إجراءات المصارف اللبنانية تنعكس نشاطاً عقارياً

معلومات عن بيع أكثر من 10 شقق أسبوعياً وسط بيروت

TT

إجراءات المصارف اللبنانية تنعكس نشاطاً عقارياً

بخلاف الأزمات المتعددة التي أوجدتها الإجراءات التي اعتمدتها المصارف منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبخاصة في ما يتعلق بحركة استيراد مختلف البضائع، كان للتدابير المصرفية الجديدة التي تهدف إلى حماية القطاع من الانهيار نتيجة مسارعة المودعين لسحب أموالهم وتحويلها إلى الخارج، تأثير إيجابي على سوق العقارات في لبنان التي كانت تشهد ركوداً غير مسبوق منذ سنوات وبخاصة بعد تراجع، ومن ثمّ توقف، القروض السكنية المدعومة من الدولة نتيجة الأزمة المالية الحادة التي تشهدها البلاد.
وسجل العاملون في قطاع العقارات والخبراء الاقتصاديون حركة لافتة في السوق العقارية ينتظرون أن تتبلور أكثر في شهر يناير (كانون الثاني)، بعد تحديد عدد المعاملات العقارية التي حصلت منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.
وأوضح الخبير الاقتصادي الدكتور شربل قرداحي، أن الإجراءات التي اتخذتها المصارف وبخاصة التقييد الجزئي لخروج رؤوس الأموال، جعلت المودعين يعيدون النظر بوجهة أموالهم بحثاً عن الأمان، لافتاً إلى أن «الزبون يضع عادةً أمواله في المصرف بحثاً عن فائدة ولعلمه بأن مخاطر فقدانها غير موجودة أو معتدلة، أضف أنه يعي أن السيولة ستكون دائماً متوافرة، لكن وبعد التطورات الأخيرة بات يشعر بشح في السيولة وبالتالي وجد أن استثمار أمواله في العقارات قد يكون أجدى ويحقق له نوعاً من الأمان لاعتباره أن المصارف اليوم قد تكون مهدَّدة وقد يتأخر في تسلم ودائعه». وأشار قرداحي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «التعامل في السوق العقارية يتم بالشيكات المصرفية، وهنا تتقاطع مصلحة المطور العقاري كما الزبائن، فالأول يبحث عمن يشتري الشقق والمباني بعد تراكم ديونه للمصارف، وما دامت هذه المصارف تتعامل بالشيكات يكون قد وجد حلاً لأزمته، تماماً كالزبائن الذين باتوا يستطيعون تحريك أموالهم التي يُمنع سحبها كاملة واستثمارها في العقارات». وأكد قرداحي تسجيل حركة عقارية لافتة في الأسابيع الماضية وبخاصة في قضاءي بعبدا والمتن، متحدثاً عن معلومات عن بيع ما بين 10 و12 شقة أسبوعياً في وسط بيروت.
من جهته، اعتبر رجا مكارم، رئيس شركة للاستشارات العقارية، أن هناك بعض المبالغات في الحديث عن عمليات بيع كبيرة سواء لأراضٍ أو شقق، مؤكداً في الوقت عينه وجود نوع من الحركة في السوق العقارية ستظهر أكثر نتيجة الإجراءات الحالية للمصارف وخفض الفوائد على الإيداعات إضافةً إلى تخوف المودعين على أموالهم من الاقتطاع خصوصاً في حال استمرار حالة الانكماش المالي والاقتصادي. واعتبر أنه لا يمكن حسم ما إذا كانت عملية بيع الأراضي أو الشقق ستشهد الحركة الأكبر باعتبار أن الأمر مرتبط بالميزانيات.
وأوضح مكارم في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أنه في مقابل الإقبال المرتقب على شراء العقار قد يكون هناك شح في العرض، فأصحاب الأراضي والشقق الذين ليسوا بحاجة إلى الأموال في المرحلة الراهنة سيتفادون عرضها للبيع لأن العملية ستتم عبر شيكات مصرفية تودع في حساباتهم، وهو ما لا يحبذونه في المرحلة الراهنة خوفاً على مصير أموالهم.
ونفى مكارم ما يتم تداوله عن تسجيل ارتفاع في سعر العقار، مؤكداً أن الأسعار لا تزال متدنية وهي تنخفض منذ 5 سنوات 10% كل عام.
وكان هذا القطاع يعاني قبل اندلاع الانتفاضة من تراجع حركة الطلب ووجود كثافة عروض، نتيجة محدودية القنوات التمويلية وبخاصة بعد توقف البرامج التحفيزية السنوية التي يطلقها البنك المركزي، وارتفاع معدلات الفوائد لدى المصارف في مجمل برامج التسليف إلى مستويات تفوق قدرات طالبي التمويل. وسُجل في الفصل الثاني من العام الحالي انخفاض منحى الطلب على الوحدات السكنية بنسبة 17%.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.