مركز «الحياة» الذراع الإعلامية الجديدة لـ«داعش»

في حين يري إعلاميون أن مركز «الحياة» التابع لتنظيم داعش، سيكون الذراع الإعلامية الجديدة للتنظيم، خاصة بعد أن أصدر مجلة إلكترونية ناطقة باسمه باللغة الإنجليزية وتتمتع بالحرفية وأناقة الإخراج وجودة الصور، كشف مستشار مفتي مصر الدكتور إبراهيم نجم لـ«الشرق الأوسط» عن وجود كوادر إعلامية مؤهلة للعمل على مستوى عال من الحرفية في داعش، مضيفا أن «التنظيم أدرك منذ البداية أهمية امتلاكه لأدوات الإعلام وتسخير التكنولوجيا الإعلامية لصالحه، كي يحارب بها كما يحارب بقواته وعتاده على الأرض».
وكانت دار الإفتاء في مصر قد كشفت عن قيام تنظيم داعش الإرهابي بتدشين مطبوعات إعلامية مؤخرا باللغة الإنجليزية تحمل فكره المتطرف، يستند فيها إلى أدلة وحجج واهية تخدم فكره البعيد عن وسطية الدين الإسلامي وباقي التشريعات السماوية. وأوضحت الدار، في تقرير أعده مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء الشاذة، مؤخرا، أن «تلك المطبوعات تسهم في زيادة أعداد المنضمين تحت لواء هذا الفكر الإرهابي لتزداد وتيرة العنف وتعم الفوضى ويدفع الآمنون أرواحهم ثمنا للوقوع في براثن هذا الفكر التكفيري».
وأطلقت دار الإفتاء على تنظيم داعش اسم «دولة المنشقين عن (القاعدة) في العراق والشام»، في حملة دولية أعلنتها منتصف أغسطس (آب) الماضي، كما دشنت الدار صفحة على «فيسبوك» للرد على شبهات التنظيم. كما أفتت بأن ما يقوم به «داعش» من قتل للرجال والنساء وترويع للآمنين وتدمير للممتلكات العامة والخاصة ونهبها لا يمت للإسلام بصلة.
ويشار إلى أن «داعش» يمتلك آلة إعلامية قوية مكنته في غضون شهور قليلة من أن يصبح التنظيم المتطرف الأشهر في العالم، ولدى التنظيم مواقع ومنابر إعلامية كثيرة من بينها «شبكة شموخ الإسلام» و«منبر التوحيد والجهاد»، إضافة إلى إذاعة البيان، فضلا عن صفحات التنظيم على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر».
ويواصل مرصد فتاوى التكفير والآراء الشاذة والمتشددة عمله في دار الإفتاء المصرية، للرد عليها بطريقة علمية منضبطة لمواجهة الإرهاب الذي يجتاح العالم. وأضافت دار الإفتاء في تقرير أعده المرصد نشرته على موقعها الرسمي، أنه في سابقة هي الأولى من نوعها أصدر مركز الحياة الإعلامي التابع لـ«داعش» مجلة إلكترونية ناطقة باسمه تصدر باللغة الإنجليزية وجرى توزيعها عبر البريد الإلكتروني، في الداخل السوري على المناطق المحررة التي تخضع لسيطرة كتائب من المعارضة المسلحة، ولا تفصح المجلة عن كيفية نشرها أو موقعها الإلكتروني؛ إلا أنها تشير إلى أن «فريق دابق يرغب في تلقي تعليقاتكم».
بينما قال الدكتور نجم مستشار المفتي لـ«الشرق الأوسط» إن «مرصد الفتاوى التكفيرية أداة ترصدية بحثية مهمة للغاية، تستطيع من خلاله الدار متابعة ورصد مقولات التكفير في جميع وسائط التواصل المقروءة والمسموعة والمرئية وعلى شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي»، لافتا إلى أن المجلة أطلق عليها المركز «دابق» وتشبه في تصميمها مجلة «إنسباير» التي أصدرها فرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتضمنت تعليمات حول كيفية تصنيع القنابل وتجنيد أشخاص يشنون هجمات بمفردهم، وأنه من الملاحظ في قراءة أعداد المجلة أنها تبدأ باقتباس لأبي مصعب الزرقاوي القيادي السابق في تنظيم القاعدة في العراق، يقول فيه: «لقد أشعلت الشرارة هنا في العراق.. وسوف يتصاعد لهيبها حتى تحرق الجيوش الصليبية في دابق».
وأوضح مستشار المفتي أن «القائمين على المجلة يتجنبون نشر صور الفظائع التي يرتكبها التنظيم ضد المسلمين ومساجدهم وأضرحتهم، والفظاعات التي ارتكبها مسلحو التنظيم ضد المسيحيين وبيوت عبادتهم، سواء في سوريا أو العراق. كما يوجهون دعوة للأطباء والمهندسين وغيرهم للهجرة إلى أراضي دولة الخلافة»، مضيفا: ضمت أعداد المجلة الـ4 صورا لحشود تهتف لمسلحي التنظيم وهم ينظمون استعراضات عسكرية في مدن عراقية وسورية ويرفعون راية التنظيم السوداء، وصورا لأشخاص قتلوا بحسب المجلة على أيدي الروافض - في إشارة إلى الشيعة - وصورا أخرى لجنود عراقيين قالت المجلة إنهم من الشيعة وجرى إعدامهم على أيدي مسلحي التنظيم، ونشرت المجلة في عددها الأول أيضا مقالا مطولا يستند إلى مقولات فقهية لتبرير إعلان الخلافة، وموقع البغدادي زعيما دينيا وسياسيا لها.
وأوضح الدكتور نجم وهو المتحدث الرسمي باسم دار الإفتاء، أن «العدد الأول من المجلة التي جاءت تحت اسم مجلة (دابق) حمل عنوانا رئيسا (عودة الخلافة)، واستخدم مصممو المجلة خريطة (دولة الخلافة)، أي المناطق التي تقع تحت سيطرة التنظيم في سوريا والعراق كخلفية لصفحة الغلاف. وفي العدد الثاني تحت عنوان الطوفان، ونشرت المجلة لأول مرة صورة واضحة لأبو محمد العدناني المتحدث باسم التنظيم وجاء التعليق على الصورة (أول صورة واضحة لمنجنيق الدولة الإسلامية)، واحتوى الغلاف على صورة سفينة تسير في اتجاه أمواج عالية، في إشارة واضحة إلى نجاة التنظيم وأتباعه من الطوفان القادم. وسلط العدد الثالث الضوء على أهم ملفات إعدام الصحافي جيمس فولي، ومجرزة الشعيطات بدير الزور، والدعوة للجهاد في أرض الملاحم (الشام). أما العدد الرابع فجاء تحت عنوان (الحملات الصليبية الفاشلة)».
وأوضح الدكتور إبراهيم نجم أن اﻟﻤﺠلة تبدو جذابة بصريا، ولم يخف الكثيرون ممن حصلوا على نسختها الإلكترونية، ومن رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الفنيين في مجال الإخراج، دهشتهم لقدرة هذا التنظيم - الذي وصف سابقا بأنه أبعد ما يكون عن التكنولوجيا - على إخراج وسيلة إعلامية على هذا القدر من الاحترافية ولو على مستوى الإخراج البصري، مؤكدا أن أعداد اﻟﻤﺠلة صدرت بعدد صفحات يضاهي الرقم العالمي بحسب المواصفات العالمية، حيث تتراوح صفحات أعداد المجلة بين 42 صفحة إلى 50 صفحة، كما استخدمت النسب العالمية في حجم القطع المستخدم.
وتابع بقوله: في الصفحات الداخلية يبدو التركيز على المشهد البصري أكبر من القسم التحريري وتقدر نسبة الصور بثلثي محتويات اﻟﻤﺠلة، وأما القسم التحريري فيظهر على شكل أعمدة تفصل بينها صور أو قد تكون الصورة هي خلفية للنص، كما لوحظ استخدام صور كبيرة على مساحة صفحتين متصلتين كما في أساليب الإخراج الحديثة، حيث إن الصورة تتكلم، وقد تمتعت اﻟﻤﺠلة بالحرفية وأناقة الإخراج وجودة الصور التي احتوتها، الأمر الذي جعل البعض يصفون الإعلام الذي يحاول داعش تقديمه أقرب إلى الإعلام المنظم للدولة منه إلى الإعلام الميليشياوي المتخبط مقارنة بإعلام الجماعات الجهادية الأخرى في سوريا.
وأشار مستشار مفتى مصر، المشرف على مرصد الإفتاء لمقاومة الفكر التكفيري، إلى أنه يجب أن تتوافر لدى المؤسسات الدينية كوادر متخصصة في الجانب الإعلامي لمواكبة التطور المذهل والطفرة المعلوماتية الهائلة التي اجتاحت العالم، مشددا على أن مواجهة الفكر الداعشي الإرهابي وغيره من الأفكار المشابهة في التطرف والعنف بالرصد والتحليل والمتابعة صار واجبا شرعيا ووطنيا، وذلك عن طريق فضح استغلالهم الدين.
وعبر نجم عن استيائه من حالة التضخيم الذي سببته بعض وسائل الإعلام الغربية لهذا التنظيم ليقنع البسطاء في العالم بأنه يملك كيانا يقارب حجم الدولة، ويسعى للوصول إلى التكوين الإمبراطوري، ويدلل على أكاذيبه التي يروج لها من خلال التقنيات الإعلامية المذهلة في إصدارات صحافية وإعلامية باللغة الإنجليزية رصدها مرصد دار الإفتاء المصرية. مؤكدا أن الحروب الإعلامية لا يجري الانتصار فيها إلا بحروب إعلامية مضادة وذات كفاءة عالية في استخدام استراتيجيات إعلامية تفاعلية، منددا بطرق المواجهة الإعلامية المنتشرة في الإعلام العالمي في الفترة الحالية التي تواجه الدواعش بالتركيز على مدى وحشية ممارسات داعش، وكأنهم يحاولون أن يثبتوا للعالم الحر أن هذا التنظيم هو الشر المطلق؛ إلا أن القائمين على هذه الحملات لم يدركوا أن هذا يصب في مصلحة داعش التي نجحت في توجيه وتوظيف وسائلها ووسائل الإعلام العالمية في خدمة أهدافها المتمركزة حول نشر ثقافة الرعب والخوف من كيانهم الناشئ.
وأضاف الدكتور نجم أن «مرصد دار الإفتاء يعد تقارير ودراسات على مدار الساعة ويقدمها للجان الشرعية للرد عليها ودفعها للناس لإزالة الأفكار الهدامة»، مضيفا: «هدف المرصد القضاء على منابع الفكر التكفيري بتصحيح الصورة الذهنية الخاطئة التي تتعلق بقضايا الإسلام». في السياق نفسه، قال خبراء الإعلام إن «المجلة ستكون الناطق الرسمي باسم التنظيم في المستقبل، نظرا لتميزها مضمونا وشكلا وإخراجا».