أصرت ميزانية السعودية على المضي قدماً لاستمرار تطلعات مشروعات النهوض الاقتصادي السعودي المرتكزة على محور التحول وتعزيز التنمية بجميع أشكالها، إذ تستمر تقديرات الدولة لإنفاق تريليوني للعام المقبل 2020، حيث قدرت حجم إنفاق قوامه 1.020 تريليون ريال (272 مليار دولار)، في إطار تبحث من خلاله على تقوية اقتصادها الوطني عبر قناة تنفيـذ برامـج تحقيـق رؤيـة المملكـة 2030. وقال تقرير صدر عن وزارة المالية أمس إن المملكة تتبنى فـي هذا الإطـار سياسات اقتصادية ومالية تهدف من خلالها لرفــع معدلات النمــو الاقتصــادي واستدامتها، مــع التركيــز علــى نمــو الناتــج غيــر النفطي، مشيرة إلى أنهــا تواصــل العمــل لتحســين جــودة الخدمــات العامــة، وتعزيــز الإنفــاق الاجتماعــي، ورفــع كفــاءة وفاعليــة الإنفاق الحكومي بما يســهم فــي رفــع مســتوى معيشــة المواطنيــن وتعزيــز مكانــة الاقتصاد الوطنــي فــي الاقتصاد العالمــي، مــع الحــرص علــى المحافظــة علــى الاستدامة الماليـة والاستقرار المالـي.
وشدد التقرير على مواصلـة العمـل لتعزيـز دور القطـاع الخـاص فـي الاقتصاد وخلـق فـرص العمـل فـي ظـل الحـرص المسـتمر علـى التـوازن بيـن الأهداف تحـت مظلـة أهـداف رؤيــة المملكــة 2030، موضحة أن ميزانيـة عـام 2020 تأتي فـي ظـل تحديـات تواجـه الاقتصاد العالمـي والأسواق الدولية، حيــث تلقـي النزاعــات التجاريــة بظلالها علــى آفــاق الاقتصاد العالمي بالتأثيــر سـلباً علــى التجــارة الدوليــة وتدفــق الاستثمارات واستقرار الأسـواق العالميـة. وبحسب وزارة المالية، تفـرض تلــك التحديات اتباع سياســات تحوطيــة، وبــذل جهــود حثيثــة لتعزيــز الانضباط المالي، ومواصلة تنفيـذ الإصلاحات الاقتصاديـة لزيــادة صلابـة الاقتصـاد وقدرتــه علــى تحمـل الصدمــات الخارجيــة. إلى إطلالة أوسع على مؤشرات موازنة السعودية وتطلعاها في هذا الرصد:
- مؤشرات الموازنة
بلغ إجمالي الإيرادات للعام المالي الحالي 2019 ما قوامه 917 مليار ريال (244.5 مليار دولار)، مقسمة على إيرادات من الضرائب بما قوامه 203 مليارات ريال (54.1 مليار دولار) عبر مستحصلات ضريبية من الدخل، والمكاسب الرأسمالية، والسلع، والتجارة، والضرائب الأخرى، فيما بلغت الإيرادات الأخرى 714 مليار ريال (190 مليار دولار). في المقابل، بلغت قيمة المصروفات 1.048 تريليون ريال (277.8 مليار دولار) توزعت على نفقات تشغيلية بما قوامه 877 مليار ريال، ومصروفات غير مالية مقدارها 172 مليار ريال. وبلغ حجم العجز 131 مليار ريال لعام 2019، فيما وصل حجم الدين العام إلى 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار).
- مخصصات قطاعية
وبحسب الموازنة المعلنة، تم تقدير مصروفات بقيمة 1.020 مليار ريال (272 مليار دولار) لعام 2020، تمثل تراجعاً طفيفاً عن الموازنة السابقة بنسبة 2.6 في المائة، حيث تم تخصيص 28 مليار ريال للإدارة العامة بتراجع 2.5 في المائة عن العام الماضي، فيما القطاع العسكري سيشهد انخفاضاً في مخصصه بواقع 8.2 في المائة إلى 182 مليار ريال (48.5 مليار دولار)، بينما الجهاز الأمني والمناطق الإدارية ستحظى بمخصص قدره 102 مليار ريال، أما الخدمات البلدية فسجلت تراجعاً في مخصصها قوامه 9.1 في المائة إلى 54 مليار ريال.
في المقابل، استحوذ قطاع التعليم على أكبر مخصص في الموازنة بقيمة 193 مليار ريال (51.4 مليار دولار)، إذ حل ثالثاً بعد القطاع التعليمي والعسكري، قطاع الصحة والتنمية الاجتماعية الذي حظي بقيمة 167 ملياراً (44.5 مليار دولار) متراجعاً بنسبة 4 في المائة عن العام الموازنة السابقة، فيما بلغ مخصص المواد الاقتصادية 98 مليار ريال، والتجهيزات الأساسية والنقل 56 مليار ريال، أما البنود الأخرى فبلغ مخصصها 141 مليار ريال.
- السياسة المتفائلة
ورغم تقديرات تنامي الدين العام من 678 مليار ريال في 2019 إلى 754 مليار ريال (201 مليار دولار) في 2020 تمثل 26 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن لغة التفاؤل والثقة تسود موازنة الدولة، حيث قالت الوزارة في تقريرها أمس: «ما يبعث على التفاؤل ما تتميز به السياسـة المالية في المملكة مـن مرونـة تمكنهـا مـن الاستجابة للتحولات والتطـورات المحليـة والعالميـة، حيـث تتـم مراجعــة الأولويــات وتحديثهــا بشــكل مســتمر، وتعديــل المســار كلمــا دعــت الحاجــة إلــى ذلـك». وكان بيان الموازنة الصادر أمس عن مجلس الوزراء السعودي، تضمن إظهار الناتـج المحلـي الإجمالـي الحقيقـي لمعدلات نمـو إيجابيـة بنحـو 1.1 في المائة خلال النصـف الأول مـن عـام 2019 مدعومـة بنمـو الناتـج غيـر النفطـي بنحـو 2.5 في المائة، كمــا ســجل القطــاع الخــاص فــي الناتــج المحلــي غيــر النفطــي خــلال الفتــرة نفســها نمــواً بمقـدار 2.9 في المائة، رغم تراجـع معـدلات نمـو الناتـج المحلـي النفطـي والمرتبطـة بسياسـات إنتـاج النفـط الخـام بنسـبة واحد في المائة.
وتشـير التقديـرات الأولية إلـى نمـو الناتـج المحلـي الإجمالـي بنحو 0.4 في المائة في عام 2019، مدعومـاً بنمـو الناتـج غيـر النفطـي، فيما تواصــل الحكومة العمــل علــى تحقيــق أهدافهــا الاســتراتيجية لتنويــع القاعــدة الاقتصادية وتعزيــز دور القطــاع الخــاص، حيــث يســتمر تنفيــذ المشــاريع الكبــرى، وبرامــج تحقيـق الرؤيـة، والتقـدم فـي برنامـج التخصيـص، وتحفيـز القطـاع الخـاص للاستثمار فـي القطاعـات الواعـدة مثـل الصناعـة والتعديـن والقطـاع المالـي والخدمـات الماليـة وقطـاع التقنيــة والاتصالات والســياحة والترفيــه والرياضــة.
وفي ضـوء هـذه التطـورات، تمـت مراجعـة تقديـرات المـدى المتوسـط لمعدلات نمـو الناتـج المحلـي الإجمالي الحقيقـي، حيـث تشـير التقديـرات الأوليـة إلـى نمـو الناتـج المحلـي الإجمالــي الحقيقــي بنحو 2.3 فــي 2020، بينما مــن المتوقــع استمرار النمــو السـنوي بالوتيـرة نفسـها علـى المـدى المتوسـط، مـع إتاحـة فرص إضافية جديـدة واعدة للاستثمار والتطويـر تسـهم فـي تحقيـق مسـتقبل أفضـل للأجيال الحاليـة والقادمـة.
- أهداف الموازنة
وكانت موازنة عام 2020 رسمت سياسة تنفيـذ سياسـة الإنفـاق الرئيسـية خاصـة فـي برامـج الحمايـة الاجتماعيـة وتنميـة القطـاع الخـاص وتمكينـه، مـع مراجعـة أولويـات الإنفـاق بمـا يتسـق مـع تحسـن الأداء الاقتصـادي غيـر النفطـي، مؤكدة في الوقت ذاته على أن معدل التخفيض للعجز سيستمر العمل عليه تدريجياً ليصــل إلــى مســتويات تحقــق الاستقرار والاستدامة الماليــة فــي المــدى المتوســط.
وتهــدف ميزانيــة العــام القــادم 2020 علــى المــدى المتوســط إلــى التركيــز علــى أولويــات الإنفــاق بمــا يضمــن استمرار تقديــم الخدمــات الرئيسيــة وتطويرهــا وتمكيــن القطـاع الخـاص، ومواصلـة تنفيـذ المشـاريع الكبـرى وبرامـج تحقيـق الرؤيـة ومشـاريعها، وبرامــج شــبكة الحمايــة الاجتماعيــة، مــع المراجعــة المســتمرة للجــداول الزمنيــة لهــذه المشــاريع والبرامــج لزيــادة فاعليتهــا وتحقيقهــا أهدافهــا الاجتماعيــة والاقتصاديــة، واستمرار العمـل علـى تنفيـذ إصلاحـات الإدارة الماليـة العامـة لرفـع كفـاءة الإنفاق لضمـان تحقيــق أعلــى العوائــد الاقتصادية والاجتماعيــة.
- استمرار الإصلاح
ويشــهد اقتصــاد المملكــة منــذ عــام 2016 تنفيــذ حزمــة شــاملة مــن الإصلاحات الماليـة والاقتصاديـة والهيكليـة غيـر المسـبوقة، لتنويـع الاقتصـاد ورفـع معـدلات نمـوه، مــع الحــرص علــى الاستدامة الماليــة بوصفهــا ركيــزة رئيســة للنمــو الاقتصادي الشــامل والمســتدام.
وبرغم تأثيرات الإصلاحــات السلبية علــى بعــض جوانــب النشــاط الاقتصــادي، فإن ذلــك كان مؤقتــاً ومتوقعــاً فــي المــدى القصيــر، حيــث بدأ الاقتصاد بالتعافـي منـذ عـام 2018، إذ تحسـن بشـكل ملحـوظ خلال عـام 2019 خاصـة فـي أداء الناتـج المحلـي غيـر النفطـي رغم تزامـن ذلـك مـع تراجـع نمـو القطـاع النفطـي ارتباطـاً بـدور المملكـة القيـادي وسـعيها لتحقيـق الاستقرار فـي أسـواق النفـط العالميـة مـن خلال اتفاقيـة «أوبـك+».
وقـد سـاهمت السياسـات الحكوميـة إلـى حـدٍ كبير فـي تخطي الاقتصاد للآثـار الجانبية لبعـض الإصلاحـات بتبنـي إجـراءات محفـزة للنشـاط الاقتصادي مـن خلال مسـاندة الأسر والقطـاع الخـاص، حيـث صاحـب ذلـك عـدد مـن الإجـراءات الإضافيـة الأخـرى الراميـة لدعـم النمـو المسـتدام علـى المدييـن المتوسـط والطويـل، مـن خلال البـدء فـي تنفيـذ المشـاريع الكبــرى وبرامــج تحقيــق الرؤيــة وتعزيــز دور القطــاع الخــاص. ومــن المتوقــع أن يســهم ذلـك وبشـكل تدريجـي فـي دعـم الاتجـاه المتصاعـد للنمـو الاقتصـادي بالمملكـة خلال السـنوات المقبلة، حيث شهد عـام 2019 نمـواً ملحوظـاً فـي قطاعـات الاقتصـاد المختلفـة، إذ ســجل الناتــج المحلــي الإجمالــي للقطــاع الخــاص غيــر النفطــي خلال النصــف الأول مـن العـام نمـواً بنحـو 2.9 في المائة، رغم تراجـع معـدلات نمـو الناتـج المحلـي النفطـي بنسـبة واحد في المائة، للفتـرة ذاتها، نتيجـة السياسـات المرتبطـة بإنتـاج النفـط.