اتهامات للميليشيات بمنع وصول المساعدات الإنسانية لـ6 ملايين يمني

توثيق اعتداءات حوثية ممنهجة وإتلاف لأطنان من الغذاء

TT

اتهامات للميليشيات بمنع وصول المساعدات الإنسانية لـ6 ملايين يمني

منذ سيطرت الميليشيات الحوثية على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء، ومناطق يمنية أخرى، تسببت بإدخال اليمن في مجاعة لم يسبق لها مثيل، كما فاقمت الوضع الإنساني من خلال مواصلة إعاقتها لوصول المساعدات الإنسانية إلى الجياع والفقراء والمحتاجين في مناطق سيطرتها.
في هذا السياق، كشفت سلسلة من التقارير الدولية والمحلية عن تفاصيل عمليات القرصنة الحوثية ضد المساعدات الإنسانية المقدمة لليمنيين في مناطق متفرقة خاضعة للجماعة.
وبينت التقارير جانباً من الوجه القبيح لميليشيات الحوثي، ومدى حقدها، واستمرارها في تجويع الشعب اليمني من خلال العبث والنهب للمساعدات الإغاثية المخصصة له، التي تندرج جميعها في إطار استغلالها المتواصل لمعاناته وأوجاعه والمتاجرة بها على الصعيدين المحلي والخارجي.
وفضحت التقارير، التاريخ الطويل للجماعة الإرهابية في منع وصول قوافل المساعدات الإغاثية إلى المستحقين في المناطق اليمنية التي تطبق الحصار الجائر عليها من جهة، ونهبها للمساعدات الأممية المخصصة للفقراء والمحتاجين بمناطق قبضتها من جهة ثانية.
وأكدت أن الميليشيات دأبت، ومنذ انقلابها، على التلاعب في توزيع المساعدات الغذائية، وكذا نهب ومصادرة عشرات الأطنان منها، وبيعها في السوق السوداء.
وأفادت تقارير أميركية سابقة بأنها تقصت حول اختلاسات وسرقة ونهب ميليشيات الحوثي للإغاثة الدولية، وإساءتها في معاملة ملايين اليمنيين الذين تفتك بهم المجاعة، مشيرة إلى «أن بعضاً من تلك الشحنات الغذائية يقوم عناصر الحوثي بسرقتها على نطاق أكبر بكثير مما تم الإبلاغ عنه من قبل».
وتوصلت التقارير إلى أن عشرات المناطق في اليمن، التي دمرتها الحرب تسلمت المعونات الغذائية على الأوراق فقط، وأن الآلاف من الأسر المتضررة لم تصلها المعونات على أرض الواقع.
وتحوم الشبهات، حسب شكوك الأمم المتحدة، حول أن شحنات المعونات الغذائية يتم تحويلها إلى عناصر ميليشيات الحوثي ومؤيديهم، بدلاً من الأطفال الذين يتضورون جوعاً، خصوصاً بعد أن كشفت الأمم المتحدة عن فقدان نحو واحد في المائة من المساعدات، مع الإقرار بوجود نطاق واسع من إساءة المعاملة.
إلى ذلك كشف تقرير آخر صدر حديثاً عن الأمم المتحدة، عن أن ميليشيات الحوثي تعوق وصول المساعدات والخدمات لنحو 6 ملايين شخص يقطنون في المناطق الخاضعة لسيطرتها، لا سيما في الحديدة والضالع وحجة.
وأشار التقرير الأممي إلى أنه لا يزال الوصول للمحتاجين صعباً للغاية، بسبب القيود البيروقراطية في مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي، حسب التقرير الذي جاء تحت عنوان «نظرة عامة على السياقات التي يواجه فيها العمل الإنساني أكبر القيود».
وأوضح التقرير أن نقص الوقود والغاز يؤدي إلى انقطاع الكهرباء والماء والصرف الصحي والخدمات الصحية، وزيادة تكلفة السلع الأساسية، إذ تفرض الميليشيات الحوثية قيوداً على مستوردي المشتقات النفطية، وتتاجر بالغاز والوقود في السوق السوداء.
ودفعت الاعتداءات الحوثية المتصاعدة على إمدادات وقوافل المساعدات الإنسانية، برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إلى إصدار بيان رسمي في يناير (كانون الثاني) الماضي، يطالب فيه بوقف سرقة وتلاعب الحوثيين بهذه المساعدات، لا سيما في الحديدة وصنعاء وعدد آخر من المناطق الخاضعة لسلطتهم.
ولفت البيان إلى رصد البرنامج، وبالصور والأدلة، لنقل الجماعة الحوثية شاحنات المواد الغذائية بشكل غير شرعي من مراكز توزيع الأغذية المخصصة لذلك، وتزويرهم لسجلات التوزيع ومنح المساعدات لغير مستحقيها، وبيع بعضها في أسواق صنعاء لتحقيق مكاسب مادية.
وفي 18 يونيو (حزيران) 2019، قام برنامج الأغذية العالمي بتعليق توزيع المواد الغذائية في صنعاء لأكثر من شهر، بسبب القيود الحوثية على اختيار المستفيدين ومراقبتهم.
وحذر البرنامج من استمرار عرقلة الميليشيات لعمليات إيصال المساعدات الغذائية لسكان المناطق الخاضعة لسيطرتهم في اليمن، واتهمها بالتلاعب بالمساعدات ومصادرتها.
وهدد ديفيد بيزلي المدير التنفيذي للبرنامج - خلال إفادة قدمها لمجلس الأمن حينها - بعزم البرنامج التعليق التدريجي لعمليات إيصال المساعدات الغذائية المقدمة للمناطق التي تسيطر عليها الجماعة، في حال عدم تراجعها عن سياساتها وتغيير سلوكها المعرقل للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك وقف تغيير وجهة الشحنات.
وأبلغ بيزلي، مجلس الأمن، «أن مساعداتنا الغذائية يتم التلاعب بها ونمنع من ضبط الأمر»، واتهم الميليشيات الحوثية بالتزوير والغش وسرقة طعام المحتاجين لإطعام ميليشياتهم.
وفيما حمل المسؤول الأممي، بتقريره، الميليشيات، مسؤولية موت الأطفال في اليمن. وجدد أيضاً دعوته لهم بالسماح لبرنامج الأغذية العالمي بالقيام بدوره الإنساني في اليمن دون مزيد من التأخير.
وتحدث عن أن السلطات اليمنية في المناطق الخاضعة للحكومة اليمنية تتعاون مع ممثلي البرنامج، ما يسهل تجاوز كل المعوقات الناشئة على الأرض.
وجدد اتهاماته لقادة الميليشيات بالإيعاز للقيام بالعرقلة أو عدم التعاون، وبما يمنع وصول قوافل المساعدات الإنسانية للمتضررين من الناس في المناطق التي يسيطرون عليها عسكرياً، أو من أجل التحكم في اختيار من يتلقون المساعدات، أو تحويل المساعدات للأغراض غير المخصصة لها في ظل غياب استقلالية العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
وبالعودة إلى ما أوردته بعض التقارير الأممية بهذا الخصوص، فقد أكد تقرير أممي سابق، أن الموافقات على إقامة مشروعات إنسانية بمناطق سيطرة الحوثيين تستغرق أوقاتاً تصل إلى أكثر من 100 يوم في المتوسط. وأكد التقرير أن ميليشيات الحوثي رفضت الموافقة على 11 مشروعاً منقذاً لحياة 1.4 مليون شخص، وبتمويل 32 مليون دولار.
في المقابل، ذكرت منظمات أممية تعمل بالمجال الإنساني في تقارير لها، أن نحو 299 حادث تقطع وإعاقة قام بها الحوثيون لمنع وصول الغذاء للمحتاجين في يونيو ويوليو (تموز) الماضيين، التي تؤثر على 4.9 مليون شخص في حاجة لها.
وأشارت إلى إزالة نحو 1200 طن من الغذاء بصورة غير مشروعة من المخازن، وتوزيعها أو بيعها لأشخاص لا يحق لهم تسلم السلع، وذلك فقط خلال شهرين ماضيين فقط من عام 2018. وقالت إن الحوثيين يمارسون ضغطاً مستمراً على الجهات الفاعلة في العمل الإنساني، ولا يحترمون الالتزامات التي تعهدوا بها بتسيير مرور الإغاثة، بسرعة ودون عوائق لتصل إلى المدنيين المحتاجين.
وعلى صعيد هجمات الميليشيات واعتداءاتها المتكررة على قوافل المساعدات الغذائية الممنوحة لليمنيين، وثقت اللجنة العليا للإغاثة في اليمن احتجاز 88 سفينة إغاثية وتجارية ونفطية من قبل الحوثيين خلال الفترة من (2015 - 2018)، ونهب واحتجاز 697 شاحنة إغاثية، وتفجيرهم 4 شاحنات منها، إضافة إلى 16 واقعة اعتداء على منظمات تابعة للأمم المتحدة والعاملين بها تنوعت بين القتل والخطف وإغلاق المكاتب بالقوة.
وفي أواخر أغسطس (آب) الماضي، أتلفت الجماعة آلاف الأطنان من القمح المطحون في العاصمة صنعاء، بعد رفضهم وصول تلك المساعدات للمحتاجين في محافظة تعز.
وحسب تقارير محلية، أقدمت جرافات حوثية على إتلاف كميات ضخمة من المواد التي حملت شعار برنامج الأغذية العالمي. وزعمت الميليشيات حينها أن الأغذية منتهية الصلاحية.
وأكدت الأمم المتحدة، حينها، أن المساعدات الإنسانية التي أتلفتها ميليشيات الحوثي في صنعاء كان من المفترض توزيعها على العائلات في تعز في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018. ولكن انتهى الأمر بهذا الطعام عالقاً على حاجز لأشهر.
وكثيراً ما يوجه سكان محليون في صنعاء اتهاماتهم للجماعة الانقلابية، بتعمدها إخفاء أطنان كبيرة من المساعدات الغذائية في مخازن سرية خاصة بها، والحيلولة دون توزيعها على المحتاجين، لتنتهي صلاحية البعض منها، والبعض الآخر تبيعه الميليشيات في الأسواق السوداء.
ويقول السكان في العاصمة اليمنية، إن «جرائم وانتهاكات الميليشيات، خصوصاً فيما يتعلق بنهب المساعدات الإغاثية تأتي في سياق سياسة ممنهجة دأبت الجماعة على ممارستها منذ وقت طويل بهدف تجويع اليمنيين وقطع إمدادات الحياة عنهم وكسر إرادة الحياة فيهم».


مقالات ذات صلة

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج أسرى يلوِّحون بأيديهم لدى وصولهم إلى مطار صنعاء في عملية تبادل سابقة (أرشيفية- رويترز)

أطراف النزاع في اليمن يتفقون على تبادل 2900 محتجز

أكد مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن أطراف النزاع في اليمن اختتمت، الثلاثاء، اجتماعاً استمر 11 يوماً في سلطنة عمان.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تشييع قيادي حوثي توفي بشكل غامض في إب وسط تكهنات باغتياله جراء خلافات مالية (إعلام حوثي)

الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

تشهد مناطق سيطرة الجماعة الحوثية تسارعاً غير مسبوق في الإعدامات الميدانية للمدنيين، وعلى خلفيات مناطقية، وتسبب الانفلات الأمني في حوادث اغتيال عدد من القيادات

وضاح الجليل (عدن)
مسلح حوثي يراقب تجمعاً لرجال القبائل في صنعاء (إ.ب.أ)

انفلات الثأر القبلي يكشف زيف مزاعم الحوثيين باحتواء الصراعات

تصاعدت حوادث الثأر والعنف القبلي في مناطق الحوثيين على الرغم من ادعاءاتهم تبني سياسات للصلح وإنهاء النزاعات التي يستغلونها لتعزيز نفوذهم وجني مزيد من الموارد.

وضاح الجليل (عدن)

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
TT

احتفالات عيد الميلاد تعود إلى بيت لحم بعد عامين من الحرب على غزة

احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)
احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم، الأربعاء، مع بدء الاحتفالات بعيد الميلاد في المدينة الواقعة بالضفة الغربية المحتلّة، بعد عامين خيّمت عليهما حرب غزة التي حرمت مسقط رأس السيد المسيح، حسب المعتقد المسيحي، من الاحتفال.

لكن هذا العام، بدت المدينة الواقعة في جنوب الضفة الغربية أكثر حيوية، بعد اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، حيث يواجه مئات الآلاف برد الشتاء القارس بعد أن تركتهم الحرب في خيام مهترئة ومنازل مدمرة.

تجوب فرق الكشافة شوارع بيت لحم (أ.ب)

وفي الفاتيكان، من المقرر أن يترأس البابا لاوون الرابع عشر قداس عيد الميلاد الأول له عند الساعة 20:30 بتوقيت غرينتش في كاتدرائية القديس بطرس، بعدما دعا إلى «24 ساعة من السلام في العالم أجمع».

وانتخب الحبر الأعظم الأميركي من قبل مجمع الكرادلة، في مايو (أيار)، عقب وفاة البابا فرنسيس، وهو يتميّز بأسلوب أكثر هدوءاً من سلفه، لكنه سار على خطاه في قضايا أساسية، مثل الهجرة والعدالة الاجتماعية.

«أمل»

في بيت لحم، طغت على الأجواء أصوات الطبول ومزامير القِرَب التي تعزف ألحان تراتيل ميلادية شهيرة، بينما توجّه المسيحيون، صغاراً وكباراً، نحو وسط المدينة حيث ساحة المهد.

وقالت ميلاغروس إنسطاس (17 عاماً) التي ترتدي الزي الأصفر والأزرق لكشافة الساليزيان في بيت لحم «اليوم مليء بالفرح، لأننا (من قبل) لم نكن قادرين على الاحتفال بسبب الحرب».

وعلى غرار سائر دول الشرق الأوسط، يشكّل المسيحيون أقلية في الأراضي المقدسة، إذ لا يزيد عددهم على 185 ألفاً في إسرائيل، و47 ألفاً في الأراضي الفلسطينية.

وشارك مئات الأشخاص في المسيرة التي جابت شارع النجمة الضيق المفضي إلى كنيسة المهد والساحة المؤدية لها.

وتجمّع حشد غفير في ساحة المهد، فيما أطلّ عدد قليل من المتفرجين من شرفات مبنى البلدية لمتابعة الاحتفالات.

وفي وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء.

ويعود بناء الكنيسة إلى القرن الرابع، وقد بُنيت فوق مغارة يعتقد المسيحيون أن السيد المسيح وُلد فيها قبل أكثر من ألفي عام.

وقالت كاتياب عمايا (18 عاماً)، وهي من أعضاء الكشافة أيضاً، إن عودة الاحتفالات تمثّل رمزاً مهماً لوجود المجتمع المسيحي في المنطقة.

وأضافت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «هذا يمنحنا أملاً بأن المسيحيين ما زالوا هنا يحتفلون، وأننا ما زلنا نحافظ على التقاليد».

في وسط الساحة، وقفت شجرة الميلاد الكبيرة المزينة بكرات حمراء وأخرى ذهبية لتزيد بهجة على الأجواء (أ.ف.ب)

«إخوتنا وأخواتنا في غزة»

خلال الحرب المدمرة التي دارت في قطاع غزة، عمدت بلدية بيت لحم المنظمة للاحتفالات الخاصة بعيد الميلاد إلى تخفيف مظاهر الاحتفال، فاقتصرت على المراسم الدينية.

وقالت عمايا: «هذه الاحتفالات هي بمثابة أمل لشعبنا في غزة... بأنهم سيحتفلون يوماً ما ويعيشون الحياة من جديد».

وقبل ساعات ظهر الأربعاء، وصل بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، إلى بيت لحم، استعداداً لترؤس قداس منتصف الليل التقليدي في كنيسة المهد.

وقال لدى وصوله إلى كنيسة المهد أمام المئات من المحتشدين: «أُوصِل لكم التحيات والصلوات من إخوتنا وأخواتنا في غزة».

وكان بيتسابالا زار غزة المدمّرة من الحرب في عطلة نهاية الأسبوع، وترأس قداس عيد الميلاد في رعية العائلة المقدسة بمدينة غزة الأحد.

بطريرك اللاتين في القدس، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا وسط الحشود (أ.ب)

وأُبرم اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» برعاية أميركية وقطرية ومصرية وتركية، ودخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن السكان ما زالوا يواجهون حياة صعبة وبائسة بعد فقدان منازلهم وأحبتهم.

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بخرق الاتفاق.

«مكان مميّز جداً»

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح.

ويعتمد اقتصاد مدينة بيت لحم، على وجه الخصوص، على السياحة.

وتسببت الحرب في غزة بعزوف السياح عن المجيء خلال الحرب إلا أعداد قليلة جداً، كما تسببت الحرب بارتفاع معدلات البطالة.

لكن الزوار المسيحيين بدأوا، في الأشهر الأخيرة، بالعودة تدريجياً إلى المدينة المقدسة.

يأمل سكان بيت لحم أن تسهم عودة احتفالات عيد الميلاد في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح (أ.ف.ب)

وقال جورج حنا، من بلدة بيت جالا المجاورة «بيت لحم مكان مميّز جداً، نريد أن تصل رسالتنا إلى العالم كله، وهذه هي الطريقة الوحيدة».

وخلص إلى القول: «نأمل أن نتمكن من الاحتفال، وأن يكون الأطفال سعداء، هذا هو العيد بالنسبة لنا».


التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

التفاهم المصري - الأميركي على «إعمار غزة» يكتنفه الغموض وغياب التفاصيل

فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل طفلاً بجوار أنقاض المباني المدمرة في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة الأربعاء (أ.ف.ب)

رغم اتفاق القاهرة وواشنطن على ضرورة تفعيل خطة لإعادة إعمار غزة، فإن النهج الذي ستتبعه هذه الخطة ما زال غامضاً، فضلاً عن عدم تحديد موعد لعقد مؤتمر في هذا الشأن.

ووسط تسريبات إسرائيلية عن مسعى لإعمار جزئي، وتناغم خطة أميركية جديدة مع هذا المسار العبري من دون رفض للخطة المصرية في إعمار كامل وشامل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط» إن مصر تهدف إلى «إطلاق مسار متكامل بشأن إعمار غزة».

تلك الجهود أكدتها أيضاً الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» قائلة إنها «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

المسار الأول

ومنذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ظهر مساران، أحدهما مصري والآخر أميركي يبدو متناغماً مع طرح إسرائيلي، والاثنان يقودان تصورات على أرض الواقع بشأن إعمار القطاع المدمر بسبب الحرب الإسرائيلية على مدار نحو عامين.

وعقب الاتفاق، كان المسار المصري أسرع في الوجود، وجدد الرئيس المصري التأكيد على عقد مؤتمر لإعمار قطاع غزة، وكان موعد نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، هو المحتمل لذلك التنظيم، ومع عدم عقده قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، قبل أسابيع، إن القاهرة تعمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تهيئة البيئة المناسبة لنجاح مؤتمر «لتعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة». في معرض ردّه على سؤال عن سبب تأجيل المؤتمر.

ولتسريع الجهود، قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، في مؤتمر صحافي ببرلين، مع نظيره الألماني يوهان فاديفول، أوائل ديسمبر (كانون الأول) الحالي: «نتشاور مع الولايات المتحدة لتكوين رئاسة مشتركة لمؤتمر الإعمار، ونأمل التوافق على توقيت في أسرع وقت ممكن لعقد هذا المؤتمر، بالتعاون مع الشركاء».

لقطة عامة لخيام نازحين وسط أحوال جوية قاسية في خان يونس جنوب قطاع غزة 18 ديسمبر 2025 (رويترز)

واعتمدت «القمة العربية الطارئة»، التي استضافتها القاهرة في 4 مارس (آذار) الماضي، «خطة إعادة إعمار وتنمية قطاع غزة» التي تستهدف العمل على التعافي المبكر، وإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين، وفق مراحل محددة، وفي فترة زمنية تصل إلى 5 سنوات، وبتكلفة تقديرية تبلغ 53 مليار دولار.

ودعت القاهرة إلى عقد مؤتمر دولي لدعم إعادة الإعمار في غزة، بالتنسيق مع الأمم المتحدة.

إعمار من دون تهجير

وحسب عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية والأكاديمي المصري أحمد فؤاد أنور، فإن «مصر تسعى لتوفير توافق أكبر على جعل أي نهج للإعمار، سواء عبر خطة مصرية أو غيرها وفق إطار جعل غزة مكاناً ملائماً للحياة دون أي تهجير أو تهديد للأمن القومي المصري»، متوقعاً أن «تنجح الدبلوماسية المصرية في ذلك كما نجحت في مؤتمر شرم الشيخ للسلام».

ويضيف أنور: «الأولوية لدى مصر هي توفير طوق نجاة للجانب الفلسطيني، وتواصل التعاون مع الشركاء بشكل جدي من أجل توفير الزخم اللازم لإنجاز مهمة الإعمار، سواء كانت نابعة من خطة مصرية أو أميركية شريطة أن تصل بنا لجعل غزة مكاناً ملائما للسكن وليس للتهجير أو المساس بحق الفلسطينيين أو الأمن القومي المصري».

المسار الآخر

وفي 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدأت بوادر المسار الآخر الأميركي، وأكد جاريد كوشنر، صهر ترمب في مؤتمر صحافي بإسرائيل، أن إعادة إعمار غزة في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي «مدروسة بعناية، وهناك اعتبارات جارية حالياً في المنطقة الخاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي، إذا أمكن تأمينها لبدء البناء، بوصفها غزة جديدة؛ وذلك بهدف منح الفلسطينيين المقيمين في غزة مكاناً يذهبون إليه، ومكاناً للعمل، ومكاناً للعيش»، مضيفاً: «لن تُخصَّص أي أموال لإعادة الإعمار للمناطق التي لا تزال تسيطر عليها (حماس)».

ومطلع الأسبوع الحالي، تحدث تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن خطة أعدها كوشنر والمبعوث الأميركي ستيف ويتكوف تسمى «مشروع شروق الشمس» لإعمار غزة مع اشتراط نزع سلاح «حماس»، بدءاً من الجنوب في رفح على مدار 10 سنوات، وتعنون بـ«رفح الجديدة» (تتمسك بها إسرائيل للبدء بها، والتي تقع على مقربة من الحدود المصرية) دون تحديد أين سيقيم نحو مليوني فلسطيني نازح خلال فترة إعادة البناء.

هذا المسار الأميركي المنحاز لإسرائيل، وفق تقديرات فؤاد أنور، «أقرب لصفقة تفاوضية، تريد أن تضع شروطاً تخدم مطالب إسرائيل بنزع (سلاح المقاومة)، والضغط عليها وفي الوقت ذاته احتمال تمرير التهجير دون أن ترفض الخطة المصرية صراحة، وبالتالي هناك اختلاف بين رؤيتي القاهرة وإسرائيل».

أي المسارين سينجح؟

وسط ذلك الاختلاف، والتساؤل بشأن أي المسارين سيكتب لها التموضع، قال وزير الخارجية التركي في تصريحات أدلى بها للصحافيين، السبت، إن «هناك تفاهمات تبعث على الأمل رغم تعنت إسرائيل»، مضيفاً: «هناك دراسة أولية بشأن إعادة إعمار غزة، تم تقديمها ونقاشها بشكل تمهيدي»، وفقاً لما ذكرته وكالة «الأناضول» التركية، غداة اجتماع للوسطاء في مدينة ميامي الأميركية، لبحث مستجدات اتفاق وقف إطلاق النار.

وخرج تقرير «بلومبرغ»، الاثنين، التي نقلت خلاله عن مصادر، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة، مطلع الشهر المقبل على أقرب تقدير على أن يعقد في واشنطن أو مصر أو مواقع أخرى في ظل سعي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإعطاء زخم جديد لاتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس».

عمال فلسطينيون يُصلحون قبل أيام طريقاً تضرر من الحرب بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

وتعليقاً على تقرير «بلومبرغ»، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في تصريح خاص، الأربعاء، إن «الجهود الدولية لا تزال مستمرة للتشاور والتنسيق بين الأطراف المعنية، بما في ذلك مصر والولايات المتحدة، وبالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين؛ بهدف تهيئة الظروف الملائمة لإطلاق مسار متكامل للتعافي المبكر وإعادة الإعمار».

وأضاف خلاف: «لا تزال المشاورات جارية بشأن إعادة الإعمار، لدعم الشعب الفلسطيني وتخفيف معاناته، وبما يتسق مع الجهود الأوسع لتثبيت وقف إطلاق النار ودفع مسار التهدئة».

وبشأن مستجدات عقد مؤتمر الإعمار، وهل سيكون بشراكة مع مصر أم منفرداً، وحول مكان انعقاده، قالت الخارجية الأميركية في تصريح خاص مقتضب، إن الولايات المتحدة «تتواصل بشكل فعال مع الشركاء بشأن إعمار غزة».

وتحفظت وزارة الخارجية الأميركية عن الإدلاء بتفاصيل حالية، قائلة: «نتواصل بشكل فعّال مع شركائنا، وليس لدينا أي بيانات رسمية في الوقت الحالي».

ويرى فؤاد أنور، أن «مسار مصر أقرب للنجاح وسط المحادثات والمشاورات المصرية المستمرة لإنجاز مسار الاتفاق»، مشيراً إلى أن «واشنطن لن تغامر بالانحياز الكامل لإسرائيل في المرحلة الثانية المنتظرة والمرتبطة بترتيبات أمنية وإدارية مهمة، وقد تتجاوب مع الأفكار المصرية العربية ونرى مقاربة مغايرة أفضل قليلاً وتبدأ النقاشات بشأنه للوصول لرؤية ذات توافق أكبر».


وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
TT

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء، وبحث معه مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب، والأوضاع السياسية، والميدانية.

وذكرت «حماس» في بيان أن الحية أكد لوزير الخارجية التركي التزام الحركة ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، محذراً من استمرار «الاستهدافات، والخروقات» الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة، والتي قال إنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتقويض التفاهمات القائمة».

وفيما يتعلق بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، أشار الحية إلى أن المساعدات الإغاثية التي تدخل القطاع «لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات»، موضحاً أن 60 في المائة من الشاحنات التي تسمح إسرائيل بدخولها هي شاحنات لبضائع تجارية، وليست مساعدات إنسانية.

وأكد الحية أن ذلك «يحرم الشريحة الكبرى من أبناء شعبنا من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من غذاء، ودواء، وخيام بشكل إغاثي عاجل».

وتناول اللقاء أيضاً التطورات في الضفة الغربية، والقدس، حيث أكد وفد «حماس» على خطورة الممارسات «الإجرامية» الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية، والمسيحية.

كما ناقش الجانبان مسار تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة «المخططات» التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بحسب بيان «حماس».