تعديل الحكومة... أبرز أحداث المغرب في 2019

عرفت تقليص عدد أعضائها... وغياب وزارة الاتصال لأول مرة منذ استقلال البلاد

العاهل المغربي الملك محمد السادس في صورة جماعية مع أعضاء حكومة سعد الدين العثماني الجديدة (أ.ب)
العاهل المغربي الملك محمد السادس في صورة جماعية مع أعضاء حكومة سعد الدين العثماني الجديدة (أ.ب)
TT

تعديل الحكومة... أبرز أحداث المغرب في 2019

العاهل المغربي الملك محمد السادس في صورة جماعية مع أعضاء حكومة سعد الدين العثماني الجديدة (أ.ب)
العاهل المغربي الملك محمد السادس في صورة جماعية مع أعضاء حكومة سعد الدين العثماني الجديدة (أ.ب)

يرى متتبعون للشأن السياسي المغربي أن تعديل الحكومة كان أبرز حدث سياسي عرفه المغرب خلال العام الحالي.
ففي 9 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبعد أكثر من شهرين من المشاورات السياسية، ولدت الحكومة الثانية للدكتور سعد الدين العثماني، أمين عام حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، وسميت «حكومة الكفاءات». وجاء هذا التعديل بتوجيهات من العاهل المغربي الملك محمد السادس، تحضيراً للمرحلة الجديدة، التي ستدخلها البلاد في أفق اعتماد نموذج تنموي جديد.
وأبرز ما حمله التعديل الحكومي هو تقليص عدد أعضاء الحكومة من 39 وزيراً إلى 23. فضلاً عن تجميع بعض القطاعات الوزارية بغرض «تعزيز النجاعة والانسجام، والتنسيق في العمل الحكومي». كما غابت وزارة الاتصال (الإعلام سابقاً) من التشكيلة، وذلك لأول مرة منذ استقلال المغرب عام 1956. وجرى إلحاقها بوزارة الثقافة والشباب والرياضة.
وكان الملك محمد السادس قد دعا في 29 يوليو (تموز) الماضي، بمناسبة الذكرى الـ20 لتوليه مقاليد الحكم، رئيس الحكومة إلى «رفع مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، على أساس الكفاءة والاستحقاق». وشدد على أن «المرحلة الجديدة ستعرف جيلاً جديداً من المشروعات، ونخبة جديدة من الكفاءات في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخّ دماء جديدة على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة».
كما تعهد الملك محمد السادس، أيضاً، في الخطاب ذاته، بتدشين مرحلة جديدة، قوامها «المسؤولية والإقلاع الشامل»، والحد من «التفاوتات الصارخة».
ورأى مراقبون في الهيكلة الجديدة للحكومة مكتسباً بالنسبة للتجربة السياسية والديمقراطية المغربية؛ لأنها تهدف إلى عقلنة العمل السياسي، وتحديث الهندسة الحكومية، وذلك في احترام للدستور والدور السياسي للأحزاب. إلا أن البعض رأى أن هذه الهندسة الجديدة ليست سوى خطوة لإضعاف الأحزاب السياسية في أفق التحكم في نتائج الانتخابات التشريعية المقررة في 2021. لكن من جهة أخرى، تقلص حضور عدد النساء في الحكومة المعدلة إلى 4 وزيرات، بينما كان عددهن في الحكومة السابقة 8 وزيرات وكاتبات دولة (وزيرات دولة).
وحافظت حكومة العثماني الثانية على معظم وجوه الحكومة السابقة، وبخاصة وزراء السيادة. كذلك حافظ معظم الوزراء الحزبيين في الحكومة السابقة على حقائبهم، أو أسندت إليهم حقائب جديدة، وبلغ عدد الوزراء المجدد لهم 11 وزيراً.
نور الدين مضيان، القيادي في حزب الاستقلال المعارض ورئيس الكتلة النيابية للحزب في مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، قال لـ«الشرق الأوسط» إن أبرز حدث سياسي عرفه المغرب «هو التعديل الحكومي، الذي ترجم فشل الحكومة في تدبير الشأن العام»، موضحاً أن هذا التعديل جاء نتيجة فشل الحكومة في تدبير عدد من القطاعات، ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية، «فلو كان أداء الحكومة جيداً لما حدث هذا الزلزال، الذي أتى على نصف أعضائها»، بحسب تعبيره.
كما لفت المسؤول الحزبي المغربي إلى أن الملك محمد السادس أصر في خطابه على ضرورة الاعتماد على الكفاءات، ما يعني أن الحكومة السابقة في نسختها الأولى فشلت في تنفيذ الإصلاحات، التي وعدت بها في برنامجها الحكومي، وأن الاحتجاجات التي عرفتها بعض المدن المغربية جاءت نتيجة عدم رضا فئات عريضة من الشعب عن أداء الحكومة الاقتصادي والاجتماعي. مضيفاً أن «هناك مؤشرات أخرى دالة على فشل الحكومة في مجالات أخرى مثل محاربة الفساد».
كما شدد مضيان على أن حدث تعديل الحكومة «هو تتويج لمجموعة من التراكمات السلبية، والفشل الذريع في تدبير الشأن العام».
ورداً على سؤال حول توقعاته للعام المقبل، قال مضيان: «فاقد الشي لا يعطيه لأننا كنا نتوخى من التعديل أن يحدث قطيعة مع الحكومة السابقة. إلا أنه اقتصر على تغيير بعض الأسماء والرؤوس، وتبادل المواقع، وتجميع بعض الوزارات في وزارة واحدة، ولم نر أي كفاءات. لذا جاء هذا التغيير مخيباً للآمال، في حين كنا نتطلع أن يشمل التغيير البرنامج الحكومي كله، الذي ظل كما هو منذ 2016».
وختم مضيان بالقول إن «الوضع سيظل على حاله حتى 2021؛ حيث نأمل أن يتحمل الشعب المغربي مسؤوليته في اختيار من ينوب عنه ومن يحكمه».
شكلت زيارة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، للمغرب في 30 مارس (آذار) الماضي، حدثاً بارزاً خلال عام 2019 لأنها جرت بعد 33 سنة من الزيارة التاريخية، التي قام بها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني للبلاد في 19 أغسطس (آب) 1985، ولقائه الملك الراحل الحسن الثاني في الدار البيضاء.
وأبرز ما ميز الزيارة الخطاب، الذي ألقاه كل من العاهل المغربي الملك محمد السادس والبابا فرنسيس في باحة مسجد حسان بالرباط، والذي تطرقا فيه إلى سبل مواجهة التطرف؛ حيث قال الملك محمد السادس إن «الحل في مواجهة التطرف ليس عسكرياً ولا مالياً، بل يكمن في التربية»، مبرزاً أن «ما يهدد حضاراتنا هي المقاربات الثنائية، وانعدام التعارف المتبادل، ولم يكن يوماً الدين». داعياً إلى إيلاء الدين مجدداً المكانة التي يستحقها في مجال التربية، بقوله: «ليس الدين هو ما يجمع بين الإرهابيين، بل يجمعهم الجهل بالدين».
من جانبه، اعتبر البابا فرنسيس زيارته للمغرب، الذي يشكل بنظره جسراً طبيعياً بين قارتي أفريقيا وأوروبا، «فرصة مهمة لتعزيز الحوار بين الأديان والتعارف المتبادل بين مؤمني الديانتين، والتأكيد على ضرورة توحيد الجهود من أجل إعطاء دفع جديد لعملية بناء عالم أكثر تضامناً».
وتعليقاً على هذه الزيارة، قال عبد الفتاح بلعمشي، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، ورئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات لـ«الشرق الأوسط»، إن زيارة بابا الفاتيكان للمغرب «جاءت في إطار توجه المغرب نحو دعم حوار الأديان والحضارات لمواجهة مختلف الأزمات والظواهر المرتبطة بالعنف والإرهاب، التي لم تعد مقترنة بمنطقة معينة، بل منتشرة على مستوى العالم».
كما أبرز بلعمشي أهمية الزيارة التي وصفها بـ«التاريخية»، كونها حظيت بتغطية إعلامية واسعة، مضيفاً أن لقاء البابا ممثل الديانة الكاثوليكية والملك محمد السادس، أمير المؤمنين، شكل نوعاً من تبرئة ذمة الدين من العنف المستشري في المجتمعات، وحاول إلى حد بعيد تسليط الضوء على الأسباب التي تؤدي إلى الأفكار والسلوكيات المتطرفة.
كما أوضح المحلل السياسي المغربي أن اختيار بابا الفاتيكان المغرب للقيام بتلك الزيارة يجسد الاحترام والمكانة التي يحظى بها، والجهود التي يبذلها في مجال نشر الأفكار الوسطية المعتدلة، فضلاً عن الإصلاحات التي جرى اعتمادها في مجال الحقل الديني من قبيل تكوين الأئمة والمرشدين ومأسسة الشأن الديني التي يتميز بها المغرب.
وفي سياق مختلف، عرف المغرب خلال العام 2019 قضايا أثارت جدلاً، أبرزها قضية اعتقال الصحافية هاجر الريسوني، التي تعمل في صحيفة «أخبار اليوم».
واعتقلت الريسوني في سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما كانت تهم بمغادرة عيادة طبيب نساء، وجرى إيداعها السجن ووجهت لها تهمة الإجهاض، وإقامة علاقة جنسية خارج الزواج. وقد أخذت قضية الريسوني أبعاداً سياسية بعد أن ربط البعض بين اعتقالها ومقالاتها الصحافية. كما حظيت قضيتها بدعم عدد كبير من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية.
وأعاد اعتقال الريسوني ملف الحريات الفردية إلى الواجهة في المغرب، وأصدر على إثرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو هيئة رسمية، تقريراً أوصى فيه برفع التجريم عن الإجهاض والعلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين، ما خلف جدلاً كبيراً بين مؤيدي توسيع الحريات الفردية، ومعارضي هذا التوجه لتعارضه مع ثوابت الدين الإسلامي.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.