عُمان: انتخابات وتحسن اقتصادي وقلق على صحة السلطان

السلطان قابوس
السلطان قابوس
TT

عُمان: انتخابات وتحسن اقتصادي وقلق على صحة السلطان

السلطان قابوس
السلطان قابوس

شهد احتفال سلطنة عُمان بالعيد الوطني الـ49 في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 مشاركة وحضور السلطان قابوس بن سعيد، في العرض العسكري الذي يُقام بهذه المناسبة كل عام، ونتيجة للوضع الصحي للسلطان المولود في 18 نوفمبر 1940، والذي يقود شعبه منذ عام 1970، فقد أعلن في السابع من ديسمبر (كانون الأول) 2019 عن مغادرته البلاد لتلقي العلاج في بلجيكا.
كان السلطان قابوس قد قضى 8 أشهر في رحلة علاج طويلة في ألمانيا اختتمها في 23 مارس (آذار) 2015، وعاد لبلاده حيث استأنف عمله بوتيرة أخفّ من السابق.
لكن لا تزال السياسة الخارجية العُمانية نشطة في حل الأزمات وبناء علاقات توازن بين مختلف التوجهات الإقليمية والدولية، والعمل على الحل السلمي للخلافات وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
ونشط الدور العُماني في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء لحلّ الأزمة اليمنية، كما تلعب دوراً وراء الكواليس لنقل الرسائل بين واشنطن وطهران. وكان يوسف بن علوي، التقى في 25 نوفمبر 2019 في واشنطن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وهيمنت على المباحثات الأوضاع الإقليمية وخاصة الحرب في اليمن، حيث تسعى سلطنة عمان التي تحتفظ بتواصل مع الحوثيين إلى فتح نافذة للحوار بين الفرقاء اليمنيين لحل الأزمة اليمنية.
وعلى أثر الزيارة قام بن علوي بزيارة إلى طهران التقى فيها مسؤولين إيرانيين بينهم محمد جواد ظريف وزير الخارجية، وعلي شمخاني أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، وعلي لاريجاني رئيس البرلمان، وصرح من هناك بأن «عقد مؤتمر شامل في مجال (الأمن في الخليج) وبمشاركة جميع الدول المعنية يمكن أن يكون مفيدا».
هيمنت على مباحثات بن علوي الأزمة اليمنية، لكن لوحظ عودة سياسة توجيه الرسائل من طهران باتجاه خصمها اللدود واشنطن من جديد، فقبل يوم واحد من وصول بن علوي إلى طهران، قال رئيس مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني علي لاريجاني إنه رغم تصاعد التوترات (بين واشنطن وطهران) فإن «هناك دائما إرادة سياسية لحل المشاكل العالقة مع الولايات المتحدة ولا يوجد طريق مسدود». وأضاف «الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تغلق الباب في وجه واشنطن، لكن الأساس هو أن على الأميركيين أن يفهموا أن أسلوبهم لم يجد نفعا».
بعد زيارة بن علوي، بأقلّ من 4 أيام، ورغم عدم وضوح الدور الذي لعبته الدبلوماسية العُمانية، فقد أعلن في 7 ديسمبر (كانون الأول) 2019، عن صفقة تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران، أفرجت خلالها طهران عن باحث أميركي صيني الأصل مدان بالتجسس لصالح الولايات المتحدة، بينما أطلقت واشنطن سراح عالم إيراني هو مسعود سليماني، الذي تم توقيفه في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018، واعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي وجه الشكر لإيران بعد إتمام الصفقة بأنها «تشير إلى أنه يمكن التوصل إلى اتفاق مع إيران».
السياسة العُمانية تحركت أيضا باتجاه سوريا التي تخضع لمقاطعة عربية منذ العام 2012، وأجرى وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي في السابع من يوليو (تموز) 2019 محادثات في دمشق مع الرئيس السوري بشار الأسد تناولت العلاقات الثنائية ومساعي «استعادة الأمن والاستقرار» في المنطقة، حسبما أفادت وزارة الخارجية العمانية.
على الصعيد المحلي، شهدت عُمان في 27 أكتوبر 2019 إجراء انتخابات مجلس الشورى العماني بمشاركة واسعة أسفرت عن مجلس غالبيته بوجوه جديدة وتمثيل نسائي، وقد تم يوم 3 نوفمبر 2019 عقد جلسة استثنائية لمجلس الشورى بأعضائه الفائزين في الانتخابات لانتخاب رئيس المجلس ونائبيه تمهيدا لبدء أنشطة المجلس، كما عيّن السلطان قابوس بن سعيد في السابع من نوفمبر 15 سيدة ضمن أعضاء مجلس الدولة العماني، (الغرفة التشريعية الأولى في سلطنة عمان)، والذي يتكون من 86 عضواً.
ويتمتع مجلس عمان بصلاحيات تشريعية ورقابية تضمنها النظام الأساسي للدولة الصادر بمرسوم سلطاني في 6 نوفمبر 1996 وتعديلاته وهي اختصاصات وصلاحيات تمكن مجلس الشورى ومجلس الدولة من القيام بمهامهما في إطار التكامل المؤسسي للدولة العصرية وبما يحقق مشاركة فاعلة من المواطنين عبر المجلسين في عملية صنع القرار وتوجيه التنمية الوطنية لتحقيق حياة أفضل للمواطن العماني.
على الصعيد الاقتصادي، حققت السلطنة تحسناً ملحوظاً مع تراجع عجز الميزانية بنسبة 53 في المائة، لكن مع تباطؤ نمو الاقتصاد وتراجعت التوقعات بتحقيق النمو، ففي 4 يوليو (تموز) 2019 خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد سلطنة عُمان في العام 2019 إلى 0.3 في المائة، من 1.1 في المائة، وقال الصندوق إنه يتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي النفطي بمقدار 1.1 في المائة مقابل توقعات بانكماش نسبته 0.6 في المائة في أبريل (نيسان) الماضي. وساعد انتعاش أسعار النفط على أن يبلغ النمو الكلي للناتج المحلي الإجمالي للسلطنة 2.2 في المائة في العام 2018، لكن ديونها ارتفعت وتأجلت بعض الإصلاحات المالية. وأثار تعزيز السلطنة للاقتراض الخارجي مخاوف بين المستثمرين، ودفع تصنيفها الائتماني إلى مستوى عالي المخاطر.
وفي 22 يوليو 2019 توقعت وكالة «فيتش»، أن يتباطأ نمو اقتصاد سلطنة عمان إلى 1.8 في المائة في 2019 بسبب التزام البلاد باتفاق (أوبك +) لخفض إنتاج النفط بمقدار 1.2 مليون برميل منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية مارس 2020.
وأشارت فيتش إلى وجود إمكانات كبيرة لدى السلطنة لتحقيق نمو أعلى وتحصيل إيرادات حكومية من مشاريع الطاقة الجديدة، والتي ستكون ضرورية لتحقيق الاستقرار في المالية العامة وميزان المدفوعات.
كما توقعت «فيتش»، أن يسجل عجز الموازنة نحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2019 بسبب اعتدال أسعار النفط الذي يؤدي إلى تآكل تأثير خفض الإنفاق العالم وأرباح الإيرادات غير النفطية.
وفي 25 أغسطس (آب) 2019 أفادت بيانات رسمية، بتراجع عجز ميزانية سلطنة عمان بنسبة 53 في المائة على أساس سنوي، وذلك في النصف الأول 2019.
وحسب بيانات المركزي الوطني للإحصاء والمعلومات العماني (حكومي)، تراجع العجز إلى 660.6 مليون ريال (1.72 مليار دولار) خلال الفترة، مقارنة مع 1.40 مليار ريال (3.64 مليار دولار) بالنصف الأول 2018.
وذكرت البيانات، أن الإيرادات العامة للسلطنة بلغت 5.51 مليار ريال (14.3 مليار دولار)، بارتفاع سنوي 11.4 في المائة، مقابل 4.94 مليار ريال (12.8 مليار دولار) بالفترة المماثلة من العام الماضي.


مقالات ذات صلة

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

حصاد الأسبوع الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد

وارف قميحة (بيروت)
حصاد الأسبوع صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في

راغدة بهنام (برلين)
حصاد الأسبوع  زارا فاغنكنيشت (رويترز)

وضع الليبراليين مُقلق في استطلاعات الرأي

يحلّ حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف راهناً في المركز الثاني في استطلاعات الرأي للانتخابات الألمانية المقبلة، وتصل درجة التأييد له إلى 18 في

حصاد الأسبوع روبيو play-circle 01:45

ترمب يختار روبيو وزيراً للخارجية بعدما تأكد من ولائه وتبنّيه شعارات «ماغا»

بينما يراقب العالم السياسات الخارجية للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، التي ستتحدّد على أساس شعاره «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» (ماغا)، بادر ترمب إلى تشكيل.

إيلي يوسف (واشنطن)
حصاد الأسبوع مواقف روبيو غير قاطعة من حرب أوكرانيا (غيتي)

نظرة إلى سجلّ سياسات روبيو الخارجية

يعد نهج وزير الخارجية الأميركي المرشح ماركو روبيو في السياسة الخارجية بأنه «تدخلي» و«متشدد». ذلك أن روبيو دعم غزو العراق عام 2003، والتدخل العسكري في ليبيا،

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
TT

الفرص والتحديات وتوقّعات المستقبل من منظورَي الرياض وبكين

نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)
نيوم... مدينة المستقبل (الشرق الأوسط)

تُعَدُّ الشراكة بين السعودية والصين فرصة كبيرة لتعزيز التعاون في مجالات حيوية عدة. إذ يوفر التعاون في الطاقة النظيفة والابتكار التكنولوجي فرصاً لدعم أهداف السعودية في تحقيق «رؤية 2030» وزيادة استخدام الطاقة المستدامة، كما أن الاستثمار في مشاريع كبرى مثل «نيوم» يفتح آفاقاً واسعة للتنمية المستدامة ويعزز من النمو المشترك.

في مجالات التكنولوجيا والابتكار، يعزّز التعاون في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية من قدرة السعودية على تحقيق أهدافها التكنولوجية، ويقوّي الروابط الاقتصادية بين البلدين، ومن جهة أخرى، يعزز التبادل الثقافي والتعليم من العلاقات الإنسانية ويزيد من التعاون بين الشعبين.

مع هذا، تواجه الشراكة تحدياتٍ قد تؤثر على العلاقات الثنائية، وتشمل هذه التحديات التوترات الجيوسياسية الدولية التي تتطلب مزيداً من الحكمة والروية من أجل درء تعارض المصالح، والتقلبات الاقتصادية العالمية التي قد تؤثر على حجم التبادل التجاري والاستثمارات. ولا شك أن الاختلافات الثقافية والسياسية تستوجب تعزيز الحوار والتفاهم، كما يتطلب تحقيق التنمية المستدامة التنسيق بين المشاريع المشتركة وضمان توافقها مع معايير البيئة.

مستقبلاً، يتوقع أن يزداد التعاون في الطاقة النظيفة - وتقف مشاريع مثل «نيوم» حافزاً كبيراً لتعزيز الاستثمارات الصينية في المملكة -، كذلك عبر تكثيف الفعاليات الثقافية والتبادلات التعليمية، يؤمل تمتين الروابط بين الشعبين، ويمكن أن يشمل التعاون المستقبلي المجالات الأمنية مثل مكافحة الإرهاب والأمن السيبراني لتعزيز الاستقرار الإقليمي والدولي. وحقاً، من شأن دعم السعودية مبادرة «الحزام والطريق»، الإسهام في تعزيز البنية التحتية والنقل بين الصين والشرق الأوسط، مع الأخذ في الحسبان تكيّف الشراكة مع التحديات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية باعتماد استراتيجيات مرنة.

إن العلاقات السعودية الصينية اليوم نموذج للشراكة الاستراتيجية المتكاملة التي تستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المستقبلية، ومع مواصلة تطوير هذه الشراكة يتوقع أن تشهد العلاقات بين البلدين مزيداً من النمو في مختلف المجالات؛ ما يخدم مكانتيهما على الساحة الدولية. وأخيراً، إن الشراكة بين السعودية والصين لا تقتصر على تعزيز العلاقات الثنائية فحسب، بل تمتد لتسهم في استقرار الاقتصاد العالمي وتنميته بشكل عام. إذ تجسّد هذه الشراكة نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي القائم على تحقيق مصالح مشتركة؛ مما يساهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين. وهنا تبرز خصوصاً الرؤية الاستراتيجية عند البلدين والتزامهما بالابتكار والتعاون ليفتحا أبواباً جديدة للتنمية والتفاهم والتعاون بين مختلف الشعوب والثقافات.