«ممالك النار» يفتح شهية المصريين لزيارة «باب زويلة»

اعتاد الشاب المصري محمد الحويطي أن يمر من «باب زويلة» مروراً روتينياً إلى منطقة عمله في «درب سعادة» بالقاهرة طوال 4 سنوات ماضية؛ إلا أنه قبل أيام قليلة أصبح مروره بالمكان مصدر فخر له، بعد متابعته لمسلسل «ممالك النار»، حيث دفعه الفضول لأن يقف لتصوير وتوثيق زيارته للمكان الأثري الذي أعدم عليه آخر سلاطين المماليك «طومان باي» شنقاً، حيث مشهد النهاية بالمسلسل.
ما فعله المصري الثلاثيني بجوار «باب زويلة» لم يكن فعلاً فردياً، بل أضحى بمثابة اتجاه بين عدد كبير من المصريين من أعمار مختلفة، بعد أن فتح المسلسل شهيتهم لزيارة هذا الأثر منذ انتهاء عرض المسلسل الأسبوع الماضي، وكذلك مكان دفن طومان باي، وعدد من المعالم الأثرية التي ارتبطت بأحداث وشخصيات المسلسل، مثل قبة الغوري، ووكالة الغوري، وضريح خاير بك.
ويعد باب زويلة أحد البوابات الحجرية الجنوبية للسور الثاني لمدينة القاهرة الفاطمية، وقد أنشأه الوزير بدر الجمالي في عهد الخليفة المستنصر بالله الفاطمي عام 485 هجري – 1092 ميلادي، وترجع تسميته بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة زويلة البربرية التي جاءت مع قائد الجيوش الفاطمية «جوهر الصقلي» من شمال أفريقيا وسكنت بالقرب من البوابة، وذلك بحسب «وزارة الآثار المصرية».
«لم أتحفز للتوقف لتأمل تاريخ الباب وعمارته إلا بعد أن شاهدت (ممالك النار)، رغم أني مهتم بالتراث»، يقول محمد الحويطي، لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «أحببت أن أوثق زيارتي لباب زويلة وأن أحكي للناس ما شاهدت من عظمة في هذا المتحف المفتوح بالقاهرة، فقمت بوضع عدة صور فوتوغرافية على صفحتي على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» لتجد تفاعلاً إيجابياً، وتحفيزاً للأصدقاء لزيارة المكان بدورهم».
ويلفت الحويطي، الذي يحمل عضوية الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، إلى أن الحالة التي خلقتها حلقات «ممالك النار» دفعته لتقديم نبذة تاريخية للمهتمين على صفحته على «فيسبوك».
يجتذب باب زويلة في الوقت الحالي، حسبما رصدت «الشرق الأوسط»، الكثير من الزيارات، لمشاهدة البوابة ومئذنتي مسجد «المؤيد شيخ» من فوقها، ومكان شنق طومان باي، وقراءة الفاتحة على روحه، مع توثيق ذلك بالصور الفوتوغرافية ولقطات الفيديو، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، مُذيلة بعبارات على غرار «هنا تم إعدام طومان باي شنقاً... هنا باب زويلة»، و«نرجو بمن يمر من أسفل باب زويلة أن يتذكر البطل طومان باي ويقرأ له الفاتحة»، «في هذا المكان علقت جثة طومان باي لمدة ثلاثة أيام بعد هزيمته في موقعة الريدانية بسبب خيانة بعض مماليكه».
من بين الزوار، يقول الصديقان عمرو التوني، ووليد محمد، اللذان حضرا لزيارة المنطقة، إنهما حريصان دائماً على زيارة القاهرة المملوكية والقاهرة الفاطمية، وهذه المرة جاءا مدفوعين بالحماس بعد أن تابعا حلقات «ممالك النار»، ليجدا أن المكان أصبح جاذباً للزيارة، سواء من المصريين أو السائحين، لافتين إلى أنهما كانا يتمنيان أن يتم تصوير أحداث المسلسل في المكان الحقيقي، لا سيما مشهد الشنق.
أما محمود نعيم، الذي حرص على اصطحاب خطيبته لباب زويلة، فيوضح أنهما جاءا إلى باب زويلة بناء على رغبة خطيبته، التي تابعت مسلسل «ممالك النار» وتعاطفت مع شخصية طومان باي، وبكت مع مشهد شنقه، لذا قررت الحضور إلى المكان الذي شهد الأحداث الحقيقية، وكذلك زيارة قبة الغوري لزيارة قبره غير المعلوم للترحم عليه.
رغم أنه لم يتابع المسلسل؛ فإن شريف النمر، الشاب الإسكندراني، كتب دعوة على صفحته الشخصية بموقع «فيسبوك» لزيارة جماعية لمنطقة باب زويلة، وهي الدعوة التي وجدت صدى كبيراً بين أصدقائه رغم المسافة بين الإسكندرية والقاهرة التي تتجاوز 200 كيلومتر. ويقول: «وجهت دعوة لأصدقائي لزيارة الآثار المجهولة، في محاولة لاسترجاع الماضي، وإحياء الهوية بالوجود في هذه الأماكن، التي يشهد كل حجر فيها على التاريخ، والغريب أنني كنت فيما مضى أوجه مثل هذه الدعوات لاهتمامي بالتاريخ والتراث، إلا أنها لم يكن لها مردود، أما هذه الأيام ومع تجديد الدعوة عقب عرض مسلسل (ممالك النار) وجدت كثيرين يتفاعلون معي، ولم أكن أتوقع ذلك، ولكن هذا يعود لتأثير الدراما التي رفعت المستوى الفكري والثقافي وشجعت للعودة للتاريخ لقراءته من جديد».
اجتذاب المكان للزيارات، يؤكده مفتش الآثار محمد فتحي لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «زيارة أثر باب زويلة يجد إقبالاً كبيراً منذ انتهاء عرض مسلسل (ممالك النار)، كما كثفت الرحلات المدرسية من وجودها بالمنطقة حيث زيارة مجموعة الغوري الأثرية التي دفن فيها طومان باي، ومنها إلى باب زويلة، وهي رحلات يفوق معدلها الزيارات الطبيعية المعتادة».
وزاد: «ما نلمسه عن قرب هو أن الزوار باتوا يتساءلون عن حقيقة المعلومات التاريخية الموجودة في المسلسل، كما بدأ كثيرون في القراءة عن هذه الفترة من التاريخ، ويناقشوننا فيما وصلهم من معلومات خلال هذه الزيارات، خصوصاً فيما يتعلق بفترة الحكم العثماني وهل إذا ما كان غزواً أم فتحاً، وما حدث للعالم الإسلامي في هذه الفترة التي امتدت لعدة قرون، وفي رأيي أن هذه التساؤلات هي أفضل شيء قدمه المسلسل».
ويوضح فتحي أن «بوابة زويلة تتكون من برجين مستديرين بالثلث العلوي لكل منهما حجرة دفاعية للجنود، ويغلق عليها بوابة خشبية تزن 4 أطنان مكسية بالبرونز، ويتفرد برجا باب زويلة بالمنارتين الشامختين؛ فعند بناء جامع المؤيد شيخ، أحد سلاطين دولة المماليك الجراكسة في القرن التاسع الهجري - الخامس عشر الميلادي قام مهندس البناء باستغلال برجي البوابة كقاعدة للمنارتين، كما زينت البوابة ذاتها بفنون النحت البارز والغائر.
ويلفت إلى أن باب زويلة عُرف باسم آخر وهو «بوابة المتولي»، وتتعدد الآراء التي تحاول تفسير سبب تلك التسمية، ومنها ما يرجعها إلى اعتقاد سكان المنطقة بأن روح المتولي أحد أولياء الله الصالحين كانت تسكن موضع البوابة، غير أن الرأي الأقرب إلى الصواب أن متولي الحسبة في العصر الفاطمي كان يجلس عندها.