التنمر الإلكتروني... تحدٍ يواجه الصحافيين في الهند خاصة النساء

تهديدات بالاغتصاب وأخرى بالقتل

ألقت الشرطة الهندية القبض على 4 أشخاص بتهمة تعقب وممارسة التصدي الإلكتروني ضد الصحافية المخضرمة برخا دوت
ألقت الشرطة الهندية القبض على 4 أشخاص بتهمة تعقب وممارسة التصدي الإلكتروني ضد الصحافية المخضرمة برخا دوت
TT

التنمر الإلكتروني... تحدٍ يواجه الصحافيين في الهند خاصة النساء

ألقت الشرطة الهندية القبض على 4 أشخاص بتهمة تعقب وممارسة التصدي الإلكتروني ضد الصحافية المخضرمة برخا دوت
ألقت الشرطة الهندية القبض على 4 أشخاص بتهمة تعقب وممارسة التصدي الإلكتروني ضد الصحافية المخضرمة برخا دوت

ألقت الشرطة الهندية في وقت قريب على أربعة أشخاص بتهمة تعقب وممارسة التصدي الإلكتروني ضد الصحافية المخضرمة والحائزة جوائز دولية، برخا دوت، التي كانت قد تقدمت بشكوى إلى الشرطة ذكرت فيها أنه: «يبدو أنني كنت ضحية لبعض الدعاية الإخبارية الزائفة، وجرى التشارك في رقم هاتفي عبر جميع منصات شبكات التواصل الاجتماعي. وأرسل أشخاص إليّ صوراً عارية ورسائل نصية بذيئة. واليوم، أخشى على سلامتي وأمني وحياتي؛ لأن هذا يشكل هجوماً منسقاً من جانب حشود عنيفة».
جدير بالذكر، أنه لا يجري النظر إلى دوت باعتبارها معارضة لحكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي فحسب، وإنما كذلك باعتبارها واحدة من الصحافيين الهنود القليلين الذين قدموا رؤى بديلة فيما يخص عدد من القضايا الساخنة المثيرة للجدل.
من جهتها، قالت برخا دوت خلال مقابلة أجرتها قريباً: «ما من شك في أن النساء مستهدفات على نحو يفوق ما يتعرض له الرجال. ورغم أن مشاعر الكراهية تجاه النساء تلك موجودة بكل مكان، فإنها قوية على نحو خاص عبر شبكة الإنترنت، حيث سرعان ما يتحول ما يفترض أنهم نقاد لكتاباتنا إلى كتابة تعليقات على أشكالنا وملابسنا، ناهيك عن أزواجنا وعشاقنا المتخيلين! إن التصيد الإلكتروني الشرير لعبة ذهنية ـ
فهم يرغبون في أن يزعزعوا استقرار نفسك من خلال كراهيتهم، ويريدون تخويفك والتنمر بحقك حتى يجبروك على التزام الصمت».
من ناحية أخرى، يعتبر رافيش كومار (44 عاماً)، ويعمل محرراً تنفيذياً رفيع المستوى لدى قناة «إن دي تي في»، من بين خمسة أشخاص فازوا بجائزة «رامون ماغسايساي». ويتلقى كومار تهديدات مستمرة بسبب الانتقادات التي يوجهها إلى السياسات الحكومية. وبعد تسلمه الجائزة، وجه كومار الشكر إلى من مارسوا بحقه التصيد الإلكتروني، واعتبر أن لهم فضلاً في حصوله على الجائزة. وقال إنه عندما تلقى اتصالاً هاتفياً من الفلبين يخطره بحصوله على الجائزة، ظن في بادئ الأمر أنه يتعرض لخدعة ومحاولة تصيد.
وقال كومار، الذي وجه انتقادات مستمرة إلى الحكومة من خلال برامجه عبر قناة «إن دي تي في»، إنه تعرض لمضايقات وتهديدات مستمرة من جانب نشطاء مؤيدين للحكومة، وحذر من أن هناك زيادة في معدلات الاعتداءات والجرائم الافتراضية، ويعج قسم التعليقات في «يوتيوب» بمثل هذه التجاوزات. وقال في تصريحات لوكالة «رويترز»: «هذا أمر منظم للغاية، وهم يتتبعونني. وعندما أخرج إلى الشارع لنقل تقرير، يتجمع حشد حولي في غضون 10 دقائق».
من جانبه، أوضح الصحافي البارز رادجيب سارديساي فيما يتعلق بالاعتداءات عبر الإنترنت التي يتعرض لها صحافيون، أن نطاق هذه الظاهرة لا يقتصر على حدود الهند، مضيفاً أن: «هناك أزمة عالمية تواجهها الصحافة، تقف وراءها أسباب داخلية وخارجية ـ بينها النموذج التجاري وصعود مسألة إمكانية طرح الآراء على نحو فوري عبر (تويتر) أو (فيسبوك)».
وأضاف سارديساي، أنه «من بين العوامل التي تقف وراء ذلك طبيعة العلاقة بين الحكومة والصحافي، وبين المواطن والصحافي، وكذلك الأسلوب الذي تحول التلفزيون من خلاله إلى محط شغف الكثيرين على نحو متزايد... أيضاً، الأسلوب الذي تسيطر من خلاله اللوغاريتمات على شبكة الإنترنت ـ بإيجاز، هناك الكثير من التحديات القائمة. وأعتقد أن الرقابة الذاتية التي يمارسها الصحافي واحدة من التحديات الكثيرة الموجودة اليوم».
من ناحية أخرى، وبينما يواجه الرجال والنساء تحرشات ومضايقات عبر الإنترنت، فإن الصحافيات يتعرضن لها بمعدل أكبر، ويواجهن تعليقات كارهة لا يرى الصحافيون مثلها أبداً، تتعلق بالمظهر والنوع. واللافت في مثل هذه الهجمات أنها لا تركز على التقارير أو المعلومات التي يتناولها الصحافي، رجلاً كان أو امرأة، وإنما على الصحافي نفسه. ودفعت التهديدات والإساءات التي تعرضت لها صحافيات عبر شبكة الإنترنت وركزت على كونهن سيدات، البعض إلى تقليص تواجدهن عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو حتى اعتزال العمل الصحافي بأكمله.
من ناحيتها، قالت دوت: «لم يعد بإمكاني إحصاء عدد المرات التي سبني أشخاص ونعتوني بالعاهرة عبر (تويتر) لمجرد أنني تشبثت برأيي إزاء شخص آخر».
وفيما يخص كيفية مواجهة محاولات التصيد الإلكتروني، قالت دوت: «أعتقد أنني من جانبي أتبع حكمة إليانور روزفلت التي نصحت النساء العاملات بالمجال العام في عشرينات القرن الماضي بأن (يحرصن على التمسك بجلود سميكة لا تقل عن جلود الخرتيت)».
في كتابها الصادر عام 2016 بعنوان «أنا متصيد إلكتروني: داخل العالم السري للجيوش الرقمية»، تتناول الصحافية الشهيرة سواتي شاتورفيدي بالتفصيل استراتيجية المعتدين ضد الصحافيين على الإنترنت. وشرحت أنه: «أتلقى الكثير من التهديدات عبر شبكة الإنترنت، لكن إذا تركتها تؤثر فيّ، لن أتمكن من الاضطلاع بعملي. ومع هذا، أعتقد أنه أمر مخيف أن يعمل المرء صحافياً في عالم اليوم، خاصة إذا كنت تضطلع بصحافة تحقيقات. في الهند، إذا ما اتخذت وجهة نظر معارضة لما تقوله الحكومة، أو حاولت كشف الحكومة بصورة ما، وهي مهمتنا نحن معشر الصحافيين، تتعرض حينها لهجمات شرسة للغاية».
جدير بالذكر، أن شاتورفيدي كانت من بين أربعة فائزين على مستوى العالم بجوائز «غيتي إيميدجيز غاليري».
وفي حالة أخرى، واجهت رانا أيوب، الصحافية الهندية الاستقصائية البارزة ومؤلفة كتاب «ملفات جوجارات: تشريح التعتيم»، أسوأ صور التحرش والمضايقات، تضمنت فبركة فيديو مخل لها انتشر على نطاق واسع.
وعن هذا الأمر، قالت شاتورفيدي: «أعتبر واحدة من أكثر النساء الهنود اللائي تعرضن للتصيد الإلكتروني عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وأتلقى يومياً تهديدات بالاغتصاب والقتل وأتلقى اتصالات هاتفية في منتصف الليل تتوعدني بالقتل.
وبدأ سيل الكراهية الموجه نحو عبر الإنترنت يؤثر على حياتي خارج الشبكة العنكبوتية. وقد تعرضت للانهيار العصبي مرتين وخضعت لإشراف طبيب نفسي طيلة ثمانية أعوام وأتناول أقراصاً لتهدئة الأعصاب والتغلب على التوتر، وعانيت من خفقان القلب. وعندما نشروا فيديو مخلاً مركباً فيه صورتي، جرى نقلي إلى المستشفى بسبب خفقان القلب وارتفاع ضغط الدم، وكنت في حالة خطرة هددت حياتي. في الواقع، الضغط العصبي الذي يواجهه الصحافيون من الأمور التي لا نتحدث عنها بالقدر الكافي».
جدير بالذكر، أن أيوب تلقت منذ وقت قصير جائزة «غلوبال شاينينغ لايت» عن الصحافة الاستقصائية لعام 2017، وكذلك جائزة «الصحافية الأكثر صموداً» لعام 2018 من «بيس بالاس» في لاهاي». كما ورد اسمها في قائمة مجلة «تايم» بين 10 صحافيين عالميين يواجهون أكبر قدر من التهديدات لحياتهم.
في هذا الصدد، قالت سونال ميهروترا، الصحافية البارزة: «في ظل هويتهم المجهولة، يشنون حملات تصيد إلكترونية ضدك عبر (تويتر) ويتفوهون بحقك بأشياء لم يكونوا يجرؤون على التفوه بها في وجهك. لقد صبّوا اللعنات على أبي وأمي، بل على أجزاء من جسدي». يذكر أنه في الشهر الماضي كانت ميهروترا من بين الصحافيين الذين تعرضوا لتهديدات من جانب محامين داخل قاعة محاكم دلهي.
وأضافت: «يهبطون لمستوى وقح للغاية عند التعامل مع امرأة، مثل التشكيك في أنوثتها، لكنهم لا ينزلون لهذا المستوى مع الرجال».
بطبيعة الحال، لا يسلم الرجال من هجمات التصيد الإلكتروني، لكن الهجمات ضد النساء أكثر شراسة بكثير.
ويرى مانييش تشيبار، رئيس تحرير إصدار «ذي برينت»، أنه: «فيما يتعلق بالأشخاص المشاركين بشبكات التواصل الاجتماعي، خاصة الصحافيين، أصبحت حملات التصيد الإلكتروني - والتي يقف خلف الكثير منها كيانات دونما هوية - جزءاً من الحياة اليومية.
وغالباً ما تفوق حريتهم في التعبير عن آرائهم الحرية التي نتمتع بها على الصعيد ذاته. وغالباً ما تتأرجح فكرتهم عن التفاعل عبر شبكات التواصل الاجتماعي بين المزاح والسخرية والتهديدات الصارخة، بما في ذلك التهديد بالإيذاء الجسدي. وهناك أيضاً حملات التصيد الإلكتروني مدفوعة الأجر».
يذكر أن الهند تعد من أخطر البلدان التي يعمل بها الصحافيون، ولا سيما مع مقتل 24 صحافياً خلال العامين الماضيين هناك. وأوضحت منظمة «مراسلون بلا حدود»، في تقريرها السنوي حول حرية التعبير في جميع أنحاء العالم، مدى تدهور حرية الصحافة في الهند؛ إذ هبط مركز الهند في الترتيب العام بمقدار درجتين، من المركز الـ136 في عام 2017 إلى المركز الـ138 في عام 2018، فيما يتعلق بمستوى الاستقلال الذي تحظى به الصحافة في البلاد. ويصف التقرير الهند بأنها واحدة من أخطر البلدان لعمل الصحافيين.
وفقدت الهند 4 صحافيين، وهم: براديب ماندال (رئيس تحرير إحدى المجلات)، ونيتياناند باندي، وأناند نارايان، وجاغيندر سينغ، في عام 2019، وهناك 6 صحافيين آخرين فُقدوا خلال العام الماضي، وهم: نافين نيشال، وفيجاي سينغ، وسانديب شارما، وسيد شوجات بخاري، وآشيوتا ساهو، وتشاندان تيواري.
ومع ذلك، كان عام 2017 هو أسوأ الأعوام كلها، من حيث حوادث مقتل الصحافيين في الهند، حيث بلغ عددهم 12 صحافياً، إما تعرضوا للاغتيال المباشر أو لقوا حتفهم في ظروف غامضة. وهناك أكثر من 20 حالة أخرى من محاولات الاغتيال للصحافيين حتى يوليو (تموز) من العام الحالي. وكان أغلب الصحافيين يُستهدَفون جراء تقاريرهم الصحافية الجريئة عن الفساد المحلي والجرائم والسياسات خارج المناطق الحضرية الرئيسية.


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.