كنت أشاهد اللاعبة الأسترالية سام كير وهي تلعب كرة القدم على مدار سنوات طويلة، لكن هناك لحظة تبرز شخصيتها وتوضح الأسباب التي جعلتها تفوز بتصويت صحيفة «الغارديان» لأفضل لاعبة كرة قدم في العالم لعام 2019.
ولا تتمثل هذه اللحظة في إحراز هدف جميل أو الاحتفال بطريقة معينة، أو القيام ببادرة طيبة تجاه أحد عشاق الفريق، لكنها على العكس لحظة من لحظات الفشل! إنها واحدة من أكبر لحظات الفشل في مسيرتها الكروية، وعندما ننظر إليها الآن ندرك جيدا مدى أهميتها.
ففي يوليو (تموز) الماضي، وعلى ملعب «أليانز ريفييرا» في نيس، خرجت أستراليا من كأس العالم بعد الخسارة أمام النرويج. وأهدرت كير، التي أصبح اسمها مرادفا لتسجيل الأهداف في الأشهر التي سبقت انطلاق البطولة، ركلة الترجيح الأولى لمنتخب أستراليا. وسرعان ما سارت زميلاتها في الفريق على نفس المنوال وتسابقن في إهدار ركلات الترجيح!
لكن اللحظة التي ما زلت أتذكرها حدثت بعد خمس عشرة دقيقة، حيث بات الملعب فارغا إلا من بضع مئات من مشجعي المنتخب الأسترالي الذين تجمعوا بالقرب من خط التماس لتشجيع اللاعبات، التي كان بعضهن يودعن رحلة المشاركة في نهائيات كأس العالم للمرة الأخيرة في مسيرتهن.
لكن كير لم تنضم إلى اللاعبات اللاتي تلقين تحية الجمهور، وكانت تجلس بمفردها في وسط الملعب وهي تضع ركبتيها باتجاه صدرها وتخفي رأسها عن الأنظار، في مشهد يعكس الهزيمة والإحباط وكأنها تقول في نفسها إنها قد بذلت كل ما لديها من جهد، لكن ذلك لم يكن كافيا.
وقد تبادرت هذه اللحظة إلى ذهني عندما أعلن نادي تشيلسي ضم كير لمدة عامين ونصف العام، في صفقة تجعلها أغلى لاعبة في تاريخ كرة القدم النسائية على الإطلاق.
وقد جاءت هذه الصفقة بينما لا يزال فشل كير في كأس العالم عالقا في أذهاننا وذاكرتنا، وفي الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو كير لتعرف ما ستقدمه هذه اللاعبة الكبيرة في الملاعب الإنجليزية خلال الفترة القادمة.
وقد تألقت كير مع جميع الأندية التي لعبت لها، مثل سكاي بلو، وبيرث غلوري، وشيكاغو ريد ستارز، فضلا عن تألقها بقميص المنتخب الأسترالي للسيدات. وفي الحقيقة، كان أداء جميع هذه الفرق يتمحور حول ما تقدمه كير داخل المستطيل الأخضر. إن الجمهور الأسترالي والأميركي الذي رأى كير وهي تحطم الأرقام القياسية المتعلقة بعدد الأهداف موسما تلو الآخر يعرفون جيدا أنها كانت الأفضل دائما على المستوى الفردي، لكنهم يعرفون أيضا أنه يتعين عليها أن تحقق بعض النجاح على المستوى الجماعي وقيادة الفرق التي تلعب لها إلى منصات التتويج. واكتفت كير بالوصول إلى المحطة النهائية في كل من بطولتي الدوري الأسترالي الممتاز للسيدات والدوري الأميركي الممتاز للسيدات، لكنها فشلت في الحصول على أي من اللقبين، قبل أن تحط الرحال في الملاعب الإنجليزية.
وكانت كير تقدم مستويات استثنائية مع كافة الفرق التي لعبت لها، لذلك كان استبعادها من جوائز كرة القدم العالمية الكبرى يُنظر إليه على أنه خلل كبير، وخاصة في نظام التصويت نفسه. وبالنسبة للجماهير الأسترالية والأميركية التي كانت تراقب تألقها عن كثب منذ صعودها في عام 2016 كان الجميع يعلم أن هذه اللاعبة في طريقها إلى المجد الكروي وإلى تحقيق إنجازات لم تتحقق من قبل، خاصة أنها تمتلك الإمكانيات التي تجعلها الأفضل بين جميع لاعبات جيلها، سواء في أستراليا أو في الولايات المتحدة.
لكن يتعين على كير أن تدرك أنها الآن تلعب في أوروبا، التي تضم الكثير من اللاعبات الرائعات. ومثلما كان العالم أجمع يشاهدها وهي تهدر ركلة الجزاء في نهائيات كأس العالم بفرنسا، فإن العالم أجمع سوف يراقب أداءها في إنجلترا لكي يعرف ما إذا كانت ستواصل التألق أم لا. وهذه هي النقطة الأهم هنا، والتي تتمثل في أن العالم بأسره - وليس نصفه كما كان في السابق عندما كانت تلعب في أستراليا أو الولايات المتحدة - سوف يراقب أداء كير. ويجب على كير أن تعلم أن العالم سوف يراقبها وهي لم تعد تلعب في فريق يتمحور أداؤه بالكامل عليها، وأنها سوف تلعب إلى جانب مجموعة من اللاعبات الجيدات ويتعين عليها أن تلعب معهن بشكل جماعي من أجل مصلحة الفريق. ويبدو الأمر الآن وكأن الأرقام التي حققتها والجوائز التي حصلت عليها في السابق - مثل جائزة الهداف أكثر من مرة وجائزة أفضل لاعبة في آسيا - لم تكن كافية، وبالتالي كان يتعين عليها أن تنتقل للملاعب الإنجليزية لكي تظهر للجميع أنها بالفعل لاعبة كبيرة، وأنها ستحقق نفس النجاح وربما أكثر في الملاعب الأوروبية.
لكن هذا الاعتراف من قبل صحيفة «الغارديان» بأن هذه اللاعبة هي الأفضل في العالم، حتى قبل أن تطأ قدماها القارة الأوروبية هو في حد ذاته دليل على سبب انتقالها إلى أوروبا كلاعبة بارزة تخطت كل الحواجز لتثبت للجميع أنها الأفضل. كما أن حصولها على جائزة الأفضل يعد بمثابة تحول في نهج وسائل الإعلام العالمية تجاه لاعبات كرة القدم والأنظمة التي أبقت البعض يحظين بقدر أقل من الأضواء والشهرة مقارنة بأخريات. وربما يكون هذا الأمر - مع مرور الوقت - هو أكبر مساهمة لكير في هذه الرياضة!
وفي الوقت الحالي، أصبح بإمكان كير أن تحصل على البطولات والألقاب التي استعصت عليها في السابق، كما أصبح بإمكانها حصد الجوائز الفردية - رغم أنها متواضعة للغاية لدرجة لا تسمح بالاعتراف بها. إنها لحظة استثنائية لهذه اللاعبة التي أهدرت ركلة جزاء حاسمة في نهائيات كأس العالم مع منتخب أستراليا، لكنها عازمة على ألا تكون أقل من التوقعات مرة أخرى.
وفي تلك اللحظة التي أشرت إليها سابقا، رفعت كير رأسها من بين يديها في نهاية المطاف وألقت نظرة أخيرة على ملعب المباراة في نيس قبل أن تنهض وتواصل العمل من جديد. إن هذا المشهد يعكس لنا الشخصية الحقيقية لكير، أكثر مما تعكسه الأهداف والأرقام القياسية التي حققتها، إذ إن هذه اللحظة قد أظهرت لنا بكل وضوح شخصية لاعبة تحمل ثقلاً كبيراً على كتفيها، ويمكن أن تتعثر للحظات، لكنها لا تسمح لنفسها بالسقوط أبدا. لقد كانت كير بالفعل واحدة من أفضل اللاعبات في تاريخ كرة القدم النسائية على الإطلاق، سواء سجلت ركلة الجزاء الحاسمة مع منتخب بلادها أم لا. والآن، تقف كير على شاطئ حقبة جديدة، بعد أن حصلت أخيرا على الفرصة التي تثبت من خلالها أنها الأفضل دائما.
لحظات الإخفاق لسام كير تفتح لها أبواب الاحتراف في تشيلسي
الفشل بتسديد ركلة الترجيح مع منتخب أستراليا بمونديال السيدات لم يحرمها من الفوز بلقب أفضل لاعبة كرة قدم في العالم
لحظات الإخفاق لسام كير تفتح لها أبواب الاحتراف في تشيلسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة