صدرت حديثاً عن «دار صفصافة» بالقاهرة، رواية «مقهى طاقة الأدغال الفلبينية العظمى» للشاعر والكاتب الفلبيني ألفريد كريب يوسون، الشهير بـ«كريب»، كما صدرت عن الدار نفسها رواية «المقيدون» للروائية الإندونيسية أوكي ماداساري. وترجم الروايتين للعربية الشاعر المصري عبد الرحيم يوسف.
«مقهى طاقة الأدغال» هي الرواية الأولى ليوسون المولود عام 1945، صدرت عام 1988.
وهو يأخذنا عبر أحداثها في جولة مع التاريخ الفلبيني، خلال مائة عام بين ثورتين، محولاً شخصيات التاريخ الواقعية إلى أبطال أسطوريين، راسماً إياهم بشكل كاريكاتوري، وبذلك ينزع عنهم جلالهم.
ويحرك يوسون شخصيات روايته وأحداثها بعمليات تطويع هائلة للتراث الأسطوري الفلبيني، والتاريخ الأدبي والثقافي والمؤثرة في عمل محكم، مستفيداً من الواقعية السحرية على الطريقة الآسيوية، وتيار الوعي، والوثائقية، عبر لغة تتراوح بين التقريرية والشعرية.
وارتأى المترجم أن يقدمهما للقراء بمقدمتين؛ الأولى للروائي والكاتب الفلبيني نيك خواكين، والثانية للناقد الفلبيني فرانشيسكو آرتشيلان.
وأشار آرتشيلان، في تقييمه، إلى أن «مقهى طاقة الأدغال الفلبينية العظمى»، «متعة للقراءة... أقرأها من الأمام إلى الخلف، ومن الخلف إلى الأمام، وتغدو أفضل مع كل إعادة قراءة؛ أنا ما زلت أعيد قراءتها. وأنا هنا لا أختزل فقط (محيط الحميمية)، بل أحاول أن أرتبط به. وهذا هو الشيء الضروري الذي ينبغي أن يفعله قارئ (مقهى طاقة الأدغال الفلبينية العظمى) أن يرتبط بها. هذه الرواية قصيدة، لم يكن من الممكن أن يكتبها إلا شاعر، هي مؤلفة، مثل الموسيقى، تُختتم بإيقاع خفيض، ليس متوتراً ولا مهيمناً، إنها رواية سحرية، بكل معنى الكلمة، مليئة بالسحر، صاغها ساحر حديث».
والمعروف عن يوسون أنه جمع بين الشعر والقصة، ويعمل صحافياً وكاتباً للسيناريو ومخرجاً للأفلام الوثائقية. وقدم لقرائه ما يزيد على 30 كتاباً في الشعر والرواية والمقالات وقصص الأطفال وأدب الرحلات والترجمة والسير الذاتية، يكتب بالإنجليزية أغلب أعماله، وقد حصل على العديد من الجوائز والأوسمة في الفلبين وخارجها منها «جائزة إنجاز العمر» من جمعية كُتاب جنوب شرقي آسيا. تُرجمت أشعاره ورواياته إلى أكثر من 10 لغات. وقام بتدريس الرواية والشعر في «جامعة أتينيو دي مانيلا».
أما الروائي والكاتب الفلبيني الكبير نيك خواكين، فكتب في مراجعة نقدية لمجلة «صانداي إنكوايرير»، عن الرواية قائلاً: «إنها عمل طليعي تجريبي، تتسم بكونها خشنة ووقحة وهذيانية وفاتنة. كل شيء، في العالم الذي تخلقه، يحدث تحت ضوء الأبدية. لذلك تتجاور ثورة عام 1896 جنباً إلى جنب المظاهرات ضد ماركوس في ثمانينات القرن العشرين، وقطع الطرق في الأرياف النائية في زمن الحرس المدني. كما يستدعي يوسون المشاهد البيسايانية في زمن الإسبان ورش الكتابة الصيفية في «جامعة سيليمان» خلال ستينات القرن العشرين، كما يتزامن مسار حياة ليون كيلات بطلها مع كتابة سيناريو يعمل عليه».
وأضاف خواكين: «بطل الرواية الذي يصبح حافظاً لغرفة المقدسات في كنيسة، وبائعاً لماكينات خياطة سنجر، ولاعباً في سيرك، وثورياً، هو مجاز صالح للإنسان الفلبيني كأي مجاز آخر. لكنه ليس بطل هذه الرواية القصيدة. البطل هنا هو العقل، الذاكرة، التي تنتقل إلى الخلف وإلى الأمام عبر السرد. في هذا العقل».
وأوضحت الدراستان أن يوسون استفاد في روايته كثيراً من تيار الوعي المستمد من جويس، لكنه مصاغ بجنون أكبر. فثمة تشويشات حمقاء للزمن والتسلسل، لكنها أكثر حمقاً مما كان يجربه ألدوس هكسلي وفيرجينيا وولف. وثمة لعب مدوخ بالكلمات واستخدام للقطات المقربة والتلاشي التدريجي واللقطات الطويلة والحيل الأخرى المأخوذة من تكنيك السينما. وهناك أيضاً تلك الطريقة الخاصة بروائي الخيال العلمي الأميركي إي. إل. دوكتورو، وفيها يعمل على خلط الأشخاص الحقيقيين والشخصيات الروائية التي تجعل رواية يوسون ممتعة جداً، فهو يقدم الكثير عن الحياة الحقيقية بواجهة خيالية. لكن القارئ الذي يخوض عبر هذه الفوضى من العجائب قد يصرخ: «لكن ماذا يعني كل هذا؟»، ويمكن للمرء أن يتهرب من هذا السؤال بأن يعلن ببساطة أن هذه الرواية قصيدة، وأن «القصيدة لا ينبغي أن تعني بل أن تكون». ومع ذلك فلا حاجة لمثل هذا التهرب، لأن رواية كريب تحقق معنى على مسارها الخاص، فما يمكن قوله هو أن «مقهى طاقة الأدغال الفلبينية العظمى» نتاج لعبقرية حقيقية، وهي ذات أصالة عظيمة تبدأ من حيث تنتهي، وتنتهي من حيث تبدأ، وتحجب وتتكشف، وتظل هكذا حتى نهايتها.
أما في رواية «المقيدون»، فتأخذنا الروائية الإندونيسية أوكي ماداساري إلى إندونيسيا أخرى غير تلك الموجودة في الملصقات السياحية. بلد يعج بالصراعات، سواء سياسية واجتماعية، وما ينعكس على الأفراد، وما يواجهونه من مشكلات، وفيها نتابع الشخصيتين الرئيسيتين «ساسانا» و«كاك جيك» في سعيهما لإشباع شغفهما بالموسيقى، وأن يكونا كما يرغبان، لا كما يريدهما المجتمع، وعبر ذلك نشارك معهما مواجهة المجتمع المحافظ والإسلام السياسي، وتوحش الليبرالية الجديدة، بالإضافة إلى أنها تعيد طرح الأسئلة الوجودية الأولى: هل هناك وجود للإرادة الحرة حقيقة؟ وهل الإنسان موجود حقاً؟
تدور أحداث الرواية بين عدة مدن، منها جاكارتا ومالانج، خلال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، وهي مقسمة بين «ساسانا» و«كاك جيك»، وخلال السرد يتبادل كل منهما صوت الراوي. هما صديقان يتعرفان على بعضهما في مدينة مالانج، حيث يعملان فناني شارع. لكن الواقع الصعب يفرق بينهما، ويظل كلاهما يعاني من قيود الجسد والروح والواقع الاقتصادي والاجتماعي الخانق، وحتى بعد ثورة 1998 التي تخلصت من حكم الديكتاتورية في إندونيسيا تأتي الأصولية الدينية لتتحالف مع السلطة العسكرية وتجهض الثورة وتعمق من انفصال الاثنين.
ومع تطور الأحداث يظهر «ساسانا» و«كاك جيك» في بحثهما عن التحرر من كل القيود؛ من قيود العقل والجسد، والقيود التي تفرضها التقاليد والأسرة، والمجتمع والدين، وحتى الهيمنة الاقتصادية وأغلال السلطة.
أما ساسانا فهو شاب ابن طبقة وسطى، يعمل أبوه محامياً وأمه طبيبة، يصطدم منذ طفولته بحلمهما في التشبه بحياة أبناء الطبقة الوسطى التي تميل للنموذج الغربي، ما يجعلهما يعلمانه العزف على البيانو والاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية الغربية، ورغم براعته في العزف، لكنه لا يشعر بميل قوي لهذا النموذج الموسيقي، وحينما يستمع مرة إلى الموسيقى الشعبية الإندونيسية المتمثلة في الفلكلور الإندونيسي والموسيقى التقليدية الشعبية المشتقة من الموسيقى الهندية والملاوية والعربية يقع في أسرها، ويتوقف بعناد كبير عن عزف البيانو، لكن لا تتاح له فرصة ممارسة تقديم هذه الموسيقى إلا بعد التحاقه بالجامعة في مدينة مالانج.
أما كاك جيك، فتأخذه الحياة إلى طريق معاكس تماماً لما بدأ به، فبعد صدام مع السلطة، وتحطم الفريق الموسيقي، ودخول ساسانا السجن، ثم في مستشفى الأمراض النفسية، يتجه إلى العمل في مصنع أجهزة كهربائية، وهناك ينغمس في حياة العمال القاسية، وبعد الثورة ينضم إلى جماعة أصولية متشددة تهاجم المقاهي وأماكن السهر والموسيقى، ويستمتع بالسلطة الجديدة التي توفر له المال والقوة، وفي هذه الأثناء يلتقي صديقه القديم بعد أن أصبحا على طرفي نقيض.
روايتان فلبينية وإندونيسية عن الثورة ضد الاستبداد
ترجمهما إلى العربية عبد الرحيم يوسف
روايتان فلبينية وإندونيسية عن الثورة ضد الاستبداد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة