مع اقتراب قمة المناخ من الموعد المحدد لنهايتها غداً، وتعثر المفاوضات التي وصلت إلى طريق مسدود بين الدول الأطراف لتحديد التزامات تكفل تحقيق الأهداف الملحوظة في اتفاق باريس، رفع الاتحاد الأوروبي مستوى الرهان بموافقة المفوضية الأوروبية صباح أمس (الأربعاء)، في بروكسل على «الميثاق الأخضر» الذي يتضمن استراتيجية والتزامات قانونية من الدول الأعضاء بخفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى المستوى الذي تستوعبه الطبيعة. تقدمت المفوضية الأوروبية بهيكلها الجديد، أمس، والخطوط العريضة لخطتها البيئية، حيث من المتوقع ضخ مليارات الدولارات في إطار جهود تهدف إلى الوصول بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الاتحاد الأوروبي إلى الصفر بحلول عام 2050. وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين، قد جعلت «الميثاق الأخضر الأوروبي» جزءاً رئيسياً من حملتها لرئاسة الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، وتعهدت بتحول صديق للمناخ في قطاعات الزراعة والتنقل والطاقة.
ويتعين بدء تطبيق التفاصيل الدقيقة للخطة بحلول أواخر عام 2020. وأثار هذا الإعلان بالفعل غضب اتحاد الصناعات الألمانية (بي دي آي)، على سبيل المثال، الذي قال لوكالة الأنباء الألمانية إن أهداف المناخ التي تتنامى باستمرار عبارة عن «سم للاستثمارات طويلة المدى». أما منظمة «غرينبيس» (السلام الأخضر) المعنية بحماية البيئة، فقالت إن هدف فون دير لاين لتقليص انبعاثات الكربون للاتحاد الأوروبي لعام 2030 من نسبته الحالية وهو 40% إلى أعلى من 55%، مقارنةً بمستويات عام 1990 - ليس طموحا بشكل كافٍ. وترى «غرينبيس» أنه من أجل تحقيق البديل الأكثر طموحاً لهدف اتفاق باريس بالحد من زيادة متوسط درجات الحرارة في أنحاء العالم إلى 5.1 درجة مئوية، مقارنةً بمستويات ما قبل الثورة الصناعية، يتعين أن تمضي فون دير لاين قدماً في جهود تقليص الانبعاثات إلى نسبة 65% بحلول عام 2030.
ومن المنتظر أن يصدق رؤساء الدول والحكومات على هذا الميثاق خلال القمة الأوروبية التي تنعقد اليوم وغداً في العاصمة البلجيكية، وعلى خطط تمويله بتكلفة تقارب 100 مليار يورو من موارد رسمية وخاصة. وتقول مصادر مطلعة إن العرض المالي السخي المرافق لهذه الخطة البيئية الطموحة يهدف إلى تذليل العقبات التي تضعها بلدان مثل بولندا وألمانيا لخشيتها من الكلفة الباهظة للانتقال إلى اقتصاد مستديم بيئياً. ومن المنتظر أن تستفيد ثمانية أقاليم ألمانية (لاندير) من مساعدات ضخمة مقابل وقف إنتاجها الصناعي بالفحم، لكن برلين ما زالت عند إصرارها على رفض المعدلات المقترحة لنهاية المرحلة الانتقالية في عام 2030، حيث من المقرر أن تنخفض الانبعاثات بنسبة 40% مقارنةً مع مستويات عام 1990. وتصر المفوضية الأوروبية على تسريع الجهود لخفض الانبعاثات إلى المستوى المنصوص عليه في اتفاق باريس، لتوجيه رسالة واضحة إلى القطاع الصناعي والرأي العام بأن العودة إلى الوراء ليست واردة في هذا المسار.
ويتضمن «الميثاق الأخضر» آلية انتقالية لمساعدة الدول الأعضاء على تحويل قطاعاتها الصناعية إلى أنماط مستديمة بيئياً، بفضل مساهمات رسمية من الدول ومن البنك الأوروبي للاستثمار. ومن المنتظر أن يلحظ الإطار الجديد للموازنة الأوروبية اعتمادات كبيرة لتمويل تنفيذ هذا الميثاق الذي ما زال يواجه تحفظات شديدة من الدول الأعضاء في أوروبا الوسطى.
ومن المؤشرات على انخفاض التوقعات بالنسبة إلى النتائج المرتقبة من هذه القمة التي دخلت أمس، مرحلة المفاوضات رفيعة المستوى على مستوى الرؤساء والوزراء، أن بلداناً وازنة في المشهد العالمي لمواجهة أزمة المناخ والإجراءات الواجب اتخاذها لمعالجتها، ليست ممثلة على المستوى الوزاري، وبالتالي ليس منتظراً أن تصدر عنها أي تعهدات إضافية للحد من الانبعاثات الغازية.
لكنّ تدني مستوى تمثيل الإدارة الأميركية، التي بدأت منذ شهرين الإجراءات القانونية للانسحاب من اتفاقية باريس، الذي حاولت تعويضه رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي بمشاركتها في افتتاح القمة، عاد إلى الواجهة أمس، بحضور الممثل المعروف هاريسون فورد، والمرشح الديمقراطي لرئاسة الجمهورية مايكل بلومبيرغ، ووزير الخارجية الأسبق جون كيري.
وفي ندوة جانبية شارك فيها كيري وبلومبيرغ، دعا الأمين العام الأسبق للحلف الأطلسي خافيير سولانا إلى «ضرورة إعادة ضخ الحياة في النظام الدولي المتعدد الأطراف، لأنه السبيل الوحيد الكفيل بمعالجة الأزمات العالمية». وقال بلومبيرغ: «جئت إلى مدريد لأن ترمب رفض المجيء، ويجب على الولايات المتحدة أن تعود إلى اتفاق باريس في أقرب فرصة»، مشيراً إلى أن ولايات أميركية عدة تلتزم تطبيق الإجراءات المتفق عليها في هذه الاتفاقية.
لكن الكلمة التي استقطبت اهتمام القمة أمس، كانت تلك التي ألقتها الناشطة السويدية غريتا تونبرغ، عارضة القرائن العلمية التي تستوجب الإسراع في اتخاذ «التدابير الكفيلة بوقف الكارثة المناخية»، وركزت على «اختلال المعايير والتوازن بين الدول الفقيرة والدول الغنية بالنسبة لموضوع التلوث والإجراءات الواجب اتخاذها». ثم تساءلت: «كيف يمكن أن نتحدث عن هذه الكارثة العالمية التي تهدد العالم بأجمعه من غير أن ندق نواقيس الخطر ونسمي الذين يتسببون فيها والمسؤولين عن معالجتها؟». وعادت تونبرغ لتكرر بعض ما جاء في الخطاب الشهير الذي ألقته في سبتمبر (أيلول) الماضي، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، فقالت: «سنبقى عيوناً ساهرة على ما تفعلون لمعالجة أزمة المناخ، لأن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر كما هو... تأتون إلينا بحثاً عن الأمل، ثم عن التأييد في الانتخابات، لكن أفعالكم تسرق أحلامنا وكلامكم الخاوي يطوي طفولتنا على الكوابيس... نحن في بداية انهيار كبير وأنتم لا تتحدثون إلا عن المال والنمو الاقتصادي».
المفوضية الأوروبية تعتمد «الميثاق الأخضر» لخفض الانبعاثات الغازية
خططها التمويلية بتكلفة 100 مليار يورو تنتظر تصديق الدول الأعضاء
المفوضية الأوروبية تعتمد «الميثاق الأخضر» لخفض الانبعاثات الغازية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة