أفريقيا... مخلفات الفترة الاستعمارية

أصبحت مسرحاً للاعبين جدد

أفريقيا... مخلفات الفترة الاستعمارية
TT

أفريقيا... مخلفات الفترة الاستعمارية

أفريقيا... مخلفات الفترة الاستعمارية

يرصد كتاب «صراعات الحرب الباردة في أفريقيا» حالة التحول في السياسات الغربية تجاه القارة الأفريقية خلال الفترة التي شهدت حركات التحرر الأفريقية نهاية القرن الماضي وأفول الوجود الاستعماري الأوروبي القديم، ويحلل أبعاد هذه الصراعات السياسية والاقتصادية، وانعكاسها على الدول المستعمرة وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال، خاصة مع ظهور لاعبين جدد على أرض القارة السمراء، ومحاولتهم ملء الفراغ الناجم عن انسحاب الدول الاستعمارية، وأن يحلوا محلها.
الكتاب صدر حديثا عن هيئة الكتاب المصرية، وهو من تأليف الباحث الدكتور علي متولي أحمد، وقد تتبع خلال دراسته، التي تصدرتها مقدمة للدكتور السيد فليفل، سياسات كل من أميركا والاتحاد السوفياتي السابق، والتنافس الذي جرى بينهما على بسط النفوذ على مقدرات القارة، والذي تزامن مع ظهور قيادات تاريخية قادت الاستقلال الأفريقي، أمثال جمال عبد الناصر، وأحمد سيكوتوري، وباتريس لومومبا، وكوامي نكروما، وجوليوس نيريري ونيلسون مانديلا، وغيرهم.
اتخذ الباحث خلال دراسته نموذج غينيا كوناكري، لإلقاء الضوء على تلك السياسات وسعى لأن يتفحص موقف الولايات المتحدة الأميركية من زعيمها أحمد سيكوتوري، واختياره طريق الاستقلال عن فرنسا، والضغوط التي تعرض لها ودفعته للاعتماد على السوفيات، وركز الباحث على ما قامت به الإدارة الأميركية من سياسات متعددة الأبعاد، تقبل باستقلال الدول وتعترف بها، وتعجل بخروج المستعمرين منها، لكنها في الوقت نفسه تستخدم آليات من شأنها التغلغل في اقتصاداتها والسيطرة عليها.
ولفت الباحث إلى أن العجيب في أمر السياسات الأميركية تجاه دول أفريقيا المحررة، هو أنها تتسم بالتشابه إلى حد كبير، ومن هذا موقفها من قضية بناء السدود التي لجأت لها الدول الأفريقية من أجل التنمية الزراعية، وتوليد الكهرباء، وذكر أن الموقف يكاد يكون واحدا، ففي مصر مارست واشنطن السياسات نفسها عند الإعلان عن قرار بناء السد العالي، وفعلت بالمثل في غينيا عند الإعلان عن سد كونكري، فضلا عما قامت به في حالة سد كارييا بزامبيا، وفيها جميعا قامت بمحاولات لمنع موسكو من البناء، ومساعدة الدول الأفريقية في خطط التنمية، كما سعت لمنع الدول نفسها من إنشاء سدودها، وذلك من أجل إخضاعها أولا للإرادة الأميركية والاستحواذ عليها وبناء السدود وفقا لمصالحها.
وحاول الباحث خلال كتابه، الذي تكون من خمسة فصول وخاتمة، عرض محددات السياسة الأميركية تجاه القارة الأفريقية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وتاريخ الاستعمار الفرنسي في منطقة غرب القارة، كما تطرق لموقف أميركا من علاقات غينيا العسكرية والثقافية بالمعسكر الشرقي، فضلا عن علاقتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجيات التي انتهجها الأخير لاختراق غينيا ونشأة العلاقات السياسية بين الطرفين، وما أصابها من مد وجزر، ثم تعرض في المقابل لما انتهجته واشنطن كرد فعل تجاه تغلغل النفوذ الشرقي في كونكري، ومساندة موسكو حركات التحرر الأفريقية واتباعها استراتيجية قائمة على مناهضة الاستعمار الجديد، والإمبريالية الأميركية.
وأشار الباحث إلى أن واحدا من أهم محددات السياسة الأميركية في أفريقيا كان ضمان مصادر المواد الخام، وهو ما دعا إدارة أيزنهاور لاتخاذ إجراءات تهدف إلى إتاحة الموارد الأفريقية لأوروبا حتى تستعيد عافيتها بعد الحرب العالمية الثانية، وقد تم انتهاج هذه السياسة بناء على تقرير استراتيجي صدر عن وزارة الدفاع الأميركية عام 1954، وحدد وقتها الأهداف الرئيسية لمصالح واشنطن بحيث تحافظ على استقرار أفريقيا، وعلى قوة العالم الحر، وقد ظل أيزنهاور على امتداد فترة رئاسته ملتزما بهذه السياسة رغم أنها كانت تزعج الأفارقة ويتعبرونها شكلا جديدا من الاستعمار والاستغلال من جانب واشنطن التي حاولت مع حلفائها الغربيين دعم سيطرتها على البلدان الأفريقية، لضمان الحصول على المواد الخام، وبقاء أسواقها مفتوحة أمام منتجات أوروبا الصناعية، وذلك بخلاف رؤوس الأموال الغربية والأميركية الضخمة التي تجد هناك مجالا خصبا لتجني أرباحا طائلة.
ويرصد الكتاب طبيعة هذا الاهتمام بتنظيم العلاقات الأميركية مع القارة السمراء، حتى تكونت جمعية أميركية من رجال الأعمال في نيويورك باسم «الجمعية الأميركية للشؤون الأفريقية» عام 1949. وهدفت إلى تنمية العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الدول والشعوب الأفريقية وترتب على ذلك ارتفاع حجم الاستثمارات الأميركية من 104 ملايين دولار عام 1943 إلى 298 مليون دولار بعد سبع سنوات فقط من إنشائها.
وتطرق الباحث إلى سياسات بلجيكا وأميركا والأمم المتحدة وأمينها العام السويدي داغ همرشولد (1953 - 1961) في الكونغو واستعرض ما قاموا به في ذلك الوقت أثناء أزمة انفصال إقليم كاتنجا على يد مويس تشومبي زعيم حزب كونكاكات، وقيام بلجيكا بدعمه لإثارة القلاقل أمام رئيس وزراء الكونغو باتريس لومومبا، ومنعه من إكمال اتصالاته بالاتحاد السوفياتي، والحصول على السلاح منها، ثم اعتقاله بدعم من البلجيك والأميركيين بعد انقلاب عسكري دبره الجنرال موبوتو ومحاكمته وإعدامه في يناير (كانون الثاني) عام 1961. وقد اعتبروه أشد خطرا على السياسات الغربية من الزعيم الكوبي فيدل كاسترو، حسب ما جاء في تقرير للمخابرات الأميركية ورئيسها آلن دالاس الذي وصف لومومبا بأنه أسوأ من كاسترو نفسه.


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

زلزال بقوة 5.8 درجة يهز إثيوبيا

العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (أرشيفية - د.ب.أ)
العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

زلزال بقوة 5.8 درجة يهز إثيوبيا

العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (أرشيفية - د.ب.أ)
العاصمة الإثيوبية أديس أبابا (أرشيفية - د.ب.أ)

أفادت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية والمركز الألماني لأبحاث علوم الأرض، بأن زلزالاً بلغت شدته 5.8 درجة ضرب إثيوبيا اليوم (السبت).

وذكرت الهيئة أن الزلزال وقع على بعد 142 كيلومترا شرقي العاصمة أديس أبابا وعلى عمق ضحل بلغ عشرة كيلومترات.
وتعرضت نفس المنطقة إلى زلزال بقوة 5.5 درجة أمس (الجمعة) وسلسلة زلازل أقل قوة تجاوزت الثلاثين زلزالا على مدى الأسبوع الماضي.