تعديل الحكومة... أبرز أحداث المغرب في 2019

يرى متتبعون للشأن السياسي المغربي أن تعديل الحكومة كان أبرز حدث سياسي عرفه المغرب خلال العام الحالي.
ففي 9 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبعد أكثر من شهرين من المشاورات السياسية، ولدت الحكومة الثانية للدكتور سعد الدين العثماني، أمين عام حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، وسميت «حكومة الكفاءات». وجاء هذا التعديل بتوجيهات من العاهل المغربي الملك محمد السادس، تحضيراً للمرحلة الجديدة، التي ستدخلها البلاد في أفق اعتماد نموذج تنموي جديد.
وأبرز ما حمله التعديل الحكومي هو تقليص عدد أعضاء الحكومة من 39 وزيراً إلى 23. فضلاً عن تجميع بعض القطاعات الوزارية بغرض «تعزيز النجاعة والانسجام، والتنسيق في العمل الحكومي». كما غابت وزارة الاتصال (الإعلام سابقاً) من التشكيلة، وذلك لأول مرة منذ استقلال المغرب عام 1956. وجرى إلحاقها بوزارة الثقافة والشباب والرياضة.
وكان الملك محمد السادس قد دعا في 29 يوليو (تموز) الماضي، بمناسبة الذكرى الـ20 لتوليه مقاليد الحكم، رئيس الحكومة إلى «رفع مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، على أساس الكفاءة والاستحقاق». وشدد على أن «المرحلة الجديدة ستعرف جيلاً جديداً من المشروعات، ونخبة جديدة من الكفاءات في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخّ دماء جديدة على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة».
كما تعهد الملك محمد السادس، أيضاً، في الخطاب ذاته، بتدشين مرحلة جديدة، قوامها «المسؤولية والإقلاع الشامل»، والحد من «التفاوتات الصارخة».
ورأى مراقبون في الهيكلة الجديدة للحكومة مكتسباً بالنسبة للتجربة السياسية والديمقراطية المغربية؛ لأنها تهدف إلى عقلنة العمل السياسي، وتحديث الهندسة الحكومية، وذلك في احترام للدستور والدور السياسي للأحزاب. إلا أن البعض رأى أن هذه الهندسة الجديدة ليست سوى خطوة لإضعاف الأحزاب السياسية في أفق التحكم في نتائج الانتخابات التشريعية المقررة في 2021. لكن من جهة أخرى، تقلص حضور عدد النساء في الحكومة المعدلة إلى 4 وزيرات، بينما كان عددهن في الحكومة السابقة 8 وزيرات وكاتبات دولة (وزيرات دولة).
وحافظت حكومة العثماني الثانية على معظم وجوه الحكومة السابقة، وبخاصة وزراء السيادة. كذلك حافظ معظم الوزراء الحزبيين في الحكومة السابقة على حقائبهم، أو أسندت إليهم حقائب جديدة، وبلغ عدد الوزراء المجدد لهم 11 وزيراً.
نور الدين مضيان، القيادي في حزب الاستقلال المعارض ورئيس الكتلة النيابية للحزب في مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، قال لـ«الشرق الأوسط» إن أبرز حدث سياسي عرفه المغرب «هو التعديل الحكومي، الذي ترجم فشل الحكومة في تدبير الشأن العام»، موضحاً أن هذا التعديل جاء نتيجة فشل الحكومة في تدبير عدد من القطاعات، ولا سيما الاقتصادية والاجتماعية، «فلو كان أداء الحكومة جيداً لما حدث هذا الزلزال، الذي أتى على نصف أعضائها»، بحسب تعبيره.
كما لفت المسؤول الحزبي المغربي إلى أن الملك محمد السادس أصر في خطابه على ضرورة الاعتماد على الكفاءات، ما يعني أن الحكومة السابقة في نسختها الأولى فشلت في تنفيذ الإصلاحات، التي وعدت بها في برنامجها الحكومي، وأن الاحتجاجات التي عرفتها بعض المدن المغربية جاءت نتيجة عدم رضا فئات عريضة من الشعب عن أداء الحكومة الاقتصادي والاجتماعي. مضيفاً أن «هناك مؤشرات أخرى دالة على فشل الحكومة في مجالات أخرى مثل محاربة الفساد».
كما شدد مضيان على أن حدث تعديل الحكومة «هو تتويج لمجموعة من التراكمات السلبية، والفشل الذريع في تدبير الشأن العام».
ورداً على سؤال حول توقعاته للعام المقبل، قال مضيان: «فاقد الشي لا يعطيه لأننا كنا نتوخى من التعديل أن يحدث قطيعة مع الحكومة السابقة. إلا أنه اقتصر على تغيير بعض الأسماء والرؤوس، وتبادل المواقع، وتجميع بعض الوزارات في وزارة واحدة، ولم نر أي كفاءات. لذا جاء هذا التغيير مخيباً للآمال، في حين كنا نتطلع أن يشمل التغيير البرنامج الحكومي كله، الذي ظل كما هو منذ 2016».
وختم مضيان بالقول إن «الوضع سيظل على حاله حتى 2021؛ حيث نأمل أن يتحمل الشعب المغربي مسؤوليته في اختيار من ينوب عنه ومن يحكمه».
شكلت زيارة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، للمغرب في 30 مارس (آذار) الماضي، حدثاً بارزاً خلال عام 2019 لأنها جرت بعد 33 سنة من الزيارة التاريخية، التي قام بها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني للبلاد في 19 أغسطس (آب) 1985، ولقائه الملك الراحل الحسن الثاني في الدار البيضاء.
وأبرز ما ميز الزيارة الخطاب، الذي ألقاه كل من العاهل المغربي الملك محمد السادس والبابا فرنسيس في باحة مسجد حسان بالرباط، والذي تطرقا فيه إلى سبل مواجهة التطرف؛ حيث قال الملك محمد السادس إن «الحل في مواجهة التطرف ليس عسكرياً ولا مالياً، بل يكمن في التربية»، مبرزاً أن «ما يهدد حضاراتنا هي المقاربات الثنائية، وانعدام التعارف المتبادل، ولم يكن يوماً الدين». داعياً إلى إيلاء الدين مجدداً المكانة التي يستحقها في مجال التربية، بقوله: «ليس الدين هو ما يجمع بين الإرهابيين، بل يجمعهم الجهل بالدين».
من جانبه، اعتبر البابا فرنسيس زيارته للمغرب، الذي يشكل بنظره جسراً طبيعياً بين قارتي أفريقيا وأوروبا، «فرصة مهمة لتعزيز الحوار بين الأديان والتعارف المتبادل بين مؤمني الديانتين، والتأكيد على ضرورة توحيد الجهود من أجل إعطاء دفع جديد لعملية بناء عالم أكثر تضامناً».
وتعليقاً على هذه الزيارة، قال عبد الفتاح بلعمشي، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، ورئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات لـ«الشرق الأوسط»، إن زيارة بابا الفاتيكان للمغرب «جاءت في إطار توجه المغرب نحو دعم حوار الأديان والحضارات لمواجهة مختلف الأزمات والظواهر المرتبطة بالعنف والإرهاب، التي لم تعد مقترنة بمنطقة معينة، بل منتشرة على مستوى العالم».
كما أبرز بلعمشي أهمية الزيارة التي وصفها بـ«التاريخية»، كونها حظيت بتغطية إعلامية واسعة، مضيفاً أن لقاء البابا ممثل الديانة الكاثوليكية والملك محمد السادس، أمير المؤمنين، شكل نوعاً من تبرئة ذمة الدين من العنف المستشري في المجتمعات، وحاول إلى حد بعيد تسليط الضوء على الأسباب التي تؤدي إلى الأفكار والسلوكيات المتطرفة.
كما أوضح المحلل السياسي المغربي أن اختيار بابا الفاتيكان المغرب للقيام بتلك الزيارة يجسد الاحترام والمكانة التي يحظى بها، والجهود التي يبذلها في مجال نشر الأفكار الوسطية المعتدلة، فضلاً عن الإصلاحات التي جرى اعتمادها في مجال الحقل الديني من قبيل تكوين الأئمة والمرشدين ومأسسة الشأن الديني التي يتميز بها المغرب.
وفي سياق مختلف، عرف المغرب خلال العام 2019 قضايا أثارت جدلاً، أبرزها قضية اعتقال الصحافية هاجر الريسوني، التي تعمل في صحيفة «أخبار اليوم».
واعتقلت الريسوني في سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما كانت تهم بمغادرة عيادة طبيب نساء، وجرى إيداعها السجن ووجهت لها تهمة الإجهاض، وإقامة علاقة جنسية خارج الزواج. وقد أخذت قضية الريسوني أبعاداً سياسية بعد أن ربط البعض بين اعتقالها ومقالاتها الصحافية. كما حظيت قضيتها بدعم عدد كبير من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية.
وأعاد اعتقال الريسوني ملف الحريات الفردية إلى الواجهة في المغرب، وأصدر على إثرها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو هيئة رسمية، تقريراً أوصى فيه برفع التجريم عن الإجهاض والعلاقات الجنسية الرضائية بين الراشدين، ما خلف جدلاً كبيراً بين مؤيدي توسيع الحريات الفردية، ومعارضي هذا التوجه لتعارضه مع ثوابت الدين الإسلامي.