حضور سعودي بارز خارجياً يتوّج برئاسة «مجموعة العشرين»

تحالفات وشراكات لتعزيز الأمن ودعم الاستقرار في المنطقة والعالم

الملك سلمان مستقبلاً الرئيس بوتين في الرياض (واس)
الملك سلمان مستقبلاً الرئيس بوتين في الرياض (واس)
TT

حضور سعودي بارز خارجياً يتوّج برئاسة «مجموعة العشرين»

الملك سلمان مستقبلاً الرئيس بوتين في الرياض (واس)
الملك سلمان مستقبلاً الرئيس بوتين في الرياض (واس)

في الأيام الأخيرة من عام 2019، بدأت السعودية تحصد ثمار جهدها السياسي الذي عملت عليه طوال عام لم يشهد ركوداً في أحداثه على امتداد شهوره، مع تسارع الأحداث على المستويين الإقليمي والدولي.
شهد 2019 كثيرا من المتغيرات في المشهد السياسي السعودي، باتفاقات تبعث السلام في المنطقة، وتحالفات سياسية وعسكرية تشكلت لردع أي تهديد يواجه دول الإقليم، وشراكات يرقى بعضها إلى مستوى استراتيجي بين السعودية وعدد من الدول، إضافة إلى الاتفاقيات بمختلف أشكالها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وتوجت السعودية العام بتسلمها لرئاسة مجموعة العشرين التي ستحتضن قمتها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020. وبدأت استضافة الاجتماعات التحضيرية لها قبل أيام. كما كانت الرياض مقراً لبعث الاستقرار والسلام في اليمن بعد توقيع «اتفاق الرياض» في 5 نوفمبر الماضي، ويضاف إلى ذلك تطور العلاقات السعودية - الروسية وزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرياض، وتحسن العلاقات السعودية - العراقية وإعادة فتح المعابر بين البلدين، وجهود دبلوماسية كثيرة حملت رسائل عدة.

مجموعة العشرين

ومن أهم معالم الحصاد الدبلوماسي السعودي الذي تواصل في عدد من الملفات، هو تسلم السعودية رئاسة مجموعة العشرين من اليابان مطلع الشهر الحالي، وتمتد رئاستها إلى نهاية نوفمبر 2020، وصولاً إلى انعقاد قمة القادة بالرياض يومي 21 و22 نوفمبر من العام المقبل.
وتستضيف المملكة في هذه الفترة أكثر من مائة اجتماع، إضافة إلى المؤتمرات وورشات العمل التي تقام على هامشها. وتعد السعودية الدولة الأولى عربياً في رئاسة مجموعة العشرين، ما يؤكد مكانتها وثقلها في الساحة الدولية. وستبحث قمة المجموعة التي بدأت بعد أزمة آسيا في عام 1999، وتطورت بعدما واجه العالم الأزمة المالية في 2008، وتم بعدها الاتفاق على رفع التمثيل إلى قادة الدول، عدداً من الملفات الاقتصادية والاجتماعية في العالم.

قمم مكة الثلاث

وسبق هذه القمة، عقد ثلاث قمم خليجية وعربية وإسلامية في مكة المكرمة، في أواخر مايو (أيار) الماضي، إذ كانت القمتان الخليجية والعربية طارئتين، بعد يوم من عقد القمة الرابعة عشرة لمنظمة التعاون الإسلامي. وناقشت القمم الثلاث أزمات المنطقة، فيما ركزت القمتان الطارئتان على التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، إضافة إلى تركيز القمة الإسلامية على عدد من القضايا أبرزها القضية الفلسطينية ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف و«الإسلاموفوبيا» والوضع الإنساني في العالم الإسلامي، وأكدت مركزية قضية فلسطين والقدس بالنسبة للأمة الإسلامية.
وكان من نتائج القمة الإسلامية، إقرار 1200 شخصية إسلامية من 139 دولة يمثلون 27 مكوناً إسلامياً من مختلف المذاهب والطوائف، وفي طليعتهم كبار مفتيها، «وثيقة مكة المكرمة» دستوراً تاريخياً لإرساء قيم التعايش بين أتباع الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب في البلدان الإسلامية من جهة، وتحقيق السلم والوئام بين مكونات المجتمع الإنساني كافة من جهة ثانية.
وحملت القمم الثلاث التي شهدت حضوراً لقادة الدول الخليجية والعربية والإسلامية، رسائل واضحة للنظام الإيراني بضرورة وقف تجاوزاته وتدخلاته في المنطقة العربية.

«اتفاق الرياض» وإعمار اليمن

كانت الرياض مقصد الباحثين عن السلام في اليمن، لمناقشة الخلافات وتغليب الحكمة والحوار ونبذ الفرقة ووقف الفتنة وتوحيد الصف بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، إذ شهدت توقيع اتفاق مصالحة بين الطرفين برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
الجهود الدبلوماسية في هذا الاتفاق، بدأت بالتقاء الطرفين في السعودية من 20 أغسطس (آب) وحتى 24 أكتوبر (تشرين الأول) وتوجت بتوقيع «اتفاق الرياض» في 5 نوفمبر الماضي. وقاد هذا الاتفاق إلى إعادة تفعيل مؤسسات الدولة اليمنية، إضافة إلى إعادة تنظيم القوات العسكرية والأمنية، وإيقاف الحملات الإعلامية المسيئة، وتوحيد الجهود لاستعادة الأمن والاستقرار في اليمن. كما تضمن الاتفاق وضع أطر للترتيبات السياسية والاقتصادية بتشكيل حكومة كفاءات سياسية، إضافة إلى الترتيبات العسكرية والأمنية.
إضافة إلى ذلك، بذل البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن في 2019 جهوداً إغاثية ملموسة في مختلف المحافظات اليمنية، إذ دعم قطاعات حيوية هي الصحة والتعليم والكهرباء والطاقة والزراعة والثروة السمكية والمياه والسدود والطرق والموانئ والمطارات والمباني الحكومية.

حيوية بين الرياض وبغداد

ومن جنوب السعودية إلى شمالها، وتحديداً العراق الذي شهدت العلاقات معه تطوراً ورغبة من الجانبين في ترفيعها، إذ زار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي السعودية في أبريل (نيسان) الماضي، وتأكدت رغبة تعميق العلاقات بتوقيع الطرفين 13 اتفاقية ومذكرة تفاهم في جوانب عدة، ومشاركة وفود تجارية وأخرى سياسية في تجديد العلاقة.
وتلت هذه الزيارة، زيارة أخرى لرئيس الوزراء العراقي في سبتمبر (أيلول) الماضي جاءت بعد تزايد التوترات في المنطقة، إذ بحث مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز العلاقات الثنائية والجهود المبذولة لتهدئة الأوضاع الإقليمية، وتعزيز الدور العراقي في تخفيف توترات المنطقة، وحرية الملاحة البحرية.

تحالفات تعزز من أمن المنطقة

التهديدات المتصاعدة في المنطقة قادت إلى تعزيز السعودية شراكاتها وتحالفاتها لتعزيز أمن المنطقة التي تشهد تهديدات متنوعة، وهذا ما جعل السعودية شريكاً رئيسياً ومركزياً مع شركاء من مختلف دول العالم في عدد من التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وشكلت الولايات المتحدة تحالفاً عسكرياً لحماية الملاحة البحرية، وأعنت السعودية بعد ذلك أنها قررت الانضمام إليه، إلى جانب عدد من الدول الخليجية والمملكة المتحدة وأستراليا. ويهدف هذا التحالف إلى ضمان حرية الملاحة والممرات المائية في مضيق هرمز وباب المندب وبحر عمان والخليج العربي.
وجاء التحالف بعد استهداف إيران ناقلات نفط في خليج عمان في يونيو (حزيران) الماضي، ما أبرز التحدي الرئيسي أمام المجتمع الدولي لحماية خطوط إمدادات الطاقة، وضرورة اتخاذ إجراءات تعمل على سلامة مرور الناقلات النفطية.

شراكات مع آسيا

وفي إطار تعزيز العلاقات مع دول آسيا التي تتزايد أهميتها على الساحة الدولية، دشنت السعودية مع الصين شراكة أكثر شمولية للاستثمار في المستقبل بحزمة اتفاقيات ومذكرات تفاهم في مختلف المجالات، بعد زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للصين في فبراير (شباط) الماضي، والتي شهدت اجتماعات بين الجانبين لاستعراض العلاقات الاستراتيجية توجت باتفاقيات مليارية. كما شهدت العلاقات مع اليابان في 2019 تطوراً أكبر، امتداداً للرؤية السعودية - اليابانية المشتركة.
وفي أكتوبر (تشرين الأول)، شهدت الرياض زيارة تاريخية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ليجتمع مع خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز في قمة بحثت عدداً من الملفات الإقليمية والدولية، إضافة إلى ملف الطاقة الذي يشهد تعاوناً مستمراً بين البلدين في إطار «أوبك بلس» لضمان استقرار أسعار النفط.

السودان... البلد لا الأشخاص

وتضمنت الجهود الدبلوماسية السعودية دعم السودان في مختلف المجالات بعد 8 أشهر من المظاهرات والاحتجاجات الشعبية الواسعة التي أدت إلى إطاحة الرئيس عمر البشير بعد 30 عاماً من حكمه. وشهد السودان في أغسطس الماضي التوقيع على «الوثيقة الدستورية» للمرحلة الانتقالية، كما عملت الحكومة السعودية مع السودان من كثب لإزالة اسمه من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، إضافة إلى إزالة العقوبات الدولية السابقة على الخرطوم.
وشجعت السعودية الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي على الوقوف إلى جانب السودان وهو يفتح صفحة جديدة في تاريخه. وكان وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير ممثلاً للمملكة في حفل التوقيع على «الوثيقة الدستورية» التي حددت أسس الشراكة بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى التغيير.


مقالات ذات صلة

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
حصاد الأسبوع الشرق السودان دخل دوامة الحروب السودانية المتمددة (رويترز)

شرق السودان... نار تحت الرماد

لا يبعد إقليم شرق السودان كثيراً عن تماسّات صراع إقليمي معلن، فالجارة الشرقية إريتريا، عينها على خصمها «اللدود» إثيوبيا، وتتربص كل منهما بالأخرى. كذلك، شرق

أحمد يونس (كمبالا (أوغندا))
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أ.ب)

"تايم "تختار دونالد ترمب شخصية العام 2024

اختارت مجلة تايم الأميركية دونالد ترمب الذي انتخب لولاية ثانية على رأس الولايات المتحدة شخصية العام 2024.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
TT

كريستيان ليندنر... الزعيم الليبرالي الذي أسقط عزله الحكومة الألمانية

ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين
ليندنر اختلف مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين

رجل واحد حمله المستشار الألماني أولاف شولتس مسؤولية انهيار حكومته، وما نتج عن ذلك من فوضى سياسية دخلت فيها ألمانيا بينما هي بأمس الحاجة للاستقرار وتهدئة اقتصادها المتدهور. رجل وصفه المستشار بأنه «أناني»، وشن عليه هجوماً شخصياً نادراً ما يصدر عن شولتس المعروف بتحفظه وهدوئه. ذلك الرجل كان وزير ماليته كريستيان ليندنر، زعيم «الحزب الديمقراطي الحر» الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية الثلاثية منذ عام 2021، برئاسة «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» (الاشتراكي)، ومشاركة حزب «الخضر». ولقد طرده شولتس من الحكومة بعد خلافات حول ميزانية سنة 2025، ما تسبب بخروج الوزراء المتبقين من «الحزب الديمقراطي الحر»، ليبقى المستشار يقود حكومة أقلية حتى إجراء الانتخابات المبكرة في 23 فبراير المقبل. ثم إن شولتس تعرض لانتقادات كثيرة لهجومه الشخصي على ليندنر، خاصة من المستشارة السابقة أنجيلا ميركل التي وصفته بأنه كان «خارجاً عن السيطرة». لكن مع ذلك، فإن الصورة التي رسمها المستشار عن وزيره قد تحمل شيئاً من الواقع؛ إذ خرجت انتقادات من أوساط الديمقراطيين الأحرار لليندنر و«تصرفه بشكل أحادي» في دفع المستشار لإقالته. وقبل ذلك طالته انتقادات بعدما أصبح «الوجه الأوحد» لـ«الحزب الديمقراطي الحر» إبان الانتخابات الماضية عام 2021 وقبلها عام 2017. ولعل الحزب تسامح مع تصرفات ليندنر «الأنانية» تلك لنجاحه بإعادة الحزب إلى الخارطة السياسية بعد انهياره تقريباً عام 2013 وفشله بدخول البرلمان للمرة الأولى في تاريخه. إلا أن مستقبل الرجل الذي أعاد حزبه إلى الحياة... هو نفسه في خطر. فهل يستمر ليندنر بالبناء على تاريخه حتى اليوم للنهوض مجدداً؟

قد يكون كريستيان ليندنر أصغر زعيم انتُخب ليرأس حزبه «الديمقراطي الحر»، عن عمر 34 سنة فقط عام 2013، بيد أنه لم يكن ناجحاً على الدوام. وبعكس حياته السياسية وصعوده السريع إلى القمة، فشل ليندنر في مشاريع أعمال أطلقها عندما كانت السياسة ما زالت هواية بالنسبة إليه. واعترف لاحقاً بإخفاقاته تلك، مستعيناً بعبارة «المشاكل هي مجرد فرص شائكة» لكي يدفع نفسه إلى الأمام.

وبين عامَي 1997 و2001 أسس شركات خاصة مع أصدقاء له، انتهت بالفشل آخرها شركة «موماكس» التي انهارت وأفلست بعد أقل من سنة على إطلاقها.

هذه «الإخفاقات» التي طبعت مغامراته التجارية وهو في مطلع العشرينات قد تكون دفعته للتوجه إلى السياسة بجدية أكبر. وبالفعل، نجح عام 2001 بدخول البرلمان المحلي في ولايته شمال الراين-وستفاليا وهو ابن 21 سنة ليغدو أصغر نائب يدخل برلمان الولاية. ولصغر سنه وقسمات وجهه الخجولة كسب ليندنر آنذاك لقب «بامبي» بين أعضاء الحزب نسبة للغزال الصغير عند «ديزني».

«بامبي» في «البوندستاغ»

في عام 2009، فاز ليندنر بمقعد في البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) ليعود عام 2012 إلى ولايته أميناً عاماً للحزب في الولاية ونائباً محلياً مرة أخرى.

وبعدها ساعدت إخفاقات الديمقراطيين الأحرار في الانتخابات العامة عام 2013 بتسليط الضوء على ليندنر، الشاب الكاريزماتي الطموح الذي وجد فرصة سانحة أمامه للصعود داخل الحزب. ويومذاك فشل الحزب بتخطي عتبة الـ5 في المائة من أصوات الناخبين التي يحددها القانون شرطاً لدخول «البوندتساغ». وعقد أعضاؤه اجتماعاً خاصاً لمناقشة النتائج الكارثية التي لم يسبق للحزب أن سجلها في تاريخه، وانتخب ليندنر، وهو في سن الـ34، زعيماً للحزب مكلفاً بتأهيله وإعادته للحياة... وبذلك بات أصغر زعيم ينتخب لـ«الحزب الديمقراطي الحر».

شاب أنيق وجذّاب

شكّل سن ليندنر وأناقته وشخصيته عاملاً جاذباً للناخبين الشباب خاصة. وقاد حملة مبنية على أساس جذب الشباب ونفض صورة الحزب القديم التقليدي عنه، كما ساعده حضوره على وسائل التواصل الاجتماعي في التواصل مع مستخدميها من الشباب وتقريبهم إلى الحزب.

وغالباً ما نُشرت له صور من حياته الشخصية على «إنستغرام»، منها صورة لإجازة مع فرانكا ليهفيلدت، زوجته الصحافية التي كانت تعمل في قناة «دي فيلت»، ولقد عقدا قرانهما وهو في الحكومة عام 2022 في حفل ضخم وباذخ بجزيرة سيلت حضره عدد كبير من السياسيين. وينتظر الزوجان مولودهما الأول في الربيع المقبل.

للعلم، كان ليندر متزوجاً قبل ذلك من صحافية أخرى كانت نائبة رئيس تحرير «دي فيلت» أيضاً، هي داغمار روزنفلت، التي تكبره سناً ولم ينجبا أطفالاً معاً. لكنهما ظلا متزوجين من 2011 وحتى 2018 عندما أعلن طلاقهما وكشف عن علاقته مع ليهفيلدت.

أيضاً، لا يخفي ليندنر حبه للسيارات السريعة، وكان قال غير مرة قبل دخوله الحكومة مع حزب «الخضر» بأنه يهوى السيارات القديمة ويملك سيارة بورشه قديمة ومعها يملك رخصة للسباقات. وبجانب هذه الهواية يحب اليخوت ويملك رخصة للإبحار الرياضي وأخرى للصيد.

صورة شبابية عصرية

هذه الصورة التي رسمها ليندنر لنفسه، صورة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره (لدرجة أنه خضع لزرع شعر) ويمارس هوايات عصرية، ساعدته على اجتذاب ناخبين من الشباب خاصة، وجعلته ينجح بإعادة حزبه إلى البرلمان عام 2017 بحصوله على نسبة أصوات قاربت 11 في المائة.

في حينه دخل في مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية مع المستشارة أنجيلا ميركل التي فاز حزبها بالانتخابات، وكانت تبحث عن شركاء للحكم إثر حصولها على 33 في المائة من الأصوات. وفعلاً، بدأت ميركل مفاوضات مع الديمقراطيين الأحرار و«الخضر»، لكن ليندنر انسحب فجأة من المفاوضات بعد 4 أسابيع، ليعلن: «أفضل عدم الحكم من الحكم بشكل خاطئ».

ليندنر كان يختلف آنذاك مع سياسة ميركل المتعلقة بالهجرة وفتحها أبواب ألمانيا أمام مئات آلاف اللاجئين السوريين قبل سنتين. ويومها واجه الانتقاد لتفويته على حزبه فرصة الحكم، وهي فرصة خشي بعض الحزبيين ألا تُتاح مُجدداً.

ائتلاف مع اليسار

غير أن الفرصة أتيحت مرة أخرى في الانتخابات التالية عام 2021 عندما حقق «الحزب الديمقراطي الحر» نتائج أفضل من الانتخابات السابقة، حاصلاً على نسبة 11.5 في المائة من الأصوات. ومع أن «الحزب الديمقراطي الحر» حزب وسطي ليبرالي يؤيد الحريات الاقتصادية، ويعدّ شريكاً طبيعياً لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» (يمين معتدل)، قرر ليندنر عام 2021 الدخول في ائتلاف حاكم مع الاشتراكيين و«الخضر»؛ ذلك أن الأخير يعتبر نقيضاً فكرياً للديمقراطيين الأحرار الذين يرون سياساته البيئية مكلفة وكابحة للتقدم الاقتصادي.

وهكذا تسلم ليندنر إحدى أهم الوزرات؛ إذ عُيّن وزيراً للمالية وثاني نائب للمستشار. وحقق بذلك حلمه الذي غالباً ما كرره خلال الحملات الانتخابية بأنه يريد أن يصبح وزيراً للمالية، وحتى إنه عرّف نفسه في إحدى الحملات ممازحاً: «تعرّفوا على وزير ماليتكم المقبل!».

خلفيته العلمية والفكرية

اهتمام ليندنر بالسياسة الاقتصادية ينبع من اهتماماته منذ تخرّجه من الجامعة؛ حيث درس العلوم السياسية ثم القانون والفلسفة في جامعة بون المرموقة (واسمها الرسمي جامعة راينيشه فريدريش - فيلهامز).

ثم إنه لم ينضم فور مغادرته المدرسة للخدمة العسكرية التي كانت إجبارية آنذاك، وأجّلها للدراسة وإكمال مغامراته التجارية، لكنه عاد لاحقاً وانضم إلى جنود الاحتياط ووصل لرتبة رائد. ورغم فشل مغامراته التجارية، بقيت اهتماماته السياسية منصبّة على الجانب المالي، ومن هنا جاء طموحه بأن يصبح وزيراً للمالية في الحكومة الفيدرالية.

وفكرياً، يؤمن ليندنر وحزبه بتقليص الإنفاق العام وخفض الضرائب وفتح الأسواق أمام الشركات الخاصة. ودائماً عارض خططاً عدّها متطرفة يدعمها «الخضر» لاستثمارات أكبر في الطاقة النظيفة بحجة تكلفتها العالية وتأثيرها على الشركات والأعمال. وكانت المفارقة أنه تسلّم حكومة كانت مسؤولة عن تطبيق سياسات تروّج للطاقة البديلة وتزيد من النفقات الاجتماعية وترفع من الضرائب.

هذا الأمر كان صعباً عليه تقبّله. ورغم وجود اتفاق حكومي حدّدت الأحزاب الثلاثة على أساسه العمل خلال السنوات الأربع من عمرها، عانى عمل الحكومات من الخلافات منذ اليوم الأول. وطبعاً لم تساعد الحكومة الأزمات المتتالية التي اضطرت لمواجهتها وكانت لها تأثيرات مباشرة على الاقتصاد، بدءاً بجائحة كوفيد-19 إلى الحرب الأوكرانية.

ولذا كان شولتس غالباً ما يعقد خلوات مع ليندنر وزعيم «الخضر»، روبرت هابيك، ويطول النقاش لساعات بأمل التوصل لحلول وسط يمكن للحكومة أن تكمل فيها عملها. وفي النهاية، كان من أبرز نقاط الخلاف التي رفض ليندنر المساومة فيها هي ما يُعرف في ألمانيا بـ«مكابح الدَّين العام»؛ إذ يرفض الدستور الألماني الاستدانة إلا في حالات الطوارئ، ولقد استخدمت الحكومة كوفيد-19 كطارئ للتخلي عن «مكابح الدَّين العام»، وبالتالي، الاستدانة والإنفاق للمساعدة عجلة الاقتصاد.

وأراد شولتس تمديد العمل بحالة الطوارئ كي تتمكن حكومته من الاستدانة وتمويل الحرب في أوكرانيا من دون الاقتطاع من الخدمات العامة، لكن ليندنر رفض مقترحاً تخفيض الإنفاق العام في المقابل، الأمر الذي اعتبره شولتس «خطاً أحمر».

تهم وشكوك

وحقاً، اتُّهم ليندنر بعد طرده بأنه كان يخطط للانسحاب من الحكومة منذ فترة، وبأنه وضع خطة لذلك بعدما وجد أن حزبه منهار في استطلاعات الرأي وأن نسبة تأييده عادت لتنخفض إلى ما دون عتبة الـ5 في المائة.

أيضاً، كُشف بعد انهيار الحكومة عن «وثيقة داخلية» أعدّها ليندنر وتداولها مع نفر من المقرّبين منه داخل الحزب، تحضّر للانسحاب من الحكومة بانتظار الفرصة المناسبة. وقيل إنه بدأ يخشى البقاء في حكومة فقدت الكثير من شعبيتها بسبب المشاكل الاقتصادية وارتفاع التضخّم خلال السنوات الثلاث الماضية، ما أثر على القدرة الشرائية للألمان. وبناءً عليه، خطّط ليندنر للخروج منها قبل موعد الانتخابات واستخدام ذلك انتخابياً لإعادة رفع حظوظ حزبه الذي يبدو الأكثر تأثراً من الأحزاب المشاركة في الحكومة، بخسارة الأصوات. وطرحت «الوثيقة» التي كُشف عنها مشكلة أخرى بالنسبة لليندنر - داخل حزبه هذه المرة - فواجه اتهامات بالتفرّد بالقرارات وحتى دعوات لإقالته.

طامح لمواصلة القيادة

حتى الآن، يبدو كريستيان ليندنر مصراً على قيادة حزبه في انتخابات فبراير (شباط)، وما زال لم يفقد الأمل العودة حتى إلى الحكومة المقبلة وزيراً للمالية في حكومة يقودها زعيم الديمقراطيين المسيحيين، فريدريش ميرتز، الذي يتقدّم حزبه في استطلاعات الرأي ومن المرجح أن يتولى المستشارية. وللعلم، ميرتز نفسه أبدى انفتاحاً على ضم ليندنر إلى حكومته المحتملة، وشوهد الرجلان بعد أيام من إقالة ليندنر يتهامسان بتفاهم ظاهر داخل «البوندستاغ».

ولكن عودة ليندنر للحكومة ستتطلب منه بدايةً تخطي عقبتين: الأولى أن يبقى على رأس حزبه لقيادته للانتخابات. والثانية أن ينجح بإقناع الناخبين بمنح الحزب أصواتاً كافية لتخطي عتبة الـ5 في المائة الضرورية لدخول البرلمان.