الحكومة اللبنانية تقلل من شأن المخاوف من «انفجارها» على وقع سجال المشنوق ـ «حزب الله»

مصادر سلام لـ {الشرق الأوسط} : لا تزال تحظى بالغطاء الدولي والإقليمي

لاجئون سوريون خارج مقر مفوضية شؤون اللاجئين في مدينة طرابلس، أمس (أ.ف.ب)
لاجئون سوريون خارج مقر مفوضية شؤون اللاجئين في مدينة طرابلس، أمس (أ.ف.ب)
TT

الحكومة اللبنانية تقلل من شأن المخاوف من «انفجارها» على وقع سجال المشنوق ـ «حزب الله»

لاجئون سوريون خارج مقر مفوضية شؤون اللاجئين في مدينة طرابلس، أمس (أ.ف.ب)
لاجئون سوريون خارج مقر مفوضية شؤون اللاجئين في مدينة طرابلس، أمس (أ.ف.ب)

بانتظار ما سيتبع أو ينتج عن خطاب وزير الداخلية نهاد المشنوق الأخير الذي حمل خلاله مسؤولية تعثر «الخطة الأمنية» إلى «حزب الله»، وهو القائل: «هذا أول الكلام وليس آخره»، تبقى العلاقة السياسية والأمنية بين «تيار المستقبل» والحزب «معلقة»، بما في ذلك احتمال أن ينعكس الأمر انفجارا على صعيد الحكومة التي تجمع الفريقين.
لكن مصادر رئاسة الحكومة استبعدت تفجير الحكومة قائلة لـ«الشرق الأوسط» إنه وحتى الساعة يبدو أن القوى السياسية مدركة أهمية بقاء هذه الحكومة، وهو ما أكدته أيضا مصادر وزير الداخلية مذكرة بما قاله المشنوق بأن هدفه «ليس تفجير الحكومة بقدر ما هو تصويب الأمور ورمي الكرة في ملعب (حزب الله) بعدما لم يثبت أنه كان على قدر المسؤولية التي حاول وزير الداخلية أن يضعه أمامها»، وفق ما قالت في حديثها لـ«الشرق الأوسط».
ورأت مصادر رئيس الحكومة تمام سلام بأنه «لن يكون كلام المشنوق (القنبلة التي تفجر هذه المؤسسة)»، مشيرة إلى أن كلام وزير الداخلية «سبق أن قاله في جلساته المغلقة مع الجهات المعنية قبل أن يقوله علنا ورد (حزب الله) لم يكن حادا وعنيفا، بل جاء مضبوطا ومحسوبا». وفي حين لم تنفِ المصادر أن الحكومة بوزرائها الذين ينتمون إلى مختلف الأفرقاء السياسيين يتعايشون بالحد الأدنى من التوافق، أكدت أن الحكومة «لا تزال تحظى بالغطاء الدولي والإقليمي الذي يمنع انفجارها».
وبينما نفت مصادر المشنوق أنه كان يهدف إلى استغلال المناسبة أو المتاجرة بمواقفه في أوساط «القاعدة الشعبية لتيار المستقبل»، أكدت أن انفتاحه على «حزب الله» منذ توليه الوزارة لم يكن من باب المراهنة عليه، بل لوضعه أمام مسؤولياته، مضيفة: «لكنه لم يكن على قدر هذه المسؤولية، والدليل على ذلك أن الخطة الأمنية تطبق في مناطق ويمنع تطبيقها في مناطق أخرى حيث سيطرة الحزب». وأوضحت أن وضع النقاط على الحروف والإعلان عما يحصل على الأرض والمشكلات التي تحول دون تطبيق الخطة الأمنية، أتت في محاولة من المشنوق لتفادي الوصول إلى حائط مسدود يصعب عندها التصحيح. وعما إذا كانت قد تشهد الخطة الأمنية أي خطوات تنفيذية على الأرض بعد السجال «الأمني – السياسي» بين «المستقبل» و«حزب الله»، قالت المصادر: «سننتظر الأيام المقبلة، وأي قرارات بهذا الشأن لا بد وأنها تحتاج إلى غطاء سياسي ليس متوفرا لغاية الآن».
مع العلم بأن التفسيرات لكلام المشنوق الحازم والواضح حيال «الخطة الأمنية»، والتي حمل مسؤولية تعثرها إلى «حزب الله» و«جهاز أمني» وفق ما قاله السبت الماضي في ذكرى اغتيال المسؤول الأمني اللواء وسام الحسن، كانت مختلفة. إذ وضعها في خانة تصويب العمل في الخطة الأمنية، ولا سيما في بعض مناطق البقاع حيث السيطرة للحزب، وسبق للوزير نفسه أن وصفها بـ«مربع الموت»، لكن البعض رأى أن رفع سقف الخطاب السياسي يعود إلى ضخ الدم مجددا في قاعدة تيار المستقبل الشعبية التي باتت هي في واد وقيادتها في واد نتيجة المواقف المعادية لكل صوت سني يقف ضد الجيش اللبناني، إضافة إلى مواجهة «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش». مع العلم بأن المشنوق الذي يعتبر أن «الخطة الأمنية» إضافة إلى «ملف السجون» في لبنان من أهم مشاريعه التي يعمل عليها منذ تسلمه وزارة الداخلية، كان قد حرص على التنسيق الأمني مع «حزب الله» وتحديدا مع مسؤول لجنة التنسيق والارتباط وفيق صفا، وهو الأمر الذي لقي انتقادات لاذعة من قبل مناصري «المستقبل» بشكل أساسي.
وكان المشنوق قال: «لقد دافعت عن الخطة الأمنية، وحميتها من كل أشكال المزايدات التي طالتها وعملت على توفير البنية التحتية السياسية والنفسية لنجاحها، قافزا فوق معظم الحواجز التي تمنع التواصل الجاد والمجدي لمصلحة لبنان، مؤمنا بأن الأمن وحدة لا تتجزأ، ولا يحتمل المقاربات الحزبية الضيقة»، متهما من يعمل على تفجير الحكومة من الخارج. وأكد: «لن نقبل بتحويلنا إلى قادة صحوات متخصصين في فرض الأمن على قسم من اللبنانيين، بينما القسم الآخر ينعم بالحصانة الحزبية»، في إشارة إلى «حزب الله».
وقد رد وزير الدولة لشؤون مجلس النواب المحسوب على «حزب الله» محمد فنيش على كلام المشنوق من دون أن يسميه، سائلا: «ماذا يعني الكلام عن التوازن الأمني؟»، وأضاف: «هل نفهم من هذا الكلام إعطاء تبرير لإيجاد ممر آمن لبعض الجماعات الإرهابية التي اعتدت على الجيش وتهدد الأمن يوميا في عاصمة الشمال طرابلس؟ بالنسبة إلينا هذه من مسؤولية الوزارة والحكومة». وأضاف فنيش أن «البعض وجد نفسه محرجا أمام جماعات اعتادت منه أن يكون غطاء لها فأراد أن يعالج هذا الإرباك والإحراج بإلقاء الاتهام جزافا».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.