«الخندق الغميق» منطقة شعبية صارت منطلقاً للمواجهات مع شباب الحراك

«الشرق الأوسط» جالت فيها واستطلعت أحوال سكانها وظروف عيشهم

إحدى السيارات التي احترقت نتيجة أعمال الشغب وسط بيروت ليل أول من أمس (أ.ب)
إحدى السيارات التي احترقت نتيجة أعمال الشغب وسط بيروت ليل أول من أمس (أ.ب)
TT

«الخندق الغميق» منطقة شعبية صارت منطلقاً للمواجهات مع شباب الحراك

إحدى السيارات التي احترقت نتيجة أعمال الشغب وسط بيروت ليل أول من أمس (أ.ب)
إحدى السيارات التي احترقت نتيجة أعمال الشغب وسط بيروت ليل أول من أمس (أ.ب)

يرتبط اسم منطقة «الخندق الغميق» في وسط بيروت بالمواجهات مع المحتجين اللبنانيين في الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ولم تؤتِ محاولات المتظاهرين لاستيعاب من يهاجمونهم انطلاقاً من هذه المنطقة ثمارها، سواء عبر مسيرة أمهات من المناطق المقابلة، أو زيارة أحد أعضاء بلدية طرابلس الذي شدد على أن وجع اللبنانيين واحد، أو الدعوات عبر مكبرات الصوت للشباب لعدم الانجرار إلى الفتنة.
ومنذ نحو الأسبوع، احتلت عناوين الأخبار والنقل المباشر «غزوات شباب الخندق» على المعتصمين في وسط العاصمة ومواجهاتهم مع القوى الأمنية، واستخدامهم قنابل المولوتوف، إلى جانب العصي والحجارة، وصولاً إلى أحداث ليل الأول من أمس وإحراق السيارات في محيط الوسط وساحة الشهداء، وذلك في سعي لتوتير أمني يؤدي إلى إخلاء الساحات من المعتصمين.
والخندق الغميق يقع بمحاذاة وسط بيروت ويمتد من «البسطة التحتا» إلى جسر فؤاد شهاب المعروف بـ«الرينغ». تحمل أبنيته آثار الحرب وتتناقض مع الأبنية الفخمة القريبة منه في الوسط التجاري.
يقول مختار الباشورة مصباح عيدو لـ«الشرق الأوسط» إن «الخندق يمتد مسافة 500 متر، وينتهي عند المستشفى الفرنسي الذي سُوِي بالأرض قبل اندلاع أحداث 1975. واشترته قبل فترة إحدى الشركات لإنشاء مشروع عقاري، لكنها توقفت بعد العثور على منطقة أثرية في المكان. الخندق كان خلال الحرب خط تماس في نهايته لجهة الرينغ. لكن داخل أحيائه كانت الحياة طبيعية. والمنطقة كانت تقيم فيها أكثرية مسيحية وتضم أبناء طوائف الأقليات. وكنيسة السريان لا تزال في المكان، وهي في طور الترميم. وأملاك المسيحيين موجودة. لكن المنطقة تعرضت خلال الحرب الأهلية للاحتلال من قبل المهجرين، الذين تقاضوا التعويضات من صندوق المهجرين، واسترجع المالكون عقاراتهم». والخندق ملتصق بـ«زاروب الحرامية»، الذي فصله عن أقدم مقبرة في بيروت (مدافن الباشورة). وهو الشهير بحكايات طريفة ومخيفة في آنٍ واحد. يقول الحاج علي، وهو من كبار السن في المنطقة لـ«الشرق الأوسط»: «في الزاروب كانت تنبض حكايات القبضايات الذين يسيطرون على مداخل (البلد) كما كانت تسميه وسط بيروت، ويتحركون بأوامر الزعماء. لكن شتان ما بين حركة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي؛ حيث كان القبضاي صاحب نخوة يساعد المحتاجين ويحافظ على العائلات (المستورة)، وبين القبضايات الحاليين الذين تطلق عليهم العائلات صفة (الزعران) ويمارسون البلطجة لحسابهم أو لحساب من يدفع».
لكن جهاد، وهو يملك مؤسسة تجارية في الخندق، يرفض الاتهامات المتداولة. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الإعلام يشوه سمعة منطقتنا. ولا علاقة للشباب بالشغب والتوتير الأمني. فالمعتدون ليسوا من هنا، هم يعبرون من الخندق لأنه المنفذ الأفضل لهم وصولاً إلى وسط بيروت».
ولا ينكر جهاد أن «في المنطقة زعران، كما كل الأحياء والمناطق، لكن الأغلبية أوادم. إلا أن عنصراً واحداً فاسداً يكفي ليخرب سمعة الشباب. كما أن (حركة أمل) و(حزب الله) لا يحرضان الشباب كما يشيع الإعلام». مضيفاً أن «من يسهل انتقال المعتدين، هم بعض المدمنين على المخدرات، ولا علاقة للحزب والحركة بهم. هم عاطلون عن العمل وينتظرون مثل هذه الأحداث وكأنها فرصتهم ليصبوا عنفهم على الناس. ومعروف أين يتجمعون وكيف يتصرفون. لكنهم لا يختصرون شباب الخندق».
ويشير إلى أن «المنطقة شعبية، وأحوال ساكنيها متوسطة مقبولة، مع بعض حالات الفقر. ومعظم سكانها من قرية ميس الجبل الجنوبية. والحرب الأهلية 1975 أثرت على الخندق، لأننا كنا ملاصقين للرينغ، وقد قتل كثيرون جراء القنص».
من جهته، يرى المختار عيدو أن «ما يجري انطلاقاً من الخندق الغميق هو نتيجة الفقر والإهمال اللذين هما بسبب تجاهل الدولة للمواطنين». يقول مهدي، وهو صاحب مؤسسة لتوزيع الصحف، لـ«الشرق الأوسط»، إن «أهل الخندق متضررون من إقفال الرينغ المستمر، ما يعوق قدرتهم على الدخول إلى منطقتهم، ولطالما طالبوا بأن تقفل الطريق من جهة الأشرفية، وليس من جهتهم، ولم يتم الاستماع إلى مطالبهم». ويصرّ على أن «أهل الخندق مسالمون. لكن الاستفزازات تجاوزت الحد. فكل زعيم لديه جماعته. وعندما تحمل وسائل التواصل الاجتماعي شتائم وأخباراً عن باصات من طرابلس وعكار تتوجه للدفاع عن المعتصمين من شباب الخندق، تتجمع الدراجات النارية ويجهز الشباب أنفسهم للمواجهة والدفاع عن حقوقهم وكرامتهم». ويشير مهدي إلى أن العائلات السنية في الخندق تعد على الأصابع، كذلك تعيش فيه عائلتان مسيحيان منذ ما قبل الحرب الأهلية.
أحد شباب الخندق لا يوافق مهدي. يقول إن «المنطقة فقيرة وشعبية، وغالبية السكان فيها أصبحوا من الشيعة، ونسبة كبيرة من الشباب عاطلون عن العمل، ومحسوبون على (حركة أمل) وسرايا المقاومة، أما الحزب فليس موجوداً بكثافة. وشبابه لا يتعاطون مع جماعة الحركة، لأنهم منظمون ويلتزمون بالتوجيهات الحزبية. أما شباب الحركة وسرايا المقاومة، فهم يتجمعون، يأتيهم اتصال فيتحركون. وليس مهماً أن يصدر الاتصال عن جهات حزبية رسمية. ربما هو طابور خامس من يحرك أعمال الشغب هذه».



​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
TT

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

كشف مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» عن جهود عربية - أميركية جديدة لدفع جهود التهدئة في السودان. وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة، على التنسيق على أمل حلحلة الأزمة السودانية».

وأفاد المصدر المصري بأن «اجتماعاً ضم مسؤولين من الدول الأربع، استضافته السعودية نهاية الأسبوع الماضي، ناقش دفع الجهود المشتركة؛ لتحقيق انفراجة بالأزمة».

وسبق أن شاركت الدول الأربع في اجتماعات «جنيف»، التي دعت لها واشنطن لإنهاء الحرب بالسودان، منتصف أغسطس (آب) الماضي، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، غير أنها لم تحقق تقدماً، في ظل مقاطعة الحكومة السودانية المحادثات.

غير أن المصدر المصري، قال إن «اجتماع السعودية، الذي عقد يومي الخميس والجمعة الماضيين (ليس امتداداً لمبادرة جنيف)، وإن الآلية الرباعية الحالية هي للدول صاحبة التأثير في المشهد السوداني، وتستهدف دفع الحلول السلمية للأزمة». ورجح المصدر «انعقاد اجتماعات أخرى؛ لدفع جهود الدول الأربع، نحو وقف الحرب، وإيصال المساعدات الإغاثية للمتضررين منها».

صورة جماعية بختام اجتماعات جنيف حول السودان في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية، بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «ما يفوق 10 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وعقب اندلاع الحرب، استضافت مدينة جدة العام الماضي، بمبادرة سعودية - أميركية، محادثات بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، أفضت إلى توقيع «إعلان جدة الإنساني»، الذي نصّ على حماية المدنيين، والمرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية. وتتمسك الحكومة السودانية بتنفيذ مخرجات «اتفاق جدة»، قبل الانخراط في أي مفاوضات مباشرة مع «قوات الدعم السريع».

توحيد الجهود

وترى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، أن «توحيد جهود الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السودانية، سيسهم في تحريك حلول وقف إطلاق النار»، موضحة: «أدى تضارب الرؤى والمسارات الدولية، بسبب كثرة المبادرات والتدخلات التي خرجت من دول أفريقية وإقليمية ودولية، إلى إضعاف أي تحركات لوقف الحرب السودانية».

وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنسيق الرباعي بين مصر والإمارات والسعودية والولايات المتحدة، سيسهم في دفع جهود إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب على الأقل بصورة أكثر فاعلية»، مشيرة إلى أن «هناك مناطق مثل الفاشر في دارفور وولاية الجزيرة، تعاني من أوضاع إنسانية مأساوية».

ودعت إلى ضرورة تركيز تحرك الرباعي الدولي على «جهود وقف إطلاق النار، وأعمال الإغاثة، وصياغة خريطة طريق سياسية، تنهي الأزمة السودانية».

سودانيون يتلقون العلاج في مستشفى ميداني أقيم بمدينة أدري التشادية المحاذية للحدود مع السودان أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

ويواجه السودان «واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية حالياً»، حسب تقديرات الأمم المتحدة، وأشار مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، إلى أن «أكثر من نصف سكان السودان، يواجه خطر المجاعة والكوارث الطبيعية، مما يؤدي لانتشار الأوبئة»، وخلال زيارته لمدينة بورتسودان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، شدّد على أن «الأزمة الإنسانية بالسودان، لا تجد اهتماماً كافياً دولياً».

دول مؤثرة

وباعتقاد الباحث السياسي السوداني المقيم في مصر، صلاح خليل، فإن «تشكيل رباعية من الدول صاحبة التأثير في الساحة السودانية، قد يحرك مسار الحلول السلمية، وتفعيل مسار جدة»، مشيراً إلى أن «توحيد جهود هذه الأطراف، سيسهم في تغيير مسار الأزمة السودانية»، منوهاً بأن «الدول الأربع تؤيد العودة لمسار جدة».

ورجح خليل، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، مشاركة الحكومة السودانية في مسار مفاوضات «الآلية الرباعية حال العودة إلى مسار جدة، ولن تقاطعه كما فعلت في مبادرة جنيف».

وأشار إلى أن «فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية، قد يغير من معادلة التأثير الدولي في الحرب داخل السودان».

وكان السفير السوداني في القاهرة عماد الدين عدوي، شدّد على «تمسك بلاده بمسار جدة، بوصفه آلية للتفاوض لوقف الحرب»، وقال في ندوة استضافتها نقابة الصحافيين المصرية نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «بلاده ترفض المشاركة في أي مبادرة أفريقية، إلا بعد عودة عضوية السودان للاتحاد الأفريقي».