«صنع في إيران»... موضة قديمة في العراق

مقاطعة منتجات طهران باتت سلاحاً ضد تمدد نفوذها

طالبات في جامعة البصرة يتظاهرن دعماً للمنتجات المحلية في إطار حملة مقاطعة البضائع الإيرانية (أ.ف.ب)
طالبات في جامعة البصرة يتظاهرن دعماً للمنتجات المحلية في إطار حملة مقاطعة البضائع الإيرانية (أ.ف.ب)
TT

«صنع في إيران»... موضة قديمة في العراق

طالبات في جامعة البصرة يتظاهرن دعماً للمنتجات المحلية في إطار حملة مقاطعة البضائع الإيرانية (أ.ف.ب)
طالبات في جامعة البصرة يتظاهرن دعماً للمنتجات المحلية في إطار حملة مقاطعة البضائع الإيرانية (أ.ف.ب)

لمواجهة تمدد النفوذ الإيراني، في السياسة كما في التجارة، يلجأ العراقيون إلى سلاح مقاطعة واردات البلد الجار وبضائعه في أسواقهم، رافعين شعار «خليها تخيس».
يعتمد العراق، الذي يشكل النفط المصدر الوحيد لميزانيته، بشكل شبه كلي على طهران في مشتقات الطاقة وغيرها من المواد الأساسية. وتحتل طهران المرتبة الثانية بعد أنقرة، من حيث التبادلات التجارية مع العراق، إذ تبلغ اليوم نحو 9 مليارات دولار، أقل من 10 في المائة منها هي قيمة صادرات بغداد إلى طهران، وفق أرقام رسمية.
لهذا، يرى المتظاهرون العراقيون الذين يحتلون الشوارع منذ 1 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن العودة إلى «صنع في العراق» ضربة كبيرة للجارة.
يقول حاتم كريم (24 عاماً)، وهو طالب ماجستير في جامعة بغداد، إن «ما نقوم به هو ثورة ضد كل الخطأ الذي تربينا عليه (...) كنا نعتقد أن المنتج الإيراني ذو سعر رخيص وأعلى جودة. لكن الثورة أسهمت في وعينا اليوم». ويضيف لوكالة الصحافة الفرنسية: «علينا مقاطعة كل المنتجات غير العراقية (...) لدعم المنتج الوطني. أقلها أن نوفر فرص عمل للعراقيين وإبقاء المال داخل البلاد».
وأطلق العراقيون مؤخراً حملة على وسائل التواصل الاجتماعي بهاشتاغ #خليها_تخيس (يصيبها العفن)، داعين الجميع إلى مقاطعة المنتجات الإيرانية، من ألبان وأجبان ومشروبات ومعلبات غذائية وغيرها، والتي عادة ما تكون حاضرة بشكل شبه يومي على الموائد العراقية.
وتقول إحدى المظاهرات إن حملة المقاطعة «كانت لصالح الشعب، لأن الحكومة كانت تحرص على إضعافنا». وتضيف: «احتجنا في هذه الثورة إلى أن ننهض نهضة قوية من كل النواحي، وحتى من ناحية التجارة. وبالتالي أتت المقاطعة لصالحنا».
وامتدت الحملة التي بدأت من بغداد، إلى محافظات البلاد الجنوبية التي لها أيضاً حصة كبيرة من الاحتجاجات المناهضة للنظام وإيران داعمته، والتي أسفرت حتى اليوم عن مقتل نحو 460 شخصاً وإصابة 25 ألفاً بجروح.
وفي مدينة كربلاء، يراقب باسم زكري العمال في مصنع «نجم الهدى» وهم يعلبون الأجبان والألبان ويضعون عليها ختم «صنع في العراق». ويقول زكري، وهو مدير الإنتاج في المصنع: «الحقيقة أنه بعد المظاهرات ضد الفساد، زاد إنتاج مصنعنا بـ5 أضعاف». ويشير إلى أن المعمل ينتج حالياً 40 طناً يومياً، وأن إقبال الناس زاد لأنهم اكتشفوا «نوعية أحسن وعمراً أطول وسعراً أرخص».
ويقول الباحث في معهد الدراسات الإقليمية والدولية في السليمانية بشمال العراق أحمد الطبقجلي: «نحن كبلد نستورد كل شيء تقريباً. لدينا إنتاج محلي، ولكنه إما صناعات صغيرة، أو غير مربحة». ويضيف: «مشكلتنا أن ليس لدينا قطاعنا الخاص لتلبية احتياجاتنا الأساسية التي تبدأ من المواد الغذائية وصعوداً». ويعتبر الطبقجلي، أنه «وإن كان ممكناً استبدال منتجات دول أخرى بالمنتجات الإيرانية في الأسواق مثلاً، فإن الأمر لن يكون سهلاً. فتركيا على سبيل المثال تستطيع تلبية الاحتياجات اليومية من ألبان وأجبان للعراق، أو الأردن، أو السعودية، لكن المطلب بأن يكون البديل عراقياً، أمر صعب ضمن فترة قصيرة. وهناك أيضاً مسألة الأسعار، لأن المنتج المحلي ليس بأسعار تنافسية، بل أعلى وأحياناً بأضعاف من المنتجات المستوردة، الإيرانية وغيرها».
ويلفت الطبقجلي إلى أن العراق لا يمكنه طرح أسعار تنافس الدول المصدرة، إذ إن إيران وتركيا خصوصاً، لديهما تدهور في العملة.
وإذا كانت الحملة قد بدأت ضد إيران خصوصاً، فإنها صارت عنواناً عريضاً لدعم المنتج العراقي في وجه أي مواد مستوردة أخرى، ومن أي دولة. وتقول امرأة داخل أحد المتاجر في بغداد: «دائماً أبحث عن المنتج العراقي وأفضله. المفروض أن نشجعه في هذه الأيام لتعزيز إنتاجنا». وداخل مركز تسوق آخر، يقول أحد الزبائن إن «الأسعار كانت أغلى من قبل. الآن نصف القيمة، جيدة ومناسبة. أشياء لا تزيد على الألف دينار مثلاً». وتعتبر المرأة نفسها أن «المشكلة ليست في البلد الذي نستورد منه. المسألة هي تشجيع الإنتاج الوطني».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».