سنوات السينما

من «المواطن كين»
من «المواطن كين»
TT

سنوات السينما

من «المواطن كين»
من «المواطن كين»

المواطن كين | Citizen Kane ‪(‬1941‪)‬
التقييم: (***** من خمسة)
في عام 1941 لم يكن أحد في هوليوود سمع بمخرج دون الثلاثين من العمر. لكن المخرج أورسون وَلز كان في الخامسة والعشرين عندما بدأ تصوير فيلمه الأول «المواطن كين». لم يخرجه فقط، بل كتب السيناريو (مع هرمان مانكوڤيتز) وقام بإنتاجه وبطولته كذلك. الشركة الممولة RKO Radio كانت من أكثر شركات هوليوود نشاطاً آنذاك، وتكفّلت موهبة وَلز الفذة بجعل الفيلم أحد أهم أفلام السينما إلى اليوم. قلّماً، بل نادراً، ألا يأتي ذكره بين أهم خمسة أفلام لكل ناقد يستحق الكلمة في أي مكان من العالم.
سيرة حياة نصف مختلقة - نصف حقيقية حول مليونير كبير اسمه تشارلز فوستر كاين، بنى مملكة تجارية وإعلامية كبيرة ثم واجه المصاعب عندما فاقت طموحاته قدراته. الفيلم يبدأ بنشرة إخبارية مصوّرة توفر مقتطفات من حياة كاين الذي مات وهو يتفوه بكلمة واحدة هي «روزبَد» (Rosebud). كلمة لافتة ترمز إلى أمر غامض أحب رئيس تحرير إحدى الصحف حلها فأرسل من يبحث في هذا الأمر. المحرر جيري (ويليام أولاند) يبدأ تحرياته بمقابلة رهط من الذين عرفوه عن كثب، بينهم الشخص المكلف الأعباء المالية لدى الراحل ومدير إدارة صحيفته، وكذلك صديقه المخلص ليلاند (جوزف كوتون). كل يروي حكايته وهذا مفتاح لمشاهد الاسترجاع (فلاشباكس) الموضّبة بعناية فائقة تجعلها مختلفة عن الاستخدامات المتداولة غالباً وحتى اليوم.
ما ترصده تلك الشهادات التي نتابعها مع الصحافي حياة زاخرة بالعمل والثراء والآراء والطموحات. شخصية رجل عاطفي وحازم معاً، اشترى صحيفة نيويوركية متهاوية وفي البال تحويلها إلى أنجح مشاريعه. لحين تحقق ذلك، لكن عوامل متداخلة اندفعت لخرق دفاعات كاين السياسية والإعلامية ما جعلت الصحيفة تبدأ خطوات رجوعها.
في هذا الصدد، هناك ذلك المشهد الذي نرى فيه أورسن وَلز (في شخصية كاين) يتلقى أسئلة من صحافيين حوله، وأحدهم يسأله: «مستر كاين، هل صحيح أن صحيفتك تخسر مليون دولار سنوياً؟». رد كاين: «دعني أرى. أملك 70 مليون دولار وإذا خسرت الصحيفة مليون دولار في السنة فستتوقف بعد سبعين سنة».
صوّر التاريخي غريغ تولاند الفيلم (بالأبيض والأسود) ومنحه عمق الفيلم نوار وحسن الدراية بتوزيع الإضاءة وانعكاسات الشخصية على المرايا لمنح ترجمة بصرية للمآزق الشخصية، كما استنبط أدوات خاصة للغاية تمنح وَلز مجالاً أوسع للحركة من دون الاضطرار لتغيير زاوية الكاميرا أو الاعتماد على لقطات إضافية. التوليف من روبرت وايز الذي تحوّل إلى الإخراج بدوره بعد سنوات قليلة. والموسيقى من برنارد هرمان.
في نقدها للفيلم، قامت بولين كول، التي عُرفت بشراستها (سواء أصابت الهدف أم لم تصب) بمحاولة مخفقة للقول بأن لشريك وَلز في كتابة السيناريو (هرمان مانكييڤتز) كل الفضل في إنجاز هذا الفيلم - التحفة.
وفي حين سارع البعض لتبني هذا الموقف الخاطئ تماماً، دافع البعض عن الفيلم ومخرجه، معتبرين أنها كتبت افتراضاً لا صحة له. رد وَلز، وكان بدأ مرحلة صعبة في حياته في الثمانينات نمّ عن الأسف؛ إذ قال: «لدي تحفة في تاريخي والآن يريدون أخذها مني».
كالكثير من أفلام وَلز يبدأ «المواطن كين» ليلاً. الظلمة حالكة والصمت مقلق. لكن كلمة «روزبَد» ما زالت غامضة لا تفسير كاملاً لها بيننا، كما لم يكن لها تفسير داخل الفيلم.
حين تم ترشيح هذا الفيلم للأوسكار أخفق أمام فيلم جون فورد «كم كان وادياً أخضر». وَلز كان معجباً بفيلم فورد الأسبق «عربة» (Stagecoach) وشاهده أكثر من أربعين مرّة حسب مذكراته.


مقالات ذات صلة

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.