مناصحة دنماركية تستهدف المنخرطين في القتال مع الجماعات المسلحة

استشارات نفسية ووظائف ومنح للدراسة الجامعية

أسامة السعدي  في مدينة أرهوس الدانماركية قال إن «غالبية المقاتلين الشباب المتجهين لسوريا من الدنمارك تتراوح أعمارهم بين 16 و28 » («واشنطن بوست»)
أسامة السعدي في مدينة أرهوس الدانماركية قال إن «غالبية المقاتلين الشباب المتجهين لسوريا من الدنمارك تتراوح أعمارهم بين 16 و28 » («واشنطن بوست»)
TT

مناصحة دنماركية تستهدف المنخرطين في القتال مع الجماعات المسلحة

أسامة السعدي  في مدينة أرهوس الدانماركية قال إن «غالبية المقاتلين الشباب المتجهين لسوريا من الدنمارك تتراوح أعمارهم بين 16 و28 » («واشنطن بوست»)
أسامة السعدي في مدينة أرهوس الدانماركية قال إن «غالبية المقاتلين الشباب المتجهين لسوريا من الدنمارك تتراوح أعمارهم بين 16 و28 » («واشنطن بوست»)

أفسح رواد المتجر الطريق أمام طلحة، 21 عاما، أثناء دخوله للتسوق بلحيته الطويلة ومشيته العسكرية المميزة التي تعلمها داخل ميادين القتال بسوريا، وأقبل عليه الكثير من الشباب المسلمين لتحيته.
في دول أخرى، ربما كان قد تعرض طلحة - واحد من مئات الجهاديين الشباب الذين سافروا من الغرب إلى سوريا والعراق - للمنع من العودة للبلاد أو ألقي به في السجن، لكن داخل الدنمارك، وهي دولة خرجت منها أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب، تتبع مدينة أرهوس أسلوبا جديدا يقوم على الترحيب بالعائدين.
الملاحظ أن الدنمارك لم تسجن أيا من المقاتلين العائدين إليها. بدلا من ذلك، تنتهج البلاد وجهة نظر تقوم على أن التمييز داخل الوطن لا يقل إجراما عن جهود التجنيد التي تضطلع بها «داعش»، لذا فإنها توفر للعائدين استشارة نفسية مجانية، مع إيجاد وظائف لهم وأماكن داخل المدارس والجامعات. ويبذل المسؤولون جهودا للتواصل مع أحد المساجد الراديكالية بهدف وقف تدفق المجندين.
من جانبهم، يرى بعض أصحاب التوجهات التقدمية أن أرهوس يمكن أن تصبح نموذجا لمجتمعات أخرى في الولايات المتحدة وأوروبا تحاول التكيف مع ما الذي ينبغي عمله مع الجيل الجهادي العائد؟
وقد تركت سياسة أرهوس الجديد أمثال طلحة يتجولون بحرية في الشوارع. طلحة هو نجل مهاجرين معتدلين من الشرق الأوسط، وقد تحول إلى التطرف وحارب مع كتيبة إسلامية في سوريا لمدة 9 شهور قبل أن يعود للوطن أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ورغم عودته للأراضي الدنماركية، لا يزال يحلم بأن يحيا يوما ما في خلافة شرق أوسطية. ورغم رفضه لقطع «داعش» رقاب الرهائن الأجانب، فإنه يدافع عن الإعدامات الفورية التي تنفذها بحق جنود عراقيين سوريين.
وقال طلحة، الذي اختار لنفسه هذا الاسم لإخفاء هويته لأنه لم يخبر والده قط إنه سافر للقتال: «أعلم كيف يفكر فينا البعض، إنهم خائفون منا نحن العائدين لكننا لا نشكل خطرا على أحد».
بيد أن نقادا يرون هذا التوجه اللين من جانب المدينة ينطوي على خطر كبير، وتحولت الجهود الدائرة هنا لجزء من نقاش أوسع بكثير يجري عبر مختلف أرجاء أوروبا حول الإسلام وطبيعة التطرف. ويوما بعد آخر، تزداد أعداد الأصوات الداعية لإقرار قوانين جديدة لا تتيح محاكمة العائدين بالخيانة فحسب، بل وتقيد الهجرة القادمة من الدول المسلمة وتفرض قيودا على التقاليد الإسلامية مثل الختان.
وفي بلد لا تزال حية في ذهنه ذكريات ردود الفعل العنيفة داخل الدول المسلمة حيال نشر إحدى الصحف الدنماركية رسوما كارتونية تتعلق بالنبي محمد عام 2006، يرغب الكثيرون هنا في أن تشن أرهوس حملة صارمة ضد المتطرفين، بدلا من مداهنتهم.
وعن أرهوس، قالت ماري كراروب، البرلمانية البارزة عن حزب الشعب الدنماركي، وهو ثالث أكبر قوة سياسية بالبلاد إنهم «يبدون لينا مفرطا في التعامل، وعاجزين عن رؤية المشكلة الحقيقية، المشكلة تكمن في الإسلام، فالإسلام ذاته راديكالي، وليس بإمكانك دمج أعداد كبيرة من المسلمين في بلد مسيحي».
من ناحيتها، تتعامل أرهوس من المقاتلين العائدين باعتبارهم شبابا منفلتا، وليسوا إرهابيين مشتبه بهم.
بعد أداء صلاة الظهر بمسجد «غريمهوجاي» في أرهوس، نفت قيادات المسجد ادعاءات أنهم يجندون شبابا للقتال في سوريا. والملاحظ أن غالبية المقاتلين الشباب القادمين لسوريا من الدنمارك تتراوح أعمارهم بين 16 و28، وينتمي معظم هؤلاء لأسر مسلمة معتدلة، وغالبا ما يكونون أبناء لأبوين منفصلين. ويعيش غالبيتهم بمنطقة «غيلروباركن».
تضم «غيلروباركن» مجمعات سكنية عامة متوسطة الارتفاع، ويقطنها مهاجرون وأسرهم ممن قدموا للبلاد في خضم موجات الهجرة المسلمة التي بدأت ستينات القرن الماضي. وتتسم معدلات البطالة هنا - خاصة بين الشباب - بمعدل أعلى بكثير عن المتوسط السائد بالمدينة. وفي فترة من الفترات، بلغت مستويات الجريمة هنا درجة من السوء جعلت حتى عربات الإسعاف بحاجة لقوة شرطية ترافقها، وعليه شكلت المنطقة أرضا خصبة مثالية لتحول الشباب الساخط لمسلحين.
وفي إطار مساعيها لتغيير هذا الوضع، تبذل المدينة جهودا إصلاحية ضخمة تستهدف المنطقة، على أمل أن تتمكن الظروف السكنية الأفضل من تحسين الوضع العام واجتذاب المزيد من أبناء الدنمارك الأصليين للمنطقة، الأمر الذي يعزز اندماج الأسر المهاجرة في المجتمع. ومن المقرر كذلك بناء طرق جديدة لربط المنطقة بدرجة أفضل بباقي أرجاء المدينة.
من جهته، قال عمدة أرهوس، جاكوب بندسغارد: «هؤلاء الشباب تحولوا إلى الدين في فترة عصيبة للغاية من حياتهم، وهم يجابهون تساؤلات وجودية حول الانضمام للقتال من أجل ما يؤمنون به لا يمكننا تمرير قانون يغير ما يؤمنون أو يشعرون به، لكن ما يمكننا عمله هو إبداء صدقنا بخصوص الاندماج والحوار». من جهته، قال طلحة داخل أحد مراكز التسوق المحلية بينما راقبته 4 فتيات شقروات دنماركيات بحذر: «إنه وطني لا أشعر بالغرابة لعودتي هنا إنه وطني».
ولد طلحة في الدنمارك لأسرة قادمة من دولة بالشرق الأوسط بجوار سوريا، رفض الإفصاح عن اسمها حفاظا على خصوصيته.
وأضاف أن الرغبة في القتال ظلت تعتمل بداخله لشهور شاهد خلالها فيديوهات عبر موقع «يوتيوب» لأعمال القتل التي ارتكبتها حكومة بشار الأسد ضد المدنيين. وعن ذلك، قال طلحة: «لم يكن بإمكاني البقاء هنا مستريحا داخل الدنمارك بينما الآلاف والآلاف من إخواني يموتون». وبالفعل بدأ في مناقشة الأمر مع بعض أصدقائه المتدينين، وفي غضون أشهر قليلة تم وضع خطة لسفره.
في يوم سفره لسوريا، في أكتوبر 2012، أخبر والديه المنفصلين أنه سيسافر لتركيا مع صديق له لقضاء عطلة، بدلا من ذلك، اتخذ ابن عم صديقه ترتيبات لانتقالهما لداخل سوريا. وعمل في معسكر للاجئين لبضعة أسابيع قبل إلحاقه بكتيبة مستقلة تتبع جماعة «أحرار الشام»، التي ترتبط بصلات مزعومة مع «القاعدة». خلال شهور قتاله مع هذه الكتيبة، قال طلحة إن «أقرانه حافظوا على علاقات طيبة مع (داعش)».
وعاد للدنمارك لبضعة شهور عام 2013، وأخبر والدته، لكن ليس والده، بما فعله ومنذ الصحوة الدينية التي عايشها، أقنع والدته بارتداء غطاء للشعر، وأصبحت هي الأخرى أكثر تدينا. ومع ذلك: «بكت عندما أخبرتها أين كنت». وعندما عاد لسوريا بعد بضعة شهور لم تحاول منعه.
وعاد طلحة أخيرا للدنمارك في أكتوبر الماضي بعد اندلاع نوبات من القتال بين الفرق المتناحرة. ومنذ ذلك الحين، خضع لاجتماع واحد مع مسؤول شرطي سأله عن خططه ونياته. وتبعا للبرنامج الذي تنفذه أرهوس، فقد عرضت عليه المدينة الحصول على مساعدة من أموال دافعي الضرائب لتلقي دروس في الرياضيات للالتحاق بكلية الهندسة.
إلا أنه نظرا لأن جلسات الاستشارة النفسية اختيارية، فقد أغفلها لأنه قال إنه «ليس بحاجة إليها»، وقال طلحة إنه «لا يرغب في أن ينال الدنمارك أي أذى»، لكنه تحسر على ما وصفه بتنامي مشاعر العداء للإسلام في وسائل الإعلام ودوائر الحكومة الوطنية.
* خدمة «واشنطن بوست»
* خاص بـ«الشرق الأوسط»



موسكو تُحمل واشنطن ولندن «مسؤولية أفعال كييف»

انفجار مسيّرة روسية في سماء كييف مساء أمس (رويترز)
انفجار مسيّرة روسية في سماء كييف مساء أمس (رويترز)
TT

موسكو تُحمل واشنطن ولندن «مسؤولية أفعال كييف»

انفجار مسيّرة روسية في سماء كييف مساء أمس (رويترز)
انفجار مسيّرة روسية في سماء كييف مساء أمس (رويترز)

حمّلت موسكو، أمس الخميس، كلاً من واشنطن ولندن مسؤولية الهجوم الذي قالت إنه استهدف الكرملين بطائرات مسيّرة، فيما فند المتحدث باسم البيت الأبيض هذه المزاعم، واتهم الكرملين بالكذب.
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إن كل ما يفعله نظام كييف يقف وراءه الأميركيون والدول الغربية، وخصوصاً بريطانيا. وأضافت أن «واشنطن ولندن في المقام الأول تتحملان مسؤولية كل ما يفعله نظام كييف».
كما قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن الولايات المتّحدة تصدر أوامرها لأوكرانيا بكل ما تقوم به.
ورد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي، قائلاً لقناة تلفزيونية: «لا علاقة لنا بهذه القضية»، متهماً بيسكوف بأنه «يكذب بكل وضوح وبساطة».
وأعلنت موسكو، الأربعاء، تعرّض الكرملين لهجوم بطائرتين مسيّرتين أحبطته الدفاعات الجوية الروسية، معتبرة أنه كان يهدف لاغتيال الرئيس فلاديمير بوتين. ونفت كييف أي ضلوع لها في العملية، متهمة موسكو بأنها تعمدت إبرازها إعلامياً لتبرير أي تصعيد محتمل.
وفيما بدا رداً على «هجوم الطائرتين المسيّرتين»، كثفت روسيا هجمات بالمسيرات على العاصمة الأوكرانية أمس. وسمع ليل أمس دوي انفجارات في كييف، بعد ساعات من إعلان السلطات إسقاط نحو ثلاثين طائرة مسيّرة متفجرة أرسلتها روسيا.
في غضون ذلك، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لاهاي قادة العالم لتشكيل محكمة خاصة لروسيا للنظر في الجرائم المرتكبة بعد غزو أوكرانيا وتكون منفصلة عن الجنائية الدولية. وأضاف الرئيس الأوكراني خلال زيارة إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي: «على المعتدي أن يشعر بكامل قوة العدالة».