البنك الدولي يحذّر من انفجار أزمة ديون الاقتصادات الناشئة

نسبتها إلى الناتج بلغت 168 % وقيمتها 55 تريليون دولار

سيدة تتسوق في العاصمة الفنزويلية كراكاس (رويترز)
سيدة تتسوق في العاصمة الفنزويلية كراكاس (رويترز)
TT

البنك الدولي يحذّر من انفجار أزمة ديون الاقتصادات الناشئة

سيدة تتسوق في العاصمة الفنزويلية كراكاس (رويترز)
سيدة تتسوق في العاصمة الفنزويلية كراكاس (رويترز)

يؤكد تقرير للبنك الدولي أن العالم ينوء الآن تحت أعباء الديون أكثر من أي وقت مضى، وأن الوضع مقلق للغاية. فالقروض العامة والخاصة (على الشركات والأفراد) تبلغ نسبتها إلى الناتج الاقتصادي العالمي 230 في المائة كما في نهاية 2018، وأكثر من ذلك حالياً.
وفي الأسواق الناشئة وحدها تبلغ نسبة الديون إلى الناتج 168 في المائة، ويساوي ذلك 55 تريليون دولار، علما بأن النسبة كانت 114 في المائة قبل 8 سنوات، وتسارع تفاقم الدين يسجل - أو يلاحظ - تحديدا في الصين وعدد من الدول الناشئة الأخرى.
ويشير التقرير إلى أن الدول الفقيرة والنامية تلجأ أكثر فأكثر إلى دائنين غير تقليديين، وتخفف اعتمادها على البنوك العالمية منذ ما بعد أزمة 2008، لذا نشهد إقبالا على الاقتراض من بنوك محلية وإقليمية ومن أسواق المال. فالاقتراض من بنوك صينية ارتفع كثيرا بين 2013 و2017، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لجأت دول أفريقية كثيرة إلى المقرض الصيني. مع الإشارة إلى أن المستثمر الأجنبي عموماً يحمل 43 في المائة من إجمالي ديون الدول الفقيرة والناشئة مع فترات استحقاق قصيرة الأجل وأسعار فوائد «غير تفضيلية»، أي مرتفعة قياسا بفوائد القروض التي تمنحها بنوك التنمية مثل البنك الدولي والبنك الأوروبي للاستثمار.
ويقول التقرير إن أزمات الديون تتكرر منذ 50 سنة على الأقل. ففي الثمانينات من القرن الماضي وقعت دول أميركية لاتينية في فخ الديون المتفاقمة وانفجرت أزمات مالية هناك، ثم في التسعينات تكرر الأمر في دول آسيوية. لكن تلك الأزمات بقيت في نطاقها الإقليمي وتداعياتها محصورة جغرافيا وقطاعيا. أما الأزمة التي يحذر منها البنك الدولي حاليا فيمكن أن تحمل تداعيات عالمية، لأن اندماج الاقتصادات الناشئة بالاقتصاد العالمي زاد كثيرا في العشرين سنة الماضية. ففي 2008 انفجرت أزمات الديون عالمياً انطلاقاً من الولايات المتحدة وكان للدول الناشئة نصيب من التداعيات.
ويحذر التقرير من أزمة جديدة. فمنذ العام 2010 تنمو القروض بنسبة 7 في المائة سنوياً، أي بمعدل أعلى من نمو الناتج الاقتصادي العالمي. لكن انخفاض معدلات الفائدة يؤجل انفجار فقاعة الديون التي تتشكل بسرعة قياسية. ومع عودة الفوائد إلى الارتفاع يظهر شبح الأزمات من جديد في الأفق القريب.
ومنذ العام 1970، أحصى البنك الدولي 520 حلقة من حلقات النمو السريع للديون في الدول الناشئة والمتقدمة. ونصف تلك الحلقات انتهى بأزمات مالية أدت في البلدان التي انفجرت فيها إلى تراجع في المداخيل والاستثمارات.
ويحذر البنك الدولي من أزمة مقبلة. فكثير من الدول الفقيرة أو غير مرتفعة المداخيل تقترض من دول غير منضمة إلى نادي باريس، وهو المحفل الذي يضم دولاً ودائنين عامين يجتمعون دورياً بهدف إيجاد حلول منسقة ومستدامة لمشكلات السداد التي تواجهها الدول المدينة. والمقصود بـ«غير المنضمة» يعود على الصين بالدرجة الأولى. ففي كثير من القروض التي تمنحها الصين وبنوكها، وحتى شركاتها العامة، بنود تخفي الحجم الحقيقي للالتزام الذي تواجهه الدول المقترضة. وعند التعثر تظهر مشكلات تعرقل خطط هيكلة الديون.
فالقروض الممنوحة من الصين لعدد من الدول الفقيرة أو النامية فيها شروط تبقى سرية مثل وضع اليد على ممتلكات ومداخيل في حال التخلف عن السداد. وهناك نقطة سوداء أخرى تتمثل في أن الدول التي تزيد أعباء الديون عليها لا تتوسع، أو لا تستطيع التوسع في الإنفاق الاستثماري العام المحفز للنمو الاقتصادي، لا بل إن في بعضها تراجعاً لذلك الإنفاق في وقت تنمو فيه الديون بشكل مقلق.
والخطر كبير في الاقتصادات الناشئة، لأن 75 في المائة من تلك الدول تسجل عجوزات في موازناتها، علماً بأن ديونها بالعملات الأجنبية مرتفعة. أما عجوزات موازينها الجارية فهي أكبر 4 مرات مما كانت عليه في 2007، وفي هذا الجانب يحذر البنك الدولي أيضا، داعياً إلى التحرك بسرعة لمعالجة الاختلال قبل أن يتفاقم وتنفجر الأزمات. وينصح بشفافية أعلى على مستوى الديون التي يعتقد أن أرقامها المعلنة لا تعبر بدقة عن حقيقتها. وينصح أيضا بادرة صارمة للسياسات النقدية والمالية ورقابة مشددة على القطاع المالي.
ويشير أحد المشاركين في إعداد التقرير إلى ضرورة الإسراع في معالجة ديون الاقتصادات الناشئة قبل فوات الأوان. وقال: «تصنيفات تلك القروض تتراجع سنة بعد أخرى منذ 2010، أي إن ثقة المستثمر تتراجع والعملات تتقهقر والعجوزات تتراكم والاختلالات الهيكلية تتفاقم كما حصل في تركيا والأرجنتين».


مقالات ذات صلة

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

الاقتصاد مفوض الاتحاد الأوروبي للعمل المناخي فوبكي هوكسترا في مؤتمر صحافي على هامش «كوب 29» (رويترز)

«كوب 29» في ساعاته الأخيرة... مقترح يظهر استمرار الفجوة الواسعة بشأن تمويل المناخ

تتواصل المفاوضات بشكل مكثّف في الكواليس للتوصل إلى تسوية نهائية بين الدول الغنية والنامية رغم تباعد المواقف في مؤتمر المناخ الخميس.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد أشخاص يقومون بتعديل لافتة خارج مكان انعقاد قمة المناخ التابعة للأمم المتحدة (أ.ب)

أذربيجان تحذر: «كوب 29» لن ينجح دون دعم «مجموعة العشرين»

استؤنفت محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، يوم الاثنين، مع حث المفاوضين على إحراز تقدم بشأن الاتفاق المتعثر.

«الشرق الأوسط» (باكو)
الاقتصاد سفينة شحن في نهر ماين أمام أفق مدينة فرنكفورت الألمانية (رويترز)

«المركزي الألماني»: خطط ترمب الجمركية نقطة تحول في التجارة العالمية

أعرب رئيس البنك المركزي الألماني عن خشيته من حدوث اضطرابات في التجارة العالمية إذا نفّذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خططه الخاصة بالتعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الاقتصاد لافتة للبنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

ناغل من «المركزي الأوروبي»: تفكك الاقتصاد العالمي يهدد بتحديات تضخمية جديدة

قال عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي، يواخيم ناغل، إن هناك تهديداً متزايداً بتفكك الاقتصاد العالمي، وهو ما قد يضع البنوك المركزية أمام تحديات تضخمية جديدة.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
الاقتصاد يقف المشاركون وموظفو الأمن خارج مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في باكو (إ.ب.أ)

الدول في «كوب 29» لا تزال بعيدة عن هدفها بشأن التمويل المناخي

كانت عوامل التشتيت أكبر من الصفقات في الأسبوع الأول من محادثات المناخ التابعة للأمم المتحدة (كوب 29)، الأمر الذي ترك الكثير مما يتعين القيام به.

«الشرق الأوسط» (باكو)

أميركا وأوروبا ودول أخرى ترفع التمويل المناخي للدول النامية إلى 300 مليار دولار

رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)
رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)
TT

أميركا وأوروبا ودول أخرى ترفع التمويل المناخي للدول النامية إلى 300 مليار دولار

رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)
رجل يحمل حقيبة سفر بالقرب من مدخل مكان انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP29 في باكو (رويترز)

وافق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودولاً غنية أخرى، خلال قمة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ (كوب29) على زيادة عرضها لهدف التمويل العالمي إلى 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035. وفق وكالة «رويترز» نقلاً عن مصادر مطلعة.

وكان من المقرر اختتام القمة الجمعة، لكنها امتدت لوقت إضافي مع سعي مفاوضين من نحو 200 دولة للتوصل إلى اتفاق بشأن خطة التمويل المناخي العالمية في العقد المقبل. ولا بد من حدوث توافق بين المفاوضين من أجل اعتماد أي اتفاق.

جاء هذا التحول في المواقف بعد أن رفضت الدول النامية يوم الجمعة اقتراحاً صاغته أذربيجان التي تستضيف المؤتمر لاتفاق ينص على تمويل قيمته 250 مليار دولار، ووصفته تلك الدول بأنه قليل بشكل مهين.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت الدول النامية في مؤتمر (كوب29) قد أُبلغت بالموقف الجديد للدول الغنية، ولم يتضح كذلك ما إذا كان الموقف كافياً للفوز بدعم الدول النامية.

وقالت خمسة مصادر مطلعة على المناقشات المغلقة إن الاتحاد الأوروبي أبدى موافقته على قبول المبلغ الأعلى. وذكر مصدران أن الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا وافقت أيضاً.

وأحجم المتحدثان باسم المفوضية الأوروبية والحكومة الأسترالية عن التعليق على المفاوضات. ولم يرد وفد الولايات المتحدة في المؤتمر أو وزارة الطاقة البريطانية بعد على طلب للتعليق.

وتترقب الوفود المشاركة في (كوب29) في باكو بأذربيجان مسودة جديدة لاتفاق عالمي بشأن تمويل المناخ يوم السبت، بعد أن واصل المفاوضون العمل خلال ساعات الليل.

وكشفت محادثات (كوب29) عن الانقسامات بين الحكومات الغنية المقيدة بموازنات محلية صارمة وبين الدول النامية التي تعاني من خسائر مادية هائلة نتيجة العواصف والفيضانات والجفاف، وهي ظواهر ناجمة عن تغير المناخ.

ومن المزمع أن يحل الهدف الجديد محل تعهدات سابقة من الدول المتطورة بتقديم تمويل مناخي بقيمة 100 مليار دولار سنوياً للدول الفقيرة بحلول عام 2020. وتم تحقيق الهدف في 2022 بعد عامين من موعده وينتهي سريانه في 2025.