دورية عسكرية أميركية قرب «المربع الأمني» للنظام في الحسكة

TT

دورية عسكرية أميركية قرب «المربع الأمني» للنظام في الحسكة

عند تمام الساعة العاشرة صباحاً من يوم الأحد الماضي وفي مدخل مدينة الحسكة الشمالي، دخلت دورية أميركية مؤلفة من أربع مدرعات عسكرية وصلت دوار سينالكو وانقسمت في طريقها؛ منها واحدة توجهت إلى دوار الإطفائية مقابل الكراجات المركزية للمدينة، أما الدورية الثانية فقد قصدت ساحة الصباغ في مركز الحسكة، ووقفت على بعد مئات الأمتار من المربع الأمني الخاضع للنظام السوري.
ونقل ميرفان (50 سنة) المتحدر من مدينة الحسكة ويعمل سائق سيارة أجرة، أن الدوريات «بقيت في نقاطها مدة تجاوزت 6 ساعات، وكعادتها لم تتدخل في أي شيء، حتى الجنود لم ينزلوا من العربات ولم نشاهد سوى رأسهم فوق المدرعات».
وللمرة الأولى تسير الولايات المتحدة الأميركية دورية عسكرية في الحسكة، وهذه المدينة منقسمة السيطرة حيث تحتفظ القوات النظامية بـ«مربع أمني» يقع ضمن مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» العربية الكردية، بعد انسحاب قواتها من معظم مناطق شرق الفرات واحتفاظها بـ600 جندي ينتشرون في المناطق النفطية.
وقالت الطالبة جوهرة (21 سنة) وتدرس بكلية الحقوق في جامعة الفرات بالحسكة، إنها شاهدت الدورية في ساحة الصباغ: «كانت تفصلهم أمتار عن حواجز النظام المتمركزة في ساحة الرئيس عند تقاطع القصر العدلي، هذا الطريق كان يعتبر الرئيسي لحركة القوات الحكومية من وإلى مركز المدينة، يومها لم أشاهدهم».
أما إسماعيل (36 سنة) الذي يمتلك بسطة شعبية يوقفها بالقرب من كراجات الحسكة وشاهد يومها الدورية الأميركية، وصف انسحاب الأخيرة بمثابة موافقة ضمنية لتركيا لشن هجومها الأخير على شرق الفرات، وقال: «ترك عندنا صدمة وخيبة أمل، نعم هي دولة عظمى لكنها منافقة تبيع الشعوب المضطهدة بالمزادات بهدف مصالحها، أعتقد بأنه يجب البحث عن مصلحتنا للحفاظ على ما تبقى من المناطق».
ويبدأ المربع الأمني بالحسكة من شارع القامشلي غرباً ويشمل ساحة الرئيس والأبنية الحكومية والقصر العدلي وسرايا المحافظة وجزءا من السوق المركزية، لتنتهي عند الحارة العسكرية شرقاً، إضافة إلى سيطرتها على فوج جبل كوكب الواقع على بعد 15 كيلومترا شمال شرقي الحسكة، ويعد أكبر قطعة عسكرية خاضعة لسيطرة النظام إلى جانب فوج 137 في مدينة القامشلي.
ويفصل شارع فلسطين التجاري وسط الحسكة مناطق التماس فاصلة بين سيطرة قوات النظام وعناصر «الأسايش» وهي شرطة محلية تتبع «الإدارة الذاتية شمال وشرق» سوريا، وتنتشر حواجز كل قوة على جانبي السوق، حيث نصبت «الأسايش» نقاط تفتيش مقابل كل حاجز عسكري يتبع النظام، لكن تباينت آراء ومواقف السكان بين مرحب بتسيير أول دورية أميركية بالحسكة، ورافض لها بعد تداخل المشهد العسكري في مناطقهم، وآخرون شككوا بدورها في بلد مزقته نيران الحرب من ثماني سنوات وأكثر.
وعبر الشاب سمير عن رغبته ببقاء القوات الأميركية لحماية شعوب المنطقة، رغم انتشار القوات الروسية التي صاحبت تسيير دوريات مشتركة مع تركيا في مناطق شرق الفرات، وقال: «روسيا تعمل لإعادة قبضة الحكم وكل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لا أحد يثق بها وبدورها، فبقاء الأميركيين والغرب ضمانة لنا».
وتوقيت جولة القوات الأميركية بمدينة الحسكة جاءت بعد ثلاثة أيام من قيام قوات عسكرية سورية معنية بحماية مطار القامشلي الدولي، قطع الطريق أمام رتل أميركي كان يمر عبر المنطقة عائداً إلى نقاطها، وانتظرت بحدود الساعة ثم أجبرت على العودة لتسلك طريقا ثانيا للدخول إلى مدينة القامشلي ومنها إلى مواقعها في بلدة رميلان الحدودية مع العراق.
ويقول سليمان (47 سنة) ويقع منزله الكائن في دوار باسل مقابل طريق مطار القامشلي الدولي: «القوات التي منعت عبور الدورية الأميركية من المخابرات الجوية السورية، أجبرتها على العودة وسلك طريق علي فرو البعيد عن القامشلي»، وأوضح أن الحادثة ليست الأولى من نوعها وأضاف «هذه كانت المرة الثالثة التي تجبر قوات نظامية دورية أميركية بالعودة وتغيير طريقها، قبلها تكررت بالقرب من جامعة قرطبة الخاصة، ومرة ثانية عند المدخل الجنوبي الرئيسي للقامشلي الواصل مع الحسكة».



​شبح تداعيات اقتصادية يحدق باليمن بعد الضربات الإسرائيلية

صورة وزعها الإعلام الحوثي عقب الضربات الإسرائيلية في الحديدة (أ.ف.ب)
صورة وزعها الإعلام الحوثي عقب الضربات الإسرائيلية في الحديدة (أ.ف.ب)
TT

​شبح تداعيات اقتصادية يحدق باليمن بعد الضربات الإسرائيلية

صورة وزعها الإعلام الحوثي عقب الضربات الإسرائيلية في الحديدة (أ.ف.ب)
صورة وزعها الإعلام الحوثي عقب الضربات الإسرائيلية في الحديدة (أ.ف.ب)

بينما كان يتوقع المراقبون أن تستهدف أي غارات إسرائيلية مواقع عسكرية حوثية ردا على مهاجمة تل أبيب، إلا أن الهجوم استهدف منشأة اقتصادية تتمثل في خزانات الوقود في ميناء الحديدة (غرب اليمن) وهو ما تسبب في أزمة وقود حادة ظهرت ملامحها خلال الساعات الأولى، وسط خشية من تفاقم الأزمات المعيشية التي تعيشها البلاد.

وبرر الجيش الإسرائيلي، هجماته، السبت، على ميناء الحديدة، بأنه المنفذ الذي تستقبل الجماعة من خلاله الإمدادات والمعدات العسكرية لتنفيذ هجماتها، وذلك بعد الهجوم المميت بالطائرة المسيرة في قلب العاصمة الإسرائيلية تل أبيب، وهو الهجوم الذي تبنته الجماعة الحوثية ولوحت إسرائيل بالرد عليه مباشرة.

عمال يفرغون حاوية من سفينة تجارية في ميناء الحديدة الذي يعد أحد أكبر موانئ اليمن وأكثرها حيوية (رويترز)

وألحقت الضربات الإسرائيلية خسائر وأضراراً كبيرة بالميناء وخزانات الوقود فيه، ما أدى إلى أزمة وقود حادة في كثير من المدن اليمنية الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية، فبحسب مصادر مطلعة؛ استهدفت الغارات 20 خزاناً للوقود من أصل أكثر من 82 خزاناً في الميناء، إضافة إلى وجود منشآت للتخزين بميناء رأس عيسى شمال الحديدة ومنطقة كيلو 18.

ويتوقع الباحث الاقتصادي نجيب العدوفي أن تؤثر هذه الضربات على الحالة المعيشية داخل البلاد التي تستورد ما يقارب 90 في المائة من احتياجاتها من الوقود والأغذية والمواد الأساسية، ويعد ميناء الحديدة أحد أهم الموانئ التي تستقبل هذه المواد، وهو ما سيؤدي إلى زيادة المخاطر على النقل البحري.

ويخشى العدوفي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» من أن تتسبب هذه المخاطر في عزوف شركات النقل عن إرسال سفنها إلى اليمن، أو أن تعمل إسرائيل على توسيع عملياتها ضد الجماعة الحوثية إلى تنفيذ حصار بحري، ما سيؤدي إلى مزيد من الإضرار بالمدنيين حتى في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية التي ستتأثر موانئها من استمرار الهجمات أو حدوث الحصار.

كارثة مرهونة بالتصعيد

تزداد المخاوف من أن تكون الغارات الإسرائيلية على موانئ الحديدة مقدمة لعمليات واسعة وحصار بحري، خصوصاً مع إعلان الجماعة الحوثية استعدادها للرد والدخول في مواجهة مفتوحة، وهو ما يهدد اليمنيين بمزيد من المعاناة المعيشية.

ويرى الباحث الاقتصادي عبد الحميد المساجدي أن تأثير الغارات الإسرائيلية سيكون محدوداً من الناحية الاقتصادية إذا توقفت عند هذا الحد، ولم تتطور إلى مزيد من العمليات العسكرية، واستهداف مزيد من المنشآت الاقتصادية.

السفينة «غالاكسي ليدر» التي بدأ الحوثيون هجماتهم في البحر الأحمر بقرصنتها تحت مزاعم دعم قطاع غزة المحاصر (إ.ب.أ)

ويوضح المساجدي لـ«الشرق الأوسط» أن الغارات أخرجت ربع خزانات الوقود في الحديدة وموانئها، ومنشأتين لتفريغ الحاويات لم تدخلا الخدمة بعد، ما سيؤدي إلى تأخير تفريغ ناقلات النفط، وزيادة في تكاليف انتظارها على السعر النهائي للوقود.

لكنه يعود ويستدرك أن التأثيرات ستظهر في نقص الواردات إلى الميناء، وفي حال استمر التصعيد وتم استهداف منشآت جديدة للميناء وازدادت مخاطر الملاحة في موانئ الحديدة، ستتفاقم الكارثة الإنسانية مع صعوبة الاستيراد لتموين السوق المحلية بحاجتها من السلع الغذائية والوقود إضافة إلى ارتفاع أسعارها.

من جهته، يبدي الأكاديمي والباحث في اقتصاد الحرب يوسف المقطري مخاوفه من عدم قدرة ميناء عدن على تغطية الحاجة إلى إمدادات سلاسل الغذاء نتيجة لما يمر به الميناء من حالة تدهور في خدماته، وتراجع كفاءة منشآته، وعدم التوافق على إدارته وإدارة موارده من قبل القوى التي تتشارك قوام الحكومة الشرعية.

ويبين المقطري لـ«الشرق الأوسط» أن التأثيرات المتوقعة للهجمات ما زالت قيد الاحتمالات بحسب حجم التصعيد والنيات الإسرائيلية ورد الفعل الحوثي، محذراً من كارثة إنسانية في حال استمرار التصعيد، واستهداف منشآت حيوية أخرى وإعلان حصار بحري.

سفينة راسية قبالة ميناء عدن الذي يخشى خبراء الاقتصاد عدم قدرته استيعاب الحاجة إلى الإمدادات في حال توقف ميناء الحديدة عن العمل (رويترز)

وينوه إلى أن تكلفة التأمين البحري والنقل سترتفع مجدداً بعد هذه الغارات، بعد أن كانت قد ارتفعت خلال الأشهر الماضية بسبب توترات البحر الأحمر، كما سترتفع تكلفة النقل البري بين المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية والواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية.

تحديث الموارد الحوثية

شهدت المدن الخاضعة للجماعة الحوثية مخاوف شديدة من حدوث أزمات في الوقود والمواد الأساسية، ورغم إعلان الجماعة عدم تأثير الضربات على مخزونها من الوقود، فإن المخاوف من حدوث أزمات حادة لم تتراجع.

وتراجع الزحام حول محطات الوقود إلى حد ما، في حين لجأت أعداد كبيرة من السكان إلى شراء المواد الغذائية بكميات تفوق احتياجاتها، وذكرت مصادر مطلعة في عدد من المدن أن عدداً من الموظفين والعمال اضطروا إلى الاستدانة بضمان رواتبهم لشراء المواد الضرورية.

الحرائق في ميناء الحديدة إثر غارات إسرائيلية استمرت طوال الليل (رويترز)

وينوه أكاديمي وباحث اقتصادي في جامعة صنعاء، إلى أن الضربات الإسرائيلية ستؤدي بالضرورة إلى تصعيد الجماعة الحوثية من ممارساتها للحصول على مزيد من الموارد، وستذهب إلى فرض مزيد من الجبايات والإتاوات تحت أسماء مختلفة.

ويشير الأكاديمي، الذي طلب من «الشرق الأوسط» حجب بياناته حفاظاً على سلامته نظراً لإقامته تحت سيطرة الجماعة الحوثية، إلى أن تحول نقل إمدادات الغذاء والمواد الأساسية إلى الموانئ الواقعة تحت إدارة الحكومة الشرعية سيدفع الجماعة الحوثية إلى محاولة تعطيل هذه الموانئ للمساومة على مواردها، وإجبار الحكومة على تسليمها إليها.

وبحسب الأكاديمي، ستلجأ الجماعة إلى الحصول على موارد من المنافذ البرية التي تسيطر عليها ما سيؤدي إلى رفع الأسعار بشكل كبير، متوقعاً أن تؤثر الجبايات المفروضة في تلك المنافذ على أسعار السلع بشكل أكبر من تأثير ارتفاع تكاليف النقل البحري.

ويرى المتابعون أن الغارات الإسرائيلية كانت أشد قسوة وتأثيراً على مقدرات الجماعة الحوثية من الضربات التي نفذتها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة تحت راية «تحالف الازدهار» الذي نشأ أواخر العام الماضي لمواجهة هجمات الجماعة على السفن الملاحية في البحر الأحمر.

وتعدّ الغارات الإسرائيلية حدثاً نوعياً في مسار الصراع في اليمن من جهة، والصراع في الشرق الأوسط من جهة أخرى، بعد أشهر من ادعاءات الجماعة الحوثية بمناصرة أهالي قطاع غزة المحاصر، وتصعيد المواجهة بين إسرائيل وأذرع إيران العسكرية في المنطقة خلال الأشهر الماضية، وهي المواجهة التي لم تخفف من معاناة أهالي القطاع.