ليبيا: تصاعد القتال في طرابلس... وبوادر انقسام وسط الميليشيات

حكومة «الوفاق» تحتوي أزمة جديدة للوقود بمنعه للأجانب

TT

ليبيا: تصاعد القتال في طرابلس... وبوادر انقسام وسط الميليشيات

ارتفعت حدة القتال في العاصمة الليبية طرابلس أمس، بين قوات «الجيش الوطني»، بقيادة المشير خليفة حفتر، والقوات المسلحة التابعة لحكومة «الوفاق»، برئاسة فائز السراج، بينما تصاعدت بوادر انشقاق في صفوف الميليشيات.
يأتي ذلك في وقت استقبل فيه المشير حفتر بمقره خارج بنغازي (شرق)، رئيسي مجلس النواب عقيلة صالح، والحكومة المؤقتة عبد الله الثني، ومحافظ مصرف ليبيا المركزي علي الحبري. وقال مكتب حفتر في بيان مقتضب أمس، إنه تم خلال الاجتماع، الذي حضره أيضا عدد من القيادات العسكرية، التباحث في عدد من الأمور التي تخص السياسات الدولية، موضحا أنه ناقش أيضا الأمور الخدمية، التي تكفل تقديم أفضل الخدمات لكل المواطنين في مختلف ربوع ليبيا.
في غضون ذلك، أكدت بريطانيا على لسان سفارتها في ليبيا استمرار دعمها لتحقيق الاستقرار والسلام، ودعم جهود البعثة الأممية للعودة إلى المسار السياسي والحوار، وإنهاء الأعمال القتالية في كافة البلاد.
ميدانيا، ارتفعت وتيرة المعارك باستخدام الأسلحة الثقيلة في العاصمة طرابلس خاصة في ضواحيها الجنوبية بعد معارك كر وفر بين قوات «الجيش الوطني»، والقوات المسلحة الموالية لحكومة السراج. وقال الجيش، الذي يتأهب لاقتحام العاصمة، إن وحداته العسكرية خاضت أمس اشتباكات عنيفة في محاور العاصمة، وبسطت سيطرتها على مواقع جديدة لم يحددها، وطلب من كافة المُدونين والنُشطاء على صفحات التواصل الاجتماعي وكافة وسائل الإعلام الالتزام بعدم نشر مواقع وتمركزات الوحدات العسكرية، حتى يتم الإعلان عنها بشكل رسمي من قبل الجهات المختصة، فور صدور التعليمات بذلك.
معتبرا أن نشر مواقع القوات المُسلحة قد يكون سبباً في إرباك العمليات العسكرية، وتعريض المدنيين والشباب المُساند للقوات المسلحة للكثير من المخاطر.
ووفقا لمصادر عسكرية، فقد سيطرت وحدات من الجيش على مقر الجوازات بمنطقة صلاح الدين، فيما تحدث سكان محليون عن نزوح بعض السكان في حي دمشق القريب، إثر تصاعد حدة المعارك واقترابها من الأحياء السكنية. لكن وسائل إعلام محلية، موالية لحكومة السراج، نقلت في المقابل عن يوسف الأمين، آمر محور عين زارة التابع لها، أن مبنى الجوازات ومعسكر التكبالي ما زالا تحت سيطرة قوات الحكومة، التي ادعى أنها أحبطت أيضا محاولة لتقدم قوات الجيش في معسكر اليرموك والخلة بجنوب العاصمة.
وفيما يمكن اعتباره بوادر انقسام داخل صفوف الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة السراج، هدد ناصر عمار أحد أبز القادة الميدانيين لهذه الميليشيات بفضح مسؤولين عسكريين موالين للحكومة إذا لم يقدموا الدعم اللازم لها. وتحدث عمار عن سيارات مصفحة يتم بيعها في معارض تجارية، عوضا عن وجودها في محاور القتال. كما اتهم ضباطا في الجيش، لم يذكر أسماءهم، بالفساد، ووصفهم بتجار الحروب والدماء.
بدوره، قال عبد الرحمن السويحلي، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة بطرابلس، إنه طالب السراج الذي التقاه أول من أمس، بتوفير كافة الإمكانيات لدعم جبهات الدفاع عن طرابلس بشكل عاجل، مشيرا إلى أنهما ناقشا سبل مواجهة ما وصفه بالعدوان الغاشم متعدد الجنسيات، الذي تتعرض له العاصمة.
وفى محاولة جديدة لاحتواء أزمة الوقود في العاصمة طرابلس، أعلنت وزارة الداخلية بحكومة السراج، أول من أمس، عن قيام قوة التدخل السريع التابعة لها بالتعاون مع جهاز الحرس البلدي، بحملة تفتيشية على المحال التجارية، التي تقوم ببيع الغاز للمواطنين بمنطقة الزناتة، وضبط المخالفين الذين يستغلون المواطن لبيع الأسطوانات بأسعار غير قانونية، مستغلين الظروف التي تمر بها البلاد حاليا. وطمأنت الوزارة في بيان لها مساء أول من أمس، المواطنين إلى توفر الوقود والغاز بجميع مستودعات شركة البريقة لتسويق النفط.
وكانت الوزارة قد دعت موزعي الغاز بمنطقة عين زارة، جنوب العاصمة، إلى ضرورة التقييد ببيع أسطوانات الغاز بالسعر الرسمي، وعدم بيعه إلا للمواطنين على أن تكون أسطوانة واحدة لكل مواطن، ومن يخالف ذلك يتحمل المسؤولية القانونية التامة.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم