ثقافة حشد التاريخ ونبشه

الشعوب تصاب بالنرجسية أيضاً

TT

ثقافة حشد التاريخ ونبشه

تظل هناك علاقة أعمق من مجرد الحساب الزمني تربط الشعوب بماضيها مهما كانت إيجابياته وسلبياته، ولا بأس في ذلك فهي سمة إنسانية طبيعية على مستويات عدة، فكما يتباهى المرء بماضيه فالعقل الجمعي للشعوب لا يحيد عن هذا السلوك كثيراً، ولكن مثل الفرد ففي مرات كثيرة ما تصاب الشعوب بحالة من «النرجسية التاريخية»، فيغلب عليها الاعتقاد بالعظمة المفرطة في حساباتها مع الآخرين، وفي السواد الأعظم من هذه المناسبات يكون هناك محرك سياسي وراء هذه الحالة المرضية والتي غالباً ما تكون تبعاتها وخيمة للغاية، خاصة إذا ما كان تاريخ الدولة المعنية محور جدل ودمار وآلام على مدار القرون، وعلى الفور سيتحول هذا المرض إلى توتر سياسي إقليمي قد يؤدي لكوارث إنسانية، فلقد اعتمد الحزب النازي الألماني سياسة السمو العرقي والثقافي إلى أن دخل في ظلمات التطهير العرقي، وهنا تكون الشعوب ضحية حكامها في أغلب الأحيان.
والعكس تماماً قد يحدث، فلقد حاولت بعض الأنظمة السياسية فصل الشعوب عن ماضيها في محاولة لكسر قيود الماضي أمام انطلاق المستقبل وهو ما يحدث بقوة في مناسبات عدة نتيجة التغير الأساسي في ركائز الشرعية التي سيُبنى عليها النظام، ويحضرني هنا مثالان أساسيان الزعيم الروسي لينين والتركي مصطفى كمال أتاتورك، فقد سعى الزعيمان لمحاولة فصل الحاضر والمستقبل عن الماضي في مجتمعيهما، فعلى الفور سعت الثورة البلشفية ليس لمحاولة طمس الماضي الروسي ولكن لوضع فاصل حدثي وزمني بينه وبين الحاضر حتى يمكن لهم صياغة النظام المنشود، وقد ساعدهم في ذلك اعتناقهم للآيديولوجية اليسارية المبنية على فلسفة العامل الاقتصادي والطبقي في تفسير التاريخ واستشفاف المستقبل، فأهملوا عوامل ثقافية واجتماعية كثيرة، سرعان ما تفجرت مرة أخرى بمجرد المنظومة الاشتراكية الحاكمة. أما في حالة أتاتورك فإن رؤيته لكيفية إدخال تركيا مرحلة الحداثة تناقضت تماماً مع رؤيته لتاريخ الدولة العثمانية، فتبنى سياسات قسرية في مناسبات عدة لتحقيق هذا الهدف.
حقيقة الأمر أن التاريخ كمدخل سياسي واجتماعي يمكن تكريسه بوسائل عدة لأهداف عكسية، فيما يمكن تسميته مجازاً بظاهرة «حشد التاريخ» عبر استخدامه لتحقيق أغراض سياسية، ولا بأس في ذلك لأنه يكون أداة محمودة لصهر الشعب والتغلب على العناصر التي تهدد تجانس المجتمعات، ولكن إذا ما اتبعنا حكمة «أن الفضيلة وسط رذيلتين» فسيؤدي هذا التطرف المرتبط بالحشد التاريخي كأساس شرعي لقاعدة الانطلاقة السياسية لنهاية كارثية، فتسخير التاريخ لخدمة نيات توسعية ليس فقط على المستوى السياسي والعسكري ولكن على المستوى الديني والثقافي أيضاً أمر خطير، ومن ثم فإننا نحتاج هنا لوقفة حاسمة من القائمين على هذا السلوك العابث والداعين له، فهذا أسوأ استخدام ممكن للتاريخ.
ولأنه لكل فعل رد فعل مواز في القوة ومضاد في الاتجاه، فالشعوب والأنظمة السياسية المتأثرة سلباً بسلوك «النرجسية التاريخية» للآخرين تدخل بطبيعة الحال في معركة تاريخية - ثقافية مضادة دفاعاً عن النفس، فتدفع أمامها الحجج والأسانيد ضد تاريخها وماضيها حماية لحاضرها ومستقبلها، وإحقاقاً للحق في أغلب المناسبات، وهنا ندخل فيما يمكن أن نسميه «ظاهرة نبش التاريخ»، فتسعى الدول لإبراز مساوئ تاريخ مثل هذه الدول من خلال إعادة إبرازه وتشريحه لإبراز المساوئ الكثيرة له لا سيما - وبالأخص - لو كانت دولة استعمارية بنت مجدها على خراب الشعوب والدول المجاورة عبر إخضاعها بالسيف تحت شرعية واهية تخفي نعراتها التوسعية، وهنا نبدأ الدخول في معركة لا داعي لها ولا هدف منها إلا تسميم العلاقات بين الشعوب، فالأنظمة زائلة والشعوب باقية بحكم الجغرافية والزمن، وتوريثها تركة الماضي أمر مثقل للجميع وخطر سياسي ممتد.
إن حاضر الدول عادة ما يُكتب على صفحة تاريخها، ومن ثم خطورة مثل هذا العبث بالماضي، فالحروب الفكرية قائمة وتكون أخطر أسلحتها التي يجب أن تُحرم هو الاستخدام السيئ للتاريخ لأسباب سياسية توسعية، فليت أمثال هؤلاء الساسة يدركون أن التاريخ قوة كامنة يجوز استخدامها ولكن القدرة على إخضاعه بالكامل وتطويعه المطلق لخدمة الأغراض السياسية الضيقة يمثل عبثاً يعكس جهلاً ونرجسية سياسية جوفاء، فضلاً عما يمثله من إهانة للتاريخ ذاته والذي يجب أن يكون مرآة للماضي وأداة فهم الحاضر وبوصلة للمستقبل في ذهن الراشد منا، وعلى هؤلاء الساسة أن يدركوا أن التاريخ فعل ماض غير عائد، فهو في طيات الزمن وإخراجه منها، واقعياً يتنافى مع قواعد الطبيعة والعلوم والاستمرارية الزمنية.
إن التاريخ أداة مهمة لمعرفة الماضي والاستفادة منه في الحاضر إلى جانب كونه حقلاً عظيماً للتفكر والعظة، فتسخير التاريخ لأهداف سياسية توسعية يحتاج لمراجعة فورية، خاصة إذا ما كان يحلم حلقات تحتاج للدفن السياسي حتى لا نُقلب مواجع شعوب أخرى وذكرياتها التعيسة، وليتفهم هؤلاء أن مقولة «إن التاريخ يعيد نفسه» مقولة قاصرة تكتمل فقط بإضافة عنصر الاحتمالية، وفي كل الأحوال فالتاريخ لم ولن يعيد نفسه بنفس النمط أبداً لأن ذلك يتنافى مع الاستمرارية الزمنية وسنة الكون، فما أغرب من لا يتعلمون من التاريخ وهم يستخدمونه.



كيف تتغلب على كثرة التفكير وقت النوم؟

يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)
يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)
TT

كيف تتغلب على كثرة التفكير وقت النوم؟

يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)
يعاني الكثير من الأشخاص من كثرة التفكير وقت النوم (أ.ف.ب)

يعاني كثير من الأشخاص من كثرة التفكير ليلاً؛ الأمر الذي يؤرِّقهم ويتسبب في اضطرابات شديدة بنومهم، وقد يؤثر سلباً على حالتهم النفسية.

أسباب كثرة التفكير ليلاً

قال الدكتور راماسوامي فيسواناثان، رئيس الجمعية الأميركية للطب النفسي، لشبكة «فوكس نيوز» الأميركية، إن التوتر والقلق هما السببان الرئيسيان لكثرة التفكير في الليل.

وأضاف: «التوتر من شيء حدث بالفعل، والقلق بشأن اليوم المقبل، يمكن أن يسبِّبا هذه المشكلة. كما يمكن أن تؤدي مشكلات تتعلق بالصحة العقلية، مثل اضطرابات القلق والاضطراب ثنائي القطب إلى فرط التفكير وقت النوم».

وتابع: «تميل هذه الأفكار إلى أن تكون أكثر نشاطاً في الليل، عندما لا تكون هناك أنشطة أخرى تشغل العقل».

وقال فيسواناثان، وهو أيضاً أستاذ ورئيس مؤقت لقسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في جامعة داون ستيت للعلوم الصحية ببروكلين: «في الليل، عندما يكون هناك عدد أقل من عوامل التشتيت، يكون من الأسهل التفكير في اليوم الذي قضيناه للتو والقلق بشأن مشاكل العمل أو الأسرة، أو المخاوف المالية».

وأشار إلى أن تناول المنبهات، مثل الكافيين، أو تناول بعض الأدوية قبل وقت النوم، يمكن أن يتداخل أيضاً مع الاسترخاء، ويتسبب في النشاط العقلي المفرط.

كيف يؤثر الحرمان من النوم على صحتنا

قال فيسواناثان إن النوم غير الكافي أو رديء الجودة يمكن أن يكون له آثار سلبية خطيرة على العقل والجسم، بما في ذلك انخفاض وظائف المخ وصعوبة اتخاذ القرارات وحل المشكلات وتنظيم المشاعر.

وأوضح قائلاً: «إنه يسبب الصداع والتعب والتوتر، ويقلِّل من الانتباه والكفاءة الوظيفية. كما أنه يساهم في حوادث المرور وأخطاء العمل وضعف العلاقات».

كما حذر فيسواناثان من أن مشكلات النوم قد تؤثر على الصحة على المدى الطويل؛ حيث يمكن أن تثبط وظيفة المناعة، وتجعل المرء أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، وتدفع الشخص إلى تناول الأكل غير الصحي، وبالتالي تتسبب في زيادة الوزن.

وأضاف أنها يمكن أن تزيد أيضاً من خطر الإصابة بمشاكل صحية مزمنة، مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري والسكتة الدماغية، ويمكن أن تقصر العمر.

التوتر والقلق هما السببان الرئيسيان لكثرة التفكير في الليل (رويترز)

كيف يمكن التغلب على كثرة التفكير وقت النوم؟

1- وضع روتين لوقت النوم

يقول فيسواناثان إن الالتزام بروتين ليلي منتظم مع وقت ثابت للنوم والاستيقاظ «مهم للغاية»، وهو الأساس في خطة التغلب على كثرة التفكير وقت النوم.

2- احذر تناول بعض المشروبات والطعام في وقت متأخر

أوصى فيسواناثان بالامتناع عن المشروبات التي تحتوي على الكافيين أو الكحول أو الأطعمة الثقيلة قبل وقت النوم مباشرة.

3- امتنع عن استخدام الشاشات قبل النوم بساعة

اقترح فيسواناثان التوقُّف عن استخدام شاشات الهواتف الذكية وشاشات التلفزيون وأجهزة الكومبيوتر قبل النوم بساعة.

وقال: «الضوء الأزرق المنبعث من هذه الأجهزة يتداخل مع النوم وإيقاع الساعة البيولوجية»، التي تنظم فترات النعاس واليقظة خلال اليوم.

بدلاً من ذلك، اقترح فيسواناثان الاستماع إلى موسيقى خفيفة أو قراءة كتاب أو استخدام تقنيات الاسترخاء، مثل التنفس العميق والتأمل.

4- جرب الاستحمام بماء دافئ

قد يساعد الاستحمام بماء دافئ قبل النوم بـ3 ساعات على تهدئة العقل، لكن فيسواناثان حذر من القيام بهذا الأمر قبل النوم مباشرة، مشيراً إلى أنه قد يأتي بنتائج عكسية في هذه الحالة.

5- خلق بيئة مشجعة على النوم

للحصول على نوم مثالي، يجب أن تكون غرفة النوم هادئة ومظلمة وباردة، كما ينبغي أن يكون الفراش مريحاً، كما أوصى فيسواناثان.

6- حدد وقتًا للقلق

إذا لم تكن هذه التقنيات وحدها كافية لتقليل فرط التفكير خلال النوم، يقترح فيسواناثان تحديد «وقت للقلق»، ووضع نافذة زمنية محددة للتفكير في مخاوفك وتحديد مسار للحلول الممكنة.

وقال الطبيب: «هذا يطمئنك إلى أنك ستتعامل مع مخاوفك، لكنه يمنعها من الامتداد إلى وقت نومك».

7- دوِّن مخاوفك

يقترح فيسواناثان أن تحتفظ بدفتر ملاحظات بجوار سريرك حتى تتمكَّن من تدوين مخاوفك فور حدوثها، وأن تخبر نفسك بأنك ستتصرف حيالها في اليوم التالي.