حلحلة خجولة في «أزمة السد»... وتصعيد يصل إلى الحافة مع تركيا

«قلق» مصري إزاء ليبيا والسودان... وتمسك بالموقف حيال قطر

ترمب والسيسي خلال لقاء في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أ.ب)
ترمب والسيسي خلال لقاء في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أ.ب)
TT

حلحلة خجولة في «أزمة السد»... وتصعيد يصل إلى الحافة مع تركيا

ترمب والسيسي خلال لقاء في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أ.ب)
ترمب والسيسي خلال لقاء في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أ.ب)

سعت مصر إلى تركيز سلوكها السياسي الإقليمي والدولي ضمن مسار التوافق والحلول السلمية وتفادي المواجهات خلال عام 2019. غير أنها لم تجد ذرائع وطاقة كافية لتجنب تصعيد خطر مع تركيا في ملفي ثروات البحر المتوسط، وليبيا، كما بقيت جهودها لإيجاد حل لأزمة «سد النهضة» مع إثيوبيا من دون ثمار واضحة. وفي وقت عززت فيه تنسيقها الاستراتيجي مع السعودية والإمارات، وأبقت المطالب الـ13 لدول الرباعي العربي الداعية لمكافحة الإرهاب «ضرورة» لعقد مصالحة مع قطر، واصلت تعزيز علاقاتها الأوروبية، وتمتين تحالفها مع واشنطن.
وبرز المشهد الأفريقي ضمن تحركات السياسة الخارجية المصرية لعام 2019، بعد أن تسلمت القاهرة رئاسة الاتحاد الأفريقي، في فبراير (شباط) الماضي. وأظهر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال العام الماضي، اهتماماً كبيراً بأفريقيا، واضعاً إياها أولوية على خريطة التحركات الخارجية المصرية.
- صراع في الغرب
وعلى حدودها الغربية، كان للسياسة المصرية وجود لافت في الصراع الليبي الذي شهد على مدار العام مواجهات عسكرية محتدمة. وبينما حافظت مصر على موقفها القائم على دعم جهود الأمم المتحدة والتمسُّك بالحل السياسي خياراً وحيداً للحفاظ على ليبيا ووحدة أراضيها، دعمت في المقابل جهود قائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر الذي استضافته أكثر من مرة خلال العام، وبحثت معه ملفات مكافحة الإرهاب والميليشيات المتطرفة بهدف «تحقيق الأمن والاستقرار». وأسهم هذا الدعم في القبض على الضابط المصري السابق الهارب هشام عشماوي، داخل الأراضي الليبية، الذي أُدين بتنفيذ عمليات إرهابية وحكم عليه بالإعدام أخيراً.
وخلال الأسبوعين الأخيرين من عام 2019، كثّف الرئيس المصري من إفاداته بشأن موقف القاهرة من التطورات في ليبيا، خصوصاً بعد إبرام حكومة فائز السراج، اتفاقاً مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بشأن تفاهمات أمنية وبحرية، وتعترض عليها مصر وقبرص واليونان، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي وأميركا. وتعهد السيسي أنه «لن يستطيع أحد السيطرة على ليبيا». وقال إن الجارة الغربية، فضلاً عن السودان «يمثلان أمناً قومياً لمصر، ولا تخلي عن دعم الجيش الوطني».
وبالنظر إلى التوترات القائمة بين البلدين منذ 2013، اتجهت العلاقات بين مصر وتركيا نحو مزيد من التصعيد، وأججها الصراع بشأن التنقيب عن الغاز في منطقة شرق المتوسط، والتدخل التركي في ليبيا، والانتقادات التركية المستمرة للأوضاع في مصر.
ووفق تقدير المدير الأسبق لجهاز الشؤون المعنوية في الجيش المصري اللواء سمير فرج، فإن أنقرة «تسعى إلى التصعيد ضد المصالح المصرية إلى درجة الحافة في البحر المتوسط، بغرض محاولة تحقيق مكاسب تتعلق بالدرجة الأولى بمصادر الطاقة، ومن خلال دعمها ميليشيات مسلحة مرتبطة بحكومة الوفاق الوطني تتصور أنها يمكنها فرض وجودها في المنطقة».
ويعتقد فرج أن المساعي التركية في «دعم المجموعات المسلحة في ليبيا» تثير «قلقاً كبيراً، خصوصاً في ظل تماس الحدود الغربية لمصر مع ليبيا من خلال نحو 1200 كيلومتر». واستشهد بأن «مصر أكدت عبر مستويات مختلفة، أبرزها الرئاسية، أن ليبيا والسودان أمن قومي للقاهرة، وبالتالي لا يمكن السماح بأن يتعرضا للخطورة».
- التحالف الرباعي
عربياً، واصل التحالف الرباعي الذي تعد مصر أحد أضلاعه، بمشاركة السعودية والإمارات والبحرين، جهوده في مواجهة «التدخلات الخارجية» في المنطقة، وعلى رأسها الدوران التركي والإيراني، فضلاً عن التنسيق المستمر تجاه الأزمات الإقليمية، الذي عبرت عنه الزيارات المكثفة والمتبادلة لزعماء تلك الدول على مدار العام.
وأظهر الرئيس المصري تمسكاً بالمطالب الـ13 التي أعلنتها الرياض والقاهرة وأبوظبي والمنامة قبل أكثر من عامين للمضي في «المصالحة مع قطر»، مشدداً خلال فعاليات «منتدى شباب العالم»، أواخر العام، على ضرورة وجود إجراءات تعزز بناء «علاقات مستقرة بعيدة عن التدخل بالشؤون الداخلية، خصوصاً مع وجود وسائل إعلام (لم يسمّها) تمارس التآمر».
ووفقاً للسفير جمال بيومي، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، فإن «مستوى الزيارات بين قادة ومسؤولي التحالف ووتيرتها أكدت صلابة العلاقات التي تدار على أعلى مستوى، وتوافر إرادة سياسية لتعزيزها بشكل مستمر». ويتفق مع الرأي السابق اللواء سمير فرج الذي أكد بدوره «تماسك الموقف الرباعي العربي من الدوحة»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري «رهن عودة العلاقات إلى طبيعتها مع قطر، باستجابتها لمطالب دول التحالف».
- أفريقيا
شكلت الرئاسة المصرية للاتحاد القاري، فرصة سانحة لقيادة قمم دولية - أفريقية على مدار العام، بدأت بمشاركة السيسي في «مؤتمر ميونيخ للأمن»، في 15 فبراير، كأول رئيس غير أوروبي يلقي كلمة أمامه، تبعته «قمة الحزام والطريق» في بكين نهاية أبريل (نيسان)، وكذا «قمة مجموعة العشرين» باليابان في يونيو (حزيران)، وقمة «مجموعة السبع الكبرى G7 وأفريقيا» في بياريتز الفرنسية نهاية أغسطس (آب)، والقمة السابعة لمؤتمر «تيكاد» نهاية أغسطس أيضاً، في طوكيو.
كما شملت ترؤس السيسي القمة الروسية - الأفريقية في سوتشي، بمشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والقمة الألمانية - الأفريقية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مع المستشارة أنغيلا ميركل.
ويرى الدكتور مصطفى الفقي أن مصر كانت في حاجة لتعزيز موقفها في القارة بعد سنوات من الابتعاد أثرت في نفوذها السياسي والاقتصادي، ووجدت الفرصة سانحة في رئاسة الاتحاد الأفريقي. وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «الدبلوماسية المصرية نجحت بشكل كبير في استثمار عام رئاستها للاتحاد، وتمكنت من توظيف هذا الدور في خدمة المصالح المصرية إقليمياً ودولياً».
وقالت مقررة لجنة الشؤون الأفريقية في المجلس المصري للشؤون الخارجية السفيرة منى عمر لـ«الشرق الأوسط»، إن «الإدراك المصري لأهمية القارة الأفريقية لم يغِب أبداً عن الدبلوماسية المصرية، لكنه شهد أفولاً في سنوات سابقة وتم تداركه، وبشكل أكثر كثافة العام الماضي».
دور مصر رئيساً للاتحاد الأفريقي، تلاقى مع حسابات أمنها القومي، في التعامل مع التطورات العاصفة التي دارت بالسودان في 2019، وشهدت عزل الرئيس عمر البشير في أبريل، إذ سعت الدبلوماسية المصرية إلى لعب دور بارز في مرحلة ما بعد البشير، انطلاقاً من ارتباطها التاريخي والجغرافي بالجار الجنوبي.
بدوره، أرسل التوجه المختلف للمجلس العسكري الانتقالي بالسودان، رسائل إيجابية لإمكانية تعزيز العلاقات مع مصر، خصوصاً بعد قيام رئيسه الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بزيارة القاهرة نهاية مايو (أيار) الماضي، كأول زيارة خارجية له. وهو ما عدّه رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية السفير صلاح حليمة «مفتاحاً مهماً لمحو التوترات التي حدثت مطلع العام مع نظام البشير»، متوقعاً أن «ينعكس ذلك على التوصل إلى حلول للقضايا الخلافية كافة بين البلدين، ومن بينها الحدود».
- روسيا
الحضور الروسي القوي في مصر تواصل خلال العام، في ظل علاقة قوية تجمع الرئيسين بوتين والسيسي. ومنذ توقيع «اتفاقية الشراكة الاستراتيجية» بين البلدين نهاية 2018، عملت القاهرة وموسكو على توسيع علاقات التعاون، خصوصاً في المجال العسكري.
وتحدثت مواقع روسية عن عزم مصر إجراء صفقة مع روسيا بقيمة ملياري دولار لشراء أكثر من 20 طائرة مقاتلة من طراز «سوخوي - 35»، وسط أنباء عن تلويح أميركي بعقوبات ضمن قانون «كاتسا». وفي زيارته للقاهرة في نوفمبر الماضي، قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، إن بلاده «مستعدة لتقديم العون في تعزيز قدرات القوات المسلحة المصرية». وبين مصر وروسيا اتفاقيات تعاون مشتركة كبرى، على رأسها مشروع الضبعة النووي شمال مصر الذي يمضي قدماً بتعاون روسي، إضافة إلى مناورات عسكرية سنوية تحت عنوان «حماة الصداقة».
ورغم التعاون الواسع مع روسيا، فإن القاهرة حافظت على علاقتها بواشنطن. وتلقى السيسي دعماً قوياً من الرئيس الأميركي في 2019، ظهر في مواجهة الاضطرابات الداخلية بمصر، في سبتمبر (أيلول) الماضي، حين قلل دونالد ترمب من أهمية مظاهرات معارضة نادرة، مؤكداً أن «لمصر قائداً عظيماً محترماً (السيسي)، وقبل أن يأتي للسلطة في مصر كانت هناك فوضى». والثانية في التدخل الأميركي لحل أزمة «سد النهضة» الإثيوبي التي استفحلت بعد إعلان القاهرة فشل المفاوضات الثلاثية قبل 3 أشهر.
ويقول عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية السيد أمين شلبي لـ«الشرق الأوسط»، إن التدخل الأميركي في تلك المفاوضات «حوّلها إلى مسار جديد، ويعد انتصاراً معنوياً لوجهة النظر المصرية، بعد أن نجحت في إدخال طرف دولي في الأزمة»، لكنه رهن النجاح في حلحلة الأمور بمدى استعداد واشنطن لإلقاء ثقلها السياسي، قبل الموعد المحدد لتسوية القضايا الخلافية منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل.
وبموجب «اتفاق واشنطن» لحل الخلافات حول قواعد ملء وتشغيل السد الإثيوبي، تقرر مشاركة البنك الدولي ومندوب عن الولايات المتحدة، كمراقبين، في 4 جولات تفاوضية تعقد على مستوى وزراء المياه في مصر وإثيوبيا والسودان، قبل حلول 15 يناير المقبل. كما تقرر اللجوء إلى وساطة، في حال فشل التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الخلافية بحلول هذا الموعد.
ويصف الخبير في شؤون حوض النيل هاني رسلان، موقف المفاوضات بشأن «سد النهضة» بأنها «شهدت تقدماً حقيقياً وإن بحذر، وبات يسودها أمل حقيقي قادر على الصمود حتى اللحظة بشأن التوصل إلى اتفاق بخصوص قواعد ملء وتشغيل السد». وبدا أننا «أمام حلحلة خجولة، على الأقل بعد نجاح القاهرة في إشراك واشنطن والبنك الدولي مراقبين، وهو المطلب الذي حاولت أديس أبابا تجنبه في المراحل السابقة».



دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
TT

دانيال تشابو... رئيس موزمبيق الجديد الطامح إلى استعادة الاستقرار

تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي
تشابو يواجه تحديات عدة... من التمرد في منطقة كابو ديلغادو إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية واستغلال موارد الغاز الطبيعي وإدارة تأثيرات التغير المناخي

أدَّى دانيال تشابو، الأربعاء الماضي، اليمين الدستورية، رئيساً لموزمبيق، مركِّزاً على اعتبار استعادة الاستقرار السياسي والاجتماعي «أولوية الأولويات». وجاء تولي السياسي المتخصص في القانون، بعد أكثر من 3 أشهر من انتخابات مثيرة للجدل، دفعت البلاد إلى موجة احتجاجات دامية راح ضحيتها أكثر من 300 شخص حتى الآن، وفق تقديرات منظمات حقوقية محلية ودولية. وبالفعل استمرت الاحتجاجات حتى أثناء مراسم حفل التنصيب؛ إذ بينما كان تشابو (البالغ من العمر 48 سنة) يخطب أمام حشد متحمس من أنصاره في العاصمة مابوتو، كان مناصرو المعارضة يتظاهرون ضده على بعد أمتار قليلة، بعدما منعتهم قوات الأمن من الوصول إلى مكان الحفل.

بدأ الرئيس الموزمبيقي الجديد دانيال تشابو القسم وسط حشد من أنصاره، وكذلك على مقربة من مظاهرات رافضة نتيجة الانتخابات التي وضعته على رأس السلطة في المستعمرة البرتغالية الكبيرة التي يقترب عدد سكانها من 34 مليون نسمة، وتقع على الساحل الغربي للمحيط الهندي بجنوب شرقي أفريقيا. ولقد نقلت وكالات الأنباء عن شهود عيان قولهم إن وسط العاصمة مابوتو كان شبه مهجور مع وجود كثيف للشرطة والجيش.

أما تشابو فقد قال في خطاب تنصيبه: «سمعنا أصواتكم قبل وأثناء الاحتجاجات، وسنستمر في الاستماع». وأقرَّ الرئيس الجديد بالحاجة إلى إنهاء حالة الاضطراب التي تهز البلاد، مضيفاً: «لا يمكن للوئام الاجتماعي أن ينتظر، لذلك بدأ الحوار بالفعل، ولن نرتاح حتى يكون لدينا بلد موحد ومتماسك».

والواقع أنه منذ إعلان المجلس الدستوري في موزمبيق، خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فوز تشابو في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بنسبة 65.17 في المائة من الأصوات، دخلت البلاد في موجة عنف جديدة، ولا سيما مع طعن فينانسيو موندلاني زعيم المعارضة الشعبوية اليمينية (الذي حلَّ ثانياً بحصوله على 24 في المائة من الأصوات) في صحة نتائجها، ودعوته للتظاهر، واستعادة ما سمَّاه «الحقيقة الانتخابية».

هذا، وتتهم المعارضة -ممثلةً بحزب «بوديموس» الشعبوي- حزب «فريليمو» الاستقلالي اليساري بتزوير الانتخابات، وهي تهمة ينفيها «فريليمو» الذي يحكم البلاد منذ الاستقلال عن البرتغال عام 1975. أما تشابو فقد بات الرئيس الخامس لموزمبيق منذ استقلالها. وكان في مقدمة حضور حفل تنصيبه الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، وزعيم غينيا بيساو عمر سيسوكو إمبالو، بينما أرسلت عدة دول أخرى -بما في ذلك البرتغال- ممثلين عنها.

الخلفية والنشأة

ولد دانيال فرنسيسكو تشابو، يوم 6 يناير (كانون الثاني) 1977 في بلدة إينهامينغا، المركز الإداري لمنطقة شيرينغوما بوسط موزمبيق. وهو الابن السادس بين 10 أشقاء. وكان والده فرنسيسكو (متوفى) موظفاً في سكك حديد موزمبيق، بينما كانت والدته هيلينا دوس سانتوس عاملة منازل. وهو متزوّج من غويتا سليمان تشابو، ولديهما 3 أولاد، وهو يهوى كرة القدم وكرة السلة، ويتكلم اللغتين البرتغالية والإنجليزية بطلاقة.

النزاع المسلح الذي اندلع بين «فريليمو» (جبهة تحرير موزمبيق) الاستقلالية اليسارية، ومنظمة «رينامو» اليمينية التي دعمها النظامان العنصريان السابقان بجنوب أفريقيا وروديسيا الجنوبية (زيمبابوي حالياً) وبعض القوى الغربية، دفع عائلة تشابو إلى مغادرة إينهامينغا، ولذا أمضى دانيال تشابو طفولته في منطقة دوندو؛ حيث التحق بمدرسة «جوزينا ماشيل» الابتدائية، ومن ثم، تابع دراسته في دوندو، وبعد إنهاء تعليمه الثانوي عمل مذيعاً في راديو «ميرامار»؛ حيث قدم برنامجاً رياضياً بين عامي 1997 و1999.

بعدها، التحق تشابو بجامعة «إدواردو موندلاني» في العاصمة مابوتو، وتزامناً مع دراسته الجامعية عمل في تلفزيون «ميرامار»، وقدَّم برنامجاً باسم «أفوكس دو بوفو».

ثم في عام 2004 حصل على شهادته الجامعية في القانون، واجتاز دورة المحافظين وكتَّاب العدل في «مركز ماتولا للتدريب القانوني» في العام نفسه. وهكذا شكَّلت خلفيته الأكاديمية أساساً قوياً لمسيرته المهنية اللاحقة في الخدمة العامة والإدارة.

من القانون إلى السياسة

بدأ تشابو حياته المهنية عام 2005، في مكتب كتَّاب العدل بمدينة ناكالا بورتو، وواصل عمله هناك حتى عام 2009. كما عمل أستاذاً للقانون الدستوري والعلوم السياسية في الجامعة.

وفي عام 2009 انضم إلى حزب «فريليمو» (جبهة تحرير موزمبيق)، وعُيِّن بسبب عمله ومشاركته السياسية في منصب إداري في مقاطعة ناكالا- آ- فيليا، ووفق موقعه الإلكتروني فإنه عمل خلال تلك الفترة على «خلق فرص عمل للشباب دون تمييز».

ضغط الأعمال الإدارية لم يمنع في الواقع تشابو من إكمال دراسته، وفعلاً التحق بجامعة موزمبيق الكاثوليكية للحصول على ماجستير التنمية عام 2014. كما حصل على تدريب في نقابة المحامين التي أوقف عضويته فيها طواعية بسبب عمله السياسي.

وعام 2015 عُيِّن تشابو مديراً لمقاطعة بالما؛ لكنه لم يمكث في المهمة طويلاً؛ لأن الرئيس السابق فيليبي غاستينيو نيوسي عيَّنه عام 2016 حاكماً لإينهامباني. وبعدها، في أبريل (نيسان) 2019 وافق البرلمان الموزمبيقي على حزمة تشريعية جعلت تعيين منصب حكام المقاطعات بالانتخاب، وكان تشابو على رأس قائمة «فريليمو» في إينهامباني، ليصبح أول حاكم منتخب للمحافظة التي ظل يحكمها حتى مايو (أيار) 2024.

دعم رئاسي

حظي دانيال تشابو بدعم قوي من الرئيس فيليبي نيوسي الذي شهد بكفاءته، وقال عنه: «مع أنه لم يبقَ في بالما سوى 6 أشهر، فإنه اكتسب تأييداً في هذا الجزء من البلاد، لدرجة أن قرار الرئيس بنقله إلى مقاطعة أخرى كان مثار تساؤلات عما إذا كانت بالما لا تستحق أن يحكمها شخص بكفاءة تشابو».

وخلال السنوات الثماني (2016 إلى 2024) التي أمضاها حاكماً لمحافظة إينهامباني، قاد تشابو المحافظة كي تغدو الأولى في البلاد التي تكمل تنفيذ البنوك في جميع المناطق، في إطار المبادرة الرئاسية «منطقة واحدة، بنك واحد».

وتشير وسائل إعلام محلية إلى أنه في عهد تشابو، وتحت قيادته، نظمت محافظة إينهامباني مؤتمرين دوليين للاستثمار، فضلاً عن منتديات لتنمية المناطق، ما حفَّز الاقتصاد المحلي، وقاد عجلة التنمية.

المسيرة الحزبية

مسيرة دانيال تشابو الحزبية والسياسية بدأت مبكراً؛ إذ شغل بين عامي 1995 و1996 منصب سكرتير منطقة في «منظمة الشباب الموزمبيقي» (OJM) في دوندو. ثم شغل بين عامي 1998 و1999 منصب أمين سر لجنة التثبيت بمجلس شباب المنطقة، إضافة إلى عضويته في «منظمة الشباب الموزمبيقي». وفي عام 2008 عُين مديراً للحملة الانتخابية للمرشح شالي إيسوفو، من «فريليمو»، في بلدية ناكالا بورتو، ويومها فاز الحزب بالانتخابات، وأطاح بالمعارضة.

بعدها، عام 2017، انتُخب دانيال تشابو عضواً في اللجنة المركزية لـ«فريليمو». وفي مايو 2024 اختارته اللجنة المركزية مرشحاً لـ«فريليمو» في الانتخابات الرئاسية. وهي الانتخابات التي فاز فيها أخيراً وسط اعتراضات المعارضة.

وبناءً عليه، يبدأ تشابو فترة رئاسته وسط تحدِّيات كبرى، وفي ظل مظاهرات واحتجاجات هي الأكبر ضد حزب «فريليمو». وراهناً تتصاعد المخاوف على استقرار موزمبيق، مع تعهد منافسه المعارض موندلاني (وهو مهندس زراعي يبلغ من العمر 50 سنة) باستمرار المظاهرات، قائلاً إن «دعوته للحوار قوبلت بالعنف».

وجدير بالذكر أن موندلاني كان قد عاد إلى موزمبيق من منفاه الاختياري، وسط ترحيب من أنصاره، يوم 9 يناير، وادَّعى أنه «غادر موزمبيق خوفاً على حياته، بعد مقتل اثنين من كبار أعضاء حزبه المعارض داخل سيارتهما على يد مسلحين مجهولين، في إطلاق نار خلال الليل في مابوتو، بعد الانتخابات».

في أي حال، يثير الوضع الحالي في موزمبيق مخاوف دولية، ولاحقاً أعرب مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الأسبوع الماضي، عن قلقه. وقال في بيان: «نحن في غاية القلق بشأن التوترات المستمرة عقب الانتخابات في موزمبيق».

من ناحية ثانية، بصرف النظر عن الاحتجاجات التي أشعلتها الانتخابات الرئاسية، فإن تشابو يواجه تحديات عدة يتوجب عليه التعامل معها، على رأسها «التمرد» المستمر منذ 7 سنوات في مقاطعة كابو ديلغادو الشمالية الغنية بالنفط والغاز. وهذا إضافة إلى السعي لتحقيق تنمية اقتصادية، واستغلال موارد الغاز الطبيعي، وإدارة تأثيرات التغير المناخي والكوارث الطبيعية التي أثرت على موزمبيق في السنوات الأخيرة.

وراثة الإرث الثقيل

لا شك، ثمة إرث ثقيل ورثه دانيال تشابو، ذلك أنه يقود بلداً مزَّقه الفساد والتحديات الاقتصادية العميقة، بما فيها ارتفاع معدلات البطالة والإضرابات عن العمل المتكرِّرة التي جعلت موزمبيق -رغم مواردها الكبيرة- واحدة من أفقر دول العالم، وفقاً للبنك الدولي.

الرئيس الجديد قال -صراحة- في خطاب تنصيبه الأربعاء الماضي: «لا يمكن لموزمبيق أن تظل رهينة للفساد والجمود والمحسوبية والنفاق وعدم الكفاءة والظلم». وأردف -وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس»- بأنه «لمن المؤلم أن كثيراً من مواطنينا ما زالوا ينامون من دون وجبة لائقة واحدة على الأقل».

وعليه، في مواجهة هذا الإرث الثقيل، تعهد بتقليص عدد الوزارات والمناصب الحكومية العليا. ورأى أن من شأن هذا التدبير توفير أكثر من 260 مليون دولار، سيعاد توجيهها لتحسين حياة الناس.

بالطبع فإن المعارضين والمشككين غير مقتنعين، ويقولون إنهم استمعوا كثيراً إلى النغمة نفسها تتكرَّر بلا تغيير يُذكر. بيد أن رئاسة تشابو تمثِّل اليوم فصلاً جديداً في تاريخ موزمبيق، أو «مفترق طرق»، حسب تعبير تشابو الذي قال في خطاب فوزه: «تقف موزمبيق عند مفترق طرق، وعلينا أن نختار طريق الوحدة والتقدم والسلام».