الغرافيتي على حيطان العراق... ثورة فنية ضد الأوضاع المتردية (صور)

متظاهر يحمل العلم العراقي أمام غرافيتي في ميدان التحرير بالعاصمة بغداد (أ.ف.ب)
متظاهر يحمل العلم العراقي أمام غرافيتي في ميدان التحرير بالعاصمة بغداد (أ.ف.ب)
TT

الغرافيتي على حيطان العراق... ثورة فنية ضد الأوضاع المتردية (صور)

متظاهر يحمل العلم العراقي أمام غرافيتي في ميدان التحرير بالعاصمة بغداد (أ.ف.ب)
متظاهر يحمل العلم العراقي أمام غرافيتي في ميدان التحرير بالعاصمة بغداد (أ.ف.ب)

ستون يوماً مرت على انطلاق الموجة الثانية من الاحتجاجات العراقية التي بدأت في 1 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتوقفت عدة أيام لدواعي إكمال موسم زيارة الأربعين الدينية في كربلاء، ثم عاودت بعد ذلك نشاطها في يوم 25 من الشهر نفسه وما زالت مستمرة.
ورغم طول الفترة فإن الميادين العراقية ما زالت تستضيف وجوهاً تأتي وتمضي، قد تعود وقد لا تعود، لكن ما يظل ثابتاً في هذه الميادين هي مطالب بمحاربة الفساد واستبعاد النخبة السياسية بأكملها، وبعض الأمل، ورسوم «غرافيتي» على الحيطان تمثل «ثورة فنية» قائمة ضد الواقع المتردي وحلم بعراق جديد.

وخلال هذه الفترة نجحت جماعات الحراك في تحقيق مجموعة أهداف غير قليلة؛ من بينها إرغام رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وحكومته على الاستقالة بعد مرور شهر واحد على انطلاق الحركة الاحتجاجية، كذلك إرغام البرلمان على تعديل قانون الانتخابات أمس (الثلاثاء) بما يتناسب مع مطالب المتظاهرين.

غير أن تلك النجاحات لم تمر من دون خسائر جسيمة تكبدها المحتجون، حيث تشير الأرقام إلى سقوط أكثر من 450 قتيلاً، وإصابة أكثر من 25 ألفاً آخرين بجراح نتيجة الاحتجاجات، بعد استخدام قوات الأمن الرصاص المطاطي والحي والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين في ساحات الاعتصام بمختلف المحافظات العراقية.
كذلك قامت جماعات مجهولة (يُعتقد أنها تابعة لفصائل مسلحة موالية لإيران) باغتيال 29 ناشطاً.

وفي محاولة منهم لتخفيف وطأة الأيام والأحداث، وبعد أن جمعهم شغفهم برسوم الغرافيتي، يتجمع فنانون عراقيون شبان في موقع الاحتجاج الرئيسي بقلب العاصمة بغداد (ميدان التحرير) لإبراز وجه ملون للمشهد، حيث يغطون بلوحاتهم الجدران المصمتة، فتدب فيها الحياة.
وقال الفنان عادل العنيزي لوكالة «رويترز» للأنباء: « نتمنى أن يبقى هذا العمل، ونتمنى أن الحكومات اللي تيجي بعد هاي إن شاء الله، نتمنى إنه يسقط النظام والحكومة اللي بعدها ما تمسح هاي الأعمال الموجودة لأنه تعبنا بيها هواي ونفذناها وسهرنا الليالي في سبيل إنه نحفظها فنتمنى إنه تبقى هنا وتتخلد».

ويأمل الرسامون المشاركون في أن يتركوا بصمتهم خلال الاحتجاجات ويُبرزوا الطبيعة السلمية لها ضد طبقة سياسية حاكمة يرى المحتجون أنها فاسدة وتعمل لصالح جهات أجنبية مثل إيران.
ومثلت رسوم الغرافيتي ملاذاً أيضاً للنساء الغاضبات من الأوضاع الحالية، حيث يجدن في رسم الغرافيتي على الجدران أو تقديم مساعدة طبية للمحتجين سبيلاً لمشاركتهن في الاحتجاجات.

وقالت الناشطة الفنانة يُسر ناصر «للمرأة دور فعال في المظاهرات، وخاصة في ساحة التحرير، يعني إحنا هنا نيجي نتجمع واقفين مع إخواننا، واقفين نساندهم، نساعدهم كأكل، تنظيف، شنو يحتاجون إحنا يمهم... بعدين إحنا عندنا فعاليات أخرى، إنه نيجي هنانا نرسم، ننظف، وأي شيء إحنا هنا نقدر نسويه ما نقصر ونسويه أكيد».

وتعاني النساء في العراق ظروفاً اجتماعية واقتصادية قاسية. وذكر تقرير للبنك الدولي صدر في أغسطس (آب) أن العراق به أحد أدنى معدلات مشاركة النساء في قوة العمل بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث تمثل النساء في سن 15 عاماً وما فوقها نسبة 19 في المائة فقط في القوى العاملة.

ويعاني العراق ككل أوضاعاً اقتصادية وسياسية متردية، دفع العراقيون للاحتجاج المتواصل منذ الأول من أكتوبر (تشرين الأول) لتغيير النظام السياسي الذي أرساه الأميركيون عقب إطاحة صدام حسين في عام 2003. وتسيطر طهران على كثير من مفاصله اليوم.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم