مصر: دستور وحكومة مُعدّلان... «إرهاب» مُحجّم... واقتصاد ينتظر «الثمار»

مصر: دستور وحكومة مُعدّلان... «إرهاب» مُحجّم... واقتصاد ينتظر «الثمار»
TT

مصر: دستور وحكومة مُعدّلان... «إرهاب» مُحجّم... واقتصاد ينتظر «الثمار»

مصر: دستور وحكومة مُعدّلان... «إرهاب» مُحجّم... واقتصاد ينتظر «الثمار»

بينما تطوي مصر حسابات العام 2019 بنجاحاته وإخفاقاته، تبرز ثلاثة ملفات كبرى موزعة بين السياسة والأمن والاقتصاد، تستمد أهميتها من امتداد تأثيراتها فيما هو آتٍ في العام الجديد.
انكب المصريون في شهور سَنَتهم المتداعية، على متابعة تعديلات دستورية تسمح بإمكانية بقاء الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في سدة الحكم حتى عام 2030، وكذلك فإنهم رصدوا «تحجيماً لوتيرة العمليات الإرهابية المؤثرة»، خصوصاً في شمال سيناء. أما بالنسبة إلى الاقتصاد، فإن استمرار صعود قيمة الجنيه وتعافيه أمام الدولار الأميركي بدا محفزاً لمن ينتظرون «الثمار» بعد «عملية إصلاح قاسية».
لتكن البداية من السياسة إذن، وبحسب ما قالت «الهيئة الوطنية للانتخابات» فإن نتائج الاستفتاء الذي أجري في أبريل (نيسان) الماضي، على تعديلات لدستور البلاد، أسفرت عن موافقة 23 مليون ناخب على التعديلات الدستورية، بنسبة 88.83 في المائة، فيما بلغ إجمالي الرافضين مليونين و945 ألفاً و680 ناخباً بنسبة 11.17 في المائة.
وباتت مصر، وفق تلك النتائج، على موعد مع مشهد جديد يتجاوز عام الاستفتاء. وفضلاً عن تعديل المادة المتعلقة بفترة حكم الرئيس والتي رأى مؤيدوه أنها «تضمن تحقيق الاستقرار، واستمرار إنجاز المشروعات التنموية»، فإن القوات المسلحة بات من بين مهامها الدستورية «صون الدستور والديمقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، ومكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد»، وكذلك أصبح في البلاد «مجلس أعلى للجهات والهيئات القضائية»، برئاسة رئيس الجمهورية.
كذلك فإنه يُصعب أن يتجاهل مراقب لعام 2019 في مصر، تلك المظاهرات النادرة والمحدودة التي شهدتها البلاد في سبتمبر (أيلول) الماضي، والتي بدأت بدعوة أطلقها ممثل ومقاول مقيم في إسبانيا يدعى محمد علي، عبر بث مقاطع مصورة تضمنت اتهامات اعتبرت «مسيئة» للجيش، وعلّق الرئيس المصري على بعض ما جاء فيها، حينها، وقال إنها «كذب وافتراء». وقوبلت دعوة التظاهر بتفاعل المئات، لكنها جوبهت بعمليات ضبط وتوقيف طالت ألف شخص تقريباً (تم الإفراج تباعاً عن بعضهم على ذمة القضية)، بحسب إفادة رسمية للنيابة العامة، لكن دعوة تالية للرجل نفسه أخفقت في حشد المتظاهرين، فيما لجأ مؤيدون للحكم إلى تنظيم وقفة ضخمة وحاشدة.
- حديث «الإصلاح»
وفي المقابل، فإن برلمانيين وإعلاميين مقربين من السلطة، أعقبوا تلك المظاهرات بالحديث عن «إصلاحات»، وتحدث رئيس البرلمان علي عبد العال في مستهل دور الانعقاد الخامس للمجلس، مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن «إصلاحات سياسية وحزبية وإعلامية»، خلال المرحلة المقبلة التي وصفها بـ«مرحلة جني الثمار»، بعد فترة انتقالية «استلزمت إجراءات قاسية»، على حد قوله. وزاد: «ستكون هناك وقفة شديدة مع الحكومة، ولن نترك الشعب ومصالحه بعيداً عن هذه القاعة، ولن نسمح لكل المسؤولين التنفيذيين بأن يُصدّروا المشاكل لرئيس الجمهورية، وعليها (الحكومة) أن تحنو على الشعب».
ويعتقد أستاذ العلوم السياسية مصطفى كامل السيد أن «هناك تصوراً لدى بعض المسؤولين بضرورة توسيع مجال حرية الرأي ولكن في حدود مأمونة، ولذلك فقد تصدى لهذا الأمر نواب من حزب الأغلبية مستقبل وطن». ومع ذلك فإن السيد يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يتوقع «أن تمتد تلك الحالة من قبول الآراء المعارضة لتشمل إفساح المجال لأحزاب قوية، ومعروفة بمواقفها المغايرة للسلطات».
وقبل أن يطوي العام 2019 آخر صفحاته، أقر البرلمان تعديلاً وزارياً «لم يعكس تغييراً جذرياً» في صيغة السياسات والنخبة الحكومية، وإن كان أظهر الاهتمام بتصعيد الشباب لتولي مناصب نواب الوزراء، كما أثار جدلاً إثر إعادة تكليف وزير الإعلام، وهو المنصب الذي ظل شاغرا منذ إقرار التعديلات الدستورية في عام 2014.
وتضمنت التعديلات دمج وزارتي السياحة والآثار، فضلاً عن إلغاء منصب وزير الاستثمار وإسناد مسؤولياته إلى جانب الإصلاح الإداري إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي.
«التعديل الوزاري الأحدث ربما يكون محاولة لتسريع وتعميق الاتجاه السائد، لكنه لا يعبر عن تغيير جذري أو عميق في صيغة السياسات العامة والتوجهات»، وفق ما يرى الدكتور جمال عبد الجواد مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية».
وقال عبد الجواد إن «ملفي الاستثمار والإصلاح الإداري يمثلان أهمية قصوى للحكومة، بل يمكن القول إنه يتم تقييم رئيس الحكومة وفق النجاح فيهما، وبالتالي فإن وضعهما تحت إشرافه المباشر قد يسهم في إحراز خطوات أفضل».
ولا يعول عبد الجواد كثيراً على تسمية وزير للإعلام في حل المعضلات القائمة في المشهد الإعلامي المصري، ويقول إن «اللاعبين زادوا واحداً، وبات هناك أكثر من طرف له اختصاصات، بداية من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للإعلام، ووصولاً لنظيرتها للصحافة». ورأى أن «الأمر سيشهد تنافساً وتنازعاً وحلولاً سياسية وليست بالضرورة تتسم بالكفاءة اللازمة للموقف الراهن».
- «تحجيم الإرهاب»
منذ أطلقت قوات الجيش والشرطة في فبراير (شباط) 2018 عملية واسعة النطاق لملاحقة مجموعات مسلحة في شمال سيناء تَدين في معظمها بالولاء لـ«تنظيم داعش»، فإن قدرة «الإرهابيين» على التعبير عن قوتهم باتت أقل، إذا ما قورنت بسنوات سابقة، وذلك وفق ما يرصد الخبير في مكافحة الإرهاب الدولي العقيد حاتم صابر الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «انطلاق جهود ملاحقة العناصر الإرهابية تعود إلى عام 2013 والذي شهد 308 عمليات إرهابية، بينما تم تحجيم قدرة التنظيمات على التحرك وتلقي الدعم والتسليح، حتى وصلنا إلى 8 عمليات فقط في عام 2018».
وشرح صابر مستنداً إلى إحصاءات أجراها أن «العام 2019 يكاد يكون بلا عمليات تذكر»، موضحاً أن المقصود بالعمليات التي يتم رصدها: «هي تلك الهجمات الكبرى المؤثرة التي توقع عدداً كبيراً من الضحايا، وتؤثر في الأمن القومي للبلاد ككل».
وعندما سُئل عما إذا كانت العمليات الخاطفة التي نفذتها التنظيمات المتطرفة في سيناء ضد قوات الأمن في 2019 وأوقعت ضحايا تمثل تناقضاً مع فكرة «تحجيم الإرهاب»، رأى صابر أنه «لا توجد دولة تستطيع أن تمنع تماماً وقوع العمليات الإرهابية... هذا ضرب من الخيال». واستكمل: «المهم ألا تستطيع تلك العمليات أن تهز صورة الدولة أو معدلات الثقة في الأمن بصورة كبيرة، ووفق هذا المعيار فإن مصر حققت نجاحات في مواجهة الإرهاب».
وغير بعيد عن ذلك، فإن الرئيس السيسي افتتح في مايو (أيار) الماضي، أنفاقاً تحمل اسم «تحيا مصر» تربط بين دلتا البلاد وشبه جزيرة سيناء، وتعول عليها البلاد في تحقيق مشروعات تنموية بالمنطقة وتقدر الحكومة تكلفتها بـ275 مليار جنيه (الدولار يعادل 16 جنيهاً تقريباً).
- انتظار الثمار
في أغسطس (آب) الماضي، تسلمت مصر ملياري دولار كشريحة أخيرة من قرض حصلت عليه من «صندوق النقد الدولي» بقيمة إجمالية 12 مليار دولار. وبدأت الحكومة «خطة إصلاحية» لاقتصاد البلاد وفق هذا الاتفاق قبل 3 سنوات، بلغت ذروتها بتحرير سعر صرف العملة المحلية، ما قفز بمعدلات التضخم إلى مستويات قياسية.
لكن «الكارثة الاقتصادية» التي واجهتها البلاد عام 2016، بحسب تعبير الرئيس المصري في ديسمبر (كانون الأول) 2019 تشير البيانات الرسمية إلى أنه تم تجاوزها، فمن جهة أظهرت أرقام سعر صرف الجنيه تقدماً مطرداً أمام الدولار، وكذلك فقد سجلت أرقام الاحتياطي من العملة الأجنبية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 45.354 مليار دولار، في مقابل 42.551 مليار دولار في العام 2018.
ورغم أن الرئيس المصري أقدم في مايو الماضي على إعلان زيادة الحد الأدنى لأجور ومعاشات العاملين في قطاعات مختلفة في الدولة، فإنه قال حينها إن «ذلك لا يعتبر من ثمار الإصلاح». واستدرك أن «الإجراءات التي اتخذناها كانت قاسية بمعنى الكلمة، ولا يزال الوقت مبكراً».
وفي مقابل نمو الاحتياطيات وزيادة الأجور، فضلاً عن تراجع نسبي بأسعار بعض السلع ومنها اللحوم والخضراوات بنهاية العام، فإن أرقاماً أخرى تشير إلى صورة لا يمكن إغفالها، وتتعلق بإعلان «الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء» ارتفاع نسبة الفقر في مصر خلال عام 2018 إلى 32.5 في المائة، مقارنة بنسبة سابقة بلغت 27.8 في المائة في 2015.
ووفق تقدير محمد أبو باشا، رئيس «وحدة تحليل الاقتصاد الكلي» في المجموعة المالية «هيرمس»، فإن توقعاتهم «تشير في العام الجديد إلى صعود معدل النمو ليصل 5.8 في المائة في مقابل تقديرات حكومية تصل إلى 6.1». وأرجع ذلك إلى «استمرار فرص تعافي قطاع السياحة الذي تمكن من تحقيق 12.5 مليار دولار كإيرادات، والفرص المنتظرة في قطاع الطاقة الواعد، وكذلك استمرار سياسة خفض معدلات الفائدة، ما يعتبر محفزاً لنشاط الاستثمار».
وقال أبو باشا لـ«الشرق الأوسط» إنه بالنسبة إلى المواطنين فإنه «على رغم الزيادة النسبية للدخل والأجور في بعض القطاعات، فإنها كانت تتآكل بفعل ضغوط زيادة الأسعار»، ومضيفاً أنه «من المرجح أن تتحسن القدرة الشرائية بفعل استيعاب الأسواق للزيادات الناجمة عن تحرير سعر صرف العملة، وتحرير أسعار المحروقات».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.