محكمة بريطانية تلزم شركة برد ثمن لوحة مزورة إلى «سوذبي»

اللوحة التي نسبت للهولندي فرانس هولس واعتبرت لاحقا مزيفة (سوذبيز)
اللوحة التي نسبت للهولندي فرانس هولس واعتبرت لاحقا مزيفة (سوذبيز)
TT

محكمة بريطانية تلزم شركة برد ثمن لوحة مزورة إلى «سوذبي»

اللوحة التي نسبت للهولندي فرانس هولس واعتبرت لاحقا مزيفة (سوذبيز)
اللوحة التي نسبت للهولندي فرانس هولس واعتبرت لاحقا مزيفة (سوذبيز)

قضت محكمة بريطانية الأربعاء بمسؤولية شركة «فيرلايت أرت فينتشرس» التي تعمل في مجال الاستثمار الفني عن بيع لوحة نسبت للهولندي فرانس هولز والتي اعتبرت لاحقا مزيفة. وأصدرت المحكمة حكما بإلزام الشركة بسداد نحو 6 ملايين دولار لدار مزادات «سوذبيز» العالمية التي توسطت في عملية البيع.
وأفاد بول لوماس محامي سوذبيز في مقابلة عبر الهاتف بأن «الشيء الجميل هو أن قرار المحكمة قد أنصف سوذبيز في كل شيء، ولذلك نرى أن الحكم جاء قويا ورادعا».
غير أنه لم يصدر تعليق عن شركة «فير لايت» حتى الآن.
وكان ديفيد كويتز، مؤسس شركة «فير لايت»، ومارك فايس، تاجر أعمال فنية في لندن، قد ابتاعا اللوحة على أنها للفنان العالمي «فرانس هولز» عام 2010. وطلبا من دار مزادات «سوذبيز الشهيرة» التوسط في بيعها. وبالفعل باعتها الدار بمبلغ 10.75 مليون دولار أميركي لجامع الأعمال الفنية الأميركي ريتشارد هيدرين.
تقاسمت شركة «فير لايت» ومارك ويز مبلغ البيع المذكور وهو 10.75 مليون دولار، فيما حصلت «سوذبيز» على عمولة إضافية بصفتها وسيط الصفقة.
في عام 2016. بعد شائعات عن تزوير محتمل في عالم اللوحات الرئيسية الأوروبية القديمة المتداولة في عالم الفن، طلب المشتري من «سوذبيز» السعي لإجراء تقييم مستقل للوحة، وتوصلت دراسة أجرتها شركة «أنايتيكال أوريون»، وهي شركة تحليل علمي (استحوذت عليها سوذبيز في وقت لاحق)، أن اللوحة كانت «بلا شك مزورة».
قامت «سوذبيز» برد مبلغ البيع وهو 10.75 مليون دولار إلى المشتري السيد هيردين، لكن شركة «فيرلايت» والسيد «فايس» لم يردا إلى «سوذبيز» الأرباح التي تحصلا عليها منها مقابل إتمام عملية البيع بحجة أن اللوحة كانت أصلية.
وفي بيان أرسله لصحيفة نيويورك تايمز الأربعاء، قال فايس إنه متأكد من أن اللوحة لم تكن مزورة، مضيفا «أنا واثق من ذلك تماما وأصر على أنها من إبداع الفنان فرانس هالز»، ولذلك فقد جرى «شراء اللوحة ومن ثم بيعها بحسن نية».
وقال لوماس إن «سوذبيز» وفايس توصلا إلى تسوية مستقلة قبل أسابيع قليلة من بدء المحاكمة في وقت سابق من هذا العام. وقال إن فايس سيدفع لـ«سوذبيز» عدة ملايين من الدولارات، لكنه لم يذكر المبلغ تحديدا، فيما جادلت شركة «فير لايت» أنها لم تكن شريكاً رسمياً في عملية البيع واستمرت في إجراءات التقاضي بشكل مستقل في المحكمة.
في الحكم الصادر الأربعاء، لم تنظر المحكمة في مسألة صحة اللوحة من عدمه، إذ علقت «هذا الحكم لا يحدد ما إذا كانت اللوحة من إبداع الفنان فرانس هالز. وسواء كانت اللوحة تنسب لفرانس هالز أم لا، من المنطقي ألا نتجاهل أمرا جوهريا وهو أنها لوحة رائعة ويمكننا الاستمتاع بها على حالتها».
- خدمة نيويورك تايمز



موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
TT

موسيقى تحت النار تصدح في «مترو المدينة» لإعلان الحياة

مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)
مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس... موسيقى ونغمات وأمل (مترو المدينة)

وصلتْ إلى هاتف صاحبة السطور رسالة تعلن عودة أمسيات «مترو المدينة». كان كلُّ ما حول المتلقّية هولاً وأحزاناً، فبدا المُرسَل أشبه بشعاع. يبدأ أحد مؤسّسي «مترو» ومديره الفنّي، هشام جابر، حديثه مع «الشرق الأوسط» بترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة. ينفض عنها «مفهوماً قديماً» حصر دورها بالترفيه وتمضية الوقت، ليحيلها على ما هو عميق وشامل، بجَعْلها، بأصنافها وجمالياتها، مطلباً مُلحّاً لعيش أفضل، وحاجة لتحقيق التوازن النفسي حين يختلّ العالم وتتهدَّد الروح.

موسيقيون عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة (مترو المدينة)

في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة بفرادة الطابع والمزاج. أُريد للموسيقى خَلْق فسحة تعبيرية لاحتواء المَعيش، فتُجسّد أرضية للبوح؛ مُنجزةً إحدى وظائفها. تُضاف الوظيفة الأخرى المُمثَّلة بالإصرار على النجاة لمَنْح الآتي إلى الأمسية المُسمَّاة «موسيقى تحت النار» لحظات حياة. موسيقيون على البزق والدرامز والإيقاع والكمنجة... عزفوا للمحاربين في هذه الاستراحة. يُعلّق هشام جابر: «لم يكن ينقصنا سوى الغبار. جميعنا في معركة».

لشهر ونصف شهر، أُغلق «مترو». شمَلَه شلل الحياة وأصابته مباغتات هذه المرارة: «ألغينا برنامجاً افترضنا أنه سيمتدّ إلى نهاية السنة. أدّينا ما استطعنا حيال النازحين، ولمّا لمسنا تدهور الصحّة النفسية لدى المعتادين على ارتياد أمسيات المسرح، خطرت العودة. أردنا فسحة للفضفضة بالموسيقى».

لم يَسْلم تاريخ لبنان من الويل مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز (مترو المدينة)

يُشبّه المساحة الفنية التي يتيحها «مترو» بـ«علبة خارج الزمن». ذلك لإدراكه أنّ لبنان امتهن الصعاب ولم يَسْلم تاريخه من الويل، مما لقَّن أبناءه فنّ التجاوُز. وامتهن اجتراح «العُلب»، وهي الفسحات الرقيقة. منها يُواجه أقداره ويُرمّم العطب.

استمرّت الحفلات يومَي 20 و21 الحالي، وسلّمت «موسيقى تحت النار» أنغامها لعرض سُمِّي «قعدة تحت القمر»، لا يزال يتواصل. «هذا ما نجيده. نعمل في الفنّ»، يقول هشام جابر؛ وقد وجد أنّ الوقت لا ينتظر والنفوس مثقلة، فأضاء ما انطفأ، وحلَّ العزفُ بدل الخوف.

يُذكِّر بتاريخ البشرية المضرَّج بالدماء، وتستوقفه الأغنيات المولودة من ركام التقاتُل الأهلي اللبناني، ليقول إنّ الحروب على مرّ العصور ترافقت مع الموسيقى، ونتاج الفنّ في الحرب اللبنانية تضاعف عمّا هو في السلم. يصوغ المعادلة: «مقابل الصدمة والاهتزاز واليأس، موسيقى ونغمات وأمل». ذلك يوازي «تدليك الحالة»، ويقصد تليينها ومدّها بالاسترخاء، بما يُشبه أيضاً إخضاع جهاز لـ«الفرمتة»، فيستعيد ما تعثَّر ويستردّ قوةً بعد وهن.

أنار المسرح البيروتي أضواءه واستقبل آتين إلى سهراته المميّزة (مترو المدينة)

يتمسّك «مترو المدينة» بحقيقة أنّ الوقت الصعب يمضي والزمن دولاب. أحوالٌ في الأعلى وأحوال في الأسفل. هذه أوقات الشدائد، فيشعر الباحثون عن حياة بالحاجة إلى يد تقول «تمسّك بها»، ولسان يهمس «لا تستسلم». أتاح المسرح هذا القول والهَمْس، ففوجئ هشام جابر بالإقبال، بعد الظنّ أنه سيقتصر على معارف وروّاد أوفياء. يقول: «يحضر الناس لكسر الشعور بالعزلة. يريدون مساحة لقاء. بعضهم آلمته الجدران الأربعة وضخّ الأخبار. يهرعون إلى المسرح لإيجاد حيّز أوسع. ذلك منطلقه أنّ الفنّ لم يعد مجرّد أداة ترفيهية. بطُل هذا الدور منذ زمن. الفنون للتعافي وللبقاء على قيد الحياة. أسوةً بالطعام والشراب، تُغذّي وتُنقذ».

كفَّ عن متابعة المسار السياسي للحرب. بالنسبة إليه، المسرح أمام خيارَيْن: «وضع خطّة للمرحلة المقبلة وإكمال الطريق إن توقّف النار، أو الصمود وإيجاد مَخرج إن تعثَّر الاتفاق. في النهاية، المسارح إيجارات وموظّفون وكهرباء وتكاليف. نحاول أن يكون لنا دور. قدّمنا عروضاً أونلاين سمّيناها (طمنونا عنكم) ترافقت مع عرض (السيرك السياسي) ذائع الصيت على مسرحنا. جولته تشمل سويسرا والدنمارك وكندا...».

ترسيخ الفنون بوصفها احتمالاً للنجاة (مترو المدينة)

ويذكُر طفولة تعمَّدت بالنار والدخان. كان في بدايات تفتُّح الوعي حين رافق والده لحضور حفل في الثمانينات المُشتعلة بالحرب الأهلية. «دخلنا من جدار خرقته قذيفة، لنصل إلى القاعة. اشتدّ عودنا منذ تلك السنّ. تعلّقنا بالحياة من عزّ الموت. لبنان حضارة وثقافة ومدينة وفنّ. فناء تركيبته التاريخية ليست بهذه البساطة».

يرى في هذه المحاولات «عملاً بلا أمل». لا يعني إعلان اليأس، وإنما لشعورٍ بقسوة المرحلة: «يخذلني الضوء حيال الكوكب بأسره، ولم يعُد يقتصر غيابه على آخر النفق. حين أردّد أنني أعمل بلا أمل، فذلك للإشارة إلى الصعوبة. نقبع في مربّع وتضيق بنا المساحة. بالفنّ نخرج من البُعد الأول نحو الأبعاد الثلاثة. ومن الفكرة الواحدة إلى تعدّدية الأفكار لنرى العالم بالألوان. كما يُحدِث الطبيب في الأبدان من راحة وعناية، يحتضن الفنّ الروح ويُغادر بها إلى حيث تليق الإقامة».