المعارضة التونسية تعلن رفضها اقتراح تشكيل حكومة كفاءات مستقلة

بوادر خلاف حاد بين رئيس الجمهورية والغنوشي

TT

المعارضة التونسية تعلن رفضها اقتراح تشكيل حكومة كفاءات مستقلة

ساعات قليلة بعد أن قرّر الحبيب الجملي، رئيس الحكومة التونسية المكلف، مساء أول من أمس، تشكيل حكومة كفاءات واستبعاد كل الأحزاب السياسية منها، بعد مشاورات متواصلة دامت أكثر من شهر دون أن تفضي إلى أي توافق، أعلنت المعارضة رفضها الصريح لهذه الخطوة، واعتبرتها «مجرد هروب من المسؤولية».
وقال الجملي في مؤتمر صحافي: «أعلن من الآن أنني سأشكل حكومة كفاءات وطنية مستقلة عن كل الأحزاب، ومقياسي هو الكفاءة والنزاهة والقدرة على التسيير». مبرزا أن هناك «تجاذبات» بين الأحزاب حالت دون التوصل إلى توافقات بخصوص تشكيل الحكومة، وهو ما زاد المشهد صعوبة كبيرة، حسب تعبيره.
وشككت قيادات عدد من الأحزاب المعارضة، وعلى رأسها حركة «تحيا تونس» وحزبا «التيار» و«حركة الشعب» في إمكانية نجاح حكومة الكفاءات الوطنية المستقلة، التي سيعلن عنها الجملي، مرجعة ذلك إلى ضعف الدعم السياسي المقدم لها، وتنامي قوة الأحزاب المعارضة داخل البرلمان وخارجه.
وفي هذا الشأن، قال وليد جلاد، قيادي «تحيا تونس» إن هذا المقترح «يعد حيلة سياسية، وهروبا من المسؤولية». مشيرا إلى أن هذه الحكومة «هي حكومة حركة النهضة»، التي ستتحالف بصفة غير معلنة مع حزب «قلب تونس»، لنبيل القروي و«ائتلاف الكرامة»، الذي يقوده سيف الدين مخلوف، وأكد في السياق ذاته أن الجملي مرشح النهضة، وأنها (الحكومة) غير مستقلة، على حد قوله.
من جهته، وصف «الاتحاد الشعبي الجمهوري» مقترح تشكيل «حكومة كفاءات وطنية مستقلة» بأنه «تحايل على الإرادة الشعبية، إذ سيتم بمقتضاه تسليم الحكم إلى شخصيات لم تحظ بتصويت شعبي»، حسب تعبير رئيسه لطفي المرايحي، الذي شدد على أن هذا التوجه «ليس سوى إفراغ للديمقراطية من كنهها ومعناها».
وجاء في بيان المرايحي، أمس، أن «الاتحاد الشعبي الجمهوري، وبعد أن عبّر في السابق عن استعداده للتصويت لأي حكومة تعرض على البرلمان، من باب التعبير عن حسن النوايا، فإنه يجد نفسه أمام مقترح «حكومة كفاءات وطنية» مجبرا على التصدي له، وسيعمل جاهدا على إقناع مكونات مجلس النواب أن تحذو حذوه».
في المقابل، أكد راشد الغنوشي، رئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) ورئيس حركة النهضة، أن حكومة الكفاءات الوطنية المستقلة، التي اقترحها الجملي «ستحظى بتأييد أكثر من أي حكومة أخرى»، معللا ذلك بأنها «ستكون مفتوحة أمام الجميع». وشدد الغنوشي في تصريح إعلامي أن «الأفضل لتونس اليوم هو تأليف حكومة كفاءات وطنية، لا تقصي أحدا، وتخدم مصلحة تونس».
ويجمع محللون سياسيون على أن الغنوشي هو الذي اتخذ القرار بهدف قطع الطريق أمام مقترح «حكومة الرئيس»، الذي تمسكت به حركة الشعب (قومي)، وهو مقترح يقتضي إقرار حركة النهضة بفشلها في تشكيل الحكومة للمرور لتنفيذ الفصل 89 من الدستور. كما أكد بعض المراقبين أن قرار إنهاء التفاوض بين الأحزاب في إطار مشاورات تشكيل الحكومة، اتخذ من طرف الغنوشي، وليس الجملي، وذهب بعضهم إلى القول إن الجملي «كلّف بتنفيذ هذا القرار».
في غضون ذلك، خلف خيار تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة، وإعلان الغنوشي إنهاء المفاوضات، وعدم استعداده للتشاور مجددا، خاصة مع حزبي التيار وحركة الشعب، بوادر خلاف حاد بينه وبين قيس سعيد، رئيس الجمهورية، تجلى حينما أقدم الرئيس سعيد على وقف الجلسة التي جمعته مساء أول من أمس بالغنوشي، ممثلا عن حركة «النهضة»، ويوسف الشاهد عن حركة «تحيا تونس»، وزهير المغزاوي عن «حركة الشعب»، ومحمد عبو عن حزب «التيار الديمقراطي»، بعد مرور دقائق قليلة على انطلاقها بالقصر الرئاسي في قرطاج.
وكان الغنوشي قد اعترض على مواصلة التشاور مع هذه الأطراف السياسية الثلاثة، التي أعلنت يوم الأحد الماضي انسحابها من المفاوضات، وترك «النهضة» وحدها لتشكيل الحكومة التي يقودها الحبيب الجملي.
وركز قيس سعيد خلال افتتاح هذا اللقاء، الذي انعقد بطلب منه، على دعوة مختلف القوى السياسية إلى توحيد كلمتها للإسراع بتشكيل الحكومة، مشددا على ضرورة الاعتماد على مقاربة وطنية لمعالجة الوضع الذي تعيشه البلاد. غير أن الغنوشي أبدى اعتراضا على مقترح الرئيس، القاضي بإعادة إطلاق مسار التفاوض بين الأحزاب المرشحة للمشاركة في الائتلاف الحاكم، بغية إنهاء الأزمة قبل انتهاء الآجال الدستورية منتصف شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.
وأشارت أطراف سياسية حضرت الاجتماع إلى أن موقف الغنوشي أغضب رئيس الجمهورية، الذي كان يأمل في جمع الفرقاء من جديد، وهو ما دفعه إلى رفع الجلسة مباشرة بعد كلام الغنوشي، مرددا عبارة «اللهم إني بلغت».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».