أطباء غربيون لمحاربة «إيبولا» في ليبيريا: راحتنا هنا

يعالجون المصابين ويواسونهم ويحرصون على تفادي التوتر خشية الوقوع في أخطاء

الطبيب الأميركي ستيفن هاتش يحمل الطفلة بليسينغ غيا المصابة بإيبولا في منطقة سواكاو بليبيريا
الطبيب الأميركي ستيفن هاتش يحمل الطفلة بليسينغ غيا المصابة بإيبولا في منطقة سواكاو بليبيريا
TT

أطباء غربيون لمحاربة «إيبولا» في ليبيريا: راحتنا هنا

الطبيب الأميركي ستيفن هاتش يحمل الطفلة بليسينغ غيا المصابة بإيبولا في منطقة سواكاو بليبيريا
الطبيب الأميركي ستيفن هاتش يحمل الطفلة بليسينغ غيا المصابة بإيبولا في منطقة سواكاو بليبيريا

في المرة الأولى التي ارتدى فيها دكتور ستيفن هاتش ملابس الوقاية داخل أحد مراكز علاج «إيبولا»، واجه المعنى الحقيقي لقراره بالتطوع للعمل هنا. في أحد الممرات، انهار مريض شديد الاتساخ يتصبب عرقا. ووصف دكتور هاتش الموقف بقوله: «كل أجزاء جسمه مصابة بـ(إيبولا)». أخبره الطبيب الذي تولى مسؤولية تعريفه بروتين العمل، دكتور براناف شيتي، بأن عليهما حمل الرجل وإعادته للسرير، وبالتالي حملاه. ركز شيتي جهوده على تهدئة المريض، ووضع قرص «فاليوم» بالماء ليتناوله. وقال دكتور هاتش المتطوع الأميركي: «كانت لحظة جميلة، لأنني نظرت إليه وفكرت فيه كطبيب يرعى مرضاه، وهو تماما ما نفعله هنا».
في أول أسبوعين له في ليبيريا، داخل عيادة خارجية جديدة تديرها «الهيئة الطبية الدولية» المعنية بالأعمال الخيرية، تعلم دكتور هاتش القواعد المتبعة داخل القسم المخصص لحالات «إيبولا».
يُذكر أن الكثير من الدول غرب أفريقيا تتبع قاعدة عدم الملامسة لتجنب الإصابة بعدوى بالفيروس، لكن الأطباء والممرضين هنا، المتمتعين بحماية طبقات من البلاستيك والملابس الواقية المطاطية، اعتادوا ملامسة المرضى. ومن دون توافر عقار يمكنه شفاء المرض، يقدمون للمرضى سوائل وعقاقير لعلاج الأعراض، إلى جانب جهود أخرى للتخفيف عنهم، مثل إطعامهم أو تنظيف أجسامهم. وعادة ما يتبع الأطباء حدسهم الداخلي؛ فمثلا اتضح أن دكتور هاتش كان مصيبا بخصوص حالة رجل مسن كان يعاني من مرض مزمن مختلف عن «إيبولا»، لكنهم يحاولون في الوقت ذاته السيطرة على دوافعهم، لأن العادات القديمة قد لا تكون آمنة لهم.
بدأت رحلة دكتور هاتش لهذا المركز النائي بمنطقة غابات استوائية الشهر الماضي بدورة تدريبية أدارتها مراكز مكافحة الأمراض داخل قاعدة عسكرية سابقة في أنيستون بولاية ألاباما الأميركية. عمل دكتور هاتش (45 عاما) خبيرا في الأمراض المعدية في الولايات المتحدة، ثم انضم لقرابة 25 عاملا طبيبا آخر توجهوا لغرب أفريقيا.
خارج مخزن متهالك داخل القاعدة، جرى تنفيذ محاكاة لوحدة علاج «إيبولا»، وجرى نشر تماثيل على الأرض كمرضى. وقضى دكتور هاتش وبريدجيت آن مولروني، وهي ممرضة أميركية متطوعة لدى المنظمة الخيرية ذاتها، قرابة 20 دقيقة في ارتداء الملابس الواقية، وهي من 2 لـ3 أزواج من القفازات، ومآزر، وأغطية للرأس، ونظارات واقية، وأقنعة وملابس للحماية الكيماوية كانت ترتفع درجة حرارتها وتصبح متعرجة لدى سيرهم فيها. وواجه دكتور هاتش صعوبة في ربط عقدة بسبب ارتدائه زوجين من القفازات. رفعت مولروني بالتعاون مع دكتور هاتش واثنين آخرين أول تمثال إلى نقالة، بينما وقف مشرف يراقب الموقف. وحذرت مولروني هاتش من أن قناعه قد تحرك قليلا، وكشف عن جزء من وجهه.
العام الماضي، ساعد دكتور هاتش في تدريس فريق طبي به واحد من كبار أطباء ليبيريا، هو دكتور إبراهام بوربور، وذلك في العاصمة الليبيرية مونروفيا. وعن تلك الفترة قال دكتور هاتش: «بقينا نضحك لمدة أسبوعين. لقد أحببت هذا الرجل». توفي بوربور بسبب «إيبولا» في أغسطس (آب) الماضي، مما دفع دكتور هاتش إلى الانضمام للجهود التي بدأها صديقه. التحق دكتور هاتش بمهمة لمدة 4 أسابيع لدى «الهيئة الطبية الدولية»، وهي منظمة إغاثة مقرها لوس أنجليس كانت تبدأ في إنشاء أول وحدة تابعة لها لعلاج «إيبولا» بتمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
كانت مولروني (36 عاما) أصلا موجودة بين العاملين في قسم الطوارئ لدى المنظمة. وقد سبق لها التطوع في مواجهة أزمات أخرى، وعملت لـ4 سنوات في هايتي. وبعد تفشي وباء «إيبولا»، أرجأت خططا شخصية لها للانتقال للعيش مع زوجها الجديد قرب لندن. وقالت: «شعرت بأن لدي ما أقدمه».
داخل الوحدة، يعمل نحو 20 متطوعا طبيا دوليا إلى جانب 175 ممرضة ومساعدي أطباء وعاملين آخرين ليبيريين على مدار 3 نوبات. تجري مراقبة كل مرة يرتدي فيها أحد العاملين ملابس الوقاية للتأكد من اتباع الخطوات الضرورية (يُذكر أن المركز يعتمد على البروتوكولات التي أقرتها منظمة أطباء بلا حدود، ومن المقرر أن يعمل بوصفه موقعا تدريبيا لمجموعات إغاثة أخرى).
وحث دكتور كولين بكس، وهو طبيب طوارئ أميركي، زملاءه على قصر مدة الزيارة بقسم «إيبولا» لساعة واحدة في المرة الواحدة. تعمل مولروني على تحفيز الآخرين، حيث تنطلق أحيانا في الرقص والغناء. أما دكتور هاتش فقد أسعد زملاءه الليبيريين بتعلمه ترديد واحدة من أدعيتهم التعبدية. وقد نجح مساعد طبيب ليبيري يدعى ويليهيو ديو في إنقاذ دكتور هاتش من عملية فاشلة لسحب عينة دم. ومثلما هو الحال مع الكثير من الأطباء الأميركيين، نادرا ما يقوم دكتور هاتش بذلك منذ إنهاء تدريبه الطبي.
من ناحيتها، قالت لوف فاساما (30 عاما) إنها شعرت بالحاجة لمعاونة أقرانها الليبيريين. وأضافت: «لا يمكن أن أتمتع بهذه المهارات وأكتفي بالجلوس في المنزل».
وأكد دكتور هاتش، وهو متزوج وأب لتوأم في الـ13 من العمر، أنه مرتاح تماما قراره بمعالجة مرضى «إيبولا». وقال: «لست قلقا على حياتي، فعندما تخاف يصيبك التوتر وتبدأ حينها في ارتكاب الأخطاء».
يوم الجمعة الماضي، حمل طفلة تدعى بليسينغ غيا وعمرها 9 سنوات، إلى الوحدة المخصصة للمرضى الذين تأكدت إصابتهم بالوباء. وفي الليلة التالية، حرصت مورولني، وهي بكامل ملابسها الواقية، على الترفيه عن الطفلة الوحيدة. باشرت بتغيير ملابسها، ووضعت أغطية جديدة على سريرها، وحرصت على وضع غطاء مناسب لحمايتها من برد الليل. وبعد 3 أيام، كشف تحليل دم شفاء الفتاة من «إيبولا».
زار دكتور هاتش مريضا جديدا، وهو قس كان مريضا بشدة عندما نُقل إلى الوحدة الطبية الأسبوع الماضي. ومع ذلك، أصر على تلاوة دعاء من أجل الطبيب الأميركي، وعلق دكتور هاتش قائلا: «كيف تشعر حيال رؤية شخص مستلقٍ أمامك على فراش لا تتجاوز فرصة بقائه على قيد الحياة 50 في المائة، وهو يدعو من أجلك؟». وفي اليوم التالي، وقبيل وفاة الرجل، دعا القس لهاتش مجددا.
* خدمة «نيويورك تايمز»



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.