رفيف الظل: الذاهبون إلى ولائم حتفهم

كتابة: قاسم حداد وسعد الدوسري وعادل خزام

رفيف الظل:  الذاهبون إلى ولائم حتفهم
TT

رفيف الظل: الذاهبون إلى ولائم حتفهم

رفيف الظل:  الذاهبون إلى ولائم حتفهم

تلك الرحى مستسلمة لقمح البيادق، حيث البحيراتُ تشي بالجنود وتحبسُ الخيلَ في قلاع الهزيمة. لا خلافة اليومَ للمستترين بالفقراء، فالسيفُ يكسرهُ رغيفُ الهمس والريح تصرخها جهاتُ الذاهبين إلى ولائم حتفهم. ولكن هل يكتفون، أم الجشعُ يغيّر مجراه وتكون للحيتان كلمة في ساعة الطوفان؟
التحصن بمشاعر البحر هو ما يبقى لنا. فلن يجدي تجريدُ نفس أسلحتهم. ليس لأنها لا تصلح لنا، لكن لأننا لا نحسن استخدامها.
لا يأخذ شيئا مقابل عطائه الهائل، وليس مثل وحابته إلا الحب. وهذا شأنٌ يتعلق بدواخل الروح. علينا حماية جواهر دواخلنا من بشاعة الضواري التي يتقمصون. لسنا سيوفا لأحد ولا رقابا مبذولة. سنقول للموجة: لا للمداراة، ولتزأر الريحُ على هواها.
هذا هو الماءُ العظيم، الغسلُ الشامل لتضاريس أوشكتْ على الهباء، وعلى الموج أنْ يبسطَ سلالتهُ، والريح أن تحملَ الرسائل، وكلّ جبل يقصر عن الطبيعة عليه أن يرحل.
هو الرحيلُ، هو دانة الأجوبة حين يضطربُ مزاجُ المطر، وحين تُقْبِلُ الغمامة الأخيرة حاملة عريسَ البحر وهو يرفع نايَهُ باتجاه الرعد.
كأنه، وهو يبتسمُ للرواسي الشاهقات، يغويهن بأن يرافقنه إلى المأوى الأخير، كأن الأرضَ تهتز له.
هذا هو الترويح، نقيض الترويع.
حين تكْمل الأسطوانة دورتها الأولى بلا خدْشٍ أو نشاز، ويطلّ من المنارات علمٌ أبيض، وترتفعُ في المنحدرات نداءاتُ أحرار جدد، وتكون ساعة النميمة قد أزفت، وصورة المأساة محو، وصوت المواساة صحو، وبينهما الدنيا رحابة.
جهتان للمشتاق،
إمّا البحرُ وإما غروبُ الوداع،
وما بينهما عمرٌ يلوكه صاحبه، وجفول أيامٍ، والتماعاتُ دمع شريد.
إلى أين يفر القلب والأوطان وصايا؟
من يهدم الجدار ويسبي فكرة المجنون، وإن اتحدا؟
الشرق والغرب في بوصلة خربة،
هل يكتملُ النهرُ حين يعبر الصحراءَ في ثوبِ سراب؟
وماذا عن الرمل؟ هل يفقد الرمل نعومته في غناء المطر؟
طب يا جرح السلام،
وليكن النزيفُ غصنا مورقا في فم طائرٍ حر.
يستأذنهُ العمرُ، كي يغفو قليلا على صخرة هشّة بجانبِ النهر.
يبقى بلا عُمْر، يحدّقُ في ميناء الوقت شرق الأفق.
تتساقطُ الأسماءُ من عقرب الدقائق مُسمّمة بالوجوه الهلامية.
يلتقطُ أسمَهُ، يتفحصه مليّا، محاولا أن يفهم لماذا يُغادره العمرُ كلّ يوم، ليغفو على صخرة النهر الهشّة.
لن يفهم.
يفيقُ العمرُ، يمشي إلى النهر، يدلي رأسه في برودة الماء، يهزّ شعره الكثيف المجعد، فتتناثر الرطوبة في الأرجاء، ويعودُ كلّ كائنٍ إلى حاله.



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.