفقاً لمجموعة من التعليمات. لا تزال تقنية «ميمبيت» اليوم في المرحلة التجريبية، ولكنّها ستصبح متوفرة قريباً في متجر تطبيقات «آبل» لأجهزة الآيفون والآيباد، على أن تصدر نسخة منها لنظام أندرويد لاحقاً.
وفي إطار تدشين معرض «آييري»، طورت الفنانة شولي ساديه قطعة سمتها «وايلد، إيتيروتوبياس»، تعتمد على صور فوتوغرافية التقطتها للمناظر الطبيعية الموجودة على امتداد منطقة «هاي لاين». شاهدت هذه الصور في صالات «هاي لاين ناين»، فظهر أمامي على شاشة الآيباد كريات أرضية دوّارة ومساحات خضراء وزهور عائمة.
وعملت ساديه التي تعيش في نيويورك في مجال الواقع المعزّز مرات كثيرة في السنوات الخمس الماضية، معتمدة على خلفيتها في التصوير الفوتوغرافي. وشبّهت الفنانة التقنية بموقد أو فرشاة رسم، أي أنها ببساطة وسيلة أخرى تساعد الفنان على الإبداع، وقالت «إنّها أداة للابتكار. إنّها وسيلة. لا أعلم ما إذا كانت ستشهد مزيداً من التطوّر، ولكنّها رحلة ممتعة».
ولا يستطيع النحّاتون تطويع قطعة برونز بأنفسهم، فيتركون الأمر لخبراء يصممونها في مسبك خاص، وفقًا لمواصفات النحّات، والأمر نفسه حصل مع ساديه التي أرسلت صورها الفوتوغرافية إلى فان بيورن ليحوّلها إلى واقع معزّز.
- فنون عالمية
وهكذا سار الأمر بالنسبة لـ«آرت وولك» (ART Walk)، وهو مشروع مشترك بين «آبل» ومتحف «نيو ميوزيم» في مدينة نيويورك. وتتوفّر هذه التجربة مجاناً في 6 مدن، هي: سان فرانسيسكو، ونيويورك، ولندن، وباريس، وهونغ كونغ، وطوكيو، مع لمسة خاصة مختلفة في كل مدينة. وشارك في هذه التجربة 7 فنانين، أهمهم الشاعر الرسام جون جيورنو الذي توفي الشهر الفائت، ونيك كايف من شيكاغو.
وكشف ماسيميليانو جيوني، المدير الفني في «نيو ميوزيم» الذي ساعد في تنظيم أعمال الفنانين، أنه عندما تحدّثت شركة «آبل» مع المتحف عن تعاون في المشروع، رأى القيمين عليه القدرات نفسها التي رأتها شركة التقنية العملاقة.
وفي حديث له عن تقنية الواقعين الافتراضي والمعزّز، قال جيوني إنّ «معاييرهما كانت في السابق محصورة بصناعتي الترفيه والألعاب الإلكترونية، ولكنهما ذهبتا أبعد من ذلك» (أما فان بيورن، فقال إنه وفي كل مرة طُلب فيها ليشرح تقنية الواقع المعزّز، كان يذكر لعبة «بوكيمون غو» التفاعلية، والضجة التي أحدثتها).
واختبرت تقنية «آرت وولك» في يوم خريفي جميل في سنترال بارك، وبدأت جولتي من متجر «آبل» الواقع في الشارع 59 و«فيفث أفنيو». استخدمتُ هاتف آيفون من المتجر (لا يمكنكم استخدام أجهزتكم الخاصة) لتجربة الأعمال الفنية. لحثِّ كلّ قطعة على الظهور، أشرت بالهاتف على شيء معيّن، عادة ما يكون لافتة، وهذه الخطوة هي جزء من العملية التي تسميها الشركة «الرسو».
وتتمّ معايرة القطعة الفنية بناء على وضعيتكم ووضعية المرساة (الهاتف)، وعندما تنجحون في تثبيت الهاتف واللافتة بالشكل الصحيح، ستشعرون بذبذات خفيفة في هاتفكم تسميها الشركة «رد الفعل اللمسي».
أما خلال تجربة عمل من توقيع كايف، حمل اسم «أكومول - إيستيك كويست»، فقد شعرتُ بحماسة صانعه المعتادة. في البداية، طُلب مني أن أختار واحدة من عدة شخصيات. وعلى الشاشة، أصبحتُ فجأة مظللاً بشعر مستعار هائل الحجم متعدد الألوان. ويطلق كايف على الشخصيات المختلفة اسم «إيستيك» (صمم أيضاً عمل واقع معزّز عنوانه «أماس»، يمكن تجربته في أي متجر آبل حول العالم على هاتفكم الخاص).
وعادة، تعتمد الجولة على مجموعة من 10 أشخاص، يحصل فيها كل واحدٍ من هؤلاء على شخصيته الخاصة. وبعد مرور 5 دقائق من الجولة، يظهر وحش كبير ودود فوق خط الأشجار (رأس الوحش يشبه بوق الفونوغراف، وهو نسخة من شخصيات «ساوند سوتي» التي يعمل عليها كايف منذ سنوات) لابتلاع الشخصيات المشاركة.
إلى هنا، كنت قد ظننتُ أن المزاح انتهى، ولكن كايف أخبرني أن فكرة أكبر يجري العمل عليها اليوم، وقال إنه «أراد للوحش أن يمتص ويبتلع الجميع، ليتحول بعدها إلى وحش متعدد الثقافات».
خلال هذا العمل، أجرى كايف كثيراً من المكالمات الهاتفية، ورسم أفكاره، وزار مقر آبل في سيليكون فالي عدة مرات. وعلق كايف على هذا الأمر ممازحاً: «لقد كنا في علاقة حقاً».
- فن تشكيلي معزز
وفي الوقت الحالي، يبدو أن الواقع المعزّز سيُستخدم أكثر من الواقع الافتراضي من قبل الفنانين التشكيليين. ومن جهته، رأى فان بيورن أنّ «الواقع المعزّز يربطكم بالمكان الذي توجدون فيه أكثر، بدل أن يصحبكم بعيداً إلى عالم آخر».
ولكنّ هذا الأمر قد يتغيّر، إذ يستطيع الراغبون تجربة عمل بجارني ميلغارد «ماي تريب» (2019) بتقنية الواقع الافتراضي في 15 ديسمبر (كانون الأول)، ضمن مجموعة جوليا ستوشيك من إنتاج «أكيوت آرت»، الاستوديو المتخصص في الواقع الافتراضي الذي يتعاون مع فنانين عالميين.
وعد دانيال بيرنبوم، مدير «أكيوت آرت»، أنّ «ماي تريب» هو عبارة عن «خيال عبثي عن الظلام» يروي السيرة الذاتية للفنان النرويجي.
ولصناعة الشخصيات الموجودة في العمل، مسح فريق الشركة تماثيل لـميلغارد. أمّا الأماكن التي قد يراها الناس في العمل، فقد اعتمد فيها المطوّرون على صور فوتوغرافية للوحات فنية.
ويرى بيرنبوم أنّ «العمل مع الواقع المعزّز أسهل، ولكنّه محدود. ويمكنكم رؤية الأشياء على الهاتف فحسب، وقد يبدو الأمر أشبه بالتحايل».
ولكن قدرة الواقع المعزّز على إظهار واقعين في وقت واحد تصلح لمقاربة روائية فعالة، على حد تعبير ألان مايكلسون من نيويورك، صاحب عرض «وولف نيشن» الذي سيعرض في متحف ويتني للفن الأميركي في 12 يناير (كانون الثاني).
وتجدر الإشارة إلى أن 2 من أصل 4 أعمال في العرض مصنوعة بواسطة الواقع المعزّز. وتعاونّ مايكلسون، عضو مجلس الموهوك في دول النهر الكبير الست، في العملين مع ستيفن فراغال، الرسّام الذي تخصّص في الواقع المعزّز لتطوير تطبيقه الخاص لهذا العمل.
ويبدو أحد العملين المسمى «تاون دستروير» (مدمّر البلدة) كعمل جداري ثنائي الإبعاد يرسم منزل جورج واشنطن في ماونت فرنون. ولكن عند تشغيله بواسطة تطبيق الواقع المعزز على هاتف آيفون، يمرّ تمثال واشنطن الموجود في وسط المدينة بتحوّل سريع، فيُضاف عليه سلسلة من الألوان والأشكال والنصوص. وتجدر الإشارة إلى أنّ «تاون دستروير» هو لقب أُطلق على واشنطن من قبل سكّان كونفدرالية الإيروكواس الذين حُرقت ونُهبت قراهم خلال حرب الاستقلال.
وشرح مايكلسون أنّه، ولتقديم منظور تاريخي صحيح حول أحد الرموز المعروفين «قدّم الواقع المعزّز حلاً، أو أكثر من مجرد حل، بل أداة تضمّ جميع أنواع أشكال الاستعارة».
ولفت مايكلسون إلى أن فكرة وجود عدة أشخاص يحملون هواتفهم لرؤية هذه الأعمال في وقت واحد دفعته للتفكير بتقنية ذات «احتمالات اجتماعية». صحيح أن الواقعين المعزز والافتراضي ينقلاننا إلى خارج العالم الحقيقي، ولكنهما أيضاً يشكلان دعوة للتواصل مع الآخرين حول رؤاهم الخاصّة.
ومن جهته، كشف جيوني أن متحف «نيو ميوزيم» قد وافق على العمل، ولفت إلى أنّ التأثيرات هي بطريقة ما مجرّد حجّة لجمع الناس مع بعضها، مشدداً على أن «الأمر يصبح حقيقياً فقط عندما يتشاركه الناس».

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«تعفن الدماغ»... ما علاقته باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل؟

صحتك قضاء ساعات طويلة في تصفح الإنترنت قد يصيبك بـ«تعفن الدماغ» (رويترز)

«تعفن الدماغ»... ما علاقته باستخدام الإنترنت ومواقع التواصل؟

تُعرف «أكسفورد» تعفن الدماغ بأنه «التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص»

ماري وجدي (القاهرة)
يوميات الشرق التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص في العصر الحديث يحدث نتيجة الإفراط في استهلاك الإنترنت وفقاً لـ«أكسفورد» (أ.ب)

«تعفن الدماغ»... كلمة عام 2024 من جامعة أكسفورد

اختيرت كلمة «تعفن الدماغ» لتكون كلمة عام 2024 في «أكسفورد».

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا كابل الاتصالات البحري «سي ليون 1» أثناء وضعه في قاع بحر البلطيق عام 2015 (أ.ف.ب)

بدء إصلاح كابل بيانات متضرر في بحر البلطيق

 بدأ إصلاح كابل اتصالات بحري متضرر بين هلسنكي وميناء روستوك الألماني في بحر البلطيق، الاثنين.  

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
المشرق العربي أطفال انفصلوا عن شقيقهم بعد فراره من شمال غزة ينظرون إلى صورته على هاتف جوال (رويترز)

انقطاع كامل للإنترنت في شمال غزة

أعلنت شركة الاتصالات الفلسطينية (بالتل)، اليوم (السبت)، عن انقطاع كامل لخدمات الإنترنت في محافظة شمال قطاع غزة، بسبب «عدوان الاحتلال المتواصل».

«الشرق الأوسط» (غزة)
يوميات الشرق حبُّ براد بيت سهَّل الوقوع في الفخ (رويترز)

«براد بيت زائف» يحتال بـ325 ألف يورو على امرأتين «مكتئبتين»

أوقفت الشرطة الإسبانية 5 أشخاص لاستحصالهم على 325 ألف يورو من امرأتين «ضعيفتين ومكتئبتين»... إليكم التفاصيل.

«الشرق الأوسط» (مدريد)

«أبل» تطلق تحديثات على نظامها «أبل إنتلدجنس»... ماذا تتضمن؟

عملاء يمرون أمام شعار شركة «أبل» داخل متجرها في محطة غراند سنترال بنيويورك (رويترز)
عملاء يمرون أمام شعار شركة «أبل» داخل متجرها في محطة غراند سنترال بنيويورك (رويترز)
TT

«أبل» تطلق تحديثات على نظامها «أبل إنتلدجنس»... ماذا تتضمن؟

عملاء يمرون أمام شعار شركة «أبل» داخل متجرها في محطة غراند سنترال بنيويورك (رويترز)
عملاء يمرون أمام شعار شركة «أبل» داخل متجرها في محطة غراند سنترال بنيويورك (رويترز)

أطلقت شركة «أبل» الأربعاء تحديثات لنظام الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاص بها، «أبل إنتلدجنس»، الذي يدمج وظائف من «تشات جي بي تي» في تطبيقاتها، بما في ذلك المساعد الصوتي «سيري»، في هواتف «آيفون».

وستُتاح لمستخدمي هواتف «أبل» الذكية وأجهزتها اللوحية الحديثة، أدوات جديدة لإنشاء رموز تعبيرية مشابهة لصورهم أو تحسين طريقة كتابتهم للرسائل مثلاً.

أما مَن يملكون هواتف «آيفون 16»، فسيتمكنون من توجيه كاميرا أجهزتهم نحو الأماكن المحيطة بهم، وطرح أسئلة على الهاتف مرتبطة بها.

وكانت «أبل» كشفت عن «أبل إنتلدجنس» في يونيو (حزيران)، وبدأت راهناً نشره بعد عامين من إطلاق شركة «أوبن إيه آي» برنامجها القائم على الذكاء الاصطناعي التوليدي، «تشات جي بي تي».

وفي تغيير ملحوظ لـ«أبل» الملتزمة جداً خصوصية البيانات، تعاونت الشركة الأميركية مع «أوبن إيه آي» لدمج «تشات جي بي تي» في وظائف معينة، وفي مساعدها «سيري».

وبات بإمكان مستخدمي الأجهزة الوصول إلى نموذج الذكاء الاصطناعي من دون مغادرة نظام «أبل».

وترغب المجموعة الأميركية في تدارك تأخرها عن جيرانها في «سيليكون فالي» بمجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، وعن شركات أخرى مصنّعة للهواتف الذكية مثل «سامسونغ» و«غوغل» اللتين سبق لهما أن دمجا وظائف ذكاء اصطناعي مماثلة في هواتفهما الجوالة التي تعمل بنظام «أندرويد».

وتطرح «أبل» في مرحلة أولى تحديثاتها في 6 دول ناطقة باللغة الإنجليزية، بينها الولايات المتحدة وأستراليا وكندا والمملكة المتحدة.

وتعتزم الشركة إضافة التحديثات بـ11 لغة أخرى على مدار العام المقبل.