مستشارة سابقة بالرئاسة تثبت بالوثائق لـ«الشرق الأوسط» مصرية «حلايب» وفق قواعد القانون الدولي

سكانها يشاركون في انتخابات الرئاسة والبرلمان.. ورئيس الوزراء المصري يعتزم زيارتها قريبا * الوقف السناري بالمدينة المنورة وقف عرقي.. وليس خرائط لحدود سياسية * مصدر سيادي يؤكد: الأمر محسوم على الأرض لصالح مصر ولا داعي للتصعيد

مستشارة سابقة بالرئاسة تثبت بالوثائق لـ«الشرق الأوسط» مصرية «حلايب» وفق قواعد القانون الدولي
TT

مستشارة سابقة بالرئاسة تثبت بالوثائق لـ«الشرق الأوسط» مصرية «حلايب» وفق قواعد القانون الدولي

مستشارة سابقة بالرئاسة تثبت بالوثائق لـ«الشرق الأوسط» مصرية «حلايب» وفق قواعد القانون الدولي

بين الحين والآخر يتجدد النزاع التاريخي بين مصر والسودان حول منطقة مثلث حلايب وشلاتين، الواقعة أقصى جنوب مصر على الحدود السودانية. ورغم تأكيد مسؤولي البلدين بشكل مستمر على حميمية وتاريخية العلاقة بين الدولتين، فإن إصرار كل منهما على أحقيتها في تلك البقعة، الغنية بالموارد الطبيعية وأبرزها الذهب، تظل إحدى أوراق الضغط الرئيسة في أي محادثات أو مفاوضات تجري بينهما، وتخرج بين وقت وآخر تصريحات تأجج النزاع القائم وتؤرق دفء العلاقات الأزلية بين الشعبين اللذين يطلق عليهما معا «أبناء حوض النيل».
واستبق الرئيس السوداني عمر البشير زيارته إلى العاصمة المصرية القاهرة بتصريحات خاصة لجريدة «الشرق الأوسط»، نشرت الأسبوع الماضي، وأثارت غضبا كبيرا في الأوساط السياسية المصرية، أكد فيها ملكية بلاده منطقة حلايب تاريخيا، لكنه شدد على أن بلاده «لن تحارب مصر في هذه الحدود وستحاول حلّها بالتحاور والتفاوض». وأضاف قائلا: «في حالة العجز التام فلن يكون أمامنا إلا اللجوء إلى التحكيم وإلى الأمم المتحدة، ونحن لنا أمل بأن نصل إلى نهاية سعيدة بالتفاهم والتحاور والتفاوض المتعقّل، ولن ندخل في حرب مع الشقيقة مصر في هذه الحدود لأن ما بين البلدين والشعبين الشقيقين أكثر من تداخل، فهما كفيلان بأن يتجاوزا مشكلة الحدود».
وتأتي تلك التصريحات في أعقاب قرار للمفوضية القومية للانتخابات السودانية الشهر الماضي، قامت فيه بوضع منطقة حلايب ضمن الدوائر الانتخابية، للانتخابات العامة والرئاسية المقرر إجراؤها العام المقبل.
وهو ما جعل المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير بدر عبد العاطي يرد حينها قائلا إن «قضية حلايب وشلاتين محسومة، لأنها جزء من الأراضي المصرية، وأن الادعاءات بأن منطقة حلايب معتمدة ضمن الدوائر الانتخابية بالسودان هدفها إثارة الفتنة بين مصر والسودان»، مشددا على أن «الأراضي المصرية لا تقبل التجزئة، ومصر لها كامل السيادة على التراب المصري».
ويعتزم رئيس الوزراء المصري المهندس إبراهيم محلب القيام بزيارة لمنطقة حلايب على رأس وفد وزاري في وقت لاحق، لتأكيد السيادة المصرية عليها وافتتاح عدد من المشروعات التنموية الجديدة فيها، وفقا لبيان لمركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، صدر قبل أيام.
وقال مصدر سيادي مصري رفيع لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر ترى أن الأمور محسومة لصالحها ولا ترغب في مزيد من التصعيد، اعتمادا على أن السيادة على الأرض في منطقة حلايب لصالحها، بما يشمل ذلك العملة المستخدمة والنظام المصرفي هناك، والوجود الفعلي لقوات الجيش والشرطة المصرية، إضافة إلى المدارس الحكومية ونظام التعليم وغيرها من المؤسسات».
وأشار المصدر، الذي رفض ذكر اسمه لحساسية موقعه، إلى أن «مصر غير راغبة في النزاع حول شيء تمتلكه بالفعل، كما أنها تمتلك الوثائق والأدلة الكافية لإثبات حقها إن اقتضى الأمر ذلك».
وكشفت هايدي فاروق، المستشارة السابقة بالرئاسة المصرية، لـ«الشرق الأوسط» عن مجموعة من الوثائق المحلية والدولية المهمة والقديمة، التي تشير بشكل واضح لتبعية هذه المنطقة لمصر تاريخيا ومنذ قديم الأزل.
وقالت فاروق، وهي مستشارة التحكيم الدولي في قضايا ترسيم الحدود ومسائل السيادة الدولية والثروات العابرة للحدود، إن منطقة حلايب، التي تسمى مثلث «حلايب - شلاتين - جبل علبة» هي منطقة مصرية قبل آلاف السنين منذ عهد الفراعنة، وكانت بالنسبة إلى مصر متنفسا مهمّا لتصدير الذهب المستخرج من المناجم، عبر ميناء عيزاب، على ساحل البحر الأحمر بالمنطقة»، مشيرة إلى أن «لدى مصر 15 صندوقا من المستندات التي توثق أحقيتها عليها، ومنها وثائق بأرشيف دار الوثائق السوداني نفسه في الخرطوم».
وأضافت: «لم يتحدث أحد عن تلك الادعاءات السودانية إلا عام 1924، وما سبق ذلك لم يكن به أي جدال». وأوضحت: «بدأت المشكلة من قبل المستعمر الإنجليزي لمصر، وفقا لوثائق الأرشيف البريطاني، التي ذكرت أن مسؤولا من رجال الاستخبارات البريطانية يدعى ونتر، وكان مهندس تعدين في الوقت نفسه، أرسل رسالة لحكومة بلاده قال فيها إن هناك منطقة في مصر لا يوليها المصريون أي اهتمام؛ وهي حلايب وشلاتين، وتسمى أرض الذهب، لكثرة الذهب بها. وطلب منهم موافاته بأي سند لكي يغير به الخريطة المصرية ويخرج تلك المنطقة من الحدود الرسمية لمصر، فما كان من وزير الخارجية البريطاني إلا أن بعث إليه قائلا إن (خط حدود مصر الجنوبي هو خط عرض 22 المستقيم تمام الاستقامة) التي حددتها اتفاقية السودان بين مصر وبريطانيا الموقعة في 19 يناير (كانون الثاني) عام 1899. وهو ما يعني أن مثلث حلايب مصري 100 في المائة».
وتقول حكومة الخرطوم إن سودانية منطقة حلايب تسبق اتفاقية 1899، وإن هذه الاتفاقية قامت بين المحتل البريطاني ومصر. وقال البشير في حواره الأخير مع «الشرق الأوسط» إن «الحكم الثنائي (مصر وبريطاني) عد السودان جزءا من أملاك الخديوي (المصري)، باعتبار أن الإنجليز جاءوا مشاركين للمصريين في حكم السودان، ولذلك كانت الحدود بين البلدين يرسمها دائما وزير الداخلية في مصر منفردا».
لكن المؤرخة المصرية هايدي فاروق أكدت أن «الدستور السوداني المؤقت الذي وضعه السودانيون بكامل إرادتهم حينما منحوا حق تقرير المصير عام 1953، ذكر في المادة (2) فقرة (2): (تشمل أراضي السودان جميع الأقاليم التي كان يشملها السودان المصري - الإنجليزي قبل العمل بهذا الدستور»، وهي كلها بموجب اتفاقية 1899.
وتبلغ مساحة مثلث حلايب نحو 20.5 كلم2، وتضم 3 بلدات كبرى هي حلايب، وأبو الرماد، وشلاتين. وينتمي معظم سكان المنطقة إلى إثنية البجة الذين يقطنون المنطقة بين البحر الأحمر ونهر النيل، ويتوزع سكان المنطقة قبليا بين عدة قبائل أبرزها قبائل البشارية والعبابدة والحمدواب، وتتميز المنطقة بغناها بالثروات الجيولوجية والمعدنية والموارد المائية.
وذهب الرئيس البشير في إثبات أحقية بلاده بالمنطقة إلى أبعد من ذلك، قائلا إن «الحدود بين السودان ومصر قبل اجتياح محمد علي باشا للسودان كانت حدود الأخير، والتي تتمثل في الدولة السنّارية التي تبلغ جنوب أسوان»، مشيرا إلى «الوقف السنّاري الموجود الآن في المملكة السعودية، وتحديدا في المدينة المنورة الذي يوضح حدود السودان الشمالية».
وهو ما ردت عليه فاروق قائلة إن «ما قبل عهد محمد علي باشا (1805) بالنسبة للمؤرخين لا يمكن الاعتداد به، لأنه لم تكن هناك حدود رسمية بين مصر والسودان قبل عام 1899، ورغم ذلك، فإن هناك ما يدحض تلك الحجة».
وأوضحت فاروق أن «هناك خلطا سودانيا بين الخرائط التي توضح الامتداد الإثني والعرقي، والخرائط التي توضح الحدود السياسية، فهناك فرق كبير بين الاثنين دوليا».
وضمت الوثائق التي تثبت الاعتراف السوداني بسيادة مصر على المنطقة منذ القدم، نسخة مستخرجة من الأرشيف السوداني لما عرف بقرار ناظر الداخلية مصطفى باشا فهمي بتاريخ 25 يوليو (تموز) 1902، أقرت فيه المادة الثانية «أن المثلث الذي يعيش عليه البشارية السودانيون هو أرض مصرية».
وأشارت إلى أن «الوقف السناري الذي تتحدث عنه الحكومة السودانية وتشير فيه لامتلاك سودانيين لأراض بحلايب (هو وقف إثني)، وله ثلاث حجج شرعية، حجة مؤرخة في 20 ديسمبر (كانون الثاني) 1731، والأخرى في 26 يوليو (تموز) 1736، والثالثة هي حجة ثبوت وقفية في 15 سبتمبر (أيلول) 1755، وهذا الوقف كان يسمى حتى عهد قريب في المدينة المنورة (وقف البرابرة)، وتم تغيير اسمه إلى (وقف السناري)، وصاحب هذه الوقفية هو (بابي أبي شلوخ) تحدث فيها على من تشملهم الوقفية، وهم أفراد سكنوا النيجر وآخرين في المدينة المنورة وأسوان والحبشة، وهذا لا يعني أن السودان تمتلك أجزاء في النيجر أو المدينة أو أسوان أو الحبشة».
وذكرت فاروق: «من قبل ذلك العهد ومنذ العهد الفاطمي كان لمصر ميناء عيزاب الذي أقامه الخليفة الفاطمي المستنصر بالله وافتتحه، وتحدث عنه ابن جبير واليعقوبي، وكانت العملة المستخدمة فيه هي الدينار المصري».
وضمن الوثائق التي تؤكد مصرية المكان وقبل احتلال محمد علي باشا للسودان، هي خريطة «ابن حوقل» لمصر، التي ذكر فيها أنه «وجد أقوام البجة مقيمين منذ عهد الناصر محمد بن قلاوون هناك كضيوف في ميناء عيزاب المصري».
وسبق أن تقدت السودان بالعديد من الشكاوى لمجلس الأمن لرفض الوجود المصري هناك، كلها مجمدة؛ ومنها ما كانت في فبراير (شباط) عام 1958 عندما تقدم رئيس الوزراء السوداني حينها عبد الله خليل بشكوى ضد مصر في الأمم المتحدة بسبب حشد مصر قوات عسكرية على الشريط الحدودي عند منطقة حلايب. وفي عام 1990 أصدرت مصر قرارا جمهوريا يوضح حدودها بما يؤكد ضم حلايب للحدود المصرية، وفى عام 1992 قامت القوات المصرية بالتوغل في منطقة حلايب، وقبل النظام السوداني بالأمر الواقع حتى عام 2010 حين خرج الرئيس السوداني بتصريحات حول أحقية السودان في مثلث حلايب جرى الرد عليها من قبل الجانب المصري.
ومؤخرا سعت السلطة المصرية لترسيخ وجودها بشكل فعلي بالمنطقة من خلال التفاعل مع المواطنين وحل مشكلاتهم، حين أدرجت منطقة حلايب فعليا دائرة انتخابية مصرية، وجرى تحويلها إلى مدينة رسميا، وتعيين اللواء أركان حرب محمد حلمي رئيسا لها، كما أجريت فيها الانتخابات البرلمانية والرئاسية المصرية في عامي 2011 و2012.
وقام المستشار الإعلامي لرئيس الجمهورية السابق أحمد المسلماني بزيارة للمنطقة في فبراير الماضي، في أول زيارة لمسؤول مصري كبير، حيث أعلن حينها اعتماد الدولة مبلغ 764 مليون جنيه (110 ملايين دولار) لإقامة مشروعات التنمية والخدمات والمرافق خلال العام الحالي، منها 60 مليون جنيه للطرق، و97 مليون جنيه لمياه الشرب، و39 مليون جنيه للإسكان، و13 مليون جنيه للصحة، و22 مليون جنيه للكهرباء، و23 مليون جنيه للتعليم، والأوقاف 3 ملايين جنيه، و13 مليون جنيه للشباب والرياضة.



«الرئاسي اليمني» يقيّم تقدم الإصلاحات ويشدّد على العمل المشترك

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يقيّم تقدم الإصلاحات ويشدّد على العمل المشترك

جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)
جانب من اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني (سبأ)

جدد مجلس القيادة الرئاسي اليمني خلال اجتماعه، الأحد، التزامه بالمضي في مسار الإصلاحات الاقتصادية والمالية، وتعزيز الشفافية واستعادة مؤسسات الدولة، بالتوازي مع إشادته بالدعمين الإقليمي والدولي المتواصل، ولا سيما الموقف الحازم لمجلس الأمن تجاه الانتهاكات الحوثية.

وركّز الاجتماع، الذي عقد في الرياض برئاسة رشاد العليمي وغاب عنه ثلاثة من أعضاء المجلس «بعذر» - بحسب الإعلام الرسمي - على أبرز التحديات الاقتصادية والخدمية، ومستوى تنفيذ خريطة الإصلاحات الحكومية، وسط تأكيدات على أهمية العمل المشترك، وتكامل الجهود لتخفيف معاناة المواطنين، وتحقيق استقرار اقتصادي وخدمي أوسع في المحافظات المحررة.

وذكرت وكالة «سبأ» أن المجلس استعرض، بحضور رئيس الوزراء سالم بن بريك، آخر التطورات على المستويات الاقتصادية والخدمية والأمنية، مع تقييم مستوى التقدّم في تنفيذ قرار المجلس رقم (11) لعام 2025، المتعلق بأولويات الإصلاحات والإجراءات اللازمة لمعالجة الاختلالات في تحصيل الموارد العامة مركزياً ومحلياً.

وقدم رئيس الوزراء - وفق الوكالة - إحاطة شاملة حول ما أنجزته الحكومة في مجال ضبط الإيرادات، وتفعيل أدوات الرقابة، وتحسين الأداء المالي والإداري، مشدداً على التزام الحكومة بتوجيهات مجلس القيادة، والسعي إلى معالجة التحديات التي تواجه المؤسسات العامة ورفع كفاءتها.

طلاب يمنيون يمشون في ممر مدرسة بتمويل سعودي في مدينة عدن (أ.ف.ب)

وأكد مجلس القيادة دعمه الكامل لإجراءات الحكومة والبنك المركزي في تنفيذ الإصلاحات الشاملة، والحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي، والعمل بمعايير الشفافية والمساءلة. وعدّ المجلس أن هذه المنهجية تمثل أساساً لتعزيز الثقة مع المانحين والشركاء الدوليين، وضمان قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين ورواتبهم وخدماتهم الأساسية.

كما شدّد المجلس على ضرورة تعزيز العمل المؤسسي بروح الفريق الواحد، والالتزام بتنفيذ المصفوفة الكاملة للإصلاحات الاقتصادية والمالية، بوصفها المسار الأكثر فاعلية لإحداث تغيير ملموس في المحافظات المحررة، وتمكين الدولة من الاضطلاع بدورها في استعادة مؤسساتها وإنهاء معاناة اليمنيين.

إشادة بالإنجازات والدعم الدولي

أبدى مجلس القيادة ارتياحه للتقدم المحرز في مسار الإصلاحات، موجهاً الحكومة بالمضي قدماً في تنفيذ الخطوات الواردة في القرار رقم (11)، وضمان وصول الدولة إلى كامل إيراداتها السيادية بما يمكّنها من الاستمرار في تقديم الخدمات وصرف الرواتب.

كما ثمّن المجلس الدعم السعودي والإماراتي لخطة التعافي وبرنامج الإصلاحات، مشيداً خصوصاً بإجراءات الحكومة السعودية المتعلقة بتسريع إيداع الدفعتين الأولى والثانية من منحتها المخصصة لدعم الموازنة العامة، الأمر الذي أسهم مباشرة في تسريع صرف رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، مع إعطاء الأولوية لأسر الشهداء والجرحى.

مسلحون حوثيون يستعرضون قوتهم في منطقة خاضعة للجماعة شمال صنعاء (أ.ف.ب)

وفي السياق السياسي، رحّب مجلس القيادة بقرار مجلس الأمن بتجديد ولاية فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات، مؤكداً أهمية هذه الخطوة في ردع الممارسات الحوثية التي تهدد استقرار اليمن والمنطقة. كما أشاد المجلس بما تضمنه تقرير فريق الخبراء من «دلائل حاسمة» حول الطبيعة الإرهابية للجماعة الحوثية، وارتباطها بالأنشطة العابرة للحدود ودعم النظام الإيراني.

وأشاد مجلس الرئاسة اليمني أيضاً بما ورد في إحاطات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن من انتقادات واضحة للممارسات الحوثية، بما في ذلك احتجاز موظفي الأمم المتحدة وتصاعد الهجمات الإرهابية على الملاحة الدولية. وأكد أهمية استمرار الموقف الدولي الموحد إلى جانب الحكومة الشرعية لدعم جهود إحلال السلام وحماية الأمن الإقليمي والدولي.


برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
TT

برد قارس يضرب اليمن... واحتياجات عاجلة للنازحين

أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)
أطفال في مخيم للنازحين في مأرب (رويترز)

يشهد اليمن طقساً بارداً أكثر من المعتاد في منتصف الخريف وقبل قدوم الشتاء، بالتزامن مع زيادة في أعداد المحتاجين إلى المساعدة، وسط تحذيرات من انخفاض أشد في درجات الحرارة خلال الأسابيع المقبلة، وتفاقم معاناة النازحين، وطلب تمويل بـ7 ملايين دولار لتأمين احتياجات مئات الآلاف منهم.

ويتوقع خبراء الأرصاد أن تعيش البلاد خلال الأيام المقبلة موجة برد شديدة في مناطق المرتفعات، ما يؤثر على صحة السكان من الأطفال وكبار السن، إلى جانب تأثيرها على المحاصيل الزراعية، وتزداد قسوتها خلال ساعات الليل والصباح الباكر، خصوصاً في محافظات شمال البلاد، وتقل حدتها نسبياً باتجاه الجنوب والجنوب الغربي والشمال الشرقي.

ورجّح عدد من الخبراء أن تكون محافظات صعدة وعمران وصنعاء شمالاً، وذمار والبيضاء جنوب وجنوب شرقي العاصمة صنعاء، هي الأكثر عرضة لهذه الموجة، تليها المناطق المرتفعة في محافظات إبّ وتعز ولحج والضالع، في الجنوب والجنوب الغربي للبلاد، بالإضافة إلى الأجزاء الغربية من محافظة الجوف (شمال شرقي).

ولا تُستثنى المحافظات الشرقية مثل حضرموت وشبوة وأبين ومأرب، والغربية والشمالية الغربية مثل ريمة وحجة والمحويت، من تلك الموجة، لكن بدرجة أقل، ما يدعو إلى اتخاذ احتياطات لحماية الأطفال وكبار السن من تأثيراتها، واتخاذ تدابير لحماية المزروعات من التلف.

لا تختلف أزمة المأوى بالنسبة للنازحين بين الصيف والشتاء بسبب قسوة الظروف المناخية المتبدلة (رويترز)

وحذرت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب، خلال الأيام الماضية، من زيادة معاناة النازحين وأشد الفئات ضعفاً مع اقتراب فصل الشتاء، ووجهت دعوة لشركاء العمل الإنساني والجهات المانحة للتحرك العاجل وتقديم المساعدات الشتوية الضرورية.

فجوة تمويلية

ذكرت الوحدة التنفيذية المعنية بالنازحين، وهي هيئة رسمية، أن تقاريرها الميدانية كشفت عن أوضاع مؤلمة للأطفال والنساء وكبار السن الذين يعيشون في خيام مهترئة بلا أغطية كافية أو وسائل تدفئة، مما يضاعف من خطر البرد القارس عليهم، منبهة إلى أن تأخير الاستجابة يهدد حياة الفئات الهشة ويضاعف معاناتها.

وذكّرت بحوادث وفاة عدد من الأطفال وكبار السن خلال الأعوام الماضية بسبب مضاعفات البرد الشديد ونقص الدعم الإنساني، وطالبت ببذل الجهود لعدم تكرار المأساة هذا العام، من خلال توفير الملابس الشتوية والبطانيات وأدوات التدفئة والعوازل والفرش الأرضية بشكل عاجل، والاهتمام بأكثر العائلات تضرراً.

وكانت «كتلة المأوى» وجهت نداءً عاجلاً للحصول على تمويل بقيمة 7 ملايين دولار لتأمين احتياجات الشتاء لنحو 217 ألف شخص من النازحين والعائدين والمجتمعات المضيفة في اليمن.

نازحة يمنية تنتظر حصولها على مساعدات شتوية من المنظمة الدولية للهجرة العام الماضي (الأمم المتحدة)

وأشارت «الكتلة» إلى أن ضعف الاستجابة الإنسانية سيعرض عشرات الآلاف لمخاطر البرد القارس، خاصة في 45 موقعاً موزعة على 12 محافظة يواجه سكانها ظروفاً معيشية صعبة تحدّ من قدرتهم على شراء المستلزمات الشتوية الأساسية.

وبحسب تحليل حديث أجرته «الكتلة»، وهي آلية أممية تعمل على تنسيق جهود المنظمات الإنسانية والجهات الفاعلة الأخرى لتقديم الدعم في مجال المأوى للأشخاص المتضررين من الكوارث والنزاعات؛ فإن نحو 642 ألف نازح، يعيشون في 45 مديرية موزعة على عدد من المحافظات، يحتاجون لمساعدة شتوية، من بينهم 563 ألفاً تقريباً معرضون لدرجات التجمد.

ولا يُغطّى من التمويل المطلوب سوى 5 في المائة فقط، ما يترك فجوة تمويلية خطيرة بنسبة 95 في المائة.

وحددت الكتلة الأممية استراتيجيتها لمواجهة هذه الأزمة بإصلاح المأوى أو استبدال الخيام والمساكن التالفة وعزلها بدرجة كافية، وتوزيع «حزمة شتوية» من بطانيات عالية العزل لكل فرد، وملابس شتوية متنوعة، وفق عدد أفراد كل عائلة، إلى جانب إمكانية تقديم المساعدة النقدية، بحسب تقييم الأسواق المحلية والقدرة الشرائية.

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع الشتاء الماضي (إكس)

وأعادت التحذير من أن يشهد الشتاء المقبل ظروفاً مشابهة لسابقه، ما يجعل توفير التمويل ضرورة ملحة لضمان سلامة نحو 31 ألف عائلة تعيش في بيئات شديدة البرودة، ومنحهم الحد الأدنى من الأمان والدفء.

موسم التدهور المعيشي

توقعت مبادرة تصنيف المراحل المتكاملة للأمن الغذائي (IPC) أن يرتفع عدد اليمنيين الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمان الغذائي إلى 18.1 مليون شخص، خلال الفترة من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وحتى فبراير (شباط) المقبل، بنحو 52 في المائة من السكان الذين قامت بدراسة أوضاعهم المعيشية.

وطبقاً للمبادرة، فإن من المحتمل أن يدخل نحو 41 ألف شخص في المرحلة الخامسة المصنفة بالكارثة في بعض المديريات، وأكثر من 5.5 مليون شخص في المرحلة الرابعة، وهي مرحلة الطوارئ، في حين سيقع نحو 12.574 مليون شخص في المرحلة الثالثة، وهي مرحلة الأزمة، مع ترجيح أن يرتفع عدد المديريات التي قد تقع في فئة الطوارئ من 143 إلى 166 مديرية خلال نفس الفترة.

الحاجة إلى المأوى تتزاحم إلى جانب احتياجات الغذاء لدى النازحين طوال فصول العام

ومن دون حدوث تدخل سريع، فإن المبادرة، وهي تجمع متعدد الأطراف من وكالات أممية ومنظمات تقنية وإنسانية يهدف إلى تحسين تحليل الأمن الغذائي والتغذية واتخاذ القرارات الإنسانية، تبدي مخاوفها من انهيار كامل لسبل المعيشة.

وحددت المبادرة العوامل المحرّكة للأزمة الإنسانية بالصراع المستمر الذي يعوق الوصول إلى الأسواق، والضائقة الاقتصادية المتمثلة في ضعف العملة وانخفاض الدخل وتراجع فرص العمل، والصدمات المناخية، وانخفاض المساعدات الإنسانية وآليات التكيّف المنهكة.

وتتفاقم معاناة اليمنيين في فصل الشتاء، الذي يعد موسماً للجفاف، بسبب توقف الأمطار التي تعتمد عليها غالبية الأنشطة الزراعية، في حين تواجه المحاصيل الموسمية مخاطر التلف بسبب الصقيع.


صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
TT

صنعانيون مخنوقون بالديون... والمعاناة يفاقمها غياب الرواتب

بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)
بائع متجول في صنعاء يبحث عن زبائن حيث يعرض قبعات شتوية وحقائب كتف وإكسسوارات (إ.ب.أ)

تزداد المخاوف في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء من انهيار الوضع الإنساني بصورة غير مسبوقة، في ظل استمرار الحرب، وتعطل مؤسسات الدولة، وانقطاع رواتب معظم الموظفين منذ سنوات.

وفي حين ترتفع أسعار السلع الأساسية بوتيرة لا تتيح لغالبية السكان اللحاق بها، يغرق آلاف الأسر بدوامة الديون اليومية التي باتت الوسيلة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة.

يقول «عادل»، وهو اسم مستعار لمعلم حكومي في صنعاء، إن حياته تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى سباق مرير مع متطلبات أسرته، بعدما اضطر إلى ترك مهنته في التعليم قبل عامين والعمل في متجر صغير للمواد الغذائية داخل مديرية معين.

لكن دفع تراجع القوة الشرائية للسكان وممارسات الحوثيين التي يخضع لها التجار صاحب المتجر إلى الإغلاق وتسريح العمال، ليجد عادل نفسه من دون مصدر رزق يعيل به زوجته وخمسة أطفال.

الملايين في اليمن فقدوا مصادر عيشهم تحت وطأة الانقلاب الحوثي (الأمم المتحدة)

يؤكد عادل لـ«الشرق الأوسط» أنه يلجأ كل شهر إلى الاقتراض لتوفير الحد الأدنى من الاحتياجات، بدءاً من المواد الغذائية وحتى العلاج. ويوضح: «كان الدين بسيطاً ويمكن السيطرة عليه، لكنه تضاعف اليوم مرات كثيرة... لم أعد قادراً على السداد ولا على التوقف». ويضيف أنه بدأ بالاستدانة من بقالة الحي، ثم من الأقارب والجيران، إلا أنه يخشى اليوم أن يأتي الوقت الذي لن يجد فيه من يقبل بمنحه ديناً جديداً.

هذه القصة لا تبدو حالة فردية، بل تعكس واقع شريحة واسعة من سكان مناطق سيطرة الحوثيين، بينهم موظفون حكوميون وعمال بأجر يومي، باتوا عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم المالية بسبب انقطاع الرواتب وتراجع فرص العمل.

وتشير تقديرات محلية إلى أنّ نحو 75 في المائة من الأسر في تلك المناطق الخاضعة للحوثيين تعتمد على الديون لتأمين ضرورياتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والإيجار.

ديون تتحول إلى نمط حياة

يرى اقتصاديون في صنعاء أن الدين لم يعد مجرد وسيلة لتجاوز أزمة طارئة، بل أصبح نمط حياة مفروضاً على آلاف الأسر التي تعيش تحت سلطة الحوثيين. ويقول خبراء إن تدهور الدخل، مقابل ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة، خلق فجوة معيشية تستحيل السيطرة عليها دون اللجوء إلى الاقتراض المتكرر.

«أم عماد»، أم لثلاثة أطفال، تؤكد أنها تعيش بالكامل على الديون منذ فقدان زوجها عمله قبل أكثر من عام. تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل يوم آخذ ما أحتاجه بالدَّين... لا يمكنني ترك أطفالي دون طعام، لكنني لا أعرف متى سأستطيع السداد». وتوضح أن البقالة القريبة من منزلها تمتلك سجلاً كبيراً يحتوي على ديونها إلى جانب عشرات الأسر الأخرى في الحي ذاته.

يمنيون في صنعاء يتناولون وجبة «السلتة» الشعبية بأحد المطاعم (رويترز)

ويعاني التجار بدورهم من تراكم الديون عليهم، ما يهدد قدرتهم على الاستمرار في العمل. وبحسب أحد ملاك المتاجر في صنعاء، فإن 60 في المائة من بضاعته تُصرف يومياً بالدين، موضحاً أنه لم يعد قادراً على شراء شحنات جديدة من السلع بسبب نقص السيولة. ويشير إلى سجل ضخم يحتفظ به لمعاملات مؤجلة لأسر متعددة، تبدأ من شراء الخبز والأرز مروراً بالأدوية واحتياجات الأطفال.

ويحذر اقتصاديون من أنّ هذه الدائرة المغلقة من الديون ستقود إلى انهيار اجتماعي واقتصادي واسع إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه. ويؤكدون أن استمرار الانقلاب، وتعدد الجبايات، وتراجع النشاط التجاري، وانقطاع الرواتب منذ سنوات، إضافة إلى عدم وجود آليات رقابية فاعلة في الأسواق، كلها عوامل تدفع المواطنين إلى مزيد من الفقر والاعتماد الكامل على الديون.

مجاعة على الأبواب

في خضم هذا التدهور، أصدرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي تقريراً مشتركاً حذّرا فيه من خطر وشيك بوقوع مجاعة كارثية في ست دول، من بينها اليمن.

التقرير أوضح أن تفاقم الصراعات والعنف وسوء الأوضاع الاقتصادية يدفع الملايين في اليمن نحو حافة الجوع الحاد، مشيراً إلى أن الوضع الإنساني مرشح للتدهور خلال الأشهر المقبلة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة.

وأكد التقرير أن المجاعة «ليست مفاجئة، بل متوقعة»، ويمكن تفاديها من خلال إعادة تركيز الجهود الدولية على توفير التمويل الكافي لبرامج الإغاثة، وزيادة الاستثمارات في الأمن الغذائي، وتعزيز صمود الأسر المتضررة في مواجهة الأزمات الممتدة. وشدّد على أن منع وقوع المجاعة يتطلب تحركاً سريعاً قبل «فوات الأوان».

يمنيات أمام بوابة أحد المطاعم في صنعاء للحصول على وجبة مجانية (الشرق الأوسط)

في ظل هذه التحذيرات، تبقى معاناة السكان في مناطق سيطرة الحوثيين مرآة لحجم الانهيار المعيشي، وسط غياب أي حلول ملموسة أو سياسات تُعيد الحد الأدنى من القدرة الشرائية للأسر.

وبينما يواصل الأهالي الغرق في الديون اليومية لتأمين رغيف الخبز وأبسط الاحتياجات، يلوح شبح الجوع في الأفق أكثر من أي وقت مضى، ما يجعل اليمن أمام تحدٍّ إنساني خطير قد يتفاقم سريعاً ما لم تتكاتف الجهود المحلية والدولية لاحتوائه.