الاقتباسات المسرحية الموسيقية باتت نادرة ومحفوفة بالمخاطر

ما بين فشل «فتيان جيرزي» ونجاح «بؤساء» فيكتور هوغو

الاقتباسات المسرحية الموسيقية باتت نادرة ومحفوفة بالمخاطر
TT

الاقتباسات المسرحية الموسيقية باتت نادرة ومحفوفة بالمخاطر

الاقتباسات المسرحية الموسيقية باتت نادرة ومحفوفة بالمخاطر

في الخامس من شهر أكتوبر (تشرين الأول) عام 2004، جرى تقديم الحفلة الأولى من مسرحية غنائية باسم «جيرزي بويز» («فتيان جيرزي»). كان التحضير لها بدأ عامين ونصف العام كفكرة نمت سريعا وبحماس. فالعنوان هو تغليف لقصـة حياة فرقة غنائية ترعرعت في الخمسينات ووصلت إلى ذروات نجاحها في الستينات باسم «الفصول الأربعة» أو «ذا فور سيزنز». من ذلك الوقت والمسرحية الموسيقية مستمرة (أكثر من 3480 عرضا حتى الآن) وبنجاح لم يتوقـعه أحد من أعضاء الفرقة ولا ممن ساهموا في تحقيق الفكرة من كتـاب ومسرحيين.
في عام 2010، تقدم الفريق، الذي توقـف عن الغناء المسجـل منذ عقود، بمعالجة سينمائية إلى بضع شركات هوليوودية. ثم عاد وأرسل معالجة أخرى في العام التالي. وفي عام 2012، أرسل سيناريو كاملا. كان ذلك في يونيو (حزيران) من تلك السنة. حتى نهايتها، كان المشروع ينتقل من مكتب إلى آخر من دون أن يجد من يوقع على شرائه وإنتاجه. في النهاية، ومع مطلع عام 2013 وافقت شركة وورنر على تمويله ووضع على «الطريق السريع»، إذ ما إن حل ربيع ذلك العام حتى بدأ العد التنازلي للتصوير الذي جرى بدءا من الصيف وحتى منتصف الخريف. في مثل هذه الأيام قبل عام واحد، دخل المشروع مرحلة ما بعد التصوير. وفي الخامس من يونيو من هذا العام، عرض على الشاشات الأميركية والعالمية: 134 دقيقة من فن البيوغرافي والغناء تكلـفت 40 مليون دولار. الفيلم دام أقل من 5 أسابيع من العروض السينمائية، بعده سُـحب من العرض مكتفيا بـ60 مليون دولار من الإيرادات. تبعا للحصص وتكاليف التوزيع، كان بحاجة إلى 90 مليون دولار لكي ينجز أرباحا.
الحق ليس على المخرج كلينت إيستوود. خامته كمخرج لا تتغيـر من فيلم لآخر. استعرض الفيلم حياة الفريق على نحو يقف عند كل المحطـات المهمـة: الخلفيات الشخصية، المحطـات الأولى، النجاحات، الصراعات، الإخفاقات. وفي كل ذلك، حافظ على إيقاع جيـد. إيستوود مخرج كلاسيكي من دون أن يكون عتيقا. ملتزم بمنحاه من العمل من دون أن يكون معاديا للجديد. لكن شيئا ما حال دون نجاح الفيلم على النحو ذاته الذي حققته المسرحية، أو حتى قريبا من ذلك النحو.
اقترح البعض التالي: كلينت إيستوود لا يستهوي الجمهور الشاب، حتى ولو كان الفيلم يدور حول فريق شاب يمثله على الشاشة ممثلون دون الثلاثين؛ منهم فنسنت بياتزا وستيف شيريبا وجون لويد يونغ وجوني كانيزارو، لذلك أخفق الفيلم. لكن هذا ليس صحيحا. لا يكترث الجمهور السائد لمن يقف وراء الكاميرا، بل لمعيار آخر مختلف من العمل، هو مدى اقتناعه بأن الفيلم المعيـن سيحمل إليه الترفيه المطلوب. «جيرزي بويز» كان موجـها إلى المشاهدين الذين عاصروا أغاني «ذا فور سيزنز» وهؤلاء هم الذين غابوا.

* براعات متفاوتة

* ما يثير الدهشة هو أن حال فيلم «البؤساء» الذي جرى تقديمه قبل عامين اقتباسا عن مسرحية موسيقية أخرى عرضت طويلا على خشبات برودواي وحول العالم. هذا الفيلم تكلـف 61 مليون دولار وحقق 433 مليون دولار، من بينها 149 مليون دولار من الولايات المتحدة ذاتها. أخرجه توم هوبر الذي لم يسمع به أحد من الجمهور السائد من قبل، وقام ببطولته ممثلون فوق الثلاثين عموما، بينهم هيو جاكمان وراسل كراو وآن هاذاواي وهيلينا بونام كارتر. كيف إذن حقق هذا الفيلم كل هذا النجاح بينما سجل «جيرزي بويز» من الإيرادات ما يعكس قلـة الاهتمام به؟
«البؤساء» نال 3 أوسكارات، لكن ليس من بينها ما مُـنح له تحديدا. آنا هاذاواي نالت أوسكار أفضل ممثلة مساندة، وليزا وستكوت وجولي دارتنل نالتا أوسكار المكياج وتصفيف الشعر، و3 تقنيين نالوا أوسكار «مزج الصوت»، علما بأن الفيلم دخل المنافسة في 5 مجالات أخرى، من بينها: أفضل فيلم، وأفضل أداء رجالي رئيس، وأفضل تصميم فني.
وتاريخ الأوسكار مع الأفلام الموسيقية مثير بدوره:
ما بين مطلع الستينات ونهايتها حفلت الأفلام بجوائز الأوسكار: «أوليفر» و«رجل لكل الفصول»، ولا تنسى «سيدتي الجميلة» و«صوت الموسيقى». لكن 3 أفلام فقط هي التي حظيت بالأوسكار في السنوات الأربعين الأخيرة أو نحوها؛ وهي: «أماديوس» لميلوش فورمان (1984)، و«قيادة الآنسة دايزي» لبروس بيرسفورد (1989)، ثم «شيكاغو» لروب مارشال (2002). وكلـها كانت مسرحيات نقلت، ببراعات متفاوتة، إلى الشاشة الكبيرة.
«جيرزي بويز» ليس منفردا في إخفاقه: «آني» لروبرت ألتمن (1975)، و«شبح الأوبرا» لجويل شوماكر (نسخة 2004)، و«هيرسبراي» لأدام شانكمان (2007)، و«تسعة» لروب مارشال الذي أريد له أن يلي «شيكاغو» نجاحا (2009)، كلها اقتباسات من «مسرحيات موسيقية»، كان من المفترض، نظريا وعلى الورق، أن تجسـد بعض ذلك النجاح المسرحي السابق، لكن الصوت الوحيد الذي سُـمع منها هو صوت ارتطامها بالأرض حين سقطت.
بعض هذه الأفلام، ومنها «شبح الأوبرا»، حقق نجاحا لا بأس به في الأسواق الدولية، كذلك فعل «سويني تود» الذي أنجزه تيم بيرتون عام 2007. إيراداته الكلية لم تكن كبيرة: 146 مليون دولار، وفي أميركا اكتفى بـ53 مليون دولار، مما يجعل إيراده العالمي لا يزيد على 93 مليون دولار. الفيلم تكلـف 50 مليون دولار وكان بحاجة إلى 125 مليون قبل أن يعد نفسه رابحا. الإيراد الكلي المسجل بالكاد أعاد إلى الجيوب بعض تكلفته.

* غائبون

* هناك ملاحظة واحدة تتراكم، إلى حد، في هذا الموضوع وقد تفسـر سبب نجاح «البؤساء» وإخفاق «جيرزي بويز» أو ما سواه، وهي أن عنصر الاهتمام هو الذي سيطر، بما فيه الكفاية، على المشاهدين: أولا: هي فرصة لمشاهدة قدرات هيو جاكمان وراسل كراو الصوتية (إذ قاما بالغناء فعلا)، وهو أمر لم يتح لفيلم إيستوود (رغم قيام أبطال الفيلم بالغناء). وثانيا: هناك حكاية خيالية، وليس سيرة ذاتية، تتولـى توريد الحكاية. من ثم، نستطيع القول إن المؤلـف فيكتور هوغو، الذي وُلد ورحل قبل ولادة الفيلم الأول (1802 - 1885)، هو الذي باع التذاكر أكثر ممن سواه.
لكن هذا ليس ضمانة. في هذه الأيام ،لا نرى أعمالا سينمائية لتنيسي ويليامز أو نيل سايمون أو جيمس ثوربر أو غور فيدال أو بول أسبورن أو نورتون فوت، أو هارولد بينتر؛ لا منفـذة عن أعمال جلاى إنتاجها للمسرح ولا باقتباس مباشر من المصدر. وذلك مرجعه هو أنها تتطلب عناصر معيـنة، من بينها أسماء معروف عنها صلابة وضعها في مثل هذه الأفلام. أسماء مثل أودري هيبورن أو كاثي بايتس أو ميريل ستريب أو ليزا مانيللي أو بابرا سترايسند. بعض هؤلاء رحل وبعضهم ما زال حيـا، لكن حتى مع الاستعانة بممثل يركن الجمهور إلى خبرته الغنائية، فإن فرص النجاح تبقى محدودة وأقل مستوى من الميزانية التي سيجري عبرها إنتاج الفيلم.
الأمر أصعب بالنسبة إلى الأعمال الموسيقية بالطبع. ليس فقط أنها عرضة لكي تكلـف أكثر، بل هي عرضة لأن تفشل أكثر كذلك، خصوصا في هذه الأيام إلا إذا ما سادتها تلك العوامل الخصوصية فعلا، كما حدث مع الفيلم المقتبس عن تراجيدية فيكتور هوغو.

* المسرحي الأكثر نجاحا

* عاش ويليام شكسبير حياة رغيدة لا بأس بمستواها المادي، لكنه لو كان حيـا اليوم لكان مليارديرا. أو لو أن قانون الحقوق ما زال يشمله لكان وارثوه يحلـقون في نعيم النجاح الاقتصادي: 1028 فيلما سينمائيا جرى تحقيقهم مباشرة عن أعماله («ماكبث»: «هاملت»: «روميو وجولييت» إلخ…) من عام 1878 وإلى اليوم، وهناك 20 جديدة في مراحل إنتاج مختلفة.



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز